تصاحب فترة الصيام مجموعة من التغيرات :
يحتاج الجسم لتأدية مهامه للطاقة مثلما تحتاجالسيارة للوقود، هذه الطاقة يوفرها الجسم انطلاقا من هضم و استقلاب الأغذية التييتناولها الإنسان
انطلاقا من وجبات متفرقة طوال اليوم ، إلا أن شهر رمضان يعتبرحالة خاصة لأن الصائم يمسك فيه عن الطعام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس
وهي مدة غالبا ما تتجاوز إثني عشر ساعة عادة ما يكون الشخص قد تناول فيها وجبتين أو ثلاث في الإفطار، هذا التغير في نظام الوجبات يرغم
الجسم على التكيف ويحدث العديد من التغييرات على المستوى الفيزيولوجي والنفسي تعود كلها على الصائم بالنفع والبركة، كيف لا والصوم أمر رباني
وحكمة إلاهية حيث يقول تعالى : " وأن تصوموا خير لكم إنكنتم تعلمون " فالصوم كله خير إن على المستوى الديني أو الصحي أو النفسي أو غير ذلك .
و يقول الدكتور العالمي ألكسيس كاريك: "إن كثرة وجبات الطعام تعطل وظيفة أدت دورا عظيما في بقاء الأجناس البشرية، وهي وظيفة التكيف
مع قلة الطعام، ولذلك كان الناس يلتزمون الصوم والحرمان من الطعام".
وكما هو معلوم فإن نسبة السكر في الدم مضبوطة، وأي نقص أو زيادة في هذه النسبة يترجم بمشاكل صحية، فأثناء الصوم يستنفذ الجسم سكر
الجلوكوز الموجود في الخلايا والذي يأتيها بواسطة الدم فيضطر الجسم إلى تفكيك مخزون السكر المتواجد في الكبد عبارة عن جليكوجين ، وعند نفاذ
هذا المخزون أيضا يمر الجسم إلى استهلاك الدهنيات ثم إذا استمر الخصاص يلتجأ إلى البروتينات كحل أخير . ومنه فإن الصوم يقضي على الطعام الزائد
في الجسم ويمكن من تجديد مخزون الجليكوجين في الكبد ومن تقليل فضلات التحولات في خلايا الجسم، فينقص تراكم الدهون حول الأوعية مما يسهل
حركة الدورة الدموية ويزيد الجسم سلامة وحيوية.
يمكن الصيام من مقاومة العديد من الأمراض:
سبق أن قلنا أن الصوم ترافقه تغييرات تعود على الإنسان بالنفع لامحالة ، لأنه لا يعقل أن يشرع الله تعالى شيئا دون أن تكون فيه مصلحة للعباد، وقد
أثبتت مجموعة من الدراسات منافع للصوم في الوقاية من عدة أمراض أو في تأثيره على حالة بعض المرضى ، وقد يصل ذلك إلى أمرهم بعدم الصوم من
طرف الطبيب المسلم الثقة، وقد أثبتت دراسات أجنبية أجريت على مجموعة من الصائمين أن كفاءة الأداء العضلي لهم تحسنت بنسبة 20% وآلام الساقين
بنسبة 11% وسرعة دقات القلب بنسبة 20%, وقد فسرت هذه النتائج انه: " خلال الصيام يتوجه جزء من الدم إلى العضلات والمخ بدلاً من تركيزه على
المعدة لهضم الطعام في الأيام العادية، فيؤدي ذلك إلى مزيد من النشاط والحيوية وتنظيم الدورة الدموية".
وفيما يلي أمثلة لتفاعلات الصوم مع بعض الأمراض :
· الصوم ومرضى السكري:على مرضى السكري في رمضان تنظيم جرعات الأنسولين حسب الوقت والكم تحت إشراف طبيب مختص يقلل أحيانا من
جرعة الدواء كي لا يدخل المريض في حالة هبوط في مستوى السكر. وهناك أمر يشغل الأطباء وهو هبوط مستوى السكر في الدم إلى مستوى مقلق يعتبر
حالة طوارئ تحتاج إلى تتبع واحتياط، وتتميز أعراضها بالشعور بالخمول أو الدوخة أو شعور بخفقان في ضربات القلب أو تعرق في الجسم، و إذا انتاب
المريض شيء من هذه العلامات فعليه أن يتناول كمية من السكّريات حتى لا يتعرض لمضاعفات خطيرة. ويجدر بهؤلاء المرضى اتباع السنة النبوية في
تأخير السحور و تقليل النشاط الجسماني غير الضروري في فترة آخر النهار، مما يساعدهم على الوقاية من حالة الخمول ونقص السكر .
· الصوم ومرضى القلب وارتفاع الضغط المزمن: يضخ القلب عادة الدم إلى مختلف أعضاء الجسم ، ويستفيد الجهازالهضمي من 10% من
هذه الكمية ، لكن أثناء الصوم يرتاح الجهاز الهضمي ويتوقف القلب عن ضخ هذه الكمية ، مما يساعد مرضى القلب والذبحة الصدرية الذين سمح لهم
الطبيب بالصوم على تحسين حالتهم . وقد أجري بقسم القلب بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة بحثًا على 86 مريضًا مصابين بأمراض
القلب المختلفة خلال شهر رمضان الفائت، وبينت الدراسة أن حوالي 80% من هؤلاء المرضى استطاعوا صيام رمضان بينما اضطر 10% من هؤلاء
المرضى إلى الإفطار لعدة أيام في رمضان، ومع نهاية شهر رمضان، شعر 7% من المرضى بتحسن في حالتهم الصحية بينما شعر 11% منهم بازدياد
الأعراض التي كانوا يشكون منها.
ويستطيع المصابون بارتفاع ضغط الدم الصوم مع ضرورة الاعتناء بتناول الأدوية لاسيما أن هناك أدوية تؤخذ لمرة أو مرتين في اليوم ، وينصحون
بعدم الإفراط في تناول الأطعمة المملحة.
· الصوم والجهاز الهضمي: يرتاح الجهاز الهضمي نسبيا في شهر رمضان لقلة الوجبات، مما يفيد الناس عموما ومرضى هذا الجهاز على وجه
الخصوص، لكن هذه الفائدة تحصل إذا اتبع الصائم تعاليم الدين الحنيف والسنة المطهرة ، حيث يقول تعالى: " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا " فلا يجب الإسراف
في الطعام عند الإفطار ومباغتة المعدة بكمية كبيرة من الطعام بعدما كانت خاملة مرتاحة أثناء الصوم ، بل يجب الإفطار على التمر والقهوة العربية أو الماء
ثم بعد العودة من صلاة المغرب يتم الأكل المعتدل حتى يتمكن الصائم من أداء صلاة التراويح على أحسن وجه . وينصح مرضى عسر الهضم أو القرحة أو
التهاب المريء وغيرها من أمراض الجهازالهضمي، تجنب الإفراط في الطعام عند الإفطار أو السحور مع توزيع كمية الطعام على فترات متفاوتة وتجنب
كثرة الدهون والاستلقاء بعد الإفطار .
· الصوم والأمراض النفسية: أثناء الصوم ينقص السكر في الدم مما يؤدي إلى الفتور والسكينة فيشعرالصائم بالطمأنينة والتواضع ، ويقول
النبي الكريم عليه الصلاة والسلام : ( الصيام جُنّة ، فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وان امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم ) رواه البخاري
وغيره، ما أجمله من توجيه يهدأ النفس ويبعدها عن القلق والشحناء فيرتاح صاحبها ويشعر بالهدوء ، لهذه الأغراض ثبت أن الصوم يفيد العديد منالمرضى
النفسيين وقد أثبتت دراسات عديدة انخفاض نسبة الجريمة بوضوح في البلاد الإسلامية خلال شهر رمضان، للصوم آثار إيجابية في تقوية الإرادة التي تعتبر نقطة
ضعف في كل مرضي النفس، كما إن لصوم و تقرب إلى الله يمنح أملاً في الثواب ويساعد علي التخلص من المشاعر السلبية المصاحبة لمرض النفسي،
كما أن الصبر الذي يتطلبه الامتناع عن تناول الطعام والشراب والممارسات لأخرى خلال النهار يسهم في مضاعفة قدرة المريض على الاحتمال ."
· الصوم و مرضى الحصيات الكلوية: ينصح هؤلاء بتناول كميات كافية وافرة من السوائل في المساء وعند السحور،
مع تجنب التعرض للحر والمجهود المضني أثناء النهار.
· الصوم و مرضى العيون: تشير الأبحاث إلى أن هناك بعض أمراض العين تتحسن تحسنا ملموسا بالصوم كالجلوكوما المزمنة البسيطة إذ يؤدي
الصوم إلى مقاومة هذا المرض بانخفاض في معدل إفراز السائل المائي الذي يؤدي إلى انخفاض ضغط العين الداخلي، وهذا هو نفس المفعول الذي يحدث
نتيجة استعمال العقاقير المخفضة لضغط العين التي تعمل على تثبيط نشاط زوائد الجسم الهدبي .
· الصوم والتغذية: وعن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي على رطيبات، فإن لم تكن رطيبات فتمرات ، فإن لم
تكن تمرات حسا حسوات من الماء " فالتمر والماء يدفعان الجوع والعطش وأثناء أداء صلاة المغرب يتم امتصاصهما فيذهب النهم والجوع الشديد عن
الصائم ويتناول وجبة الإفطار باعتدال ويتفادى انتفاخ المعدة وعسر هضم . وتمكن صلاة التراويح من تسريع الهضم بحركات الركوع والسجود كما أنها
تجلب الراحة لنفسية . ويقول أخصائيو التغذية العلاجية : "ان على الصائمين تناول الطعام ببطء ومضغه جيدًا، ويجب المحافظة على هذه العادة لأنها تساعد
على حسن الهضم بسهولة وتشعر الشخص بالشبع الصحي؛ وينصح بأن يكون الطعام دافئاً ولا يكون حارًا بدرجة شديدة، ولا مثلجًا لأن ذلك يسبب احتقانًا
وتهيجًا في جدار القناة الهضمية مما يؤدي إلى عسر الهضم والشعور بآلام المعدة...
أحرص أخي الصائم أن تتناول فطورك على فترات متواترة ؛ أي زيادة عدد الوجبات وتقليل كمية الطعام في كل وجبة، وذلك لكي يسهل الهضم ويستفيد
الجسم من الغذاء بشكل صحي متكامل دون تولد ظواهر مرضية ناتجة عن تجمع وتراكم الغذاء المتناول ."
هل يجني كل صائم فوائد الصوم الصحية ؟
للأسف الشديد فكما أن بعض الصائمين يحرم من الأجر كما أخبر بذلك المصطفى ( صلى الله عليه وسلم) : ( رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش )
وهم الصائمين الذين لا يصومون عن الغيبة والنميمة وإثارة الفتن واللعن وغش الناس وغيرها من حدود الله عز وجل ، فان هناك أيضا من الصائمين من
يحرم من فوائد شهر رمضان الصحية وهم الذين يسرفون في الأكل أثناء ليل رمضان أو الذين لايتحركون أثناء نهار رمضان ويقضى كل نهاره في النوم،
وهؤلاء يحرمون من فوائد الصوم الصحية لأن جسم الإنسان أثناء النوم لا يحتاج إلى طاقة كبيرة وبالتالي ليس بحاجة أن يحرق المواد الغذائية المخزونة فيه،
وبالتالي يخسر هذا الشخص أهم فائدة يعتمد على أساسها الفوائد الأخرى وهى حرق وإذابة المواد السكرية و الدهنية و البروتينية المخزنة في الجسم.
إن فوائد الصوم الصحية والنفسية لا يتسع المجال لحصرها ، وقد أتيت ببعضها على سبيل المثال لا الحصر ، وهي تزيد المؤمن إيمانا بحكمة هذا الخالق
العظيم، والأبحاث العلمية حول الصوم قليلة جدا ويحتاج هذا الميدان لعناية أكثر.
وفي الختام اتمنى أن يتقبل الله صيامنا وقيامنا ويجعلنا ممن يستفيدون من هذا الشهر روحيا وجسديا.
المفضلات