[frame="15 98"]
[align=center]
فلسطين في الصور الفوتوغرافية القديمة كما وثّقتها عيون المستشرقين
تحقيقات / في إطار الإحتفال بالقدس عاصمة الثقافة العربيّة لسنة 2009 ، نظمت وزارة الثّقافة اللّبنانيّة بمقر منظّمة اليونسكو ببيروت، معرضاً يضم مئة صورة فوتوغرافية نادرة لفلسطين والشرق الاوسط التقطتها عدسات المستشرقين خلال نصف قرن، تروي لنا حكاية فلسطين، ذاكرة الوطن والشعب، قبل الاغتصاب
الصهيوني لاراضيها وتكوين الكيان الاسرائيلي الشاذ في المنطقة
فتاة في القدس المحتلة
بداية نلحظ ان الصور الفوتوغرافية من القطع الكبير 70x100سم، وقد تم تجميعها في الفترة الممتدّة بين 1875 و 1925، وتعود بالتاريخ إلى ما قبل سنة 1839 تقريباً. هذه الصور عبارة عن توثيق فنّي لتاريخ فلسطين المعاش ونمط حياة الفلسطينيين اليوميّة، من منظور المستشرقين الغربيين الوافدين إلى الشرق الذي لطالما كان سحراً وسراً لم يتورعوا أبداً عن محاولاتهم لفك طلاسمه.
حجاج نصارى
وتشكّل هذه اللقطات الفوتوغرافية منفذاً جميلاً للتفكير في الماضي، لاستشراف المستقبل و تأمل الحاضر، تخلق في كل من يمعن النظر فيها حنيناً عجيباً لواقع يحاولون طمسه... وهي تؤكد أن ذلك الشعب لم يكن أبداً عابراً على تلك الأرض، وأن عالم الآثار الصهيوني مهما انشغل بتحليل حجارته كي يثبت أن هذا الشعب ليس من هناك، فإنه لن يفلح أبدا في اقتلاع فكرة الوطن "فلسطين"، الوطن الكامل النابع من تاريخ مليء بالرؤى المضمّخة بالألم و الأمل بحثاً عن الحرية المنشودة.
جبل حرمون في الناصرة
كانت هذه الصور في الأصل عبارة عن بطاقات بريديّة و صور لزوّار أجانب مرّوا في هذه المنطقة وكانت فكرة الاستشراق قد تملّكت نفوسهم وسلبتهم عقولهم. يحجّ زوّار الأماكن المقدّسة من الغرب إلى القدس و يزورون مهد السيّد المسيح حاملين أفكارهم وعيونهم والكاميرا، آلة التّصوير التي كانت في تلك الفترة بالنسبة لسكّان الشرق آلة عجيبة، غريبة... وكان هؤلاء الزوّار يصوّرون الأماكن والحياة اليوميّة فكان ذلك يوحي بمحاكاة من نوع خاص تمس العادات والتقاليد في الحياة والملبس والمعاش إضافة إلى تصوير المباني وكل ما له علاقة بالعمران والمعمار من بيوت، أسواق، ساحات وآثار ممزوجة بإرث حضاري، ديني، عريق وقديم.
لم تكن الصور الفوتوغرافية تقدّم فقط المعالم الدينيّة المسيحيّة للغرب المسيحي، من منظور متحيز، بل جسدت تنوّع الحضور الديني في المنطقة و ذلك بتصوير متديّنين مسيحيّين و مسلمين على حد السواء في الكنائس وفي المساجد، وبذلك كانت هذه الصور بمثابة العين أو النافذة التي يعود بها الزوّار إلى بلدانهم ليقدّموها إلى كل من يتملّكه الفضول لرؤية الشّرق.
تعميد النصارى في نهر الأردن
و قد كان هؤلاء المصوّرون أثناء اختيار البعد العام للصورة متأثرين بالفكرة التي كان ينقلها الرسامون المستشرقون عن الشرق، فكانت أبعادها تعكس جانبا نفسياً وفضولاً عاماً ورؤية مسبقة لسكّان تلك المنطقة. فقدّموا الصور بالأفكار التي أرادوا هم أنفسهم نقلها، فكانوا ولو بطريقة غير مباشرة يسرّبون أفكارا تخدم الإمبرياليّة و الإحتلال، ولعل هذا ما أشار إليه المفكّر الفلسطيني الرّاحل "ادوارد سعيد" في مؤلّفه "الإستشراق"، عندما بيّن أن الإستشراق بكل مظاهره إنما كان جزءاً من التوسّع الإمبريالي في الشرق الأوسط... فهو شبكة مقبولة تسمح منافذها بتسريب صورة الشرق إلى وعي الغربيين، وقد أظهروا العرب في مظهر رجعي متخلف أعطى نظرة دونيّة للمرأة، وأظهرها إما جارية، خادمة أميّة أو مملوكة، توفر اللذّة لرجل محدود الفكر، لا يرى أبعد مما يراه جواده، ولا يفكر إلا في حياة الترف والنساء
شيخ بدوي فلسطيني على صهوة جواده
هذه الرؤية التي مهّدت للإمبرياليّة و سرّبت للحركة الصهيونيّة ودفعت بها إلى الصعود والبروز، استطاعت في جانب منها أن تؤرّخ و توثّق الوجود العربي الرّاسخ في المنطقة. فهي إن عبّرت عن شيء فهي تعبّرعن أن الشرق و منه فلسطين راسخ في التاريخ المثير و المتنوع، و تعبّر أيضا عن ضرورة تخطي الهوة بين الشرق و الغرب من خلال إثارة التعددية الثقافيّة و ثنائيّة التبادل الثقافي وإثبات دائم وبكل الوسائل "أنّا لنا فيها ما نعمل" كما عبّر الراحل "محمود درويش".
بوابة يافا- القدس عام 1900
كل صورة من هذه الصور تحكي فكرة، واقعاً، أسلوباً معيشياً، وتفاصيل حياتية، قد تبدو بسيطة لكنها للناظر الباحث عميقة، استطاع المصوّرون أن ينقلوا من خلالها لقطات من مشاهدات يوميّة إلى مرتبة فنية راقية تتمثّل في تحريك سواكن من يلمحها لتصبح، وكما قال "نعيم فرحات" صاحب هذه المجموعة الفوتوغرافية: "عملا فنيا متكاملا و ليست مجرّد نتاج حرفيّ".
ساحل يافا
"نعيم فرحات" صاحب هذه المجموعة وغيرها من الأعمال الفنية الإنسانيّة الرّاقية، أبرزها مجموعة "معتقل الخيام"، ومجموعة "صنع في فلسطين"، تمكّن بحسّه الفني والوطني والإنساني العام أن يخلق من فكرة التّجارة الماديّة في اللّوحات بعداً إنسانياً سامياً، مجموعاته تعبّر عن الألم الإنساني والقضايا العادلة.
ويمتلك نعيم فرحات إضافة إلى اللّوحات الفنيّة العديد من الصور الفوتوغرافيّة النّادرة، تصل إلى حوالي 5000 صورة، تمثل تقريباً كل الشرق الأوسط: مصر، بلاد الشام وبلاد المغرب العربي، اشتراها و جمعها و أسسها لتكوّن إرثاً هائلاً من التاريخ العربي المصوّر، وعيناً ترصد الماضي وتشهد على عمق التاريخ و تواتر الزوّار الذين استهواهم الشّرق.
المصدر نسيج الاخبارية
[/align]
[/frame]
المفضلات