سوف نتحدث في جزئين عن مشكلة المعارضين من الاخوان للملك عبد العزيز وذلك على النحو التالي
1- بداية المشكلة وتطورها
2- معركة السبلة و ما بعد معركة السبلة حتى نهاية مشكلة المعارضين
1- بداية المشكلة وتطورها :-
كانت بداية حركة الاخوان انطلاقة عظيمة في تاريخ البلاد وتوحيد مناطقها وقموا بجهود كبيرة في ذلك التوحيد غير ان المتتبع لسير تلك الحركة يرى ان بعض الاخوان لم يفهموا الدين فهماً صحيحاً فغلوا في نظرتهم الى الحاضرة من السكان والى من لم يستوطن الهجر من البادية ، وكان من مظاهر ذلك الغلو ايقافهم الناس في البلدان لمساءلتهم عن اصول الدين واحكامه بل انهم راحوا يشكون في ايمان غيرهم من الحاضرة والبادية بحيث حرموا ذبائحهم واباحوا الاعتداء عليهم. ويعلل المؤلف الذكير في تاريخه ذلك التطرف بعدم فهم بعض الدعاة الذين اوفدوا اليهم لسماحة الدين .
[SIZE=3]وادرك الملك عبد العزيز ما قد يتتب على ذلك من عواقب وخيمة فاستفسي العلماء وأفتوا بأن تلك النظرة لا تتفق مع أصول الدين الحنيف.وكانت تلك الفتوى عام 1337 هـ ، وبعدها تحسن الوضع بدرجة لا باس بها. ومن الطريف ما ذكره العبيد في تاريخه وهو قريب رحماً لعبد الله الجفالي من هذا الاخير اعد غذاء لخالد بن لؤي وجماعته بعد دخولهم مكة المكرمة عام 1343 هـ فاستفسر خالد من العبيد عن الغذاء فلما اخبره انه يشتمل على ذبيحتين توقف عن الذهاب ولم يذهب الا بعد ان افتاه الشيخ عبد الرحمن بن داؤد بحل الذبيحتين ، وهذا يعني ان شيئا من تلك النظرة بقي في بعض النفوس . [/IZE]
ولما وحد الملك عبد العزيز الحجاز بدت بعض بوادر الخلاف بينه وبين عدد من قادة الاخوان خاصة فيصل الدويش وسلطان بن بجاد وضيدان بن حثلين وكان من الاسباب الظاهرة لذلك الاختلاف استخدامه مخترعات حديثة كالبرقيات والهاتف ومرونته في التعامل مع فئات يرون خطأ مرونة التعامل معها إضافة الى امور اخرى كانت موجودة قبل توحيد الحجاز. كذلك ارسال ابنه سعود الى مصر وابنه فيصل الى بريطانيا ومسالة المحمل المصري وغزو الدول المجاورة.
ومن المحتمل ان ما اعلنه اولئك الزعماء كان معبرا عن نظرتهم الى لك الامور او بعضها ذلك ان العلماء انفسهم اعلنوا انكار بعض ما انكره الزعماء وان اوضحوا بجلاء ان كونها منكراً لا يبيح الخروج على ولي الامر بسببها، لكن من المحتمل ايضاً ان تلك المآخذ المعلنه ليست الاسباب الحقيقية او الاسباب المهمة لاختلافهم مع الملك عبد العزيز والمتتبع لسير الاحداث خلال المعارك الحربية في الحجاز وما ترتب عليها يتضح له انه عندما انطلقت قوات الاخوان صوب الحجازعام 1343 هـ كان ابرز قائد من قادتهم من حيث كثرة الاتباع بين تلك القوات سلطان ابن بجاد الذي كان له النصيب الاوفر هو واتباعه في معركة تربةومع ذلك لم تسند اليه مقاليد الامور في مكة المكرمة بعد دخولها بل استندت الى خالد بن لؤي وقد يكون من اسباب اسناد الامر لخالد بن لوي انه من الاشراف فهو بهذا اقرب الى نفوس السكان من سلطان اضافة الى انه يبدو اكثر مرونة من سلطان. وقد عاد سلطان ابن بجاد الى نجد قبل استسلام جدة للملك عبد العزيز .
اما فيصل الدويش فلم يلتحق بقوات الملك عبد العزيز الا بعد دخولها الطائف ومكة المكرمة لانه كان مشغولا بالجبهة مع العراق ولعل هذا كان احد اسباب حرصه على ان يتم تسليم المدينة المنورة على يديه حتى ينال ما اله سلطان ابن بجاد من سمعة وشهرة في ذلك الميدان لكنه مع محاصرته للمدينة المنورة فترة اضطر الى الارتحال الى نجد قبل تسليمها.فلم ينال ما كان يحرص عليه وربما كان هذان الزعيمان قد احسا بانهما لم يدركا من المشاركة في المعارك الحربية في الحجاز ما اعتقدا انهما يستحقان من مكاسب.
اما ضيدان بن حثلين فلم يشارك في تلك المعارك لانه لم يتحمس فيما يبدو في التوجه الى الحجاز عندما طلب منه الملك عبد العزيز ذلك ولهذا امره الملك عبد العزيز بان يعود الى مركزة قبل وصوله اليها ، ولعل ضيدان بن حثلين عد ذلك المر عقابا له او عدم ثقة به.
وكانت قد عقدت اتفاقية بحره بين الملك عبد العزيز والمفوض البريطاني السير كلايتون نائبا عن حكومة العراق بتاريخ 15/4/1344 هـ وقد حدد بموجبها الحدود بين الملك عبد العزيز والعراق ونص فيها على الا تعتدي قوات احدهما على اراضي الاخرى. وفي اليوم التالي عقدت اتفاقية حدة التى حددت بموجبها الحدود بين الملك عبد العزيز والاردن ونص فيها على مثل الذي نص في الاتفاقية الاولى وكان معنى هذا في نظر بعض قادة الاخوان انه قد سدت امامهم طرق كانوا يعتبرونها اما اعتقادا منهم ان اهل البدين يستحقون الغزو دينيا او رغبة في الحصول على غنائم وقد اشار الاخوان الى هذه المسالة في مآخذهم على الملك عبد العزيز وكان الملك عبد العزيز قد سمح لقبائل البلدين الرعي في اراضيه.
وفي حج عام 1344 هـ حدثت مسألة المحمل المصري المشهورة التى راح ضحيتها اربعون من الاخوان وقام الملك عبد العزيز بحراسة الحجاج المصريين حتى ادوا مناسكهم وعادوا الى اوطانهم ثم دفع ديات القتلى من الاخوان وعوضهم عما قتل من ابلهم .
واختلفت المصادر التاريخية في تفصيلات الحادثة وعدد القتلى.
فيقول عب الرحمن بن ناصر في مخطوط تاريخه ان الاخوان سمعوا ابواقا فانكروا ذلك الفعل وان الملك عبد العزيز بعث ابنه فيصل ثم ابنه سعود لتهدئة الموقف ولما قاما بذلك فوجيء الجميع باطلاق النار على الاخوان ، ثم لحق الملك عبد العزيز بابنيه وهدأ الموقف من جديد.
اما سعود بن هذلول فيقول في كتابة ( تاريخ ملوك آل سعود ) ان العسكر عزفوا الموسيقى وان المقتولين من الاخوان خمسة وعشرون وان الملك عبد العزيز بعث ابنيه سعود وفيصل الى محل الحادثه .
اما مقبل الذكير فيذكر في تاريخه ان الحكومة المصريةتعهدت بعدم الايتان بالآت موسيقية وان الاخوان فوجئوا بمظهر المحمل وبهرجته فراحوا يرجمونه بالحصى على انه بدعة ، فأمر قائد العسر المصريين بإطلاق النار عليهم وقتل منهم اربعون رجلاً واعداد من الإبل ، ولما سمع الملك عبد العزيز اطلاق النار هرع الى مكان الحادثة ومعه ابناه سعود وفيصل وآخرون وهدأ الموقف ثم حرس المصريين حتى عادوا الى وطنهم ودفع ديات القتلى وثمن الإبل.
كانت تلك خلفية اعلان زعماء الاخوان واجتمعوا في الارطاوية مقر فيصل الدويش وتعادهوا على ان يكونوا صفا واحدا في وجه من يخالفهم الرأي ،واعلنوا مآخذهم على الملك عبد العزيز الذي كان حينذاك في الحجاز فقدم الملك عبد العزيز الى نجد وحاول ان يتجنب سياسة المواجهة معهم منذ البداية فراح يغدق عليهم الاموال والهدايا ثم دعا الى مؤتمر في رجب عام 1345 هـ وحضره اكثر زعماء الاخوان وممن لم يحضره سلطان ابن بجاد ، وقد اوضح الملك عبد العزيز في بداية المؤتمر تمسكه بدين الله عقيدة وشريعة وتطبيق وانتهى المؤتمر باستفتاء العلماء حول مآخذ بعض الاخوان فافتوا بتوقفهم في مسألة البرق والهاتف وانكروا بعض ما انكره الاخوان كالمكوس وربطوا قضية الجهاد بالامام ، واكدوا بجلء ان انكار ماهو منكر من تلك المآخذ لا يبيح الخروج على ولي الامر.ورغم ان تلك الفتوى تعتبر مكسبا معنويا للملك عبد العزيز الا انها لم تغير موقف الذين عارضوه.
وحدث ان قامت حكومة العراق ببناء مخفر بصية على الحدود خلافا لما نص عليه بروتوكول العقير المعقود بينهم عام 1341 هـ واتصل الملك عبد العزيز بالسلطات البريطانية في المنطقة لحل المشكلة سلميا، لكن فيصل الدويش ومركزة اقرب مراكز المعارضين من الاخوان الى ذلك المخفر قرر ان ياخذ زمام الامر بيده فهجم اتباعه على الحامية التى كانت هناك وقتلوا بعض ارادها وهدموا بناء المخفر وذلك عام 1346 هـ، ولعل فيصل الدويش اراد بذلك احراج الملك عبد العزيز مع تلك السلطات واظهاره بمظهر الغير مسيطر على شئون البلاد وكسب عواطف المتحمسين من الاخوان الذين سيرونه البطل المدافع عن الحقوق الوطنية. واحتج البريطانيون على الملك عبد العزيز لما فعل فيصل الدويش فاجابهم الملك عبد العزيز بانهم هم الذين بدوا الشر ببناء ما اتفق على عدم بنائه وانه مع ذلك لم يامر فيصل الدويش بالقيام بما قام به . وظل فيصل الدويش واتباعه يغيرون على الاراضي العراقية والكويتية لكن الطائرات البريطانية كانت تاحقهم وتنزل بهم الخسائر . وازداد نشاط المعارضون من الاخوان فاجتمعوا بين الزلفي وعنيزة يرسمون خططهم المستقبلية ويقال انهم اتفقوا على تقسيم البلاد فيما بينهم ، فتوجه الملك عبد العزيز الى بريدة لمراقبة الوضع عن كثب واقترب موسم الحج الذي يتطلب وجود الملك عبد العزيز في الحجاز وهم لا يزالون في ذلك المكان فارسل لهم الملك عبد العزيز الامير عبد العزيز بن مساعد ومعه ختمه ومفوضا بتلبية مطالبهم واخبرهم انه سوف يبحث في جدة كل المشكلات الحدودية مع ممثل بريطانيا وانتهي الحج بسلام لكن المحادثات لم تنجح وعاد الملك عبد العيز الي الرياض في شهر ربيع الاول وهو اكثر تصميما على حل مشكلة اولئك المعارضين من الاخوان.
لقد رأي الملك عبد العزيز من الحكمة ان يطمئن الى موقف اتباعة لمناصرته في اي خطوة يمكن ان يقدم عليها خاصة ان المعارضين له يعلنون انهم ينطلقون من المبادىء التى نادي بها هو منذ بداية مسيرته لتوحيد البلاد وهي الجهاد في سبيل الله وان يبرهن للجميع بانه لم يترك فرصة الا انتهزها لحل ما نشأ من خلاف بينه وبين اولئك المعارضين بطريقة سليمة.فدعا الملك عبد العزيز الى مؤتمر يعقد في الرياض ويكون في طليعة من يحضرة اعلماء وامراء الحاضرة وزعماء الاخوان والقبائل وكان الملك عبد العزيز حريصا كل الحرص على ان يحضر قادة المعارضين له بالذات املا في اقامة الحجة عليهم امام المؤتمرين والحصول على بيعتهم مجددا لتقوية موقفه في اي اجراء يتخذه ضدهم ان لم يعدلوا عن معارضتهم، ولقيت الدعوة تجاوبا كبيرا فوصل الرياض كثير من المدعوين قدر عددهم بالآلاف ، لكن فيصل الدويش لم يحضر وارسل ابنه عبد العزيز نائبا عنه وكذلك لم يحضر سلطان بن بجاد ويقال انه ارسل نيابه عنه ابن عمه علوش بن حميد اما ضيدان بن حثلين فتوجه الى الرياض ولكنه علم وهو في الطري ان الزعيمين السابقين لن يحضرا فعاد الى شرقي البلاد . واجل الملك عبد العزيز انعقاد المؤتمر قليلا املا في حضورهم فلم يقدموا ، وفي الثاني والعشرون من جمادى الاولى بدأ ذلك المؤتمر الذي عرف فيما بعد باسم (الجمعية العمومية) وافتتح الملك عبد العزيز المؤتمر بايضاح سبب انعقاده ثم تساءل عما اذا كانت لدي اي انسان من الحاضرين شكوى ضده او ضد احد من عماله وبعد ذلك بين ما قام به من اعمال ثم عرض عليهم ان يتنازل عن الحكم ليختاروا غيره من آل سعود وكان هذا العرض فكرة بارعة من الملك عبد العزيز الهبت حماسهم وجعلتهم يصوتون باهم لا يرضون به بديلاً وعند ذلك وجه الملك عبد العزيز كلامه الى العلماء متسائلاً عما اذا كانوا يرونه مخالفا للشرع في اي امر من الامور. فاجاب العلماء بانهم لم يروا منه الا الالتزام بالشرع المطهر ، ثم تكلم بعض زعماء الاخوان والقبائل مؤيدين له الا انهم اثاروا مسائل لا يزال في نفوسهم منها شيء ومن تلك المسائل البرقيات اهي سحر ام غير سحر والمخافر التى بنيت على اماكن كانت مراعي للمسلمين ايجوز شرعا السكوت عنها والجهاد في سبيل الله ايحل توقفه . فافتي العلماء باعادة ما سبق ان قالوه عن البرقيات وهو التوقف اما المخافر ضرر واضح يجب على الملك ان يسعي لازالته دينا وحمية لكن الامر متروك له ليعالجه بالطريقة التى يراها واما الجهاد فواجب غير ان اعلانه شأن من شئون ولي الامر، وبدا وكان الحاضرون قد اقتنعوا بتلك الفتوى.وكانت نهاية ذلك المؤتمر ان جدد الجميع البيعة للملك عبد العزيز وكان ذلك مما اعطاه الضوء الاخضر في اتخاذ ما يراه من اجراءات ضد المعارضين له.
{ قريبا انتظروا الجزء الثاني (( معركة السبلة و ما بعد معركة السبلة حتى نهاية مشكلة المعارضين )) }
\r
اخوكم الحربي
المفضلات