[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
في السيرة النبوية
سبقت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هجرتان إلى الحبشة، حيث كان الرسول يرى ما يصيب أصحابه من البلاء، فيفكر في تخفيف محنتهم.
ففي المرة الأولى قال لهم: “لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه”. فخرج في تلك المرة الأولى عدد من أصحابه وزوجاتهم وكان على رأسهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الهجرة في رجب من السنة الخامسة للبعثة، وكان عددهم أحد عشر رجلاً وأربع نسوة. كما رواه الطبري وغيره.
أقول: هذه الهجرة كانت شبيهة باللجوء السياسي، لذلك عندما أرسلت قريش إلى النجاشي تطلب منه تسليم أصحاب محمد باعتبارهم فارين من مكة، رفض أن يسلمهم إلى أعدائهم وقال: “لا بد أن أسمع منهم سبب هجرتهم إلينا”.
والهجرة الثانية كانت بعد دخول الرسول صلى الله عليه وسلم وقومه الشعب، حيث أمر جميع المسلمين بأن يهاجروا إلى الحبشة، فهاجر نحو ثلاثة وثمانين رجلا وثماني عشرة امرأة، وكان على رأسهم جعفر بن أبي طالب، وكانت هذه الهجرة في السنة السابعة من البعثة أو في السنة الثامنة كما ورد في السيرة الحلبية.
أقول: وكم فرح الرسول بوفادة النجاشي لأصحابه المهاجرين، ويروي البيهقي في الدلائل أن وفد النجاشي عندما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد كان النبي يخدهم بنفسه، فقال أصحابه: نحن نكفيك، فقال: إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وإني أحب أن أكافئهم.
وبعد هذا توالت المحن على رسول الله، فمن محاصرته في الشعب إلى وفاة أبي طالب ووفاة خديجة، وإلى سوء معاملة أهل الطائف له، حيث وصل إلى مرحلة اليأس، لولا أن الله خفف عنه برحلة الإسراء والمعراج.
وكأن الله كان مقدرا أن يهاجر الرسول بنفسه وبدينه إلى المدينة، فكانت مقدمة الهجرة أن التقى الرسول برجال من الأنصار في موسم الحج فبايعوه بيعة العقبة الأولى، فبعث إلى المدينة مصعب بن عمير يعلمهم القرآن، وبايعوه في السنة المقبلة بيعة العقبة الثانية وكان معهم مصعب عندما حضروا البيعة.
وبعد هذه التهيئة أذن الرسول لأصحابه بالهجرة إلى المدينة نهائياً، بعد أن اطمأن إلى أنها دار الأمن والأمان، فهاجروا قبل الرسول ولم يبق في مكة إلا من حبس عند قريش، وإلا علي بن أبي طالب الذي نام في فراش الرسول، ليوحي إلى قريش بأن الرسول عليه الصلاة والسلام نائم، ولكي يقضي ما على رسول الله من التزامات، وكان أبوبكر قد تأخر في الهجرة أيضاً لأنه كان رفيقه في رحلة الهجرة.
كانت قريش تراقب بيت الرسول خشية أن يخرج من بين أيديهم، وكانوا قد أعدوا من كل قبيلة فارسا جالسا بسلاحه على باب داره عليه الصلاة والسلام، فأرادوا أن يقتلوه بتلك السيوف قتلة واحدة، وظنهم أن دمه ينتشر في تلك القبائل فلا يعرف من الذي قتله.
لكنه خرج عندما أذن الله له بالخروج ليلا ووضع على رؤوسهم حثيات من التراب وهو يقول “وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون”.
نعم خرج في الثاني من ربيع الأول الموافق 20 سبتمبر/ايلول سنة 622 من الميلاد وهم يغطون في نوم عميق، فلم يوقظهم إلا حر شمس النهار، وعندئذ جن جنونهم فصاروا يضربون يمنة ويسرة بحثا عنه، فساروا وراءه فلم يجدوه رغم أنهم وصلوا إلى الغار الذي كان هو وأبوبكر مختفيين فيه، فكان العنكبوت والحمام قد أحكما الخطة لإخفاء رسول الله عن عيون الأعداء.
ثم استمرا في هذه الرحلة الشاقة حتى وصلا إلى قباء ثم إلى المدينة في 12 من ربيع الأول، وكانت المدينة بأكملها في استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كانت البنات يرددن:
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا
جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة
مرحبا يا خير داع
وهكذا استقر الرسول في المدينة، وفيها أقام دولة الإسلام، كما شاء الله وشاء رسوله، ولم يستطع المشركون أن ينالوا من محمد وصحبه.
أقول: إن الهجرة تعني أن الدين مقدس، والعقيدة فوق كل اعتبار كما يقول الدكتور محمد سعيد البوطي، فلا قيمة للأرض ولا للوطن ولا للمال إذا كانت العقيدة وشعائر الدين مهددة.
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
المفضلات