حفظ الله الشيخ العلامة والداعية عبدالمجيد الزنداني
من علماء الامة الجهابذة لهذا التحليل العلمي الايماني
الدقيق ..
معلومات ذات فائدة كبيرة ذخر بها الموضوع شيخنا الموقر ابوضاري
فجزاك الباري خيراً
و حفظك ورعاك ..
حفظ الله الشيخ العلامة والداعية عبدالمجيد الزنداني
من علماء الامة الجهابذة لهذا التحليل العلمي الايماني
الدقيق ..
معلومات ذات فائدة كبيرة ذخر بها الموضوع شيخنا الموقر ابوضاري
فجزاك الباري خيراً
و حفظك ورعاك ..
هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يدني الآجال
ويقطع الآمال ويشين الأعمال..
اللهم إني أستغفرك يا عالم
الغيب والشهادة من كل ذنب آتيته
في ضياء النهار وسواد الليل وفي ملأٍ
وخلاءٍ وسرٍ وعلانية يا حليم..
اللهم أغفر لي ذنبي مغفرة
أنسى بها كل شئ سواك
وهب لي تقواك واجعلني
ممن يحبك ويخشاك..
اللهم إني مستغيث أستمطر
رحمتك الواسعة من خزائن جودك
فأغثني يا رحمن. لا إله إلا أنت سبحانك
وبحمدك ظلمت نفسي فارحمني إنك أرحم الراحمين.
يا من إذا عظٌمت على عبده الذنوب وكثرة العيوب
فقطرة من سحائب كرمك لا تبقي له ذنبا
ونظرةُُ من رضاك لا تترك له عيباً
أسألك يا مولاي أن تتوب علي وتغفر لي.
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!
اللهمَّ حببْ إليَّ فيه الإحسانَ ، وكرهْ إليَّ فيهِ الفسوقَ والعصيانِ ، وحرمْ عليَّ فيهِ السخطَ والنيرانَ ، بقوتكَ يا غوثَ المسنغيثينَ
هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!
نور على نوريهدي الله لنوره من يشاء
هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
كلمات من نور فى الحج
قال تعالى:
{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً. ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (سورة آل عمران)
{الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وأتقوى يا أولي الألباب} (سورة البقرة)
{وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} (سورة الحج).
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!
في الصمت عباده من غير عناء وزينه من غير حليه وهيبه من غير سلطان وحصن من غير حائط واستغناء عن الاعتذار الى احد وراحة للكرام الكاتبين وستر للعيوب .
هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!
القرآن الكريم هو كتاب الله ورسالته الخاتمة .. أنزله الخالق إلى الناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراطه المستقيم .. فصلت آياته بعلمه الذي سخر به كل ما في الكون لطاعته و بحكمته التي أخضعت كل شيء لقوانين رحمته .. كل آية من آياته تحوى إعجازا لا يتطاول إليه أحد من خلقه على مدى العصور ... ونقف اليوم أمام أول آيات من سورة الشمس ... وفيهـا توجيه من الخالق أن ينظر الإنسان إلى آيات الله في الآفاق وفى نفسه .. آيات حددهـا الخالق في تسلسل إلهي حكيم من تدبير رب العالمين .. حيث جاء يقول الحق: والشمس وضحـاهـا، والقمر إذا تلاهـا، والنهـار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاهـا، ونفس وما سواهـا، فألهمهـا فجورها وتقواهـا، قد أفلح من زكاها، و قد خاب من دسهـا ...
هكذا تبدأ السورة الكريمة بكلمة الشمس وسميت كذلك بالشمس، فالشمس هي النجم الذي تدور حوله وتتعلق به أرضنا في الفضاء، بخيوط تجذبهـا إليهـا، خيوط لا نراهـا ولكن نؤمن بوجودهـا، أطلق عليهـا العلماء خيوط الجاذبية ، وحاولوا أن يجدوا لها القوانين التي تحدد قيمتهـا على هذا الأساس، ولكن من الذي سن هذه القوانين وأخضع لهـا الأرض والشمس ... لا سبيل للأرض أن تظل سابحة هكذا فى الفضاء وتدور حول الشمس بهذه الدقة والاستقرار سوى التسليم بأن لهـا خالقـا قدر مقاديرهـا ودبر أمرهـا وأخضعهـا لطاعته وقوانين رحمته ... ويطلق العلماء على الشمس ومجموعة الكواكب التي تدور حولهـا ومنهـا الأرض ككوكب من كواكبهـا اسم "المجموعة الشمسية" ... وتملك الشمس وحدهـا كتلة تعادل 99.86% من كتلة المجموعة الشمسية .. ولا تتعدى أرضنا أكثر من
0.00003 من كتلة هذه المجموعة .. .. لهذا يأتى أول قسم بها فى هذه السورة الكريمة .. وكذلك لترتيبهـا في الخلق ، حيث يعتقد العلماء أن الكواكب التي تدور حول الشمس كانت جزئً منهـا ثم انفصلت عنهـا .. أي أن خلق الشمس جاء قبل خلق كل الكواكب بما فيهـا القمر و الأرض .. وبهذا يمكن أن نعتبر الشمس هي الأم لكل هذه الكواكب، فمنهـا جاء خلقهم عندما انفصوا عنها، ثم هي الحاضنة لهم، يدور الجميع في كنفهـا ولا تستقر حركتهم فى هذا الكون الفسيح إلا من حولهـا .. كما أثبت العلم أن هناك انطلاقاً مستمراً للطاقة من الشمس نتيجة لتفاعلات نووية تجرى بداخلهـا بصورة مستمرة ومستديمة ويتم من خلالهـا دمج نواتيذرتين من الهيدروجين لتكوين ذرة واحدة من غاز الهليوم الأقل وزنا من ذرتى الهيروجين .. ويتحول فرق هذه الكتلة إلى طاقة حرارية تصدرهـا الشمس .. فتبعث إلى من حولهـا الدفء والقدرة على الحركة .. ونجد أنه في كل ثانية تتحول ملايين الأطنان من كتلة الشمس إلى طاقة تبعثهـا الشمس باستقرار وثبات واستدامة إلى كواكبهـا ومنهم الأرض .. والضح هو البذل أو العطاء كما يعرفه علماء اللغة .. بذل تهبه وتعطيه الشمس في فترات الضحى فى كل بقعة تنيرها من بقاع الأرض على مدار اليوم الكامل .. كل بقعة لهـا حينها وتوقيتها ونهارها .. وبالقطع فإن ضحى الشمس أو تضحيتهـا تنقص من عمرهـا، وقد قدر العلماء أن عمر الشمس حوالي عشرة آلاف بليون سنة .. وأنهـا قضت نصف هذا العمر تقريباً وباقي النصف الآخر .. هكذا نجد شمسنا في ضحاها أو تضحيتهـا تمنح ما لديهـا من كتلتهـا ومحتواهـا من أجل استمرار حياة و دفء لمن تحضنهم من حولهـا، طاعة وامتثالاً لأمر خالقهـا ومدبر أمرهـا .. وما أوقات الضحى التي ننعم بهـا على الأرض سوى استنزافاً من كتلة الشمس وتكوينهـا وتعجيلاً بنهايتهـا وانتهاء عمرهـا .. هكذا جاء استكمال قسم الخالق في أول هذه السورة الكريمة بالشمس أولاً ثم بضحاها .. إنها إشارة تثير فى العقل تدبر لا ينتهي في أسرار هذا الكون .. من أوجد هذه الشمس لتحتضن أرضنا وتضحى من أجلهـا بهذا الثبات والاستقرار؟ ثم ما الذي علقهـا في هذا الكون رغم هول حجمهـا وضخامة كتلتهـا .. ثم كيف استقرت التفاعلات داخلها بالرغم من هولهـا بهذا الكمال وهذه الدقة .. من حدد لهـا هذه الكتلة وهذا الحجم وهذه المعدلات وهذه الدرجات بحيث لا تتغير ولا تتبدل على مدى الملايين من السنين والقرون والدهور ... إن فى مجرتنا أكثر من بليون نجم مثل الشمس، ولكن ليس لأي منهـا هذا الثبات والاستقرار مثل ما للشمس من ثبات واستقرار .. فأي نجم يزيد حجمه أو كتلته عما للشمس من حجم وكتلة وكثافة، يقصر عمره ولا يسمح للكواكب أن تستقر حركتها من حوله ، ولكن يضمهـا إليه وتذوب في أحشائه .. وإذا قلت هذه المقادير تتكاسل معدلاته وتتوه الكواكب من حوله .. ولكن الله خص نجمنا أو شمسنا بالمعدلات التى تستقر بهـا معدلاتها وحركات الكواكب من حولها .. إنهـا إرادة خالقهـا الذي ينبهنا إلى أن نتدبر هذا القسم الإلهي الذي يستفتح به هذه السورة المسماة باسمهـا.
ثم نأتي إلى الآية التالية .. توجيه آخر صادر من الخالق كي نتدبر آيات أخرى جاءت في كتابه كي نقرأ بهـا آيات الكون من حولنـا .. فنحن أمة اقرأ الذي كانت أول كلمة أوحى بهـا إلى رسول الله و بهـا بدأ الوحي ينزل من السماء على خاتم المرسلين .. نأتي إلى قسم الحق بظاهرة كونية أخرى تلت الشمس وتبعتهـا، حيث يقول الحق "والقمر إذا تلاهـا" .. من الثابت علمياً أن صخور القمر أقدم من صخور الأرض، لهذا فمن المحتمل أن خلق القمر قد جاء تالياً لخلق الشمس، وقبل خلق الأرض .. ولهذا جاء ترتيبه بعد الشمس وقبل الأرض في الآيات .. ثم أن القمر كرة من الصخور المعتمة غير القادرة على أن تشع نوراً من تلقاء نفسهـا .. ولكنه يستمد نوره من ضياء الشمس الساقط عليه، ولهذا يعد هذا الكوكب تابعا أو تالياً للشمس فيما يرسله إلى الأرض من نور .. وهذا ما تنص عليه الآية
فى حكمة وعلم ربانيين .. والقمر في ترتيب أفلاكه وتحوله من المحاق إلى الهلال ثم إلى البدر ثم رجوعه إلى هذه الدورات مرة كل شهر يعتمد على تداخل حركته حول الأرض مع حركتهما معاً حول الشمس .. فهو تالياً أيضاً للشمس في حركته مع الأرض من حولهـا .. ثم إن القمر بالرغم من حركته المركبة حول الأرض ومع الأرض حول الشمس إلا أنه تبعيته للشمس تبعية كاملة فهو يواجه الشمس بوجهه الثابت الذى لا يتغير على مر الأيام و الشهور و الأعوام .. لهذا فهو تابع أو تال مطيع للشمس فى نوره وحركاته واستقراره .. وهذا الوجود والظهور والنور للقمر مشروط بالتزامه فى تبعيته للشمس إتباعا كاملاً عبرت عنه الآية الكريمة بهذا اللفظ المشروط "إذا تلاها" .. هذا الشرط ندرك كنهه إذا ما علمنا أن القمر كتلة هائلة من الصخر يبلغ قطرهـا حوالي 3250 كيلومترا أى بلايين حجم أى قمر صناعى و يبعد عن الأرض مسافة 384000 كيلومترا .. أي آلاف المرات مثل بعد أى قمر صناعي .. ويعجز البشر حتى عصرنا هذا عن الاحتفاظ باستقرار حركة هذه الضآلات التي يطلقون عليها الاسم أقمارا سوى فترات قصيرة لا تزيد عن العام الواحد ... بالرغم من متابعتهـا بأجهزة التحكم وتصحيح المسارات وبما فيهـا من أجهزة إمداد للطاقة وأجهزة تصحيح المسارات، وبالرغم من سهولة حركة هذه السفن إذا قيست بحركة القمر .. حيث نرى القمر مانحا لضيائه ويتغير شكله أو تتبدل منازله كل يوم عن اليوم السابق له فى حركة منتظمة و ثابتة تتكرر كل شهر على مدى القرون و الدهور ... كيف استقرت الشمس ثم كيف استقر القمر فى مداراتهما وضيائهما ونورهمـا ... هكذا جاء هذا الإعجاز بهذا القسم لرب العالمين لعرض ظاهرتين كونيتين تدلان على حكمة خالقهما وعلم وقدرة مدبر أمرهمـا .. وهذا بأدق الكلمات وأحكم العبارات لكل ما يمكن أن تدركه عقولنـا وتستوعبه علومنا .. فتوقظ هذه العقول وتتنبه أن لهـا ربا دبر كل شيئ وقدر كل شيء بكل هذه الحكمة وهذه القدرة وهذا العلم .. رباً عزيزاًَ قديراً حكيماً رحيما أنزل على عبده الكتاب ليكون للعالمين نذيراً.
ثم تتوالى الآيات والمعجزات فيوجهنا القسم التالى لرب العالمين عن النهـار الذي يجلى ضياء الشمس وعطائها .. والنهار في أي بقعة من بقاع الأرض هو تلك الفترة التى تستمتع فيه تلك البقعة بدفء الشمس وسطوعهـا .. والتجلي هو التعاظم حيث يجعل الخالق للشمس شأناً عظيماً في ساعات النهـار عند كل بقعة سطعـت عليها بما تفيضه الشمس من ضياء يبدد الظلمات كى يمارس الناس نشاطهم و عملهم وحياتهم .. وهذا التجلي للشمس مشروط بما هيأه الخالق للشمس من أسباب حتى يكون لهـا هذا التجلي في ساعات النهـار، .. فلو جاء خلق الأرض من مواد تمتص أشعة الشمس كلهـا لمـا تجلت الشمس عند سطوعها .. فعندما نرى الرمال صفراء، يجب أن ندرك أن هذه الرمال امتصت جميع أشعة الشمس وألوان الطيف فيهـا كي تعطي الأرض هذا الدفء بما اختزنته داخلها من هذه الطاقة .. ولكنهـا تعكس لأعيننا موجات الشمس التي نراها باللون الأصفر .. وبانعكاس هذه الموجات نرى كل شيئ من حولنـا .. وكذلك .. عندما تنظر إلى البحار و تراها زرقاء، بالرغم من شفافية مياهها، فهذا لأن هذه البحار أيضا امتصت من الشمس جميع الألوان وجميع الإشعاعات الحرارية التي سقطت عليها من الشمس لتعطى الدفء لمخلوفاتهـا البحرية ونباتاتهـا المائية، ثم تعكس لنا قدراً بسيطاً من هذه الأشعة كي نرى البحار ونميز المخلوقات بداخلهـا، وهذا القدر تراه أعيننا التي صمم الخالق خلايا شبكيتهـا باللون الأزرق، فنرى البحار ونرى كل شيء حول البحار بما عكسته من أشعة وضياء للشمس .. وإذا رأيت السماء زرقاء أيضا بالرغم من شفافية الهواء، فهذا لأن هناك ذرات بعض الغازات في الهواء لهـا القدرة على امتصاص الأشعة قصيرة الطول مما ترسله الشمس خلالها من أشعة، وهي الأشعة التي تسبب اللون الأزرق فى أعيننـا .. ثم تعاود هذه الذرات إشعاعها مرة أخرى فنرى بهـا السماء زرقاء أو حمراء بحسب ما تمتصه ثم تشعه هذه الذرات ... ولو شاء الخالق أن تمتص هذه الرمال والبحار والسماء كل أشعة الشمس ولا تعكس منهـا شيئاً لرأينا صحراء قاتمة وبحار سوداء و سماءً مظلمة .. أي كوناً معتماً طوال ساعات النهـار .. أي نهاراً لا يعطى قيمة أو قدراً للشمس .. فلا تظهر هذه السيمفونية من ألوان الطيف من حولك ساعات السحر و الضحى .. لن تكون هناك هذه العظمة أو التجلي لساعات الشمس فى نهارها ..
و هناك نعمة أخرى .. فلو لم يخلق الله أعيننا بحيث ترى في المجال الذي تبعث الشمس ضياؤها من خلاله، أي الموجات الكهرومعناطيسية التي ينحصر طولهـا من 0.3 ميكرون و حتى 0.7 ميكرون، لأشرقت الشمس وغربت دون أن نشعر بهـا أو يكون لنا نهار يختلف عن الليل .. وهذا ما يحدث للعقارب والخفافيش التي قدر لها الله ألا ترى شيئاً بنور الشمس .. فالنهـار الذي يجلى الشمس و يجعل لهـا قدرا فى عيوننا جاء بتدبير إله قدير ، حدد الأطوال و خصص الصفات و صمم الأعين و دبر الانعكاسات و قدر الامتصاصات و هيأ القوانين و دبر الساعات و أحاط بالظلمات .. و لهذا أتى الحرف "إذا" قبل كلمة "جلاهـا" .. فهذا التجلي مرتبط بإرادته وحكمته ورحمته وقدرته هو لا أحد سواه الذى أتاح لهذا النهـار أن يجلى الشمس ويعظم من شأنهـا ويرفع قدر ضحاهـا وتضحيتهـا ... شمس تشع ما تراه الأعين وأسطح تعكس ما تدركه الأعين وعقل يترجم ما يصل إلى الأعين .. عبرت عنه كلمتين "إذا جلاهـا".
ثم نأتي إلى الآية التالية ويأتي فيهـا ذكر الليل أو ظلام الكون الذي يغشى شمسنا وكل شيء من حولنا .. و كما نعلم أن في السماء عددا هائلا من النجوم يزيد عن عدد الرمال فى الصحراء .. منهـا ما يزيد في حجمه عن الشمس ملايين المرات .. و لو اقتربت هذه النجوم من شمسنا لابتلعتهـا وكدرت سكون ليلهـا .. ولكن الخالق أبعد كل هذه النجوم عنا أبعاداً تصل إلى ملايين السنين، و احتفظ لسمائنا بظلامهـا .. ظلام يغلف شمسنا وأرضنا، وهذا رحمة منه وفضلاً، فلا شمس غير شمسنا في سمائنا القريبة منا .. وقد جاء الحرف "إذا" أيضا في هذه الآية مشروطاً بما قدره الله للشمس من مواقع أقصا بها عنـا باقي النجوم .. وقدر لأفلاكهـا أن تبتعد عنـا بهذه المسارات القاصية الأبعاد .. فنحن نسبح في ليل وظلام ممتد في أبعاد سحيقة قدره لهـا رب العالمين .. وهذا الظلام استطاع أن يراه الآن رواد الفضاء عندما يخرجون بسفنهم خارج مجال الأرض .. حيث يرون الظلام يغلف كل شيء فى هذا الكون من حولنا ... فهو يغلف الشمس و يغلف الأرض و يغلف القمر .. وكل ما يرونه مضيئا هو قرص الشمس سابحا فى الظلام .. ثم وجه الأرض الذى يسطع عليه ضياء الشمس و يتجلى فيه نهـارهـا .. وهذا الظلام الذي يغشى شمسنا مرتبط أيضا بأن الشمس لا يحيط بهـا هواء يعكس أشعتهـا ، وإلا لتبدد هذا الإشعاع قبل أن يصل إلينا عبر ملايين الكيلومترات التى تقطعهـا أشعة الشمس قبـل الوصول إلى الأرض .. إنهـا خصائص المادة التى تفصل بين الأرض و الشمس .. ويطلق عليهـا العلماء إسم الأثير .. ما هو هذا الأثير .. وكيف تنتقل من خلاله إشعة الشمس دون أن تتأثر بهـا وتنير الفضاء من حولهـا فلا تغشاها هذه الظلمة الموحشة لمن يرتاد السماء وينظر إليهـا .. هل هناك مادة اسمها الأثير حقاً أم هي من صنع خيال العلماء .. ولو كان لا وجود لهذه المادة .. فخلال أى شيئ يمكن أن تنتقل أشعة الشمس .. وكيف يفصل بين الأرض و السماء فراغا ضغطه صفر .. أى فراغ كامل .. وهل يستقيم مع هذا الفراغ الكامل استقرار الأرض والشمس في الكون دون أن ينضمان إلى بعضهمـا البعض .. هكذا نصل إلى أننا كلما اقتربنا من حقيقة يمكن أن تدركهـا عقولنـا آمنا أن هناك الكثير لا نستطيع أن ندركه .. عقولنا محدودة وعلومنا محددة .. فهذا الأثير الذى يفترض العلماء وجوده لا يستطيع أحد أن يتخيله .. ولهذا جاء قسم الحق بهذا الظلام الذى يغشى الشمس وسمائهـا .. ظلام أو ليل ارتبط بقدرته و قوانينه وعلمه وحكمته وأسراره التى لا ولن نعلم عنهـا شيئا .. هكذا جاء قسم الحق المرتبط بإرادته لأنه أرادهـا هكذا فى الحرف "إذا" و فى هذا القسم .. "والليل إذا يغشاهـا" ...
إن من ينظر إلى الآيات السابقة وينظر كيف وضعت كل هذه الحقائق عن ظلمة الكون التي تغشى كل شيء بما فيها الشمس ثم كيف خص الله الأرض بأن تتجلى الشمس في الجزء الذي تضح عليه أشعتهـا في ساعات النهـار، حقائق لم نعلم عنهـا شيئاً إلا بعد أن ذهب رواد الفضاء و صوروا لنا الشمس سابحة في بحر الظلام و لا يبدد هذا الظلام إلا وجه الأرض المضيء .. لقد جاء ذكرهـا بكل البساطة والإعجاز العلمي والبلاغي والموسيقى والجمالي .. إنه إعجاز خالقهـا ومدبر أمرهـا .. لا أحد سواه.
و بعد أن أقسم الحق بالشمس وضحاها وقمرها والظلمة من حولهـا، يقسم الحق بالسماء التي تعلقت فيهـا هذه الشمس بكواكبهـا وأرضهـا وقمرهـا، وتعلقت فيهـا هذه الأبراج بشموخهـا واستقرارهـا ...
ثم يقسم باستفسار رباني: ما بناهـا ؟ .. كيف استطاعت أن تحمل كل هذه الأوزان والأثقال .. كيف تم بناؤهـا لتتحمل وزن الشمس بداخلهـا والذي يصل إلى ملايين و ملايين وزن الأرض .. ثم هذه الأبراج التى تحتل داخلها أبعادا تصل إلى ملايين ملايين السنين الضوئية .. ما هى القوة وراء بنائهـا بهذا الإبداع والكمال والجمال .. ما هى الحكمة وراء حسابات تماسكهـا بهذا الجمود و الإتقان ... ما هى القدرة وراء بقائهـا كل هذه البلايين من السنين دون أن تنهـار كما تنهار المباني بعد مئة أو ألف عام .. كيف بنيت وكيف استقرت و كيف أبدعت وكيف توافقت ... أسئلة يثيرهـا الحق بهذا الاستفسار المعجز عن أسرار لا يعلمهـا أحد إلا هو .. وبالرغم من ادعاؤنا أننا فى عصر العلم .. إلا إنه لا أحد يعلم منا حقا "ما بناهـا" سوى أنهـا من أسرار الخالق الذى يعلم كيف بناهـا وما بناهـا .. لهذا يقسم الحق بهذا القسم عن حكمة و قدرة و علم و يقين بمدى عظمة هذا البناء الذى لا يعلم سره إلا هو ..
.. هذا ما كان من أمر القسم بالسماء و ما بناهـا ... ثم يأتى إلى قسم تالي .. قسم بالأرض .. هذا الكوكب الذي اختصه الرحمن باحتضان حياة الإنسان عليه .. كوكب لم يتيسر لسواه كل الأسباب والمقومات التي تقيم الحياة عليه ... وزنه وحجمه وطبيعته وكثافته وعناصره ورماله وجباله وهواؤه وماؤه وبحاره وسحبه ومحيطاته وشمسه وقمره وأفلاكه وأفلاك ما حوله وزواياه وأبعاده ودوراته ومساراته ولقد قال العلماء كي نجد الحياة على كوكب آخر فى الكون كله يجب أن تكون له نفس هذه المحددات التى ذكرتهـا ومحددات أخرى غفلت عن ذكرهـا .. لهذا يأتى قسم الحق بهذه الأرض .. ثم بهذا الاستفسار الإلهى الذي لا نعرف له سبباً .. ما طحاهـا ؟ .. و الطحو هو الدحو أو الإنتشار والانطلاق في هذا الكون حيث تدور الأرض حول نفسهـا مرة واحدة كل أربع وعشرون ساعة وحول شمسهـا مرة كل 365.25 فى دائرة يصل مسارها إلى ملايين الكيلومترات دون توقف أو انقطاع .. وكلمة أطاح بالشيء أي أطلقه
ومن كلمة طحاهـا اشتقت آلة الطاحون التى تدور وتدور بانتظام واستقرار .. فتتوزع الأعلاف بالتساوى بين رحاهـا دون اختلاف .. وهكذا في الأرض في طحاها وانطلاقهـا ودورانها حول نفسهـا يتوزع الدفء بين جنباتهـا ويتماثل ضغط الهواء فى غلافهـا والرياح على أطرافهـا والمياه والمجالات في جوفهـا .. ولكن ما هي القوة التي تدفعهـا بحيث تستمر طوال عمرهـا فى هذا الطحو أو الدحو .. من أين جاء العلم الذى قدر هذه الأبعاد وما هو مبعث الحكمة التى قدرت هذه السرعات و الزويا و المعدلات حتى تستقر الحياة على وجه الأرض بدرجات حرارة و ضغوط و اتزان و انسجام و التزام و كمال وجمال .. كل هذا عبرت عنه الآية فى استفسار بكلمتين "ما طحاهـا" .. وفى الآية السابقة عن السماء "ما بناهـا" .. لا رد أمامنا سوى إنهـا حكمتك أيهـا الخالق العظيم وقدرتك أيهـا الرب الرحيم .. لهذا جاء قسمك بشيء لا نعلم أسراره وأنت وحدك العليم به .. ومهما حاولت النظريات وافترضت الفرضيات ، فما زال العلم عاجزاً عن أن يتطاول إلى حدودنا التي حددتهـا لعقولنا ومداركنا .. حقاً ما بناهـا وما طحاهـا .. إنهـا مقابلة وانسجام وتسلسل منطقي .. فبدون السماء وبنائهـا وامتدادهـا .. ما كان للأرض انطلقهـا و طحوهـا ..تدور الأرض حول نفسهـا مرة واحدة كل أربع وعشرون ساعة
ثم نأتى إلى القسم الأخير فى سلسلة هذه الاستفسارات.." و نفس و ما سواهـا" .. إنه قسم بالنفس البشرية.. لغز الألغاز.. ولن أخوض في النفس البشرية وأعماقهـا .. فحديثى ينصب على آيات الحق فى الآفاق .. أما فى أنفسهم .. فلهـا رجالهـا .. ولكن أحاول أن أقف أمام استفسار الحق "و ما سواهـا" .. أنه استفسار عن أسرار حار العلماء فى معرفتهـا .. هل جبلت النفس البشرية على الشر ... و ما هى النفس و كيف استوت .. الجواب واضح فى الآية التالية لقسم الحق .. "ونفس وما سواهـا، فألهمها فجورها وتقواها".. أن الله خلق الأنفس جميعا على الفطرة .. نفساً سوية .. فالنفس البشرية جسد له رغباته ونزعاته وشهواته .. ثم نفخة روحانية لا ندرى كنهها لأنهـأ من روح الله فى جميع البشر منذ أن خلق الله سبحانه و تعالى آدم أبو البشر .. تتكرر فى خلق الأجنة كما أرشدنا رسول الحق .. هكذا يضعنا الحق أيضا بهذا القسم و الآية التالية له أمام سر من الأسرار الذى لا تصل إليه علومنـا .. لكن ما هى الروح التى تسيطر على الجسد و الرغبات و الشهوات .. إنهـا من أمر ربى و لم نؤت حقا من العلم إلا قليلا .. وعرف الحق أن الفجور فى ترك النفس نهبا للجسد وشهواته ومادياته .. والتقوى في تحكم هذه الروح والفكر والعقل في ردع الشهوات والرغبات وتسييرها كما شرع الخالق لها .. ولهذا لدى كل نفس الإلهام والمقدرة على الفجور طاعة لرغبات الجسد وعلى التقوى استجابة لصوت الروح والعقل ..إنهـا الأمانة التى حملهـا الخالق للبشر وترك لهم حرية الاختيار والقرار .. فلديه النجدين .. هكذا جاء تعريف النفس وخلقهـا كما تنص عليه الآية الكريمة فى إعجاز وسهولة ويسر، و لا يقدر على هذا الوصف والسرد والتسلسل سوى خالق النفس ومدبر وجودهـا وحياتهـا واستمرارهـا على أرضه وتحت شمسه وداخل بنائه وسمائه .. أشياء لا يعلم الإنسان من أسرارهـا شيئا بل لا يدرى من أمر نفسه أو روحه شيئا سوى ما قدر الله له .. آيات جاءت فى تسلسل ربانى حكيم لا يقدر على سرده بهذه الحكمة إلا رب العالمين ، لنعلم أنا لا نعلم شيئا من أسرار أنفسنا وما حولنا.
ثم نأتى إلى جواب قسم كل الآيات السابقة .. القسم بحق الشمس ومعجزاتهـا والسماء وبنائها والأرض وانطلاقها وفي النهاية بالنفس وتسويتهـا .. يأتى الجواب محددا و موضحا و مبينا أين طريق الفلاح وأين طريق الخيبة .. يأتى هذا النص الرباني الواضح أنه أفلح و فاز بالخير وظفر بالهداية ونجا من الشقاء كل إنسان طهر نفسه من السوء و سما بهـا عن الشر واتبع الحق وبعد عن الباطل وأخلص لمن دبر له أمر الشمس و الأرض والسماء والقمر ومنحه هذه النفخة الروحانية فاستجاب لصوت العقل و سار فى طريق الطاعة و الرحمة .. وأنه قد خاب وخسر نفسه وأوقعهـا في المهالك و أوردهـا غضب الخالق كل من انتقص من أمر روحه وأخفاهـا أو دسهـا ودسسهـا في رغبات جسده أو ألغى عقله وراء شطحاته و سخر نفسه للشر و ارتكاب المعاصى ومخالفة أوامر الله أو ترك الخير فى طاعة الخالق.
.. إنه جواب محدد وصريح وكامل ... والدليل أن هذا النص الربانى هو جواب هذا القسم أنه أعطى المثال على تنفيذ هذا الجواب والسنة والدستور والوعد والوعيد في قصة ثمود ... قتقص الآيات التالية كيف جاءت سنته فى عقاب ثمود التى حادت عن أمر ربهـا وكيف كانت الخيبة لمن أخضعوا أنفسهم للشهوات والحيود عن أمر ربهم ... وهذا عندما اتبعت ثمود أشقيائها وطغاتهـا وتركت نداء العقل من نبيها .. فكان العقاب أن استأصلهم الله من الأرض و دمدمها عليهم وأزالهم من الوجود انتظارا لسوء العاقبة فى الآخرة وعذابهـا .. قصة قوم عرفهـم العرب وأهل الكتاب يمرون على مساكنهم .. قصة حية بينهم كدليل واضح على سنن الله التى لا تتبدل ولا تتغير .. وقد جاء عن زيد بن أرقم أن رسول الله كان يقول هذا الدعاء عند سماع هذه الآيات "اللهم أنى أعوذ بك من العجز والكسل والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر .. اللهم آت نفوسنا تقواها و زكهـا أنت خير من زكاهـا أنت وليهـا و مولاهـا .. اللهم إنى أعوذ بك من قلب لا يخشع و من نفس لا تشبع و علم لا ينفع و دعوة لا يستجاب لهـا
اللهم إنى أعوذ بك من قلب لا يخشع و من نفس لا تشبع و علم لا ينفع و دعوة لا يستجاب لهـا .
وأعوذ بك أن افتن أو يفتن بي .. أعوذ بك أن أضل أو أضَل وأن أجهل ويجهل بي
أعوذ بك من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ..
من يهده الله فلا مضل له ..
اللهم نعوذ بك من الشيطان و أعوانه من الانس و الجن.
هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!
يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل...بقلم الدكتور: زغـلول النجـار
أستاذ علوم الأرض ـ ومدير كلية مارك فيلد في بريطانيا سابقاً
جاءت هذه الآية الكريمة في مقدمات سورة الزمر, والتي سميت بهذا الاسم لحديثها عن زمر المتقين, السعداء, المكرمين من أهل الجنة, وزمر العصاة, الأشقياء المهانين من أهل النار, وحال كل منهم في يوم الحساب.
و سورة الزمر مكية ـ شأنها شأن كل السور المكية التي يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة ـ ولذلك فهي تركز على عقيدة التوحيد الخالص لله, بغير شريك ولا شبيه ولا منازع.
واستهلت السورة بالحديث عن القرآن الكريم الذي أنزله ربنا( تبارك وتعالى) بالحق على خاتم الأنبياء والمرسلين( صلى الله عليه وسلم) هداية للناس كافة, وإنذارا من رب العالمين, وجعله معجزة خالدة إلي يوم الدين, وملأه بالأنوار الإلهية, والإشراقات النورانية, التي منها الأمر إلي رسول الله( صلى الله علىه وسلم) وإلي الناس كافة( بالتبعية لهذا النبي الخاتم والرسول الخاتم) بإخلاص الدين لله, وتنزيهه( جل في علاه) عن الشبيه والشريك والولد...!!!
وذكرت السورة عددا هائلا من الأدلة المادية الملموسة التي تشهد للخالق سبحانه وتعالى بطلاقة القدرة, وببديع الصنعة, وبإحكام الخلق, وبالتالي تشهد له( سبحانه) بالألوهية, والربوبية, والوحدانية, والتنزيه عن كل وصف لا يليق بجلاله, ومن هذه الأدلة المادية: خلق السماوات والأرض بالحق, وخلق كل شيء حسب مايشاء( سبحانه), تكوير الأرض وتبادل الليل والنهار علىها, وتسخير كل من الشمس والقمر( وتسخير كل أجرام السماء), خلق البشر كلهم من نفس واحدة, وخلق زوجها منها( وكذلك الزوجية في كل خلق), إنزال ثمانية أزواج من الأنعام, مراحل الجنين التي يمر بها الإنسان وخلقه في ظلمات ثلاث, إنزال الماء من السماء وخزن بعضه في صخور الأرض, إخراج الزرع ودورة حياته, حتمية الموت على كل مخلوق, تكافؤ النوم مع الوفاة, وقبض الأرض, وطي السماوات يوم القيامة...!!!
وتحدثت السورة الكريمة كذلك عن الإيمان الذي يرتضيه ربنا( تبارك وتعالى) من عباده, والكفر الذي لا يرضاه, وعن علم الله( تعالى) بكل مافي الصدور, وقدرته( جل جلاله) على محاسبة كل مخلوق بعمله, وتحدثت السورة عن طبائع النفس البشرية في السراء والضراء, وعن الفروق بين كل من الإيمان والكفر, والكافر والمؤمن في مواقفهما في الدنيا والآخرة, وبين الإغراق في المعاصي والإخلاص في العبادة, وبين كل من التوحيد والشرك, وبين الذين يعلمون والذين لا يعلمون, وعن العديد من مشاهد القيامة وأهوالها...!!!
كما تحدثت السورة الكريمة عن نفختي الصعق والبعث, ومايعقبهما من أحداث مروعة, وعن يوم الحشر حين يساق المتقون إلي الجنة زمرا, ويساق المجرمون إلي جهنم زمرا كذلك, ولكن شتان بين سوق التكريم, وسوق الإهانة والإذلال والتجريم, ويتم ذلك كله في حضرة الأنبياء والشهداء, والملائكة حافين من حول العرش, والوجود كله خاضع لربه, متجه إليه بالحمد والثناء, راج رحمته, مشفق من عذابه, راض بحكمه, حامد لقضائه...!!!
صورة لكوكب الأرض من الفضاءومن الأدلة المادية المطروحة للاستدلال على طلاقة القدرة الإلهية على الخلق, وبالتالي على الشهادة له( سبحانه) بالألوهية والربوبية قوله( تعالى):
خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار.( الزمر:5)
وهي آية جامعة, تحتاج في شرحها إلي مجلدات, ولذا فسوف أقتصر هنا على الإشارة إلي كروية الأرض وإلي دورانها من قبل ألف وأربعمائة سنة, في زمن ساد فيه الاعتقاد بالاستواء التام للأرض بلا أدني انحناء, وبثباتها, وتمت الإشارة إلي تلك الحقيقة الأرضية بأسلوب لا يفزع العقلية البدوية في زمن تنزل الوحي, فجاء التكوير صفة لكل من الليل والنهار, وكلاهما من الفترات الزمنية التي تعتري الأرض, فإذا تكورا كان في ذلك إشارة ضمنية رقيقة إلي كروية الأرض, وإذا تكور أحدهما على الآخر كان في ذلك إشارة إلي تبادلهما, وهي إشارة ضمنية رائعة إلي دوران الأرض حول محورها, دون أن تثير بلبلة في زمن لم تكن للمجتمعات الإنسانية بصفة عامة والمجتمعات في جزيرة العرب بصفة خاصة أي حظ من الثقافة العلمية, وسوف نفصل ذلك في السطور القادمة إن شاء الله( تعالى) بعد شرح دلالة الفعل( كور) في اللغة العربية, واستعراض شروح المفسرين لدلالات تلك الآية الكريمة.
الدلالة اللغوية
صورة للأرض من الفضاء
يقال في اللغة العربية كار) الشيء( يكوره)( كورا) و( كرورا), و( يكوره)( تكويرا) أي أداره, وضم بعضه إلي بعض,( ككور) العمامة, أو جعله كالكرة, ويقال طمنه فكوره) إذا ألقاه مجتمعا, كما يقال( اكتار) الفرس إذا أدار ذنبه في عدوه, وقيل للإبل الكثيرة( كور), و( كوارة) النحل معروفة, و( الكور) الرحل, وقيل لكل مصر( كورة) وهي البقعة التي يجتمع فيها قري ومحال عديدة, و( الكرة) التي تضرب بالصولجان, وتجمع على( كرين) بضم الكاف وكسرها, كما تجمع على كرات.
وجاء الفعل المضارع( يكور) في القرآن الكريم كله مرتين فقط في الآية الكريمة التي نحن بصددها, وجاء بصيغة المبني للمجهول مرة واحدة في قول الحق( تبارك وتعالى):
إذا الشمس كورت( التكوير:1)
أي جعلت كالكرة بانسحاب ألسنة اللهب المندفعة منها إلي آلاف الكيلو مترات خارجها, إلي داخلها كناية عن بدء انطفاء جذوتها.
شروح المفسرين
في تفسير قوله تعالى:
خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار( الزمر:5)
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: يخبر تعالى أنه الخالق لما في السماوات والأرض, ومابين ذلك من الأشياء, وبأنه مالك الملك, المتصرف فيه, يقلب ليله ونهاره( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) أي سخرهما يجريان متعاقبين, ولا يفترقان, كل منهما يطلب الآخر طلبا....
ويضيف: وقوله عز وجل: وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي أي إلي مدة معلومة عند الله تعالى, ثم ينقضي يوم القيامة,( ألا هو العزيز الغفار) أي مع عزته وعظمته وكبريائه, هو غفار لمن عصاه ثم تاب وأناب إليه.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) مانصه خلق السماوات والأرض بالحق) ولحكمة, لا عبثا باطلا, متعلق بـ خلق.
( يكور) أي يدخل ـ الليل على النهارـ فيزيد( ويكور النهار) يدخله ـ على الليل ـ فيزيد.
وجاء في الهامش التعليق التالي من أحد المحققين: قوله تعالى( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) ما ذكره المؤلف الجلال المحلي في معني التكوير هو معني الإيلاج الوارد في مثل قوله تعالى( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل), وهذا تفسير غير موافق لمعني اللغة, لأن التكوير والإيلاج ليسا بمعني واحد, وإلا فما معني قوله تعالى( إذا الشمس كورت)؟ قال:في القاموس: التكوير في اللغة طرح الشيء بعضه على بعض, ومنه كور العمامة, فيكون معني الآية: ان الله تعالى سخر الليل والنهار يتعاقبان, يذهب أحدهما فيعقبه الآخر الي يوم القيامة, وفي الآية إشارة واضحة إلي أن الأرض لاتخلو من ليل في مكان ونهار في آخر, على مدار الساعة.
إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَوذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) ما نصه:
(خلق السماوات والأرض).. وأنزل الكتاب بالحق.. فهو الحق الواحد في ذلك الكون وفي هذا الكتاب.. وكلاهما صادر من مصدر واحد, وكلاهما آية على وحدة المبدع العزيز الحكيم,( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل).. وهو تعبير عجيب يقسرالناظر فيه قسرا على الالتفات الي ما كشف حديثا عن كروية الأرض, ومع أنني في هذه الظلال حريص على ألا أحمل القرآن على النظريات التي يكشفها الإنسان, لأنها نظريات تخطيء وتصيب, وتثبت اليوم وتبطل غدا, والقرآن حق ثابت يحمل آية صدقه في ذاته, ولا يستمدها من موافقة أو مخالفة لما يكشفه البشر الضعاف المهازيل!
مع هذا الحرص فإن هذا التعبير يقسرني قسرا على النظر في موضوع كروية الأرض, فهو يصور حقيقة مادية ملحوظة على وجه الأرض, فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس, فالجزء الذي يواجه الشمس من سطحها المكور يغمره الضوء ويكون نهارا, ولكن هذا الجزء لايثبت لأن الأرض تدور, وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان علىه النهار, وهذا السطح مكور, فالنهار كان علىه مكورا, والليل يتبعه مكورا كذلك, وبعد فترة يبدأ النهار من الناحية الأخري يتكور على الليل, وهكذا في حركة دائبة( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل).. واللفظ يرسم الشكل, ويحدد الوضع, ويعين نوع طبيعة الأرض وحركتها, وكروية الأرض ودورانها يفسران هذا التعبير تفسيرا أدق من أي تفسير آخر..
وذكر صاحب صفوة البيان( رحمه الله رحمة واسعة) ما نصه يكور الليل على النهار) تكوير الشيء إدارته, وضم بعضه إلي بعض ككور العمامة, أي أن هذا يكر على هذا, وهذا يكر على هذا كرورا متتابعا كتتابع أكوار العمامة بعضها على إثر بعض, إلا أن أكوار العمامة مجتمعة, وفيما نحن فيه متعاورة.. وقيل المعني: يزيد الليل على النهار ويضمه إليه, بأن يجعل بعض أجزاء الليل نهارا, فيطول النهار عن الليل, ويزيد النهار عن الليل ويضمه إليه بأن يجعل بعض أجزاء النهار ليلا فيطول الليل عن النهار, وهو كقوله تعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل)
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيراً) مانصه: خلق السماوات والأرض متلبسا بالحق والصواب على ناموس ثابت, يلف الليل على النهار ويلف النهار على الليل على صورة الكرة, وذلل الشمس والقمر لإرادته ومصلحة عباده, كل منهما يسير في فلكه إلي وقت محدد عنده.. وهو يوم القيامة, ألا هو ـ دون غيره ـ الغالب على كل شيء, فلا يخرج شيء عن إرادته, الذي بلغ الغاية في الصفح عن المذنبين من عباده وجاء في الهامش هذا التعلىق: تشير هذه الآية الكريمة إلي أن الأرض كروية تدور حول نفسها لأن مادة التكوير معناها لف الشيء على الشيء على سبيل التتابع, ولو كانت الأرض غير كروية( مسطحة مثلا) لخيم الليل أو طلع النهار على جميع أجزائها دفعة واحدة
يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل
وذكر صاحب صفوة التفاسير( بارك الله في جهده) خلق السماوات والأرض بالحق) أي خلقهما على أكمل الوجوه وأبدع الصفات, بالحق الواضح والبرهان الساطع( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) أي يغشي الليل على النهار ويغشي النهار على الليل, وكأنه يلف علىه لف اللباس على اللابس, قال القرطبي: وتكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتي يذهب ضوءه ويغشي النهار على الليل فيذهب ظلمته وهذا منقول عن قتاده...
كروية الأرض في المعارف المكتسبة
كان أول من قال بكروية الأرض فلاسفة الحضارة العراقية القديمة المعروفة باسم حضارة مابين النهرين في حدود سنة2000 ق.م وعنهم أخذ فلاسفة اليونان ومنهم فيثاغورس الذي نادى بها في منتصف القرن السادس ق.م مؤكدا أن الشكل الكروي هو أكثر الأشكال الهندسية انتظاما لكمال انتظام جميع أجزاء الكرة, بالنسبة إلي مركزها, وعلى ذلك فإن الأرض وجميع أجرام السماء لابد وأن تكون كروية الشكل.
وبقي هذا الرأي شائعاً في الحضارة اليونانية القديمة حتى القرن الرابع ق.م إلى أن عارضه أرسطو فشاع بين الناس الاعتقاد باستواء الأرض بلا أدني انحناء.
وفي عهد الخليفتين العباسيين الرشيد والمأمون في القرن الهجري الثاني وأوائل الثالث نادى عدد من علماء المسلمين ومنهم البيروني وابن سيناوالكنديوالرازي وغيرهم بكروية الأرض التي استدلوا عليها بعدد من الظواهر الطبيعية التي منها ما يلي:
(1) استدارة حد ظل الأرض حين يقع على سطح القمر في أوقات خسوفه
(2) اختلاف ارتفاع النجم القطبي بتغير مكان الراصد له قربا من خط الاستواء أو بعدا عنه.
(3) تغير شكل قبة السماء من حيث مواقع النجوم وتوزيعها فيها باقتراب الراصد لها من أحد القطبين.
(4) رؤية الأفق دوما على هيئة دائرة تامة الاستدارة واتساع دائرته بارتفاع الرائي على سطح الأرض.
(5) ظهور قمم الجبال البعيدة قبل سفوحها بتحرك الرائي إليها, واختفاء أسافل السفن قبل أعاليها في تحركها بعيدا عن الناظر إليها.
وقام علماء المسلمين في هذا العصر الذهبي بقياس محيط الأرض بدقة فائقة, وبتقدير مسافة درجة الطول في صحراء العراق وعلى طول ساحل البحر الأحمر, وكانوا في ذلك سابقين للحضارة الغربية بتسعة قرون على الأقل, فقد أعلن الخليفة المأمون لأول مرة في تاريخ العلم أن الأرض كروية ولكنها ليست كاملة الاستدارة.
ثم جاء نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي ليتحدث عن نقص تكور الأرض من منطلق آخر إذ ذكر أن مادة الأرض خاضعة لقوتين متعارضتين: قوة الجاذبية التي تشد مادة الأرض إلي مركزها, والقوة الطاردة المركزية الناشئة عن دوران الأرض حول محورها والتي تدفعها إلي الخارج والقوة الأخيرة تبلغ ذروتها عند خط استواء الأرض فتؤدي إلي انبعاجها قليلا بينما تنقص إلى أقل قدر لها عند القطبين فيتفلطحان قليلا, ثم جاء تصوير الأرض من الفضاء في أواخر القرن العشرين ليؤكد كلا من كروية الأرض وانبعاجها قليلا عند خط استوائها
كروية الأرض في القرآن الكريم
من الحقائق الثابتة عن الأرض أنها مكورة( كرة أو شبه كرة), ولكن نظرا لضخامة أبعادها فإن الإنسان يراها مسطحة بغير أدني انحناء, وهكذا ساد الاعتقاد بين الناس بهذا التصور للأرض إلي زمن الوحي بالقرآن الكريم, وإلي قرون متطاولة من بعد ذلك بل بين العوام إلي يومنا هذا, على الرغم من وجود عدد من الملاحظات القديمة التي تشير إلي كرويتها.
ولذلك فإن القرآن الكريم يتحدث عن هذه الحقيقة بطريقة غير مباشرة, وبصياغة ضمنية لطيفة, ولكنها في نفس الوقت بالغة الدقة والشمول والأحكام, وجاء ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن تكور كل من الليل والنهار على الآخر, وولوجه فيه وانسلاخه منه, وعن مد الأرض وبسطها, ودحوها وطحوها, وكثرة المشارق والمغارب فيها مع بقاء قمة عظمي ونهايتين لكل منهما, ومن تلك الآيات قوله( تعالى):
(ا) خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار. (الزمر: آية5)
ومعني يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل أي يغشي كل واحد منهما الآخر كأنه يلفه عليه, وهو وصف واضح الدلالة على كروية الأرض, وعلى دورانها حول محورها أمام الشمس, وذلك لأن كلا من الليل والنهار عبارة عن فترة زمنية تعتري نصف الأرض في تبادل مستمر, ولو لم تكن الأرض مكورة لما تكور أي منهما, ولو لم تكن الأرض تدور حول محورها أمام الشمس ما تبادل الليل والنهار وكلاهما ظرف زمان وليس جسما ماديا يمكن أن يكور, بل يتشكل بشكل نصف الأرض الذي يعتريه, ولما كان القرآن الكريم يثبت أن الله تعالى يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وهما فترتان زمنيتان تعتريان الأرض, فلابد للأرض من أن تكون مكورة, ولابد لها من الدوران حول محورها أمام الشمس.
ومن هنا كان التعبير القرآني بتكوير كل من الليل والنهار فيه إعلام صادق عن كروية الأرض, وعن دورانها حول محورها أمام الشمس, بأسلوب رقيق لا يفزع العقلية السائدة في ذلك الزمان التي لم تكن مستعدة لقبول تلك الحقيقة, فضلا عن استيعابها, تلك الحقيقة التي أصبحت من البديهيات في زماننا وإن بقي بعض الجهال على إنكارها إلي يومنا هذا وإلي قيام الساعة, والتكوير يعني جعل الشيء على هيئة مكورة( هيئة الكرة أو شبه الكرة), إما مباشرة أو عن طريق لف شيء على شيء آخر في اتجاه دائري شامل( أي في اتجاه كروي), وعلى ذلك فإن من معاني يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل أن الله( تعالى) ينشر بالتدريج ظلمة الليل على مكان النهار من سطح الأرض المكور فيحوله إلي ليل مكور, كما ينشر نور النهار على مكان ظلمة الليل من سطح الأرض المكور فيحوله نهارا مكورا, وبذلك يتتابع كل من الليل والنهار على سطح الأرض الكروي بطريقة دورية, مما يؤكد حقيقتي كروية الأرض, ودورانها حول محورها أمام الشمس بأسلوب لا يفزع الأفراد ولا يصدم المجتمعات التي بدأ القرآن الكريم يتنزل في زمانها والتي لم يكن لها حظ من المعرفة بالكون وحقائقه.
(ب) والإشارات القرآنية الضمنية إلي حقيقة كروية الأرض ليست مقصورة على آية سورة الزمر( الآية الخامسة) وحدها, وذلك لأن الله( تعالى) يؤكد في عدد من آيات القرآن الكريم على مد الأرض أي على بسطها بغير حافة تنتهي إليها. وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت الأرض كروية الشكل, لأن الشكل الوحيد الذي لا نهاية لبسطه هو الشكل الكروي, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالى):
(1) وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا.( الرعد:53)
(2) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ( الحجر:19)
(3) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج.( ق:7)
( جـ) كذلك يؤكد القرآن الكريم كروية الأرض في آيات التطابق( أي تطابق كل من السماوات والأرضين) ولا يكون التطابق بغير انحناء وتكوير, وفي ذلك يقول( ربنا تبارك وتعالى):
الذي خلق سبع سماوات طباقا..( الملك:3) أي متطابقة, يغلف الخارج منها الداخل فيها, ويشير القرآن الكريم إلى اتفاق الأرض في ذلك بقول الحق( تبارك وتعالى): الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن..( الطلاق:12). أي سبع أرضين متطابقة حول مركز واحد يغلف الخارج منها الداخل فيها.
(د) كذلك تشير آيات المشرق والمغرب التي ذكرت بالافراد, والتثنية, والجمع إلي حقيقة كروية الأرض, وإلي دورانها حول محورها أمام الشمس, وإلي اتجاه هذا الدوران, وفي ذلك يقول الحق(تبارك وتعالى):
(1) قال رب المشرق والمغرب ومابينهما إن كنتم تعقلون( الشعراء:28)
(2) رب المشرقين ورب المغربين (الرحمن:17)
(3) فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين( المعارج:41,40)
فالمشرق هو جهة طلوع الشمس, والمغرب جهة غيابها, ووجود كل من المشرق والمغرب يؤكد كروية الأرض, وتبادلهما يؤكد دورانها حول محورها أمام الشمس من الغرب إلي الشرق, ففي الوقت الذي تشرق فيه الشمس على جهة ما من الأرض تكون قد غربت في نفس اللحظة عن جهة أخري, ولما كانت الأرض منبعجة قليلا عند خط الاستواء كانت هناك قمة عظمي للشروق وأخرى للغروب(رب المشرق والمغرب), ولما كانت الشمس تشرق على الأرض في الفصول المختلفة من نقاط مختلفة, كما تغرب عنها من نقاط مختلفة( وذلك بسبب ميل محور دوران الأرض بزاوية مقدارها23,5 درجة على مستوي فلك دورانها حول الشمس), كانت هناك مشارق عديدة, ومغارب عديدة( رب المشارق والمغارب), وكانت هناك نهايتان عظميان لكل من الشروق والغروب( رب المشرقين ورب المغربين), وينتشر بين هاتين النهايتين العظميين نقاط متعددة لكل من الشروق والغروب على كل من خطوط الطول وخطوط العرض, وعلى مدار السنة, لأن دوران الأرض حول محورها أمام الشمس يجعل النور المنبثق عن ضوء هذا النجم ينتقل على سطح الأرض الكروي باستمرار من خط طول إلي آخر محدثا عددا لا نهائيا من المشارق والمغارب المتعاقبة في كل يوم.
ووجود كل من جهتي المشرق والمغرب, والنهايات العظمي لكل منهما, وما بينهما من مشارق ومغارب عديدة, وتتابع تلك المشارق والمغارب على سطح الأرض يؤكد كرويتها, ودورانها حول محورها أمام الشمس, وميل محور دورانها على مستوي فلك دورانها, وكل ما ينتج عن ذلك من تعاقب الليل والنهار, وتبادل الفصول المناخية, واختلاف مطالع الشمس ومغاربها على مدار السنة, وكلها من الحقائق الكونية التي لم تكن معروفة وقت تنزل القرآن الكريم, ولا لقرون متطاولة من بعده إلا بصورة بدائية ولنفر محدودين جدا من أبناء الحضارات السابقة التي لم تصل كتاباتهم إلي شبه الجزيرة العربية إلا بعد حركة الترجمة التي بدأت في منتصف القرن الهجري الثاني( أي منتصف القرن الثامن الميلادي) في عهد الدولة العباسية, وورود مثل هذه الحقائق الكونية في ثنايا الآيات القرآنية بهذه الإشارات اللطيفة والدقيقة في نفس الوقت لمما يؤكد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, وأن النبي والرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض, وهي من الحقائق الاعتقادية التي يحتاجها إنسان اليوم الذي توفر له من أسباب التقدم العلمي والتقني ما لم يتوفر لجيل من البشر من قبل, ولكنه في ظل هذا التقدم فقد الصلة بخالقه, ففقد الكثير من القيم الأخلاقية النبيلة والضوابط السلوكية الصحيحة التي تدعو إلي الارتقاء بالانسان إلي مراتب التكريم التي رفعه إليها رب العالمين وتعينه على إقامة عدل الله في الأرض, بدلا من المظالم العديدة التي تجتاحها في كثير من أجزائها, والخراب والدمار والدماء التي تغرقها, في ظل غلبة أهل الباطل على أهل الحق, وفقدان هؤلاء الكفار والمشركين لأدني علم بالدين الذي يرتضيه رب العالمين من عباده, ولعل في الاشارة إلي مثل هذا السبق القرآني بالعديد من حقائق الكون ومظاهره ما يمكن أن يمهد الطريق إلي الدعوة لهذا الدين, وتصحيح فهم الآخرين لحقيقته من أجل تحييد هذا الكم الهائل من الكراهية للاسلام والمسلمين والتي غرسها ولا يزال يغرسها شياطين الإنس والجن في قلوب الأبرياء والمساكين من بني البشر فبدأوا بالصراخ بصراع الحضارات ونهاية العالم, وبضرورة اشعال حرب عالمية ثالثة بين الغرب( وهو في قمة من التوحد, والتقدم العلمي, والتقني, والتفوق الاقتصادي والعسكري), والعالم الاسلامي( وهو في أكثر فترات تاريخه فرقة, وتمزقا, وانحسارا ماديا وعلميا وتقنيا وتخلفا عسكريا), من أجل القضاء على دين الله الحق.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.( يوسف:21).
بحث هام وقيم
جزاك الله خيراً أخي الفاضل
وحفظك ورعاك
هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 12 (0 من الأعضاء و 12 زائر)
المفضلات