صفحة 11 من 16 الأولىالأولى ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 الأخيرةالأخيرة
النتائج 101 إلى 110 من 152

الموضوع: 乂 تأملات قـرآنيــــة 乂

  1. #101
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    تأملات في قصة موسى ودك الجبل



    منظر لجبل موسى

    لفت انتباهي و أنا أقرأ قصة سيدنا موسى عليه السلام في سورة الأعراف وجود مشهدين متعاكسين لعمليتين وقعتا لجبلين يقعان في منطقتين متباعدتين و بفاصل زمني بينهما قد يصل إلى 50 عاما. كلا الحادثين وقع تحت سمع وبصر سيدنا موسى عليه السلام.

    1 ــ المشهد الأول: عملية الدك والإزالة.

    يقول الله تعالى:

    {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143

    هذه قصة حقيقية أوردها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم، تتحدث عن خسف أو نسف أو دك لجبل عظيم بحضور البشر، وقد صاحب هذا الحادث هلع وصوت عظيم صعق موسى بسببه وانهار وسقط على الأرض فاقدا وعيه.

    رأى موسى هذا المشهد الرهيب بدل أن يرى ذات الله عز وجل فلم يتحمله, رغم أن الله عز وجل أظهر للجبل مقدار بسيط جدا من قدرته فاندك هذا المخلوق الكبير المتين وزال من على سطح الأرض في لمح البصر كأن لم يكن من قبل شيئا، فأراد الله تعالى من موسى والبشر جميعا أن يفهموا وأن يدركوا بأن قدرتهم جد محدودة، وعليهم أن يصرفوا تفكيرهم إلى ما يعرفهم أكثر بربهم ويبصرهم بحقيقة وجودهم في الأرض


    موقع جبل موسى في شبه جزيرة سيناء

    .
    إذا بامكان البشر أن ينظروا إلى ما حدث لذلك الجبل ويتصوروه بأذهانهم ويدرسوه بإمكانياتهم، فالقرآن يتحدث عن زوال جبل من على سطح الأرض بشكل مفاجئ وغير طبيعي، مع بقاء أثر الدك {جعله دكا} دون أن يشير إلى أن الله تبارك وتعالى قد أرجع الجبل كما كان من قبل. ويطيب لي القول أن الله تبارك وتعالى أكبر وأعز وأجل من أن يتحدث عن أمر مادي وعمل فيزيائي يمكن التحقق من وقوعه دون أن يترك هناك الدليل المادي القاطع اليقيني على صدق كلامه سبحانه وهو عليه أهون.

    أظن وأتصور أن اتجاه قوة الدك الرهيبة كانت من أعلى إلى أسفل وقد أحدثت أنواعا مختلفة من التغيير في لمح البصر للمنطقة المقصودة والتي لا تزال موجودة في مكانها حتما:

    ا ــ التغيير المورفولوجي: تغيير واضح لظاهر سطح المنطقة وتضاريسها، فقد كان هناك جبل عال وزال متحولا إلى سهل أو فج عميق.

    ب ــ التغيير الجيولوجي الستراتغرافي: قوة الدك ضغطت مكونات الجبل وما تحتها من طبقات القشرة الأرضية مغيرة مكوناتها وسماكتها ونظام ترتيبها الجيولوجي.

    ج ــ التغيير المعدني: الضغط الشديد لقوة الدك وسرعته الكبيرة يغير ترتيب معادن الصخور في الجبل المندك وفي جميع الطبقات التي في أسفله والتي هي على جوانبه.



    منظر لجبل موسى في شبه جزيرة سيناء ـ مصر


    2 ــ المشهد الثاني: عملية الخلع والرفع

    قال الله تعالى:

    {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَْْْ} الأعراف171

    يتحدث الحق تبارك وتعالى عن رفع جبل الطور فوق مجموعة من الناس كأنه سحابة، وواضح تماما أن هؤلاء الناس شاهدوا بأعينهم عملية خلع الجبل من مكانه ثم رفعه إلى أعلى، وبقائه في الهواء فوق رؤوسهم معلقا كالسحابة مدة الله أعلم بها، حيث أراد الله أن يهددهم بالسحق بواسطة الصخور الضخمة التي يتكون منها الجبل، وقد حدد الله تعالى إسم الجبل الذي رفع وهو الطور، وهو جبل لا يزال قائم ومعروف جيدا، مما يعني أن الله تعالى أرجع الجبل إلى مكانه أو مكان آخر بعد توبة القوم وتضرعهم، والقرآن لم يتحدث عن عملية إنزال الجبل ولا المكان الذي وضع فيه، لكن الأمر اليقيني هو: أن الجبل قد تعرض لعملية تحريك هائلة تتضمن ثلاث مراحل متتالية وسريعة يمكن تصويرها كالتالي:

    1ــ إقتلاع الجبل بأكمله من مكانه، فلفظة نتقنا تعني في اللغة الإقتلاع من الأصل،والمقصود هو إجتثاث الجبل بجذره الممتد في باطن الأرض آلاف الأمتار ضعفي ارتفاعه فوق سطح الأرض, مع ما يصاحب ذلك من حركة كالزلزال العنيف تضرب المنطقة المحيطة بجبل الطور, وصدور أصوات الإنفجارات الضخمة الناتجة من احتكاك الصخور ببعضها وارتطامها وتطايرها, وضغط الهواء, والتشوهات الطبقية و التكتونية المصاحبة لعملية الخلع.

    2 ــ رفع الجبل عموديا إلى أعلى حتى قارب في ارتفاعه السحاب {كأنه ظلة} مع ضخامته ووزنه الذي يفوق حتما ملايين الأطنان، حيث أنه حجب عين الشمس عن الناس المحاصرين في مكانهم بالرعب وهول الحدث ورجفة الأرض من تحت الأقدام.

    3 ــ تحريك الجبل أفقيا في الهواء حتى صار فوق رؤوس الناس ثم إنزاله إلى الأرض. ويبدو لي من قوله تعالى { وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } أن الجبل لم يكن ثابتا في السماء بل كان يتحرك هبوطا وصعودا دون أن يلامس رؤوس الناس، حيث ظنوا في كل مرة يرونه نازلا أنه واقع بهم حتما، فلو كان ثابتا لتشكل لديهم شيء من الإطمئنان، خاصة وأن هؤلاء النفر كانوا من قوم قلوبهم أشد قسوة من الحجارة، وأقرب الظن أن أفئدة أولائك الناس كانت تنخلع من مكانها هلعا ورعبا كلما رأوه يهوي نحوهم فيفقدون وعيهم، وكلما أفاقوا وجدوه يكاد يقع عليهم.

    في هذا المشهد كان إتجاه قوة الفعل من أسفل إلى أعلى عكس الحالة الأولى.

    خلاصات:

    من المشهدين السابقين تتجلى بين أيدينا حقائق خطيرة ومهمة ترسخ اليقين في القلوب وتبدد الأوهام من الأذهان، وتدفع العقول إلى التأمل العميق والبحث العلمي المنهجي الدقيق:

    1 ــ أن قدرة الله مطلقة لا حدود لها و أن كل ما في الأرض ملك له يفعل به ما يشاء يبقي عليه أو يدمره ولو كانت الجبال ذاتها.

    2 ــ في كلا المشهدين استعمل القوي القدير أعظم ما تراه عين الإنسان على سطح الأرض وهي الجبال لإظهار أبسط قدر من قوته وسيطرته وبطشه وجبروته، وليثبت في وعي الناس أن كل ما يرونه أمامهم حتى ولو كان ثابتا جامدا قد يستعمل في إهلاكهم إذا استحقوا الهلاك { ما يعلم جنود ربك إلا هو}

    3 ــ شهد الواقعتين كلتيهما موسى عليه السلام، فهو النبي الأسمى عند اليهود ومحترم عند النصارى و معظم لدى المسلمين، ليحذر الناس كلهم من مشهد يوم عظيم تشترك فيه ظواهر المشهدين جميعها:

    ــ فهو يوم الدك الأكبر الذي سيضرب أرجاء الأرض جميعها في لحظة واحدة وبشكل مستمر ومتتال دون توقف {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا } سورة الفجر.

    ــ وهو يوم تزلزل فيه الأرض زلزالا عظيما إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا{1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا{2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا{3}

    ــ وهو يوم تحرك فيه مكونات الأرض السطحية منها والباطنية وتمزج ببعضها (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ{1} لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ{2} خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ{3} إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً{4} وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً{5} فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً{6})

    4 ــ بين الله عز وجل عمليا وبشكل متنوع أنه قادر على فعل أعظم شيء يتخيله الإنسان وما لا يستطيع تخيله، فلقد نسف الجبل ودكه حتى عاد قاعا صفصفا، واقتلع جبلا آخر ورمى به في السماء وشده معلقا تحت السحاب ثم أنزله إلى الأرض، وعبر عن كل ذلك بكلمات قليلة جدا ليبين لنا منتهى السهولة في فعل ذلك،

    5 ــ قد تكون هناك حكمة مخفية وراء إزالة الجبل من على سطح الأرض ودكه في طبقاتها بعد أن خلق كل شئ بقدر غير إظهار قدره سبحانه وجلاله فهو غني عنا وعن جميع ما خلق, فنحن نتلمس رحمة الله ولطفه وبركاته في كل فعل قدره على هذه الأرض, فقد ضربت الأرض بالنيازك لمدة طويلة وكان من نتيجة ذلك أن إكتسبت الأرض عنصر الحديد الذي يستحيل تشكله في كوكبنا مصداقا لقوله تعالى { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس } وقد تخامرني افتراضات كثيرة في ذلك منها:

    ــ كأن يحدث توازنا واستقرارا في حركة الألواح التكتونية الحاملة للقارات والمحيطات، فبعض الجبال تمتد جذورها بعيدا تحت الصفائح التكتونية.

    ــ أو غير مجرى المياه الجوفية في المنطقة بما يناسب الحياة بعدها.

    ــ أو جعله كسدادة تمنع خروج الصهارة الأرضية في منطقة غير مناسبة.

    ــ أو قد يكون ذلك الجبل محتويا من الكنوز ما لم يشأ الله تعالى أن يطلع عليها البشر لمدة من الزمان.

    وإن الدراسة العلمية الميدانية لقادرة بإذن الله تعالى على الإجابة الشافية الصحيحة على هذه الإفتراضات.

    6 ــ احتفظ الله تعالى بجبل الطور في منطقته[ التي تقع بين خطي عرض 30 و40 شمالا وخطي طول30 و40 شرقا ]فلم يدمره كسابقه، ومنحه سورة في القرآن تؤكد أهميته، وليبقى شاهدا على حدث تاريخي خطير يذكر الناس بضرورة أن يقدروا الله تعالى حق قدره وألا يختلقوا الأكاذيب و الإفتراضات الحائرة لتفسير حقيقة هذه الحياة.

    7 ــ أورد الله تعالى هذه القصص في كتاب قال عنه { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }فصلت42, وتفسير ذلك في الجلالين:[أنه ليس قبله كتاب يكذبه ولا بعده ]وهنا مربط الفرس وبيت القصيد:

    أهيب بعلماء الجيولوجيا بفروعها في جمهورية مصر العربية خاصة والعالم الإسلامي عامة أن ينتدبوا فريقا منهم ليدرس ميدانيا جبل الطور بشكل دقيق وشامل، وأن يرسلوا بفريق آخر للبحث عن مكان الجبل الثاني المدمر، ثم يجروا مقارنة علمية بين الجبلين قد تكشف سر احتفاظ الله عز وجل بجبل الطور بينما دمر الآخر, والعلاقة البنيوية بينهما.

    إني على يقين كامل أن نتائج هذا البحث العلمي والدراسة الجيوفيزيائية المعمقة للجبلين وبالوسائل التقنية الحديثة، ستكون معجزة تدوي أصداؤها في جنبات العالم كله مدة من الزمان, وستنحني كبريات مراكز البحث والجامعات احتراما و تبجيلا أمام الحقائق القرآنية المادية, وستخشع قلوب صلدة أمام مقدار القوة المستعملة في تدمير الجبل أو التي اقتلعته ورفعته في السماء, وستطيش نظريات داروين ومن هم على شاكلته من الكذبة والأفاكين فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً.










  2. #102
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    جاء اسم الكريم في القرآن ثلاث مرات: مرتان منهما بمعني ( كريم) في قوله تعالى:" يا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" (الانفطار: 6)، " ...وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" (النمل:40)، والمرة الثالثة " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}" (العلق: 1-5)

    ما معنى الكرم؟ مفهوم الناس عن الكرم محدود ومختزل في مفهوم العطاء المادي، فعندما تصف الفتاة خطيبها بالكرم فهي تقصد أنه ليس بخيلا، لكن الكرم في اللغة العربية أكبر وأشمل في مفهومه من ذلك، فهو اسم جامع لكل ما يُحمد الله عليه.

    فكل الصفات الحميدة تقع تحت لواء الكريم، فقد سميت الأخلاق في الإسلام بمكارم الأخلاق.

    فكل صفة جامعة للخير والنفع المتعدد تسمى في اللغة: كرم، فعلى سبيل المثال: الشهامة كرم والشجاعة كرم، والعنب لما به من العديد من المنافع يسمى كَرْم، كذا القرآن سمي بالكريم لما به من خير، أي أنه اسم جامع لكل ما يُحمد الله عليه لكل الخير بمعنى أن اسم الكريم يشمل كل أسماء الله الحسنى، فمن كرمه أنه رزاق ووهاب يعطيك الهدايا دون طلب ففي الحديث النبوي: ( إن الله حييٌ كريم يستحي أن يرفع العبد يديه ثم يردهما صفرا خائبتين)، جاء إلى النبي أعرابي يسأله: من سيحاسب الخلق يوم القيامة؟ فقال النبي: الله. فقال الرجل: إن الكريم ذا قبل عفا، فهو كريم في عفوه.

    الفرق بين الأكرم والكريم:

    الله هو الأكرم والفرق بين الكريم والأكرم أنه ما من أحد مثله، كريم في ذاته وعطائه ( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس دونك شيء) فباسم الكريم تتذكر كل أسماء الله الحسنى.

    كما أن الكريم يبدأ بالإحسان إليك وهو لا يمن عليك بعد العطاء ولا يخيب أملك، فمن الممكن أن تلجأ لرجل كريم إلا إنه يعتذر عن مساعدتك ولكن الكريم لا يخيب رجاك ولا يُذلك، فقد سأل أحدهم سيدنا عليّ مسألة فأمر عليّ غلامه بإطفاء السراج وأعطى الرجل مسألته، ولما سأله الغلام عن سبب إطفاء السراج قال عليّ: حتى لا أرى على وجهه ذل السؤال. ما هذه الذوقيات؟! فلأن الله كريم فهو الذي قدم إليك ليلة القدر بينما لم تطلبها أنت منه. هل بدأ اسم الكريم يصل إلى قلبك؟ فالكريم إذا اعتُذر له يقبل فهذا من صفات الكريم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس أحد أحب إليه العذر من الله) فهو يقبل أعذارك حتى لو استسخفتها أنت. فهو كريم في جلاله، هل اشتقت إلى حبه ؟ كل ما ذكرته للآن هو المعنى العام.

    2. المعنى الخاص:

    لمن هذا الكرم الخاص؟

    لك أنت، فأنت أغلى مخلوق، قال تعالى: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..." (الاسراء:70)، فقد كرمك بأن سوَّاك، وقال: " يا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" (الانفطار:6)

    فعدل جسدك وجعله غير منحني كبقية المخلوقات لذلك فنحن نقول ( ربنا ولك الحمد) عند الرفع من الركوع، فلولا أن الله عدل لك ظهرك، لكنت تشرب اللبن والماء كالقطة فتكوين مفاصلك وتكوين يديك يسمح لك بالاعتدال وأن تمسك بكوب الماء بيديك فقد خُلقت على أحسن صورة. لذلك جعلك آخر المخلوقات فقد خلق القلم أولا ثم باقي المخلوقات، وعندما أُعدت الأرض لاستقبالك خلقك لتخلفه فيها وتصلح فأنت غالٍ عند الله، فلا تُهن نفسك فقد قال تعالى على لسان الملائكة: "... أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 30)



    فقال تعالى: "... إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " فالعبرة ليست بالكَمّ - كم المؤمنين- ولكن بالكيف. فالأنبياء ومن يريدون التقرب إلى الله والشباب الذي يريد الإصلاح مهما كانوا قلة ففيهم الخير فهم أغلى وأكرم البرية "... أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" (البينة: 7)

    ومن دلائل غلوك على الله أنه أسجد لك ملائكته، وطرد إبليس من الجنة لرفضه السجود لك، فقد كرمك بأن نفخ فيك من روحه، وسواك، وأسجد لك الملائكة.

    عندما أقسم الله بأطهر ثلاث أماكن في الأرض " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ{1} وَطُورِ سِينِينَ{2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ{3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{4} ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ{5}(التين:1- 5) " ما معنى هذا الدعاء؟ وما علاقة التين والزيتون بجبل الطور الذي نزل عليه الوحي على سيدنا موسى وعلاقة ذلك بمكة؟! فالتين والزيتون ليس المقصود بهما الطعام ولكنهما رمز لمكان. فقد أقسم بفلسطين والطور ومكة فهو يقسم بأطهر ثلاثة أماكن على وجه الأرض بأنه خلقنا في أحسن خلقة - كرمك بخلقك في هيئة جميلة- ولكن عندما أهنت نفسك "...ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ " سورة التين.

    كما كرمك الله بأ خلقك من ماء وتراب، لماذا لأنهما أطهر عنصري الكون، والمعنى أنك أنقى وأطهر مخلوق يا بني آدم فلا تُنجس نظافتك بالمعاصي ونفاق رؤسائك. لا تُهن نفسك. ذلك هو المعنى الخاص للكريم.

    فأنت خلاصة الخلق، فالله قد اختصر الكون فيك كما اختصر القرآن في الفاتحة. هذه الحلقة مهما لما بعد رمضان، فمن المعاني الخاصة بالكريم – أيضا- أنه خلق فيك – كما يقول علماء النفس- ثلاث غرائز :

    الطعام والشراب- الجنس – تقدير الذات

    فغريزة ( تقدير الذات) جعلها الله سياجا لك يحميك به من شهوتي الطعام والجنس حتى تحتفظ باحترامك لذاتك " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " ولما أهان نفسه " ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ".

    لأننا خلفاء الله في الأرض، لابد أن نكون مترفعين عن الصغائر والشهوات. هل وصل المعنى؟ هل تحب الكريم الذي غرز فيك تقدير الذات؟

    أقول لك ذلك لأنك عندما تقع في الخطأ تسقط نفسك من عينيك، لذلك سُميت الكبائر كذلك – في بعض الأقوال- لأنها أكثر الأشياء فيها إهانة لنفسك، فمثلا عندما كنت في أوروبا كان كل الناس في أيام السبت سكارى فترى من يتقيأ في الشارع، أو من يتبول في الطريق دون أن يشعر، فهذا الوضع مهين، من هنا تشعر أن الكريم قد كرمك بألا تفعل هذه الكبيرة حتى لا تهين نفسك.

    فبالله عليكم، أقسمت عليكم أن من يعيش على إهانة يوقفها فورا، فلا تقبل إهانة نفسك لأنك محترم يا عبد الكريم، هذا هو هدف الحلقة لا تُهن نفسك بمعصية أو نفاق حتى لو لم يعلم أحد بمعصيتك فكفى بك عليك شهيدا، فتسقط من نظر نفسك، فتقع أسير التشكك في أي نظرة من الآخرين خوفا من الفضيحة فيصدق عليك قوله تعالى واصفا المنافقين: "... يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَة عليهمٍ..." (المنافقون:4)...لا تُهن نفسك.

    هل نتواعد على هذا المعنى؟ فحلقة اليوم لا تخاطب العاطفة، ولكنها ترجوك أن ( تحترم ذاتك).

    ولقد جعل الله لك التوبة ليكرمك بها، وجعل لك اسمه الغفور ليحافظ لك على سياج تقدير الذات يا عبد الكريم.

    وإذا وجدك لا تأبه فضَحَكَ فضحا يسيرا، وكلٌّ منا يخشى الفضيحة ، ولأقُرّب المعنى لكم نضرب مثالا بالدواء ، فالطبيب يصف من الدواء مئة جرام فإن لم يستجب الجسم يزيد خمسمائة إلخ، وهكذا يفعل الكريم فإن لم تأبه بالفضيحة اليسيرة ولم ترجع زاد عليك نسبة أخرى لعلك تعود إليه وترجع عن إهانة ذاتك.

    أريدك أن تنتبه إلى أن الإهانة هي معركتك مع الشيطان الذي قال لله عز وجل: "... أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" (صّ: 76)، " قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً..." (الأعراف:18) .

    فالشيطان يريد أن يثبت أنه خير منك، فقال: " ...لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً" (الاسراء:62)

    وأحتنكن جاءت من الحنك أي أن الشيطان سيلجمك ويسوقك كالبهائم ، وبالتالي ستهان أمام نفسك، فقد كرمك الله بإخلافك إياه في الأرض والإصلاح فيها وأنت لا تُصلح ولكن تهين نفسك أيضا!

    فأنت عندما تعصي بمجرد إشارة من الشيطان لتفعل، فيقول تعالى: " وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" (سـبأ:20) أترضى ذلك لنفسك؟ فعندما تنظر لشيء محرّم تذكر اسم الله الكريم.

    أريد أن أنبهك بألا تهين نفسك ولا تهين غيرك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من عيَّرَ أخاه بذنبٍ لم يمت حتى يفعل) استروا الناس حتى لا يفقدوا كرامتهم أمام أنفسهم وأمامكم، فمن يُهين نفسه له عذاب مهين، فقد حكى عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ( يحشرون في أمثال الذر – أي النمل- يدوسهم الناس بأقدامهم يوم القيامة) فهو أهان نفسه في الدنيا فأهانه الله يوم القيامة.

    فكل أسماء الله الحسنى من كرمه. لا تُهن نفسك – خاصة بعد رمضان- تُرى هل سيصدق عليك قول إبليس أم خلعت اللجام؟

    الواجب العملي إذاً: لا تُهن نفسك، أكرِم الناس بالعطاء والكرم.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  3. #103
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78




    ( وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَـا




    الَّـذِيـــنَ فُضِّلُواْ بِـرَآدِّي رِزْقِهـِمْ عَــلَى مَا مَلَكَــتْ




    أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ )




    النحل71





    وهذا من أدلة توحيده وقبـح الشرك بـه ، يقــول




    تعــالى : كــما أنكم مشتركون بأنـكــم مخلوقون




    مرزوقون إلا أنـــه تعــالى ( فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَـلَى




    بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ ) فجعل منكم أحرارا لهم مــال




    وثروة ، ومنـكـم أرقاء لهم لا يملكون شيئا من




    الدنيا ، فكـمـا أن سادتهم الــذيــن فضلـهــم الله




    عليهـــم بالرزق ليســوا ( بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَـــلَى




    مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيـهِ سَوَاء ) ويرون هـذا




    مـن الأمور الممتنعة ، فكذلك من أشركتم بهـا




    مع الله ، فإنها عبيد ليس لها من الملك مثقال




    ذرة، فكيف تجعلونها شركاء لله تعالى ؟!





    هل هذا إلا من أعظم الظلم والجحود لنعم الله؟!!




    ولهذا قال ( أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ) فلـو أقــروا




    بالنعمة ونسبوها إلى من أولاها ، لما أشركوا




    به أحدا .




    " تيسيــرالكريم الرحمن في تفسير كلام المنان "



    للشيخ : عبدالرحمن السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  4. #104
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78



    يقول الله تعالى: عَبَسَ وَتَولَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى
    (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9)
    فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
    بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس: 1- 16].

    بين يدي السورة

    سورةٌ مكية، تعالج في بدايتها حادثًا معينًا من حوادث السيرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم
    مشغولاً بأمر جماعةٍ من كُبَراء قريش يدعوهم إلى الإسلام، حينما جاءه ابنُ أم مكتوم، الرجلُ الأعمى الفقير، وهو لا يعلم أنه مشغولٌ بأمر القوم، يطلبُ منه أن
    يعلِّمَه مما علمه الله، فَكَرِه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، وعبس وجهه وأعرض عنه، فنزل
    القرآنُ بصدر هذه السورة يعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم .
    ثم تعالج جحود الإنسان وكفره الفاحش لربه، وهو يذكره بمصدر وجوده، وأصل نشأته،
    وتيسير حياته، وتولي ربه له في موته ونشره، ثم تقصيره بعد ذلك في أمره، كذلك تعالج توجيه القلب البشريّ إلى أمسّ الأشياء به وهو طعامه وطعام حيوانه، وما
    وراء ذلك الطعام من تدبير الله وتقديره له، كتدبيره وتقديره في نشأته.
    فأما في نهايتها فتتولى عرض «الصاخة» يوم تجيء بهولها، الذي يتجلّى في لفظها، كما تتجلى آثارها في القلب البشري الذي يذهل عمّا عداها، وفي الوجوه التي تتحدث
    عما دهاها.

    تفسير الآيات

    قوله تعالى: عَبَسَ وَتَولَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى قال العلماء: في ذكر الكلام بأسلوب الغيبة دون الخطاب ملاطفةٌ من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، إذ لو
    خاطبه لكان الخطابُ شديدًا على نفسه صلى الله عليه وسلم ، فعدل الله تعالى عن الخطاب إلى الغيبة
    رفقًا بنبيه صلى الله عليه وسلم في العتاب.
    وقوله تعالى: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أي: ما يُدريك لعلّ هذا الأعمى الذي جاءك يسعى، لعله
    يتزكّى بما جاء يطلبُه من علم الله الذي عندك، أو ينتفع بما تذكره به من الهدى ودين الحق الذي أرسلك الله به.
    ثم تشتد لهجة العتاب، وينتقلُ إلى التعجيب من ذلك الفعل محل العتاب: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى عن ربه بماله، واستغنى عنك وعما بعثك الله به من الهدى ودين
    الحق، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى تتعرض له، وتجتهد على هدايته، وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى أي: ليس عليك من حسابه شيءٌ إنه كذّب وتولى، فَلِمَ هذا
    الحرصُ على هدايته وقد استغنى؟! وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى يلتمس ما عندك من العلم وَهُوَ يَخْشَى اللهَ ويخافُه، ويحذرُ عقابَه، فَأَنْتَ عَنْهُ
    تَلَهَّى بمن عندك من المشركين، وتُعْرِضُ عنه فلا تُقْبِل عليه، «كلاّ» هذا لا يجوز، ولا ينبغي أن يكون، إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ، فلا تَعُدْ لمثلها أبدًا،
    ولا تُعْرِضْ عمن أقبل عليك، ولا تتصدّى لمن تولى عنك، وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ
    رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 39]،
    وقوله تعالى: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ أي: فمن شاء ذكر الله في جميع أموره، أو ذكر هذا الوحي فاتبعه، وقوله تعالى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ
    مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ يعني أنّ هذه التذكرة أو هذا التنزيل محفوظٌ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ أي: معظمة موقرةٍ،
    مَرْفُوعَةٍ أي: عالية القدر، مُطَهَّرَةٍ من الدنس والزيادة والنقص، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ يعني: ملائكة الوحي، الذين هم سفرةٌ بين الله ورسله،
    وأخصهم جبريلُ عليه السلام، وكلهم كِرَامٍ بَرَرَةٍ أي: خَلْقُهم كريم، حَسَنٌ شريفٌ، وأخلاقهم وأفعالُهم بارةٌ طاهرة، وهذه الآيات كقوله تعالى:
    فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ
    مَكْنُونٍ (78) لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الواقعة: 75- 80].
    قال العلماء: في مجيء الأعمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم إشارةٌ إلى حقيقةٍ أنّ العَمَى عمى
    القلب، الذي ذكره الله تعالى في قوله: فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46]، فهذا الأعمى
    لم يمنعه عمى عَيْنَيْهِ من السعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طمعًا في تعلّم الهدى ودين
    الحق الذي بعثه الله به، بينما قعد كثيرٌ من ذوي الأبصار، الذين عَمِيت بصائرُهم عن الحق، وصُمت آذانُهم عن آياته.
    قالوا: وفي عتاب الله لنبيه على ما كان منه من إعراضٍ عن الأعمى تعليمٌ للدعاة أنه لا يجوزُ لهم أن يهتموا ببعض الناس دون بعض، لغنى، أو جاهٍ، أو رياسةٍ، أو
    سلطانٍ، بل يجبُ عليهم أن يسوّوا بين جميع الناس، وأن يُقبلوا على من أقبل عليهم، ويُعرضوا عمن أعرض عنهم، فإن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وكم من فقيرٍ
    خيرٌ من ملء الأرض من الأغنياء الذين كذّبوا بالكتاب، وبما أرسل الله به رسله.
    وقال العلماء في وصفِ الله السفرة - حملةَ الوحي - بأنهم كِرَامٍ بَرَرَةٍ إشارةٌ إلى أنه ينبغي لحامل القرآن من الناس أن يكونَ بارًا كريمًا، وأن يسلُكَ
    سبيلَ الرشاد، ويجتنب سبيل الغيّ والضلال، وأن يتخلّق بالأخلاق الحسنة، ويجتنب الأخلاق السيئة. وقال ابن مسعود- رضي الله عنه-: ينبغي لحامل القرآن أن
    يُعْرِفَ بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مُفطرون، وبِحُزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس
    يختالون.
    فاللهم اجعلنا من الحاملين لكتابك، العاملين به، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  5. #105
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (32)

    < 8-322 >

    يقول تعالى ذاما لمن أنكر البعث والنشور من بني آدم: (قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ) قال الضحاك، عن ابن عباس: (قُتِلَ الإنْسَانُ ) لعن الإنسان. وكذا قال أبو مالك. وهذا لجنس الإنسان المكذب؛ لكثرة تكذيبه بلا مستند، بل بمجرد الاستبعاد وعدم العلم.

    قال ابن جرير (مَا أَكْفَرَهُ ) ما أشد كفره! وقال ابن جرير: ويحتمل أن يكون المراد: أي شيء جعله كافرا؟ أي: ما حمله على التكذيب بالمعاد .

    وقال قتادة-وقد حكاه البغوي عن مقاتل وال***ي-: (مَا أَكْفَرَهُ ) ما ألعنه.

    ثم بين تعالى له كيف خلقه من الشيء الحقير، وأنه قادر على إعادته كما بدأه، فقال: (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) أي: قدر أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) قال العوفي، عن ابن عباس: ثم يسر عليه خروجه من بطن أمه. وكذا قال عكرمة، والضحاك، وأبو صالح، وقتادة، والسدي، واختاره ابن جرير .

    وقال مجاهد: هذه كقوله: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: 3] أي: بينا له ووضحناه وسهلنا عليه عمله وهكذا قال الحسن، وابن زيد. وهذا هو الأرجح والله أعلم .

    وقوله: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) أي: إنه بعد خلقه له (أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) أي: جعله ذا قبر. والعرب تقول: "قبرت الرجل": إذا ولى ذلك منه، وأقبره الله. وعضبت قرن الثور،

    وأعضبه الله، وبترت ذنب البعير وأبتره الله. وطردت عني فلانا، وأطرده الله، أي: جعله طريدا قال الأعشى:

    لَــو أسْــنَدَتْ مَيتًـا إلـى نَحْرهـا

    عَــاش, وَلــم يُنقَـل إلـى قَـابِر



    < 8-323 >

    وقوله: (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ) أي: بعثه بعد موته، ومنه يقال: البعث والنشور ، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ [الروم: 20] ، وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا [البقرة: 259].

    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أصبغُ بنُ الفَرج، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث: أن دراجا أبا السمح أخبره، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأكل الترابُ كلَّ شيء من الإنسان إلا عَجْبُ ذَنَبه قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: "مثل حبة خردل منه ينشئون" .

    وهذا الحديث ثابت في الصحيح من رواية الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بدون هذه الزيادة، ولفظه: "كل ابن آدم يَبْلى إلا عَجْبُ الذَّنَب، منه خلق وفيه يُركَّب" .

    وقوله: (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) قال ابن جرير: يقول: كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر؛ من أنه قد أدى حق الله عليه في نفسه وماله، (لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) يقول: لم يُؤد ما فُرض عليه من الفرائض لربه عز وجل.

    ثم روى-هو وابن أبي حاتم-من طريق ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد قوله: (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) قال: لا يقضي أحد أبدا كل ما افتُرض عليه. وحكاه البغوي، عن الحسن البصري، بنحو من هذا. ولم أجد للمتقدمين فيه كَلامًا سوى هذا. والذي يقع لي في معنى ذلك-والله أعلم-أن المعنى: (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ) أي: بعثه، (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) [أي] لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة، ويفرغ القدر من بني آدم ممن كتب تعالى له أن سيُوجَدُ منهم، ويخرج إلى الدنيا، وقد أمر به تعالى كونا وقدرا، فإذا تناهى ذلك عند الله أنشر الله الخلائق وأعادهم كما بدأهم.

    وقد روى ابنُ أبي حاتم، عن وهب بن مُنَبّه قال : قال عُزَير، عليه السلام: قال الملك الذي جاءني: فإن القبور هي بطنُ الأرض، وإن الأرض هي أم الخلق، فإذا خلق الله ما أراد أن يخلق وتمت هذه القبورُ التي مَدّ الله لها، انقطعت الدنيا ومات من عليها، ولفظت الأرض ما في جوفها، وأخرجت القبورُ ما فيها، وهذا شبيه بما قلنا من معنى الآية، والله -سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

    وقال: (فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ) فيه امتنان، وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعدما كانت عَظَاما بالية وترابا متمزقا، (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ) أي: أنـزلناه من السماء على الأرض، (ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا ) أي: أسكناه فيها فدخل في تُخُومها وتَخَلَّل في < 8-324 > أجزاء الحب المودعَ فيها فنبت وارتفع وظهر على وجه الأرض، (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا ) فالحب: كل ما يذكر من الحبوب، والعنب معروف والقضب هو: الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة. ويقال لها: القَتّ أيضا قال ذلك ابن عباس، وقتادة، والضحاك. والسدي.

    وقال الحسن البصري: القضب العلف .

    (وَزَيْتُونًا ) وهو معروف، وهو أدْمٌ وعصيره أدم، ويستصبح به، ويدهن به. (وَنَخْلا ) يؤكل بلحا بسرا، ورطبا، وتمرا، ونيئا، ومطبوخا، ويعتصر منه رُبٌّ وخل. (وَحَدَائِقَ غُلْبًا ) أي: بساتين. قال الحسن، وقتادة: (َ غُلْبًا ) نخل غلاظ كرام. وقال ابن عباس، ومجاهد: "الحدائق": كل ما التف واجتمع. وقال ابن عباس أيضا: (غُلْبًا ) الشجر الذي يستظل به. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وَحَدَائِقَ غُلْبًا ) أي: طوال. وقال عكرمة: (غُلْبًا ) أي: غلاظ الأوساط. وفي رواية: غلاظ الرقاب ، ألم تر إلى الرجل إذا كان غليظ الرقبة قيل: والله إنه لأغلب. رواه ابن أبي حاتم، وأنشد ابن جرير للفرزدق :

    عَــوَى فَأثــارَ أغلــبَ ضَيْغَمِيًـا

    فَــويلَ ابـن المَراغَـة مـا اسـتَثَارا



    وقوله: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) أما الفاكهة فهو ما يتفكه به من الثمار. قال ابن عباس: الفاكهة: كل ما أكل رطبا. والأبّ ما أنبتت الأرض، مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس-وفي رواية عنه: هو الحشيش للبهائم. وقال مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو مالك: الأب: الكلأ . وعن مجاهد، والحسن، وقتادة، وابن زيد: الأب للبهائم كالفاكهة لبني آدم. وعن عطاء: كل شيء نبت على وجه الأرض فهو أبٌّ. وقال الضحاك: كل شيء أنبتته الأرض سوى الفاكهة فهو أبٌّ .

    وقال ابن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس: الأب: نبت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس. ورواه ابن جرير من ثلاث طرق، عن ابن إدريس، ثم قال: حدثنا أبو كُرَيْب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، حدثنا عبد الملك، عن سعيد بن جبير قال: عدّ ابن عباس وقال: الأب: ما أنبتت الأرض للأنعام. هذا لفظ أبي كريب، وقال أبو السائب: ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس وتأكل الأنعام.

    وقال العوفي، عن ابن عباس: الأب: الكلأ والمرعى. وكذا قال مجاهد، والحسن، وقتادة، وابن زيد، وغير واحد.

    وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا العوام بن حَوشَب، عن إبراهيم التَّيمي قال: سُئِلَ أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، عن قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم .

    < 8-325 > وهذا منقطع بين إبراهيم التيمي والصديق. فأما ما رواه ابن جرير حيث قال: حدثنا ابن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، حدثنا حُمَيد، عن أنس قال: قرأ عمر بن الخطاب (عَبَسَ وَتَوَلَّى ) فلما أتي على هذه الآية: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) قال: عرفنا ما الفاكهة، فما الأب؟ فقال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف .

    فهو إسناد صحيح، وقد رواه غير واحد عن أنس، به. وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه، وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض، لقوله: (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا )

    وقوله: (مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ ) أي: عيشة لكم ولأنعامكم في هذه الدار إلى يوم القيامة.

    فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)

    قال ابن عباس : (الصَّاخَّةُ ) اسم من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحَذّره عباده. قال ابن جرير: لعله اسم للنفخة في الصور. وقال البَغَويّ: (الصَّاخَّةُ ) يعني صيحة القيامة؛ سميت بذلك لأنها تَصُخّ الأسماع، أي: تبالغ في إسماعها حتى تكاد تُصمّها .

    (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) أي: يراهم، ويفر منهم، ويبتعد عنهم؛ لأن الهول عظيم، والخطب جليل.

    قال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه، أيّ بعل كنتُ لك؟ فتقول: نعم البعل كنتَ! وتثنى بخير ما استطاعت، فيقول لها: فإني أطلبُ إليك اليومَ حسنًة واحدًة تهبينها لي لعلي أنجو مما ترين. فتقول له : ما أيسر ما طلبتَ، ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا أتخوف مثل الذي تخاف. قال: وإن الرجل ليلقي ابنه فيتعلق به فيقول: يا بني، أيّ والد كنتُ لك؟ فيثني بخير. فيقولُ له: يا بني، إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى. فيقول ولده: يا أبت، ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا. يقول الله تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ )

    وفي الحديث الصحيح-في أمر الشفاعة-: أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق، يقول: نفسي نفسي، لا أسأله اليومَ إلا نفسي، حتى إن عيسى ابن مريم يقول: < 8-326 > لا أسأله اليوم إلا نفسي، لا أسأله مريم التي ولدتني. ولهذا قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) .

    قال قتادة: الأحب فالأحبَ، والأقرب فالأقربَ، من هول ذلك اليوم.

    وقوله: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) أي: هو في شُغُل شاغل عن غيره.

    قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، حدثنا الوليد بن صالح، حدثنا ثابت أبو زيد العباداني، عن هلال بن خَبَّاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تحشرون حفاة عراة مشاة غُرلا " قال: فقالت زوجته: يا رسول الله، أوَ يرى بعضنا عورة بعض؟ قال: " (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) أو قال: "ما أشغله عن النظر".

    وقد رواه النسائي منفردا به، عن أبي داود، عن عارم، عن ثابت بن يزيد-وهو أبو زيد الأحول البصري، أحد الثقات-عن هلال بن خَبَّاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به وقد رواه الترمذي عن عبد بن حُمَيد، عن محمد بن الفضل، عن ثابت بن يزيد، عن هلال ابن خَبَّاب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تُحشَرون حُفاة عُرَاة غُرْلا". فقالت امرأة: أيبصر-أو: يرى-بعضنا عورة بعض؟ قال: "يا فلانة، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) . ثم قال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح، وقد روى من غير وجه عن ابن عباس، رضي الله عنه .

    وقال النسائي: أخبرني عمرو بن عثمان، حدثنا بَقِيَّة، حدثنا الزبيدي، أخبرني الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرلا". فقالت عائشة: يا رسول الله، فكيف بالعورات؟ فقال: " (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) .

    انفرد به النسائي من هذا الوجه.

    ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أزهر بن حاتم، حدثنا الفضل بن موسى، عن عائد ابن شُرَيح، عن أنس بن مالك قال: سألت عائشة، رضي الله عنها، رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إني سائلتك عن حديث فتخبرني أنتَ به. فقال: "إن كان عندي منه علم". قالت: يا نبي الله، كيف يُحشر الرجال؟ قال: "حفاة عراة". ثم انتظَرتْ ساعة فقالت: يا نبي الله، كيف يحشر النساء؟ قال: "كذلك حفاة عراة". قالت: واسوأتاه من يوم القيامة! قال: "وعن أي ذلك تسألين؟ إنه قد نـزل علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أو لا يكون". < 8-327 > .

    قالت: أيةُ آية هي يا نبي الله؟ قال: " (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) .

    وقال البغوي في تفسيره: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشّريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرني الحسين بن عبد الله، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا ابن أبي أويس، حدثنا أبي، عن محمد بن أبي عياش، عن عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الناس حفاة عراة غُرلا قد ألجمهم العرق، وبلغ شحوم الآذان". فقلت: يا رسول الله، واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض؟ فقال: "قد شُغل الناس، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) .

    هذا حديث غريب من هذا الوجه جدا، وهكذا رواه ابن جرير عن أبي عمار الحسين بن حريث المروزي، عن الفضل بن موسى، به . ولكن قال أبو حاتم الرازي: عائذ بن شريح ضعيف، في حديثه ضعف .

    وقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ) أي: يكون الناس هنالك فريقين: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ) أي: مستنيرة، (ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ) أي: مسرورة فرحة من سرور قلوبهم، قد ظهر البشر على وجوههم، وهؤلاء أهل الجنة.

    (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ) أي: يعلوها ويغشاها قترة، أي: سواد.

    قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا أبو علي محمد مولى جعفر بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يلجم الكافرَ العرقُ ثم تقع الغُبْرة على وجوههم". قال: فهو قوله: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ) .

    وقال ابن عباس: (تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ) أي: يغشاها سواد الوجوه.

    وقوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) أي: الكفرة قلوبهم، الفجرة في أعمالهم، كما قال تعالى: وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح: 27].

    الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  6. #106
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    3-
    لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
    مقدمة تفسير سورة الممتحنة بسم الله الرحمن الرحيم سورة الممتحنة وهي-مدنية كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن حاطبا هذا كان رجلا من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضا وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم بل كان حليفا لعثمان فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها العهد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقالاللهم عم عليهم خبرنا فعمد حاطب هذا فكتب كتابا وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يدا فأطلع الله تعالى على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعائه فبعث في إثر المرأة فأخذ الكتاب منها وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحته قال الإمام أحمد « 1/79 » حدثنا سفيان عن عمرو أخبرني حسن بن محمد بن علي أخبرني عبد الله بن أبي رافع وقال مرة أن عبيد الله بن أبي رافع أخبره أنه سمع عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب قلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال فأخرجت الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال لا تعجل علي إني كنت أمرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه صدقكم فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وهكذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة « خ3007 م2494 د2650 ت3305 س كبرى11585 » من غير وجه عن سفيان بن عيينة به وزاد البخاري في كتاب المغازي « 4274 » فأنزل الله السورة « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء » وقال في كتاب التفسير « 4890 » قال عمرو نزلت فيه « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء » وقال لا أدري الآية في الحديث أو قال عمرو قال البخاري قال علي يعني ابن المديني قيل لسفيان في هذا نزلت « لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء » فقال سفيان هذا في حديث الناس حفظته من عمرو ما تركت منه حرفا ولا أدري أحد حفظه غيري وقد أخرجاه في الصحيحين « خ3983 م2494 » من حديث حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عليقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير بن العوام وكلنا فارس وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا الكتاب فقالت ما معي كتاب فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما صنعت قال حاطب والله مابي إلا أن أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله فقال صدق لا تقولوا له إلا خيرا فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال أليس من أهل بدر فقال لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو قد غفرت لكم فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم هذا لفظ البخاري في المغازي في غزوة بدر وقد روي من وجه آخر عن علي قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين الهسنجاني حدثنا عبيد بن يعيش حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن أبي سنان هو سعيد بن سنان عن عمرو بن مرة الحملي عن أبي البختري الطائي عن الحارث عن علي قال لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة أسر إلى أناس من أصحابه أنه يريد مكة منهم حاطب بن أبي بلتعة وأفشى في الناس أنه يريد خيبر قال فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد وليس منا رجل إلا وعنده فرس فقال ائتوا روضة خاخ فإنكم ستلقون بها امرأة معها كتابفخذوه منها فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا هات الكتاب فقالت ما معي كتاب فوضعنا متاعها وفتشناها فلم نجده في متاعها فقال أبو مرثد لعله أن لا يكون معها فقلت ما كذب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا كذبنا فقلنا لها لتخرجنه أو لنعرينك فقالت أما تتقون الله ألستم مسلمين فقلنا لتخرجنه أو لنعرينك قال عمرو بن مرة فأخرجته من حجزتها وقال حبيب بن أبي ثابت أخرجته من قبلها فأتينا به رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة فقام عمر فقال يا رسول الله خان الله ورسوله فائذن لي فلأضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أليس قد شهد بدرا قالوا بلى وقال عمر بلى ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم إني بما تعملون بصير ففاضت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فقال يا حاطب ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش وكان لي بها مال وأهل ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله وماله فكتبت بذلك إليهم ووالله يا رسول الله إني لمؤمن بالله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق حاطب فلا تقولوا لحاطب إلا خيرا قال حبيب بن أبي ثابت فأنزل الله تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة » الآية وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن أبي سنان سعيد بن سنان بإسناده مثله وقد ذكر ذلك أصحاب المغازي والسير فقال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة « 4/58 » حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا قال لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة وزعم غيره أنها سارة مولاة لبني عبد المطلب وجعل لها جعلا على أن تبلغه لقريش فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتابا إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم فخرجا حتى أدركاها بالحليفة حليفة بنيأبي أحمد فاستنزلاها بالحليفة فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فقال لها على بن أبي طالب إني أحلف بالله ما كذب رسول الله وما كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه قالت أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه فأتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال يا حاطب ما حملك على هذا فقال يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أهل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله عز وجل في حاطب « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة » إلى قوله « قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده » إلى آخر القصة وروى معمر عن الزهري عن عروة نحو ذلك وهكذا ذكر مقاتل بن حيان أن هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة أنه بعث سارة مولاة بني هاشم وأنه أعطاها عشرة دراهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فأدركاها بالجحفة وذكر تمام القصة كنحو ما تقدم وعن السدي قريبا منه وهكذا قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد أن هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة فقوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق » يعني المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهمونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء كما قال تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم » وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد وقال تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين » وقال تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا » وقال تعالى « لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه » ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد ويذكر ههنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد « 5/407 » حدثنا مصعب بن سلام حدثنا الأجلح عن قيس بن أبي مسلم عن ربعي بن حراش سمعت حذيفة يقول ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالا واحدا وثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة وأحد عشر قال فضرب لنا منها مثلا وترك سائرها قال إن قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة قاتلهم أهل تجبر وعداء فأظهر الله أهل الضعف عليهم فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلطوهم فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه وقوله تعالى « يخرجون الرسول وإياكم » هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ولهذا قال تعالى « أن تؤمنوا بالله ربكم » أي لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين كقوله تعالى « وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد » وكقوله تعالى « الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله » وقوله تعالى « إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي » أي إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم فلا توالوا أعدائي وأعداءكم وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقا عليكم وسخطا لدينكم وقوله تعالى « تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم » أي تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر « ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء » أي لو قدروا عليكم لما أبقوا فيكم من أذى ينالونكم به بالمقال والفعال( وودوا




    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  7. #107
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    6


    -لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ

    يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم « قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه » أي وأتباعه الذين آمنوا معه « إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم » أي تبرأنا منكم « ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم » أي بدينكم وطريقكم « وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا » يعني وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا ما دمتم على كفركم فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم « حتى تؤمنوا بالله وحده » أي إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد وقوله تعالى « إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك » أي لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها إلا في استغفار إبراهيم لأبيه فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه فلماتبين له أنه عدو لله تبرأ منه وذلك أن بعض المؤمنين كانوا يدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون لهم ويقولون إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه فأنزل الله عز وجل « ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم » وقال تعالى في هذه الآية الكريمة « قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم » إلى قوله تعالى « إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء » أي ليس لكم في ذلك أسوة أي في الاستغفار للمشركين هكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وغير واحد ثم قالتعالى مخبرا عن قول إبراهيم والذين معه حين فارقوا قومهم وتبرءوا منهم فلجأوا إلى الله تعالى وتضرعوا إليه فقالوا « ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير » أي توكلنا عليك في جميع الأمور وسلمنا أمورنا إليك وفوضناها إليك وإليك المصير أي المعاد في الدار الآخرة « ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا » قال مجاهد معناه لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا وكذا قال الضحاك وقال قتادة لا تظهرهم علينا فيفتنونا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه واختاره ابن جرير وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لا تسلطهم علينا فيفتنونا وقوله تعالى « واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم » أي واستر ذنوبنا عن غيرك واعف عنها فيما بيننا وبينك « إنك أنت العزيز » أيالذي لا يضام من لاذ بجنابك « الحكيم » في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك ثم قال تعالى « لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر » وهذا تأكيد لما تقدم ومستثنى منه ما تقدم أيضا لأن هذه الأسوة المثنية ههنا هي الأولى بعينها وقوله تعالى « لمن كان يرجو الله واليوم الآخر » تهييج إلى ذلك لكل مؤمن بالله والمعاد وقوله تعالى « ومن يتول » أي عما أمر الله به « فإن الله هو الغني الحميد » كقوله تعالى « إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد » وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الغني الذي قد كمل في غناه وهو الله هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفء وليس كمثله شيء سبحان الله الواحد القهار والحميد المستحمد إلى خلقه أي هو المحمود في جميع أقواله وأفعاله لا إله غيره ولا رب سواه




    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  8. #108
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    9

    -إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

    يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين « عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة » أي محبة بعد البغضة ومودة بعد النفرة وألفة بعد الفرقة « والله قدير » أي على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرةوالمتباينة والمختلفة فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة فتصبح مجتمعة متفقة كما قال تعالى ممتنا على الأنصار « واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها » الآية وكذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي « خ4330 م1061 » وقال الله تعالى « هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم » وفي الحديث أحبب حبيبك هونا ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما فعسى أن يكون حبيبك يوما ما وقال الشاعر-وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا-وقوله تعالى « والله غفور رحيم » أي يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه من أي ذنب كان وقد قال مقاتل بن حيان إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنته فكانت هذه مودة ما بينه وبينه وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف وأحسن من هذا ما رواه ابن أبي حاتم حيث قال قرئ علي محمد بن عزيز حدثني سلامة حدثني عقيل حدثني ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان صخر بن حرب على بعض اليمن فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدا فقاتله فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين قال ابن شهاب وهو ممن أنزل الله فيه « عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة » الآية وفي صحيح مسلم « 2501 » عن ابن عباس أن أبا سفيان قال يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال نعم قال تأمرني أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها الحديث وقد تقدم الكلام عليه وقوله تعالى « لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم » أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ولم يظاهروا أي يعاونوا على إخراجكم كالنساء والضعفة منهم « أن تبروهم » أي تحسنوا إليهم « وتقسطوا إليهم » أي تعدلوا « إن الله يحب المقسطين » وقال الإمام أحمد « 6/345 » حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها قال نعم صلي أمك أخرجاه « خ5219 م2130 » وقال الإمام أحمد « 4/4 » حدثنا عارم حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا مصعب بن ثابت حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا صناب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث مصعب بن ثابت به وفي رواية لأحمد وابن جرير قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد من بني مالك بن حسل وزاد ابن أبي حاتم في المدة التي كانت بين قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار « 1873 » حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو قتادة العذري عن ابن أخي الزهري عن الزهري عن عروة عن عائشة وأسماء أنهما قالتا قدمت علينا أمنا المدينة وهي مشركة في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فقلنا يا رسول الله إن أمنا قدمت علينا المدينة وهي راغبة أفنصلها قال نعم فصلاها ثم قال وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن الزهري عن عروة عن عائشة إلا من هذا الوجه « قلت » وهو منكر بهذا السياق لأن أم عائشة هي أم رومان وكانت مسلمة مهاجرة وأم أسماء غيرها كما هو مصرح باسمها في هذه الأحاديث المتقدمة والله أعلم وقوله تعالى « إن الله يحب المقسطين » قد تقدم تفسير ذلك في سورة الحجرات وأورد الحديث الصحيح « م1827 » المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولواوقوله تعالى « إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم » أي إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة فقاتلوكم وأخرجوكم وعاونوا على إخراجكم ينهاكم الله عز وجل عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم ثم أكد الوعيد على مولاتهم فقال « ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون » كقوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين »



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  9. #109
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    11-وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ
    تقدم في سورة الفتح في ذكر صلح الحديبية الذي وقع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش فكان فيه على أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وفي رواية على أن لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا « خ4180 » وهذا قول عروة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد والزهري ومقاتل بن حيان والسدي فعلى هذه الرواية تكون الآية مخصصة للسنة وهذا من أحسن أمثلة ذلك وعلى طريقة بعض السلف ناسخة فإن الله عز وجل أمر عباده المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن وقد ذكرنا في ترجمة عبد الله بن أبي أحمد بن جحش من المسند الكبير من طريق أبي بكر بن أبي عاصم عن محمد بن يحيى الذهلي عن يعقوب بن محمد بن عبد العزيز بن عمران عن مجمع بن يعقوب عن حسين بن أبي لبانة عن عبد الله بن أبي أحمد قال هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهجرة فخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فيها أن يردها إليهما فنقض الله العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة فمنعهم أن يردوهن إلى المشركين وأنزل الله آية الامتحان قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا يونس بن بكير عن قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن أبي نصر الأسدي قال سئل ابن عباس كيف كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قال كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت رغبة عن أرض الى أرض وبالله ما خرجت التماس دنيا وبالله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله ثم رواه من وجه آخر عن الأغر بن الصباح به وكذا رواه البزار من طريقه وذكر فيه أن الذي كان خلفهن عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال العوفي عن ابن عباس في قوله « يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن » كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وقال مجاهد « فامتحنوهن » فاسألوهن عما جاء بهن فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخطه أو غيره ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن وقال عكرمة يقال لها ما جاء بك إلا حب الله ورسوله وما جاء بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك فذلك قوله « فامتحنوهن » وقال قتادة كان امتحانهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله وحرص عليه فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن وقوله تعالى « فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار » فيه دلالة على أن الإيمان يمكن الاطلاع عليه يقينا وقوله تعالى « لا هن حل لهمولا هم يحلون لهن » هذه الآية التي حرمت المسلمات على المشركين وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة ولهذا كان أمر أبي العاص بن الربيع زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها وقد كانت مسلمة وهو على دين قومه فلما وقع في الأسارى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا ففعلوا فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه فوفى له بذلك وصدقه فيما وعده وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر وكانت سنة اثنتين إلى أن أسلم زوجها أبو العاص ابن الربيع سنة ثمان فردها عليه بالنكاح الأول ولم يحدث لها صداقا كما قال الإمام أحمد « 1/261 » حدثنا يعقوب حدثنا أبي حدثنا ابن إسحاق حدثنا داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص وكانت هجرتها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقا ورواه أبو داود « 2240 » والترمذي « 1143 » وابن ماجة « 2009 » ومنهم من يقول بعد سنتين وهو صحيح لأن إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين وقال الترمذي ليس بإسناده بأس ولا نعرف وجه هذا الحديث ولعله جاء من حفظ داود بن الحصين و « 1144 » سمعت عبد بن حميد يقول سمعت يزيد بن هارون يذكر عن ابن إسحاق هذا الحديث وحديث بن الحجاج يعني ابن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد فقال يزيد حديث ابن عباس أجود إسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعيب « قلت » وقد روى حديث الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب الإمام أحمد « 2/207 » والترمذي « 1142 » وابن ماجة « 2010 » وضعفه الإمام أحمد وغير واحد والله أعلم وأجاب الجمهور عن حديث ابن عباس بأن ذلك كان قضية عين تحتمل أنه لم تنقض عدتها منه لأن الذي عليه الأكثرون أنها متى انقضت العدة ولم يسلم انفسخ نكاحها منه وقال الآخرون بل إذا انقضت العدة هي بالخيار إن شاءت أقامت على النكاح واستمرت وإن شاءت فسخته وذهبت فتزوجت وحملوا عليه حديث ابن عباس والله أعلم وقوله تعالى « وآتوهم ما أنفقوا » يعني أزواج المشركين ادفعوا إليهم الذي غرموه عليهن من الأصدقة قاله ابنعباس ومجاهد وقتادة والزهري وغير واحد وقوله تعالى « ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن » يعني إذا أعطيتموهن أصدقتهن فانكحوهن أي تزوجوهن بشرطه من انقضاء العدة والولي وغير ذلك وقوله تعالى « ولا تمسكوا بعصم الكوافر » تحريم من الله عز وجل على عباده المؤمنين نكاح المشركات والاستمرار معهن وفي الصحيح « خ2731 » عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى أله وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء من المؤمنات فأنزل الله عز وجل « يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات » إلى قوله « ولا تمسكوا بعصم الكوافر » فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين تزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية وقال أبو ثور عن معمر عن الزهري أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأسفل الحديبية حين صالحهم على أنه من أتاه منهم رده إليهم فلما جاءه النساء نزلت هذه الآية وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى أزواجهم وقال « ولا تمسكوا بعصم الكوافر » وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال وإنما حكم الله بينهم بذلك لأجل ما كان بينهم وبينهم من العهد وقال محمد بن إسحاق « 3/454 » عن الزهري طلق عمر يومئذ قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها معاوية وأم كلثوم بنت عمرو بن حرول الخزاعية وهي أم عبد الله فتزوجها أبو جهم بن حذيفة ابن غانم رجل من قومه وهما على شركهما وطلق طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فتزوجها بعده خالد بن سعيد بن العاص وقوله تعالى « واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا » أي وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم اللاتي يذهبن إلى الكفار إن ذهبن وليطالبوا بما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين وقوله « ذلكم حكم الله يحكم بينكم » أي في الصلح واستثناء النساء منه والأمر بهذا كله هو حكم الله يحكم به بين خلقه « واللهعليم حكيم » أي عليم بما يصلح عباده حكيم في ذلك ثم قال تعالى « وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا » قال مجاهد وقتادة هذا في الكفار الذين ليس لهم عهد إذا فرت إليهم امرأة ولم يدفعوا إلى زوجها شيئا حتى يدفع إلى زوج الذاهبة إليهم مثل نفقته عليها وقال ابن جرير حدثنا يونس حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن الزهري قال أقر المؤمنون بحكم الله فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين فقال تعالى للمؤمنين به « وإن فاتكم شيء من ازواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون » فلو أنها ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين رد المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم الذي أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمن وهاجرن ثم ردوا إلى المشركين فضل منزلهم إن كان بقي لهم والعقب ما كان بقي من صداق نساء الكفار حين آمن وهاجرن وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية يعني إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار أمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم انه يعطى مثل ما أنفق من الغنيمة وهكذا قال مجاهد « فعاقبتم » اصبتم غنيمة من قريش او غيرهم « فآتوا الذين ذهبت ازواجهم مثل ما أنفقوا » يعني مهر مثلها وهكذا قال إبراهيم ومسروق وإبراهيم وقتادة ومقاتل والضحاك وسفيان بن حسين والزهري أيضا وفي هذه لا ينافي الأول لأنه إن أمكن الأول فهو الأولى وإلا فمن الغنائم اللاتي تؤخذ من أيدي الكفار وهذا أوسع وهو اختيار ابن جرير ولله الحمد والمنة




    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  10. #110
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    12-يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
    قال البخاري « 4891 » حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال أخبرني عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية « يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك » إلى قوله « غفور رحيم » قال عروة قالت عائشة فمن أقرت بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاما ولا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك هذا لفظ البخاري وقال الإمام أحمد « 6/357 » حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله شيئا الآية وقال فيما استطعتن وأطقتن قلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا قلنا يا رسول الله ألا تصافحنا قال إني لا أصافح النساء إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمئة امرأة هذا إسناد صحيح وقد رواه الترمذي « 1597 » والنسائي « 7/149 » وابن ماجة « 2874 » من حديث سفيان بن عيينة والنسائي أيضا « 7/152 » من حديث الثوري ومالك بن أنس كلهم عن محمد بن المنكدر به وقال الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث محمد بن المنكدر وقد رواه أحمد « 6/357 » أيضا من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن أميمة به وزاد ولم يصافح منا امرأة وكذا رواه ابن جرير من طريق موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر به ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر حدثتني أميمة بنت رقيقة وكانت أخت خديجة خالة فاطمة من فيها إلى في فذكره وقال الإمام أحمد « 6/379 » حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني سليط بن أيوب بن الحكم بن سليم عن أمه سلمى بنت قيس وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلت معه القبلتين وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار قالت جئت رسول الله صلى اللهعليه وسلم نبايعه في نسوة من الأنصار فلما شرط علينا ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال ولا تغششن أزواجكن قالت فبايعناه ثم انصرفنا فقلت لامرأة منهم ارجعي فسلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما غش أزواجنا قال فسألته فقال تأخذ ماله فتحابي به غيره وقال الإمام أحمد « 6/365 » حدثنا إبراهيم ابن أبي العباس حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب حدثني أبي عن أمه عائشة بنت قدامة يعني ابن مظعون قالت أنا مع أمي رائطة ابنة أبي سفيان الخزاعية والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع النسوة ويقول أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصينني في معروف قالت فأطرقن فقال لهن النبي صلى الله عليه وسلم قلن نعم فيما استطعتن فكن يقلن وأقول معهن وأمي تقول لي أي بنية نعم فيما استطعت فكنت أقول كما يقلن وقال البخاري « 4892 » حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ علينا « ولا تشركن بالله شيئا » ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة يدها قالت أسعدتني فلانة فأريد أن أجزيها فما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فانطلقت ورجعت فبايعها ورواه مسلم « 936 » وفي رواية فما وفى منهن امرأة غيرها وغير أم سليم ابنة ملحان وللبخاري « 1306 م936 » عن أم عطية قالت أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة أم سليم وأم العلاء وأبنة أبي سبرة امرأة معاذ وامرأتان أو ابنة أبي سبرة امرأة معاذ وامرأة أخرى وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهد النساء بهذه البيعة يوم العيد كما قال البخاري « 4895 » حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا هارون بن معروف حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني ابن جريج أن الحسن بن مسلم أخبره عن طاوس عن ابن عباس قال شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال « يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف » حتى فرغ من الآية كلها ثم قال حين فرغ أنتن على ذلك فقالت امرأة واحدة ولم يجبه غيرها نعم يا رسول الله لا يدري حسن من هي قال فتصدقن قال وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال وقال الإمام أحمد « 2/196 » حدثنا خلف بن الوليد حدثنا ابن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي بهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى وقد قال الإمام أحمد « 5/314 » حدثنا سفيان الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم قرأ الآية التي أخذت على النساء « إذا جاءك المؤمنات » فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه أخرجاه في الصحيحين « خ18 م1709 » وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن عبادة بن الصامت قال كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفرض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي بهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف وقال فإن وفيتم فلكم الجنة ورواه ابن أبي حاتم وقد روى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب فقال قل لهن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة متنكرة في النساء فقالت إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني وإنما تنكرت فرقا من رسول الله صلى اللهعليه وسلم فسكت النسوة اللاتي مع هند وأبين أن يتكلمن فقالت هند وهي متنكرة كيف تقبل من النساء شيئا لم تقبله من الرجال فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر قل لهن ولا يسرقن قالت هند والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنات ما أدري أيحلهن لي أم لا قال أبو سفيان ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعرفها فدعاها فأخذت بيده فعاذرته فقال أنت هند قالت عفا الله عما سلف فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولا يزنين فقالت يا رسول الله وهل تزني امرأة حرة قال لا والله ما تزني الحرة قال ولا يقتلن أولادهن قالت هند أنت قتلتهم يوم بدر فأنت وهم أبصر قال ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن قال ولا يعصينك في معروف قال منعهن أن ينحن وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ويقطعن الشعور ويدعون بالويل والثبور والثبور الويل وهذا أثر غريب وفي بعضه نكارة والله أعلم فإن أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيفهما بل أظهر الصفاء والود لهما وكذلك كان الأمر من جانبه عليه السلام لهما وقال مقاتل بن حيان أنزلت هذه الآية يوم الفتح بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال على الصفا وعمر بايع النساء يحلفن عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكر بقيته كما تقدم وزاد فلما قال ولا تقتلن أولادكن قالت هند ربيناهم صغارا فقتلتموهم كبارا فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى رواه ابن أبي حاتم وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي حدثتني غبطة بنت سليمان حدثتني عمي عن جدتها عن عائشة قالت جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه فنظر إلى يدها فقال اذهبي فغيري يدك فذهبت فغيرتها بحناء ثم جاءت فقال أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا فبايعته وفي يدها سواران من ذهب فقالت ما تقول في هذين السوارين فقال جمرتين من نار جهنم وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن فضيل عن حصين عن عامر هو الشعبي قال بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وفي يده ثوب قد وضعه على كفه ثم قال ولا تقتلن أولادكن فقالت امرأة تقتل آبائهم وتوصينا بأولادهم قال وكان بعد ذلك إذا جاء النساء يبايعنه جمعهن فعرض عليهن فإذا أقررن رجعن فقوله تعالى « يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك » أي من جاءك منهن يبايع على هذه الشروط فبايعهن على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن أموال الناس الأجانب فأما إذا كان الزوج مقصرا في نفقتها فلها أن تأكل من ماله بالمعروف ما جرت به عادة أمثالها وإن كان من غير علمه عملا بحديث هند بنت عتبة أنها قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني فهل علي جناح إن أخذت من ماله بغير علمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك أخرجاه في الصحيحين « خ2211 م1714 » وقوله تعالى « ولا يزنين » كقوله تعالى « ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا » وفي حديث سمرة ذكر عقوبة الزناة بالعذاب الأليم في نار الجحيم « خ7047 » وقال الإمام أحمد « 6/151 » حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت عتبة تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عليها « أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين » الآية قال فوضعت يدها على رأسها حياء فأعجبه ما رأى منها فقالت عائشة أقري أيتها المرأة فوالله ما بايعنا إلا على هذا قالت فنعم إذا فبايعها بالآية وقال ابن حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن فضيل عن حصين عن عامر هو الشعبي قال بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه ثم قال ولا تقتلن أولادكن فقالت امرأة تقتل آبائهم وتوصي بأولادهم قال وكان بعد ذلك إذا جاءت النساء يبايعنه جمعهن فعرض عليهن فإذا أقررن رجعن وقوله تعالى « ولا يقتلن أولادهن » وهذا يشمل قتله بعد وجوده كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق ويعم قتله وهو جنين كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء تطرح نفسها لئلا تحبل إما لغرض فاسد أو ما أشبهه وقوله تعالى « ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن » قال ابن عباس يعني لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم وكذا قال مقاتل ويؤيد هذا الحديث الذي رواه أبو داود « 2263 » حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا عمرويعني ابن الحارث عن ابن الهاد عن عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله الجنة وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه أحتجب الله منه وفضحه على رءوس الأولين والآخرين وقوله تعالى « ولا يعصينك في معروف » يعني فيما أمرتهن به من معروف ونهيتهن عنه من منكر قال البخاري « 4893 » حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت الزبير عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى « ولا يعصينك في معروف » قال إنما هو شرط شرطه الله للنساء وقال ميمون بن مهران لم يجعل الله طاعة لنبيه إلا في المعروف والمعروف طاعة وقال ابن زيد أمر الله بطاعة رسوله وهو خيرة الله من خلقه في المعروف وقد قال غيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وسالم بن أبي الجعد وأبي صالح وغير واحد نهاهن يومئذ عن النوح وقد تقدم حديث أم عطية في ذلك أيضا وقال ابن جرير حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة في هذه الآية ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن النياحة ولا تحدثن الرجال إلا رجلا منكن محرما فقال عبد الرحمن بن عوف يا رسول الله إن لنا أضيافا وإنا لا نغيب عن نسائنا فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس أولئك عنيت ليس أولئك عنيت وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء أخبرنا ابن أبي زائدة حدثني مبارك عن الحسن قال كان فيما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ألا تحدثن الرجال إلا أن تكون ذات محرم فإن الرجل لا يزال يحدث المرأة حتى يمذي بين فخذيه وقال ابن جرير حدثنا حميد حدثنا هارون عن عمرو عن عاصم عن ابن سيرين عن أم عطية الأنصارية قالت كان فيما اشترط علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعروف حين بايعناه أن لا ننوح فقالت امرأة من بني فلان إن بني فلان أسعدوني فلا حتى أجزيهم فانطلقت فأسعدتهن ثم جاءت فبايعت قالت فما وفى منهن غيرها وغير أم سليم ابنة ملحان أم أنس بن مالك وقد روى البخاري « 4892 م936 » هذا الحديث من طريق حفصة بنت سيرين عن أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها وقد روي نحوه من وجه آخر أيضا فقال حدثنا ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا أبو نعيم حدثنا عمرو بن فروخ القتاب حدثني مصعب بن نوح الأنصاري قال أدركت عجوزا لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأتيته لأبايعه فأخذ علينا فيماأخذ أن لا ننحن فقالت عجوز يا رسول الله إن أناسا قد كانوا أسعدوني على مصائب أصابتني وأنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أن أسعدهم قال فانطلقي فكافئيهم فانطلقت فكافأتهم ثم إنها أتته فبايعته وقال هو المعروف الذي قال الله عز وجل « ولا يعصينك في معروف » وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا القعنبي حدثنا الحجاج بن صفوان عن أسيد بن أبي أسيد البراد عن امرأة من المبايعات قالت كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نعصيه في معروف أن لا نخمش وجها ولا ننشر شعرا ولا نشق جيبا ولا ندعو ويلا وقال ابن جرير حدثنا محمد بن سنان القزاز حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا إسحاق بن عثمان أبو يعقوب حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء الأنصار في بيت ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام على الباب وسلم علينا فرددن أو فرددنا عليه السلام ثم قال أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن قالت فقلنا مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله فقال تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين قالت فقلنا نعم قالت فمد يده من خارج الباب أو البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال اللهم اشهد قالت وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحيض والعواتق ولا جمعة علينا ونهانا عن اتباع الجنائز قال إسماعيل فسألت جدتي عن قوله تعالى « ولا يعصينك في معروف » قالت النياحة وفي الصحيحين « خ1297 م103 » من طريق الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية وفي الصحيحين أيضا « خ1296 م104 » عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة وقال الحافظ أبو يعلى « 1577 » حدثنا هدبةبن خالد حدثنا أبان بن يزيد حدثنا يحيى بن أبي كثير أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه أن أبا موسى الأشعري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة على الميت وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ورواه مسلم في صحيحه « 934 » منفردا به من حديث أبان بن يزيد العطار به وعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة رواه أبو داود « 3128 » وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن يزيد مولى الصهباء عن شهر بن حوشب عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى « ولا يعصينك في معروف » قال النوح ورواه الترمذي في التفسير « 3307 » عن عبد بن حميد عن أبي نعيم وابن ماجة « 1579 » عن أبي بكر ابن شيبة عن وكيع كلاهما عن يزيد بن عبد الله الشيباني مولى الصهباء به وقال الترمذي حسن غريب



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

صفحة 11 من 16 الأولىالأولى ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. 乂صعوة 乂 شقردي 2000 مبروك 乂
    بواسطة شام في المنتدى مضيف الإهداءات
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 15-09-2009, 13:48
  2. مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 23-08-2009, 02:40
  3. 乂乂 لذائذ العيد المضائفية 乂乂
    بواسطة شام في المنتدى فـنـون الـمـطبخ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 18-10-2007, 22:54
  4. مشاركات: 35
    آخر مشاركة: 13-09-2006, 09:30
  5. 乂乂 دغدغة مسامع فقط 乂乂
    بواسطة النجم في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-10-2005, 05:46

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته