صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 2 3 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 22

الموضوع: قصص القران ( الحلقه الرابعه)لعمرو خالد

  1. #11
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [align=center]
    الحلقة التاسعة

    مقدمــة:
    الله سبحانه وتعالى يصطفي ويختار، اصطفى الأنبياء من البشر ثم اصطفى أولي العزم مـن الرسل من الأنبياء وهم خمسة:
    1) موسى
    2) و محمد
    3) و إبراهيم
    4) و عيسى
    5) و ونوح
    ثم اصطفى من أولي العزم من الرسل محمد _صلى الله عليـه وسلم_ وجعله خاتم الأنبياء والنبيين، ثم اصطفى له أمته، اصطفانا [... هُوَ اجْتَبَاكُمْ ...] {الحج:78} واصطفى السيدة مريم عليها السلام [إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ] {آل عمران:42} واصطفى موسى عليه السلام [وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ....] {طه:13} "[... إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ....] {الأعراف:144}. يصطفي من يشاء، لكنه لا يصطفي إلاّ من كان فيه خصلة خير، كمثل الذي يطمح في الحصول على عمل في مكان متميز لا بد أن يكون هناك مميزات في سيرته الذاتية تساعده في الحصول على هذا العمل، فهل ترغب أن يختارك الله في مهمة ما؟ قل لي ما هي مَيزاتك؟ ما هي صفات الخير فيك حتى يختارك لإصلاحٍ، أو لخيرٍ، أو لنصرة مظلوم؟ هل تحب أن يصطفيك الله في ليلة القدر فيغفر لك؟ إن كنت تود ذلك أصلح نقطة خير في قلبك أو قدم شيء لكي يختارك . ف موسى قــدّم الكثير، سنوات طويلة من عمره في نصرة الضعفاء، اليوم يوم الاختيار، اختيار الله سبحانه ل موسى للمهمة. وفي سكون ليل ذلك اليوم عند جبل الطور اختار الله عزّ وجل موسى، تعالوا لنعيش هذه الأحداث ونستشعر هذه الروحانيات داعين الله عزّ وجل أن يختارنا.

    الاختيار والاصطفاء:
    موسى الآن عائــدٌ ومعه امرأته وأهله في طريقه من مدين إلى مصر، الطريق طويل وسبق أن استغرق منه ثمانية أيام عندما سار به وحده من قبل، وقد اختار ليلة مقمرة لتساعده في هذا الطريق الطويل وكان خبيرًا في الصحراء، حتى وصل إلى حدود مصر واقترب من سيناء، حتى صار على بعد خطوات من جبل الطور، من اللحظات الحاسمة التي ستنقله إلى مقام أولي العزم من الرسـل، إلى كليم الله. وقد كان الطقس جميلًا، وهادئًا، وفجأةً تغير الجو، وبدأت السحب الكثيفة تحجب القمر حتى اختفى القمر تمامًا، وساد ظلام شديد، ورعد وبرق، ورياح شديدة البرودة وأمطار، كل هذا قبل التكليف بثوانٍ. وفجأة لمح موسى نارًا قوية وسط هذا الظلام تبعد عنه بضعة أمتار باتجاه الجبل والوادي الذي يقع أمام الجبل، انظر سورة طه [وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى] {طه:9- 10} هذه النار لم يرها غيره، فتحرك باتجاهها، وقد ذهب وهو خائفًا وعاد نبيًا مكلفًا، مشى حتى وصل ودخل الوادي، وهنا لابد من توضيح نقطة وهي أن المنطقة كلها اسمها الطور وليست مقتصرة على الجبل [إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى] {النَّازعات:16} وهناك آيات أخرى تذكر أن موسى كان على جبل الطور. فكما أن الحرم يشمل الكعبة والمنطقة المحيطة به كذلك هذه المنطقة المقدسة فيها الجبل والـوادي و موسى نودي من الوادي، والمكان الذي كانت تخرج منه النار داخل الـوادي .

    دخل موسى في داخل الوادي مسافةَ بضعةُ أمتار، وقد سار قليلًا حتى وصل، فإذا بمفاجأة أعجب فالجو جميل، والسكون شديد، ولقد اختفت السحب والأمطار، وظهر القمر بعد أن كان مختفيًا، كأن الكـون خاشع للرسالة التي ستلقى على موسى الآن. الحجر، الشجر، الوادي كله في حالة خشوع، لماذا هذا الوادي مقدس؟ لأنه المكان الذي تجلى الله بكلامه ل موسى، مكان عظيم كلم الله فيه عبد من عباده بدون وحي، أراد الله بذلك أن يبين لنا أن "يا موسى ليس لك سواي"، هناك أمطار وظلام وخوف شديد، وهنا سكون ورحمة. كذلك رمضان.. قبله خوف ورعب وقلب بعيد عن الله، ثم يأتي هذا الشهر الكريم بالهدوء والسكينــة، الرسالة واضحة .. فالقلب لا يُذهب خوفه إلا بذكر الله، والقلب يتشتت ولا يلملم هذا التشتت إلا بذهابه إلى الله، فيستوحش من الدنيا ولا يؤنس هذه الوحشة إلا ذكر الله.

    بداية شديدة:
    لماذا دائمًا بداية الأنبياء شديدة؟ كانت بداية محمد _صلى الله عليه وسلم_: "زملوني زملوني" لماذا؟ رسول الله، محمد، خاتم النبيين، موسى، كليم الله، فالأمر عظيم: توحيد، وإصلاح أمة، وتحرير شعوب، وإنقاذٌ للمظلومين، فموسى سوف يعيد الناس إلى عبادة الله، ومحمد سوف يحيي الأرض، فلا بد من أن تكون البداية شديدة [خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ ...] {مريم:12} .

    وأنا أقول لكم في رمضان خذوا الكتاب بقوة، ماذا فعلت لكي يختارك الله وأنت تسمع قصة موسى؟

    وصل موسى فرأى أن النار الموقدة تخرج من شجرة خضراء، هذه النار لا تأكـل الشجرة ولا الشجرة تطفيء هذه النار بل على العكس هذه النار تزيد الشجرة الخضراء ضــياءً، فاقترب موسى أكثر وأكثر من النار فإذا بها ليست نارًا إنما نور يخرج من هذه الشجــرة، [فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الوَادِ الأَيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {القصص:30} وإذا به يسمع اسمه يملأ السماء ويملأ الكون. ما أحب أن أذكره هو أن الخروج من الوحشة والظلمة لا يتحقق إلا عند اللجوء إلى الله، وكانت هذه هي الرسالة .

    [إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى] {طه:12إلى15}. هل تتخيل حالة موسى! يسمع النداء مرة أخرى [يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {القصص:30} هل عرفنا لماذا الكون كان خاشعًا في هذه اللحظة؟ هذا التكريم ليس فقط ل موسى بل لنا نحن البشر أيضًا، نحن مكرمون عند الله، وأن يختار الله تعالى واحد من بني البشر ليكلمه فهذا دليل على أن الإنسان مكرم عند الله ، أتدرون أن الله قال لموسى: "أتدري يا موسى لما اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فقال موسى: لما يارب فقال: إني قلَّبت قلوب عبادي ظاهرًا وباطنًا فلم أجد قلبًا أذل ولا أخلص لي منك يا موسى فرفعتك على عبادي في زمنك" .

    اذكروني أذكركم:
    في هذا الموقف العظيم يقف موسى بين يدي الله ويناديه الله باسمه، يا ترى هل نطمع في هذه المنزلة أن ينادي الله علينا بأسمائنا؟ في الجنة إن شاء الله ينادي الله عليك وتدنو منه ويخبرك أنه راض ٍعنك ويسألك هل أنت راض ٍعنه؟ لم يكن موسى وحده الذي نادى الله عليه في الدنيا، فلقد نزل جبريل عند موت السيدة خديجة وقال:"يا محمد أبلغ خديجة أن الله يقرئها السلام" وأنت عندما تقول لا إله إلا الله يذكرك الله [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ....] {البقرة:152} وفي كل مرة تقول لا إله إلاّ الله يذكرك الله في الملأ الأعلى "أنا مع عبدي ما تحركت بي شفتاه".

    منزلة عظيمة أن يكون تكليم الله ليس مقصورًا على موسى فأنت كلما تقول الله أكبر تدخل في لقاء مع الله، كما . علمنا نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_: " إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال له الله حمدني عبدي وإذا قال العبد مالك يوم الدين قال الله مجدني عبدي فإذا قال العبد إياك نعبد وإياك نستعين قال الله هذا بيني وبين عبدي فإذا قال إهدنا الصراط المستقيم قال الله هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل". وعندما كان يسكت عمر بن عبد العزيز في الصلاة عند قراءته قرأته فاتحة الكتاب عند كل آية وسألوه عن ذلك قال: لأستمتع لرد ربي.

    تفاصيل اللقـــــاء:
    هل عرفنا كم هو عظيم موسى عند الله، ولكن لابد وأنه في تلك اللحظة كان في حالة كبيرة من الارتباك والقلق ، فالله سبحانه بدأ معه بثلاثة أمور:
    · الأمر الأول: التوحيد [إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي....] {طه:14}
    · الأمر الثاني: الصلاة [.... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي] {طه:14}
    · الأمر الثالث: القيامة [إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ....] {طه:15}

    وسنقوم بترتيب هذا اللقاء.. فالبداية كانت تعارف، ثم جاء بعدها التوحيد ثم العبادة. هل رأينا أهمية الصلاة مع موسى عليه السلام وفي الإسراء والمعراج مع محمد _صلى الله عليه وسلم_؟ ويفاجأ موسى بقول الله عزّ وجل "[وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى] {طه:17} هذا سؤال فيه مؤانسة من الله ل موسى في هذا الموقف الرهيب فالله الحنان المنان الذي يحب عبــاده حاوره ليخفف من عظمة هذا الموقف [قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى] {طه:18}.

    يقف الآن موسى طائع لله فيقول له الله: [قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى] {طه:19} الطاعة دليل حب ودليل ثقة [فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى] {طه:20} هنا نلاحظ أن العصا في القرآن جاء وصفها في ثلاث أوضاع مختلفة، فمرة وصفها بأنها [فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى] {طه:20} حية تسعى، ومرة أخرى [فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ] {الشعراء:32} ومرة أخرى [... فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ .......] {القصص:31} وإذا بالله يناديه: [... يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآَمِنِينَ] {القصص:31}. [..خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى] {طه:21} أخذها موسى خائفًا، فعادت إلى حالتها الأولى، وهذه هي أول معجزة، وكان موسى في حيرة وعدم فَهمٍ لما يحدث، فكان الله سبحانه يمهد له ما سيطلبه منه بعد ذلك، وإذا بالمعجزة الثانية: [اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ....] {القصص:32} وكان موسى أسمر اللون، وهنا جاء أمر الله أن يضع يده في جيبه فتخرج بيضاء كأنها القمر من غير سوء، في حين أنه إذا ما كان هناك شخص أسمر ويوجد بقعة بيضاء في يده أو ذراعه فيكون ذلك نتيجة لمرض مثل البَرَص.

    وقد شعر موسى بالخوف أكثر بعد هاتين المعجزتين، ولكن الله سبحانه الحنان المنان الكريم يقول له [وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ....] {القصص:32} أي ضع يدك على صدرك فتهدأ.

    معجزتا العصا واليد:
    لابد وأن هناك سؤال يدور في أذهانكم الآن ألا وهو ما علاقة المعجزتين بفرعون؟ وما الهدف من معجزة العصا؟ فالله سبحانه وتعالى لا يرسل معجزة إلا وأن تكون مناسبة للعصر الذي جاء فيه النبي، فلا يكفي أن يكون معك الحق ولكن لا بد أن تعرض هذا الحق بطريقة مؤثرة ومناسبة لمن حولك، فما علاقة هذه القصة بنا؟ أحيانا كثيرة يكون معنا الحق ولكن نفتقد القدرة في عرضه، فالأشرار يجيدون عرض الحق بشكل مزين لأنه باطل، لكن الأخيار لا يعرفون كيف يعرضون هذا الحق بشكل جذاب عصري مناسب لعصرهم. ففي عصر موسى كانوا يشتهرون بالسحر فبعث الله لهم معجزة ربانية تتحدى هذا السحر، ورسالة إلى فرعون لكي يفيق من طغيانه وضلاله ويعلم أن موسى عليه السلام نبي مرسل من الله.

    أما العصا ففيها أمر آخر خطير، فكل دولة من الدول عندها رمز تضعه في العلم التابع لها، مثال على ذلك إنجلترا الأسد رمزها وتجده في علم بلادهم، أما فرعون فكان رمزه الثعبان وكان هذا الرمز موجود على قصر رمسيس الثاني، ليس هذا فقط بل إن الثعبان كان أحد الآلهة التي كان يعبدها فرعون، فرمز قوته هو الذي سيلتهمه، سر العصا ليس أنها انقلبت إلى ثعبان لكنها مناسبة لهذا العصر، فهي بذلك وسيلة مشوقة عصرية جذابة، وفيها منتهى التحدي لفرعون، فهي لا بد وأن تهز فرعون؛ فموسى جرى عندما رأى العصا تنقلب إلى حية فكيف بفرعون؟

    المعجزة الثانية: اليد، لما ترمز؟ برع الفراعنة في التحنيط، حيث كانوا يعالجون جسد الميت كيميائيًا بطريقة تجعله في شكل مختلف ولمدة طويلة، وكان فرعون ينفق أموال طائلة على التحنيط، وكان علماء التحنيط من أغنى الناس في تلك الأيام، وهنا سيتحدى موسى فرعون بآية من الله ليد من جسد حي بدون معالجة كيميائية، ففرعون قَبِلَ التحدي في الآية الأولى آية العصا لكنه تجنب الثانية لأنه لا يقدر عليها فهي تتحدى التحنيط الذي كانوا يقومون به، لذلك لا بد أن نعرف قيمة الآية الثانية وهي أقوى من الأولى، وفرعون تجنبها لأنه لا يقدر عليها.

    لابد أن نعلم أن معجزة اليد لها معنى آخر خطير، فاليد البيضاء في تاريخ البشرية رمز السلام: يا فرعون أنا لن ألجأ إلى العنف أريد أن أحرر بني إسرائيل وأرفع الظلم وأنشر التوحيد، لا أريد استخدام العنف والدليل يد بيضاء.. يالعظمة الله في رسائله القوية! ويالمعجزات الله الربانية العظيمة!

    إني أحب موسى كثيرًا، ويكفينا أن الله اختاره، أَلَا نشعر بالغيرة ونتمنى أن يختارنا الله؟ ليس على قدره وقدر الأنبياء والصحابة فيستخدمنا عنده. فالخوف كل الخوف أن يستخدمك الله فتعصيه فيستبدلك، فأجمل شيء في الدنيا أن يحبك الله ويختارك ، ولا يكون ذلك إلا بخصال جميلة فيك، فادعه دائمًا أن لا يتركك و يحبك ويستخدمك.

    طمأنة الله لعباده المخلصين:
    ويوضح الله تعالى ل موسى الهدف من هاتين المعجزتين ويقول: [اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى] {طه:24} [فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى] {النَّازعات: 18-19} وهذا يعني أن أمام موسى مهمتين:
    · المهمة الأولى : أن يذهب إلى فرعون ويدعوه أنه لا إله إلاّ الله، وأن يوقف الظلم.
    · والمهمة الثانية : أن يرسل معه بني إسرائيل، فقد جعل فرعون من مصر سجن كبير لبني إسرائيل.

    فالأمر غاية في الصعوبة ، ففرعون حاول قتل موسى من قبل ثلاث مرات، وفرعون القائل: [... أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] {النَّازعات:24}. والأربعين سنة التي مرت من حياة موسى بكل ما فيها من أحداث كانت جميعها تحضير وتمهيد لهاتين المهمتين. فما هي مهمتنا نحن؟ نأكل ونشرب ونتزوج، وننجب، ثم نموت هل هذا هو الهدف من وجودنا؟ ابحث عن مهمة يكلفك بها الله، اطلبها منه. فلقد موسى تلقى التكليفين بمنتهى الوضوح وبلا أي التباس، تلقى الرسالة وهو يدرك المعوقات التي ستواجهه [قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ] {الشعراء:12إلى14}.

    سبحان الله الذي سمح لعبده أن يعرض عليه مخاوفه ومقترحاته، سبحان الذي أعطى الحرية لعباده، فيا آباء، ويا معلمين، ويا حكام، لماذا لا نمنح أولادنا، وتلاميذنا، وشعوبنا، مساحة حرية وفرصة للتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم ومشاكلهم، فإذا كان رب العالمين قد سمح لعبده بعرض مشاكله، فهو خائف من أن يذهب إلى فرعون ومن أن يكذبوه، كذلك أفصح أمام الله أنه إذا ضاق صدره أي عند شدة الانفعال فلن يستطيع أن يعبر عن نفسه أمام خصمه فيضيق صدره، ولا تصدقوا الروايات التي تقول أنه كان يعجز عن النطق بعد أن أجبره فرعون على أكل جمرة من النار فهذا كلام غير صحيح، ولهذا طلب موسى من الله أن يرسل معه أخاه هارون والذي كان أفصح منه خاصة أن موسى كان بعيدًا لفترة طويلة عن مصر، وهارون عاش في مصر ويعرف اللغة المصرية القديمة وأكثر فصاحة منه، كذلك وقد كان لهم عليه ذنب فهو بشر ومن حقه أن يخاف عندما يقف أمام فرعون.. فيأتي ردّ الله [قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى] {طه:46-47}.

    طلب موسى طلب آخر من الله [قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى] {طه: 25 إلى 36}.

    الختام لابد وأن تكون هناك جرعة اطمئنان وثقة من رب كريم لعبده الضعيف [وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي اليَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي] {طه:37 إلى 39}.

    اسأل نفسك ماذا فعل الله معك، ألا تهتز لهذه الآيات؟ هل رأينا كيف يُطَمئِن الله عباده المخلصين يرسل لهم رؤية تطمئنهم، أو أم تخاف عليهم وتدعو لهم، أو أب يشجعهم، أو أخ يساندهم. اعملوا لله يا شباب، يا صناع الحياة، يا من لا تفعلون شيئًا للإسلام، فخسارة كبيرة أن يضيع عمركم دون أن تقوموا بأي عمل للإسلام، فليس هناك أجمل من أن يستخدمك الله.

    [ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى] {طه:40} فالله عزّ وجل يخبر موسى أن كل الذي سبق جاء بترتيب منه، وكلٌ منا جاء على قَدَر من الله. افتح سورة طه واعش مع الآيات ومع حب الله لعباده ول موسى الذي اختاره لإخلاصه ولنصرته للضعفاء.


    [/align]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  2. #12
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    الحلقة 11
    القيمة والهدف من القصة:

    قوة الحق، حيث يعد أقوى من كل القوى المادية؛ فلو كان الحق معك فلا تخف؛ فأنت الأقوى، كل ما نذكره من أحداث ليست مجرد مشاهد تمثيلية، ولكنها عبرة يجب أن تتمسك بها، وإلا لم تناول الجزء الأكبر من سورة طه هذا اليوم الذي نحكي عنه؟ ففيها يقول موسى: ( قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً) (طـه:59) انظر ماذا يقول في هذا الموقف العصيب، دالًا على قوة الحق؟! فإياك أن تخفي الحق خوفًا أو جبنًا، أو تتركه مفاضلًا بينه وبين مصلحتك فتنتصر لها، فالحق منتصر مهما حدث، وكما تقول الآية (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ...) (الأنبياء: 18) وأيضًا (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الإسراء:81) ترى من الذي يقذف بالحق؟ إنه الله، فالباطل سينتهي مهما طال ولكن عندما يأتي الحق، فإن لم يأت فسيأتي باطل آخر.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  3. #13
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    تفريغ الحلقة .. و الجهد لدار الترجمة جزاهم الله خير الجزاء ..


    ( الحلقة الحادية عشرة )
    مقدمة:
    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاةوالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. توقفنا أمس عند مواجهة موسىلفرعون وحيدًا،
    هذااللقاء الصعب الذي يتجلى فيه الحق والإيمان وعظمة موسى وشجاعته وقوته وثقتهفي الله، وتوكله عليه.

    وكانا قد اتفقا على موعد محدد، وهذا هو محور حديثالليلة.


    موسى والسحرة، كيف كانت المواجهة؟!:

    أعد فرعون عشرة آلاف ساحر مصريٍ لمواجهة موسى،

    وقد صورالقرآن هذه المواجهة في سورتي طه والشعراء، فترى كيفكانت؟!


    لنقترب أكثر منالصورة ونتخيل سويًا، دعونا نبدأ بالمكان، ولكي نجعلك تتعايش أكثر مع القصة، سنرويلك القصة من خلال مكان تمثيلي يقرب لك الصورة،

    والمكان الذي اخترناه عبارة عن مدرج (مسرح) روماني بناه الأنباط في القرن الأول قبل الميلاد، وقد اتخذه الرومان عندقدومهم إلى هذه المنطقة في الشام، وتحديدًا في الأردن، وجددوه على أنه مسرحروماني.


    أما أبطال القصةفهم: موسى وهارون وفرعون وجنوده والعشرة آلاف ساحر والجماهير-فئة قليلة من بنيإسرائيل حضرت وهي خائفة- وآسيا زوجة فرعون ومؤمن آل فرعون الذي حتى هذه الأحداثالجارية لم يؤمن بعد.


    القيمةوالهدف من القصة:

    قوة الحق،
    حيث يعد أقوى من كل القوى المادية؛ فلو كان الحق معك فلاتخف؛ فأنت الأقوى، كل ما نذكره من أحداث ليست مجرد مشاهد تمثيلية، ولكنها عبرة يجبأن تتمسك بها، وإلا لم تناول الجزء الأكبر من سورة طه هذا اليوم الذي نحكي عنه؟ففيها يقول موسى: (قَالَ مَوْعِدُكُمْيَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً) (طـه:59)
    انظر ماذا يقول في هذا الموقف العصيب،دالاً على قوة الحق؟!
    فإياك أن تخفي الحق خوفًا أو جبنًا، أو تتركه مفاضلاًبينه وبين مصلحتك فتنتصر لها، فالحق منتصر مهما حدث،
    وكما تقول الآية (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَىالْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ...) (الأنبياء: 18) وأيضًا (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَكَانَ زَهُوقاً) (الإسراء:81) ترى من الذي يقذف بالحق؟ إنه الله، فالباطلسينتهي مهما طال ولكن عندما يأتي الحق، فإن لم يأت فسيأتي باطلآخر.
    اليومالموعود:
    جاء يوم الزينة الذي اختاره موسى، تحديدًا وقتالضحى،
    وكان هذا اليوم احتفالًا قوميًالديهم،
    فجاء اختياره ليندمج مع الناس ويقتربمنهم، فهو ليس ضد قوميتهم بل يحتفل به معهم، وبمنتهى الحماقة جمع فرعون الناس وحشدالجموع بنفسه، وهو لا يعلم أنه ساعد بهذا موسى ليعرض دعوته أمامالجميع.
    إذن،دعونا نتخيل أن هذه المدرجات امتلأت بالحشود الهائلة، ترى ما سر هذاالتجمع؟

    بالتأكيد شيء مثير جدًا، ففرعون وسحرته يتحداهم رجلٌ عاديمنفردًا من بني إسرائيل، كما أن الحضور مجاني، والدعوة عامة؛ فالحدث لن يكون في قصرفرعون بل في مكانٍ عام، ولكل من الحضور هدفه ودافعه، فهناك من جاء ليشاهد هذاالتحدي الرهيب، وآخر ليحضر مبارزة بين السحر والسحرة وبين رجل يقول أن معه معجزةإلهية.


    بالحق أنتأقوى وإن لم تمتلك غيره:

    هاهي الجماهير تجتمع حشودًا من وقت الضحى، وتخيل معي أن موسى سيدخل بعد قليل وحيدًا عليهم، بل يصحبهالحق،
    فلو أن هناك طرفين مع أحدهما كل شيء، والآخر لا يملك إلاالحق، فالحق أثقل في الميزان وأقوى، لكن متى يأتي؟! فبالحق أنت أقوى وإن لم تمتلكغيره، فيجب ألا تتخاذل عن قوله، وتعش به سواء كان مع زوجتك أو في عملك أوفي المدينةالتي تسكنها أوفي الحي الذي تقطنه أو في بلدك، ولا تعشبالزور.
    ها هو فرعون يدخل، ترى أين سيجلس؟! لعلهجلس في شرفة رئيسية من هذا المدرج، ومعه زوجته آسيا، ترى كيف كانت؟ خائفة تتسارعدقات قلبها خوفًا على ابنها؟ بالطبع كان هامان يجلس بجانب فرعون هوالآخر،

    وكان قداتفق معه فرعون أنه بمجرد أن يغلب العشرة آلاف ساحر- كما جاء عددهم في أغلبالروايات وكذا حددهم ابن عباس- يُقتل موسى، وبالتأكيد هو الآخر تخيل هذا، أمافرعون فتتضارب مشاعره مابين ابتسامة الثقة بالنصر تعلو وجهه وبين اضطراب تذكرهلهجوم الحية عليه في القصر.


    عش للحقينصرك الله الحق:

    نعود للمدرجات المحتشدة، التي يجلس بها كبار رجال الدولةأيضًا، فهاهو ابن عم فرعون الذي سيسلم فيما بعد، ويدافع عن موسى، و ها همالسحرة العشرة آلاف يدخلون، والآن ينادي عليهم هامان كما في سورة طه (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَالْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى) (طـه:64) وذلك ليكون الأمر أكثر رهبةً لموسى إذاوجدهم مجتمعين غير متناثرين، فشكلوا نصف دائرة بعددهم الضخم، ممسكين بعصيهموحبالهم- كما تقول الآية- أما جنود فرعون فيملئون المكان منتظرين هزيمة موسىليقتلوه كما أمروا، إذن موسى سيقف وحيدًا أمام كل هذا، لكن كل هذا لا يهزالحق، فهكذا يضرب الله مثل الحق والباطل (..فَأَمَّا الزَّبَدُفَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ..) (الرعد:17).
    بدأتالحشود المصرية تشجيع السحرة بالتصفيق،
    وبالطبعقد يكون حضر على استحياء عدد قليل من بني إسرائيل،
    فهاهو الحق يقف أمام كل تلك القوىالزائفة، لكنه سينتصر، فإياكِ

    أن تخجلي من حجابك،


    أو أن تخجل منإيمانك،

    أو أن تستسلم للزور، فستدور الأيام ولن ينتصر إلا الحق، فقد يتم خداع الناسلفترة، لكن لا يمكن أن يستمر الخداع للأبد، فعلى الحق قامت السماواتوالأرض.
    أما فرعون فربما توقع هرب موسى وعدم حضوره، ترى لوكنت مكان موسى كيف ستكون دقات قلبك؟ وهل ستذهب أم لا؟! فيجب أن تعرف أنه لابدأن يدافع عن الحق إنسان، وقد يؤدي ذلك إلى موته! فماذا كنت ستفعل لو كنت مكانه؟!
    هلاستشعرت حبًا عميقًا ل موسى كما أشعر الآن؟!

    انظر لعظمته، إنه كليم الله، ويكفي بهذا الموقف أن يكونفي السماء السادسة قبل سدرة المنتهى ليس فوقه إلا إبراهيم، كما قابله النبيصلى الله عليه وسلم في المعراج، فكم هو غالٍ عند ربنا وقد قال جل وعلا عنه (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (طـه:41) فها هو يدخل ممسكًا عصاهومعه أخوه هارون، وتخيل الصمت الرهيب الذي خيم على الأجواء؛ حيث يقف أمام عشرة آلافساحر.


    وتبدأ المباراةالتي يعلق عليها السحرة آمالًا من رزقٍ وغنيمة كما قالوا (..إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَنَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (لأعراف:113-114)

    فلن يكون أجر فقط بل وقربة من وظائف في قصر فرعون، وبدأالسحرة هاتفين
    (.. بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) (الشعراء: 44)
    ولك أنتتوقع ما لهذا الهتاف من أثر في نفوس الجماهير، وما بثته من ثقة في نفس فرعون، لكنترى كيف كان وقعها على موسى؟ هل اهتزت نفسه؟!! هل ندم على القدوم؟! على العكستمامًا بل نادى بصوته عاليًا ثابتًا (...وَيْلَكُمْ لاتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِافْتَرَى) (طـه:61)
    فالنتيجة ستكون خسارة في الآخرة، وخيبة في الدنيا لمنيفتري الكذب على الله، وعندما سمع السحرة هذهالكلمات
    (فَتَنَازَعُواأَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ..) (طـه:62)-
    أيبدءوا يهمهمون فيما بينهم عما يقومون به من خطأ وخوفهم من فرعون وجنودهواختلفوا-
    (...وَأَسَرُّواالنَّجْوَى...) (طـه:62)
    وانظروا هنا لروعة ودقة الوصف القرآني، كما أن موسىآثر أن يبدأ بالنصيحة عله يؤتي ثمارها معهم، وبالفعل جاءت بنتيجة ألا وهي اختلافهمفي الأمر فيما بينهم.
    سبب آخر كان سببًا لتنازعهم وهو أن موسى لا تظهرعليه علامات السحر واستخدامه له، كذلك ما قاله من كلمات، فهي ليست بكلام السحرة؛فهو يتحدث عن الله، فالحق تظهر على صاحبه أماراته، تمامًا كما حدث مع يهودي المدينةالذي علم بقدوم النبي إلى المدينة، فجهز عشرين سؤالًا ليتحقق من صدق نبوة النبي،وقد أخذ معه ابنه، وبمجرد دخوله ووقوع عينيه على النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا رسول الله"، فاندهش ابنه قائلًا: "لم يا أبي؟" قال: "هذا الوجه ليس بكاذب"،فصلى الله وسلم على محمد.
    كأن فرعون وهامان شعرا باضطراب السحرةوتنازعهم، فناديا قائلان( قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِيُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَابِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) (طـه:63)
    فادعيا أن موسى وهامان جاءا ليثيرا فتنةطائفية بينهم، ويعملا بدلًا منهم في السحر؛ فيأخذونرزقهم،
    كما أن هذه الكلمات تحمل من التهديد والوعيد

    للسحرة بإخراجهم من الأرض، ثم يعاودهامان النداء ( أَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاًوَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى) (طـه:64)


    فقرر السحرة أنيبدءوا المعركة (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَوَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) (طـه:65)

    وكان موسى مبادرًا في باديء الأمر عندما حذرهم قائلًا (ويلكم...) أما هذه المرة (قَالَ بَلْأَلْقُوا..) (طـه:66)؛ ليعرضوا ما لديهم من أفكارٍ وأساليب، وينهوا ما لديهممن حيل؛ فيتمكن من التعامل معهم، وهذا يدل على شخصيته القيادية العظيمة الخبيرةالتي تعرف متى تبادر، ومتى تترك الأمر للمنافس؛ فيعلم أدواته، ولعل هذا حصاد تدريبهفي مدين، كما أنه لا يهاب تلك الحشود؛ لثقته في الله ويقينه به وتوكله عليه، وهذهكانت دوافعه في قول الحق. وشهر رمضان فرصة لنا أيضًا لتقوية الإرادة التي هي أيضًامن أهداف الصوم.


    تابع موسى (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْيُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) (طـه:66) فحتى هو خيلإليه أنها تحولت إلى ثعابين، لكنها بالفعل لم تتحول؛ كما جاء في آية أخرى (قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُواأَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (لأعراف:116) –

    أي شهقت الناس من اندهاشها بما سحروا أعينهم به، ولاحظ أن القرآن شهد لهمبما جاءوا به من عظمة السحر والخيال الذي صوروه للناس، فكيف كان حال موسىهنا؟
    ولاتنسوا أنه بشرٌ مثلنا ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) (طـه:67)،
    وهنا أيضًا دليل على عظمة القرآن؛ فلو لم يخف موسى،علنا قلنا لأنه نبي، معه معجزة قادر على التحمل،
    أما نحن فبشر لا نتحمل، لكنه نفسٌ بشرية، وقد يكون ذلكليجعله الله قدوةً لنا؛ لما فيه من صفات البشر، ولذا تقول الآية (...فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ...) (الأنعام:90)،
    فرغم أنه مؤيد بمعجزة فقد خاف لما رأى كباقي البشر، وأنتأيضًا مؤيد بمعجزة، ألا وهي الحق: القرآن الكريم، المعجزة التي جاءت للأمة جمعاء،وهي من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أما عصا موسى كانت معجزة له وحده،فالقرآن ليس معجزة نبيٍ وحده.
    رغم أن بني إسرائيل جالسون متابعون، إلا أنهم يتعلمون درسًا قاسيًا في الذلوالجبن، فها هو جاء بإرادته وحيدًا ليدافع عن الحق، وترى نحن مثل من؟ موسى أمبني إسرائيل،

    وهلنملك معجزة أكبر من العصا؟!


    القرآن


    مازال موسىوهارون أمام الحشود وكان السحرة(.. أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْوَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)،

    ولتعلموا أن أولئك السحرة كانوا نوعين، منهم من يصنعونخيالًا أمام أعين الناس، ومنهم علماء كيمياء، وتقول الروايات بأن السحرة الذينيصنعون الخيال جاؤوا بحبال، أما الكيميائيون جاؤوا بأنابيب على شكلعصي؛
    لذا جاءفي القرآن (حبالهم وعصيهم) لكي يظهر الفرق ولم يكتف بواحدة، وكانوا ذا علمٍ واسعحيث أنهم كانوا يعملون في التحنيط أيضًا، وتلك الأنابيب كانت تحوي الزئبق، الذييتمدد بالحرارة، أو إذا وضع على أرض ساخنة يتطاول، فتبدأ الأنابيب في التحركوالالتواء، ومع العدد الضخم خيل للحشود أنها أفاعي (فَأَوْجَسَفِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى)، وانظر للتأييد الرباني الذي يساند من كان علىالحق (قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى) (طـه:68)،

    فكيفكانت مشاعره؟ هل مغتاظًا من أولئك العشرة آلاف؟! هؤلاء السحرة الذين سيؤمنون بعدقليل؟ وهناك أثر جميل يقال عندما قال موسى لهم (وَيْلَكُمْلا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) جاءه جبريل، وقال له ( يا موسىترفق بأولياء الله)، ولأن موسى لا يتخيل ما سيحدث فرد قائلًا: (هؤلاء أعداءالله!)، فقال: (يا موسى ترفق بأولياء الله)،


    فأعادها(هؤلاء أعداء الله!)، فكرر جبريل: (يا موسى ترفق بأولياء الله،هم عندكم الآن من الضحى إلى العصر، ثم بعد ذلك في الجنة)!! أيصدق عقل هذا؟! أهؤلاءمن جاءوا ليحصلوا على المال بعد قليل سيصبحون من أهل الجنة؟! كم أنت رحيم يا رب،فكم زاد أملنا في الجنة بعد هذه الكلمات، نعم ذنوبنا كثيرة، لكن أملنا فيك أكبر،وأملنا في العتق والرحمة والمغفرة في رمضان هذا العام أيضًا كبير، فأنت الكريمالغفور، سنعلم أخطاءنا، وسنسجد تائبين، تمامًا كمافعلوا.


    غلبة الحقوسيطرته:

    عودة للأحداث جاء الرد الإلهي عند خوف موسى ( قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى) (وَأَلْقِمَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا.. ) (طـه:69)،فستبتلع ما سيلقيهامن عصاه الذي يحملها في يمينه ما صنعوه من سحرٍ أمام أعين الناس، ويبهت الظالمون،وسيعلم الناس الحقيقة بعدما هاجوا وماجوا مسرورين بما فعله السحرة، ويُفحم فرعونبعدما اطمأن لسحرته، بل وربما أشار لجنوده بالاستعداد لقتل موسى، لكن الله أيدهبكلماته ووعده النصر، وفي آيةٍ رائعةٍ أخرى ( فَوَقَعَ الْحَقُّوَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف:118)،
    ولم يقل: فوقعت العصا، بل وقع الحق وسيطر، وهذه هي قيمةحلقة اليوم، فها هي العصا بدأت تبتلع ما افتروه من سحر كأنها أفاعي، أما السحرة ففيالاندهاش غارقون، فما يرونه سحرًا بل معجزة! فعصا موسى تحولت إلى ثعبانٍحقيقي! وتأتي المعجزة في ابتلاع الثعبان لسحر السحرة، فلو أنه ما ابتلع الأفاعيالزائفة لكان مجرد ثعبان أمام باقي الثعابين، وقد لا يلاحظ الجمهور الفرق بينالمتحول حقيقة ومجرد الخيال، أما بهذه الخطوة قضى موسى على أدواتهم، وأنهىالمباراة!
    مكاسب الحق وإيمان الكثيرين:

    أ متخيل حالة فرعون؟! أما السحرة فلميستطيعوا أن يفعلوا شيئًا أمام قوة الحق، وهم علماء (..إِنَّمَايَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.. ) (فاطر: 28)،وكانت النتيجة (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّهَارُونَ وَمُوسَى) (طـه:70)،وبراعة التصوير القرآني تظهر في كلمة (أُلْقِيَ)،فكأن مغناطيس الحق جذبهم للسجود! جذب العشرة آلافوملأ صوتهم الأجواء، ترى ماذا كان رد فعل موسى، بالطبع كان شاكرًا لله، وكأنلسان حاله يقول: اللهم لك الحمد والشكر؛ فلم تضيعني يا كريم يا عظيم يا حق،فبالتأكيد أنت معي، فقد وقفت مع الحق.


    قد تكون علتأصوات بني إسرائيل في هذه اللحظات مرددةً: لا إله إلا الله، وتخيل صمت الحشود،ونظرات الترقب الملقاة على فرعون؛ وكأنها تقول له: أنت لست بإله، لقد كذبت علينا،وهل متصور حال فرعون وما حل عليه من كربٍ ومصيبة؟! وآسيا ترى ما حالها؟ هل تدمععيناها فرحًا، أم تخفيها خوفًا من فرعون؟ وقد تكون أسرت قائلةً لأول مرة: لا إلهإلا الله، آمنت برب موسى.

    أما ابن عم فرعون وكاتم سره وصديقهالمقرب الذي يودعه ثقته، فهو مؤمن آل فرعون؛ ذلك المصري الأصيل الذي يقول بداخله: لا إله إلا الله، من ناحيةٍ أخرى قد يكون هامان اختفى هاربًا، خائفًا من بطش فرعون،أما أولئك العشرة آلاف مصري فهم أصلاء، فاضلوا بين الحق ومخاوفهم الشخصية ورجحواالحق، وأنت في أي كفةٍ ترجح؟ كفة سورة طه؟ أم الدنيا التي لن تنفعك؟! فالسحرةاختاروا الحق وسجدوا، تمامًا كما فعل عمر بن الخطاب الذي أسلم بعدما سمع سورةطه من أخته، فبكى، وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم معلنًا إسلامه، ناطقًا بالشهادة؛لأنه يعشق الحق. ففي القلب ما يكفي ليشعل شرارة الإيمان، ف عمر والسحرة نفسيةٌواحدةٌ محبة للحق، ولعلها حقيقةُ أخرى، فنفس السورة التي تروي أحداثهم يسلم عمر بنالخطاب عندما يسمعها، وهذا المشهد الرائع الذي استسلم فيه السحرة لربهم (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوايَعْمَلُونَ).
    الداهيةفرعون:
    عقلية فرعون ليست بالبسيطة؛ فقد فكر جيدًا، وتوصل أنه لو استمر في صمته قدتؤمن باقي الحشود، فوقف في حزمٍ بسرعة، ونادى في السحرة: ( ...آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ...) (طـه:71)،فيرد السحرة: وهلالإيمان يحتاج إلى إذن؟! وهنا أتذكر أبياتًا شعرية جميلة للدكتور يوسف القرضاوي حيثيقول:

    تالله مـاالإيمان يهـزم بـالأذى


    أبـدًا وفي التاريـخ بـرُّ يمينـي




    ضع في يدي القيد ألهبأضلعي



    بالسوط ضع عنقي علىالسكين




    لن تستطيع حصار فكري ساعة



    أو كبح إيماني ورديقيني




    فالنور في قلبي وقلبي في



    يدي ربي وربي حافظيومعيني




    سأعيش معتصمًا بفضل عقيدتي



    وأموت مبتسمًا ليحيىديني


    أما فرعونفبدهائه رد على السحرة قائلًا إنها مؤامرة بين السحرة وموسى، ويستطرد قائلاً: (...إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَفَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْفِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى) (طـه:71)،ما هذا العقاب الشنيع؟! فقد توعدهم بقطع اليد اليمنى مع الرجلاليسرى، ويأتي الآخر فيقطع اليد اليسرى مع الرجل اليمنى؛ ليفقدهم القدرة على الحركةوالعمل، وسيصلبهم أيضًا بعد هذه الفعلة! أما التحدي الذي ساقه فهو تحدٍ بينه وبينرب موسى عمن سيبقى!! فهل لو كنت ضمن السحرة كنت ترددت وتراجعت؟! أم أنت من أصحابالحق الثابتين عليه؟!


    ظل موسىصامتًا؛ فقد انتهى الأمر وظهر الحق، وشهد عليه الملايين، ولم يجرؤ فرعون أن يقتربمنه أو أن يتحدث معه، فسيعلم الناس كلهم أنه البطل الذي هزمه، وهو من أشاع هزيمتهأمام تلك الجموع، فسبحان من حمى موسى بالسحرة الذين جاءوا متفقين مع فرعون لينالوامن عطاياه، كما حماه بعد ولادته بآسيا التي طلبت أن يرضع ويربى في القصر، كما حماهفي مدين بواحدٍ من القصر، وجاء في الآية (... إِنَّ الْمَلَأَيَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ...) (القصص:20)، فمن الحي الذي يملككوأجلك ورزقك بين يديه؟ أما آن لك أن تعش للحق، وتربي النساء أولادهن على أن الحقغالٍ؟! وأن الحق هو الله؟!


    جنات عدنٍلمن تزكى:

    جاء ردالسحرة على اتهام فرعون لهم بتآمرهم مع موسى كما تصورها الآيات الجميلة ( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِوَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَالدُّنْيَا) (طـه:72)،فقد رأوا بأعينهم، فلنيفضلوه على ما وصلوا إليه من حق، فمهما كان العقاب فإنه عقاب دنيوي، وفي النهايةسيموت الناس جميعًا، فربما يملك أجسادهم فيقتلهم ولكنه لن يملك أرواحهم؛ فالروحملكٌ لخالقها، ويتابعون قائلين (إِنَّاآمَنَّا بِرَبِّنَالِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِوَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى*إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُجَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى*وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَالصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى *جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِيمِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى) (طـه:73-76)،فما قيمة الدنياأمام هذا الثواب الذي وعده الله للمتزكين-المتطهرين-منذنوبهم
    كبرٌ وعناد:

    بدأ فرعون يأمر جنوده بالتحرك وتقييد السحرة، أن يحلعليهم العقاب؛ بتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلبوا في جذوع النخل، ويقتلوا أمامالناس، قد تكون آسيا تبكي أمام ما تشاهد، و وقد يكون ما حل عليهم من عقاب سببًا فيزيادة إيمان الحضور، ولعل جبريل جاء الآن إلى موسى قائلًا له: ألم أقل لك يا موسى،هم عندكم من الضحى إلى العصر وفي الجنة بعد العصر!.


    يا له من مجرمٍ! يقتل عشرة آلافٍ من أعوانه في يوم، خلال لحظات! ويهدد كل الحاضرين بأن من سيؤمنسيناله ذات العقاب، ومات السحرة، وقد يتساءل البعض: لم لم يحم الله السحرة كما حمىموسى؟ والإجابة: بأن موسى رمز، سيكمل الرسالة، ولابد من موت السحرة؛ ليعلم الناس أنالحق غالٍ لا يقبل المساومة، وإن كان ذلك على حساب رزقك، أو حتى حياتك، فلابد وأنيضحي أحد من أجله.


    من وجهة نظرك منانتصر؟ فرعون أم السحرة؟ أنا أقول السحرة؛ لأنهم هم الذين فرضوا فكرتهم وانتصروالها، وأخضعوا الآخر لإرادتهم، وهزوا الناس، وماتوا، لكن فكرتهمانتصرت،




    أما فرعون فقدغرق في نهاية الأمر، وبقيت فكرة السحرة، من صاحب الجنة ومن صاحب النار؟ الحق أمالباطل؟ إن السحرة هم المنتصرون.

    عشرة آلاف مصري استشهدوا؛ دفاعًا عنالحق، وسجل القرآن هذا المشهد الرهيب، موضحًا عظمة المصريين عندما عاشوا للحق، فقدانتصروا في الدنيا؛ فلم يجبروا على فكرته، وانتصروا في الآخرة؛ لأنهم من سيخلدون فيالجنة. اقرأ سورتي طه والشعراء، وعش مع الأحداث، واحيا بالقرآن.





    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  4. #14


    أخي الضااري

    شكررا على هذه الحلقات اقيمه والبحوث الطيبه

    جزاك الله خيرا على هذا ألإيراااد القيم









  5. #15
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    حسبي الله ونعم الوكيل



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  6. #16
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [align=center]
    الحلقة 12
    [/align]

    كنا قد انتهينا عند موقف موسى مع السحرة، الموقف الآن سيكون أشد صعوبة حيث سيتعرض موسى للخطر. أصبح الوضع شديد الصعوبة، أصبح الموقف يحتاج لشخص آخر غير موسى لتهدئة الموقف. أتتخيلون غضب فرعون؟ لقد قتل عشرة الآف شخص في يوم واحد! شخصية اليوم هي شخصية مصرية جميلة خلَّد القرآن ذكراها، هل لاحظتم أن طوال القصة وقف المصريون موقف المتفرج السلبي حتى ظهر السحرة، والآن يظهر شخص آخر. وبدأنا نتعرف على المعدن المصري الأصيل الذي عندما يؤمن بالحق يعيش من أجله، هذا الرجل سماه القرآن "رَجُلٌ مُؤْمِنٌ"، تخيلوا عندما يصف كلام الله الخالد شخصًا بالرجولة وبالإيمان، ما أعظم هذا الرجل!</SPAN>

    حلمي للشباب:

    إني أحلم بجيل من الشباب يتسم بهذه الصفات المصرية الأصيلة، أحلم بجيل به صفات هذا الرجل، بجيل يفهم معنى الدين الكامل وليس العبادات الظاهرية فقط، أحلم بجيل يفهم الدنيا ويفهم الناس و"مصحصح"ليس بساذج، أحلم أن يكون هذا الجيل مثقفًاواسع الأفق، أحلم بأن يكون دارس تاريخ بلده، ومستفيدًا من دروس التاريخ ويطبقها على حياته، أحلم به ذكيًا وحكيمًا متى يتكلم ومتى يسكت، جيل متوازن، جيل إيجابي وطني يحب بلده جدًا، أحلم بأنه قادر على التعبير عن فكرته وعرضها بصورة شيقة، أحلم به شجاعًا في الحق، لا يخاف في الله لومة لائم، ولكن بحكمة وذكاء، أحلم به عادلًا مؤمنًا موصولًا بالله، قلبه حاضر مع الله.



    كان من نتائج يوم السحرة إيمان الكثير من المصريين ب موسى مع كتمانهم هذا الإيمان، ومنهم ماشطة ابنة فرعون التي تصفف لابنة فرعون شعرها. حدث هذا الموقف في قصر فرعون حيث ستقع أحداث اليوم، هذه السيدة لها أربعة أولاد، شهدت أحداث يوم السحرة، وآمنت ب موسى، وكتمت إيمانها، يحكي لنا قصتها محمد عليه الصلاة والسلام. حكى النبي هذه القصة للصحابة في مكة عندما اشتد الإيذاء بالصحابة، في يوم من الأيام بعد إيمان هذه المرأة كانت تمشط شعر بنت فرعون، فسقط المشط من يدها، فقالت وهي تلتقطه من الأرض: "بسم الله"! فقالت لها ابنة فرعون: "الله الذي هو أبي؟"، يبدو أن هذه المرأة لم تستطع تحمل كتمان الإيمان أكثر من هذا، فقالت لها: "ربي وربك الله"، فقالت لها البنت: "أو لكِ رب غير أبي؟!"، فخرج منها الإيمان بكل شجاعة، ويبدو أن نموذج موسى حرك في الناس الشجاعة والإيمان، فقالت لها: "ربي وربك ورب أبيك الله!"، فقالت البنت: "لأخبرنَّ أبي!"، وبالفعل أخبرته، فاشتد غضب فرعون أن يكون في بيته من لا يؤمن به، وسألها: "أوَ لكِ رب سواي؟"، فقالت: "ربي وربك الله". فقال فرعون: "ألها أولاد؟!"، فقالوا: نعم لها أربعة، فقال: "ائتوني بهم، وائتوني ببقرة من نحاس. وبالفعل أحضروا قطعة نحاس ضخمة على شكل بقرة فارغة الوسط، وأوقدوا تحتها النيران الشديدة، وجاء فرعون بابنها الأكبر، وسألها: "أوَ لكِ رب سواي؟" فقالت: "ربي وربك الله"! فألقى ابنها داخل البقرة المشتعلة، واختفى بعد دقائق من الصراخ! ويأتي بالابن الثاني، ويسألها: "أوَ لك رب سواي؟" فتقول: "ربي وربك الله"! ويقتل الثاني والثالث!


    حتى لم يتبق من أولادها سوى الابن الأصغر، وهو رضيع تحمله في يديها، فيبدو أنها لم تقو على إعطائه لفرعون وكادت أن تتقاعس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الطفل أنه ممن نطقوا في المهد، فقال: يا أمي، اصبري إنكِ على الحق. فألقاهما فرعون في النار. يقول النبي: "مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة فقلت ما هذه الرائحة يا جبريل؟ قال: هذه ماشطة بنت فرعون..."



    ونتعرض لنموذج آخر لسيدة آمنت ولم تستطع كتمان إيمانها، وهى آسيا امرأة فرعون! آسيا التي أنقذت موسى، آسيا التي كانت تربيه وتحميه في نشأته. آمنت وأعلنت إيمانها وشهدت أن لا إله إلا الله، وكانت هذه بمثابة كارثة لفرعون، زوجته تؤمن بالله؟! ويبدو أن فرعون بدأ يؤذيها فكان دعاؤها " ... إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (التحريم: 11)، " كان دعاؤها ببيت عند الله في الجنة، لأنها كانت مؤمنة بأن بيت عند الله في الجنة خير من قصور الدنيا! فأصبحت من سيدات نساء أهل الجنة! ما أعظم هذه المرأة! كانت تملك مصر واختارت الله. قد تحتار بعض النساء وترفض الدين بسبب الالتفات لشهوات الدنيا من مظهر وغيره، ولكن هذه المرأة لم يختلط عليها الأمر، واختارت الإيمان رغم شر فرعون أقرب الناس إليها! وتأملوا كلمة "عِنْدَكَ" فهي لم تطلب الجنة فقط، بل طلبت أن تكون بجوار عرش الرحمن في الفردوس الأعلى!





    ولأول مرة بعد وفاة المرأتين يعلن فرعون عن رغبته في قتل موسى، ويبدو أنه يحتاج لدعم، لأنه تسنت له أكثر من فرصة لقتل موسى..."وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ" (غافر: 26)... وهنا تظهر الشخصية التي أحلم بها..." وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ..." (غافر: 28)، لماذا كان يكتم إيمانه؟ ولماذا أعلن الآن؟



    بطاقة تعارف على الـ" رَجُلٌ مُؤْمِنٌ":

    هو ابن عم فرعون، في مكانة أعلى من مكانة هامان، فهامان مجرد موظف عند فرعون، ولكن هذا الرجل من الأسرة الحاكمة، فهو غني، وهو مستشار فرعون الخاص، وكونه من الأسرة الحاكمة يعطي له حصانة إجتماعية تصعب قتله أو إيذاءه، وهو مصري ليس من بني إسرائيل، فليس هناك شك في ولائه. والقرآن لم يذكر اسمه بل ذكره بلقبه " رَجُلٌ مُؤْمِنٌ" لنتذكره بهذا اللقب، فالناس في الدنيا يعملون ويبذلون من أجل الحصول على ألقاب مثل الدكتور فلان حاصل على شهادة الدكتوراة من الجامعة الفلانية في أوروبا، ولكن أي الألقاب أغلى؟ أتعرف عظم قدر أن يلقبك الله بالرجل المؤمن؟ أليس هذا اللقب يستحق العمل والبذل عشرات السنين؟


    جمع فرعون جنوده وحاشيته ليقتل موسى، فقال موسى: " وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ" (غافر:27). ويبدو أن فرعون جمع حاشيته لاتخاذ القرار، واستقروا على قتل موسى، فظهر هذا الرجل، وقال: "وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ" (غافر: 28)، ابتدأ بالمنهج العقلي، وحواره الأول علمي، فهو لم يعلن إيمانه بعد! بل قام بتوصيل معلومة لفرعون أن أمامهم حلًا من اثنين، لو كان كاذبًا فلن يضر أحدًا بكذبه، وإن كان صادقًا فيما ينذرهم وفي الوقت نفسه لم يسلموه بني إسرائيل فسيقع العذاب الذي ينذركم به، ثم قال إن الله لن يوفقه إن كان كاذبًا، ومن الذكاء بدئه بقوله " وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا"... ثم قال لهم: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ"، أي إن كان كاذبًا فسيعذبه الله، فلم تقتلوه أنتم؟ وبهذا أيضًا كان وكأنه يجرح فرعون بالكلام!



    ثم انتقل إلى الحوار الوطني..." يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا..." (غافر:29)، تخيل فرعون وهو يستمع لهذا الكلام والرجل المؤمن يعرض فكرته، وهذا الرجل مثال مصري عظيم، لقد رأينا السحرة والماشطة وآسيا، والآن نرى هذا الرجل المثقف المتدين الوطني، يفهم بعض الناس أن التدين عكس الوطنية، وهذا المفهوم غير صحيح؛ فالإيمان يُعزز حب الوطن، ويشجع على تنمية البلاد، يقول لهم إنه خائف على مستقبل مصر- وهي قائدة العالم في هذا الوقت- من أن تنهار حضارتها بسبب قتل الأبرياء! فيتدخل فرعون لتغيير كلام المؤمن، ويقول: "... قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر: 29)، قال في أول الأمر: " ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ"، وكأنه يأخذ برأي الحاشية، ثم عندما وجد أن كلام المؤمن مؤثر وعميق اشتد غضبه؛ وأمر بأن يُطاع بلا نقاش.


    ورغم غضب فرعون أكمل المؤمن الكلام، فقال: " وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ" (غافر: 30). وانتقل بهم إلى الحوار العاطفي لينقل لهم مشاعر الخوف عليهم، "مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ" (غافر: 31). ثم ينتقل بالحديث إلى الإيمان، فيقول: "وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (غافر: 32). فالمصريون كانوا يؤمنون باليوم الآخر، وأسماه بيوم التناد، حيث سينادي الناس على من ضلهم وسيتبرأ منهم، سيتبرأ منهم فرعون رغم أنه أضلهم في الدنيا... "يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" (غافر: 33).


    ثم انتقل إلى الحوار التاريخي، وذكرهم بأن جد موسى هو يوسف الذي تحبونه: "وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ" (غافر: 34)


    فقاطعه فرعون حتى لا يزداد تأثر الجمع به، " وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ..."(غافر 36-37). فأمر فرعون هامان بأن يبني له برجًا عاليًا لكي يصعد عليه فرعون لينظر إلى إله موسى!


    وهنا انتقل المؤمن إلى حوار دعوي صريح؛ حيث أعلن عن نفسه وعن إيمانه، فقال: " وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)...وكأنه استراح بأن أعلن عن إيمانه، ثم ختم كلامه بتوكله على الله: " فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (غافر:44). فعقب القرآن بأن الله نجاه من مكر فرعون وجنوده؛ ولم يقدروا على إيذائه أو قتله مثلما فعلوا مع الماشطة وآسيا، وكأن الله يقول لنا اعلوا شأن الحق وتوكلوا عليَّ. يقول الله تبارك وتعالى: "فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (غافر: 45).



    إذا حللنا ما فعله هذا الرجل نجد أنه:

    - نجى موسى من القتل: نجح 100%

    - أثر في الجمع الذي حضر خطبته: نجح!

    فما كانت خسارته؟ فقد منزلته عند فرعون، ولكنه لم يُقتل لذكائه ولرحمة الله به. دفع ثمن إيمانه بالحق، ولكن ليس كل الناس عندهم هذا الاستعداد للتضحية؟ هل تملكه أنت؟!




    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  7. #17
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    ( الحلقة الثالثة عشر
    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله _صلى الله عليه وسلم.


    قــارون:


    تحدثنا سابقًا عما حدث للسحرة ومررنا بإيمانهم ثم استشهادهم، ثم قرار فرعون بقتل موسى وخروج مؤمن آل فرعون ليقول: [... أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ...] {غافر:28}. إن موقف فرعون الآن في ضعف واهتزاز، ولم يعد على نفس القدر من القوة التي كان يتميز بها. وسوف نتحدث اليوم في البداية عما هو أشد وأشد وهو الخسف بقارون.



    إن قارون كان من قوم موسى.. الذي باع أهله وعشيرته [إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى ...] {القصص:76} كان! في الماضي.. قبل أن يبيع قومه من أجل المال، باع رصيد القيم من أجل المال، ولكي يرضى عنه فرعون بدأ يتجسس على بني إسرائيل ويساعده ضد موسى وبني إسرائيل فإذا بالمفاجأة [فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ...] {القصص:81} ومعنى أن يخسف بقارون أن يخسر فرعون قوة مالية واقتصادية شديدة؛ لأن كنوز قارون كان تدعم فرعون ضد موسى.





    كم سنة استغرقتها هذه الأحداث تقريبًا؟ وقد عاد موسى من مدين وكلف بالرسالة وهو في الأربعين من عمره، وكم الفترة التي مكثها في مصر مرورًا بأحداث مواجهة السحرة، وفرعون، ومؤمن آل فرعون، وقصة الخسف بقارون؟ فهي تقريبًا خمس عشرة سنة أي أنه ما بين بداية مواجهة موسى لفرعون، وخروجه من مصر عن طريق البحر أي أنه سيكون في الخامسة والخمسين من عمره تقريباً كما كان عمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ في غزوة بدر، فقد بُعث النبي في الأربعين من عمره ثم تقع غزوة بدر بعدها بـ 13 أو 15 سنة، فالأحداث قريبة الشبه وطوال بعثته النبي _صلى الله عليه وسلم_ تتنزل الآيات بقصة موسى وكأنها جاءت للتثبيت . قال تعالى [... نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ...] {هود:120}؟ لأن الأحداث متشابهة.



    التجريد التدريجي:


    إن الله سبحانه وتعالى أعطى فرعون فرصاً كثيرة، فهل تدركون ماذا كانت مشكلة فرعون؟ لقد كانت مشكلته الكِبر والغرور! تقول الآية: [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ...] {النمل:14} " أي يعلمون أنه الحق فما المشكلة إذن" ؟! [... ظُلْمًا وَعُلُوًّا...] {النمل:14} وكانت هذه هي مشكلة فرعون وسوف أخبركم كيف جرد الله فرعون من قوته تدريجيًا.


    أولا الحجة العقلية والمنطق العقلي فقد جرده الله منها في أول مواجهة بينه وبين موسى، ثم تأتي العصا واليد البيضاء التي جرده الله بها من قدراته وإمكانياته، ثم إسلام آسيا الذي غلب به أسريًا، ثم مؤمن آل فرعون فغُلب في مستشارِيه ومعاونِيه، ثم غُلب إعلامياً في جنوده عندما قتل السحرة بيده، ثم الخسف بقارون الذي جرده من قوته الاقتصادية. وانتبه.. فأحياناً يمهلك الله ويأخذ منك شيئاً دون أن تشعر ثم يأخذ شيئًا آخر حتى إذا أخذك فلن يفلتك، فإياك من غضب الله وإياك أن تعتقد أن إمهال الله لك يدل على صحة ما تعتقد فهذا ما حدث مع فرعون، فإن ما حدث مع فرعون رسالة لكل شخص يرى أن اعتقاداته صحيحة وأن الأمور تسير طبيعية! فهناك قانون: أن الله يمهل فإذا أخذ الظالم لم يفلته.



    جبهتــان:


    سنتحدث الآن عن تسع آيات تحذيرية لفرعون، وسنتحدث عن نقطتين متوازيتين: ماذا يفعل موسى مع بني إسرائيل، ونرى فرعون وقد جرده الله سبحانه وتعالى وأرسل له الرسائل التحذيرية المتتالية فهل سيفيق أم سيضيع بسبب التكبر والظلم.



    سنبدأ ب موسى وهو في وسط بيوت بني إسرائيل وشبابها، وقد تعمدت استخدام كلمة الشباب لأول مرة لأن موسى وجد في وسط كل الظروف المحيطة واضطهاد فرعون والإيذاء أن الذل قد قضى على بني إسرائيل والدليل على ذلك قوله تعالى: [قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا...] {الأعراف:129} أي أن وجودك يا موسى لم يغير من الأمر شيء بل إن فرعون بسببك زاد إيذاءه لنا.



    تخيل الشدائد التي يواجهها موسى، ضغوط من فرعون ومحاولة قتله، وكذلك عندما انتصر موسى على السحرة ازداد إيذاؤه لبني إسرائيل فهو يقتل أولادهم ويستحيي نساءهم، وضغوط في إصلاح بني إسرائيل فهو يبذل وجهده وتضحيته وكل حياته من أجل أن يأخذ بيد بني إسرائيل وهم لا يريدون أن يتحركوا ولا توجد لديهم نخوة بل ويقولون له أن مجيئه زاد من تعبهم! فيالها من ضغوط! لقد كان النبي كلما آذاه أحد قال: (رحم الله أخي موسى لقد ابتلي بأكثر من ذلك فصبر)، لقد كان صبره عجيباً من أجل رسالته وإخلاصه ومن أجل الله والحق، فهل لديك قوة صبر ك موسى؟



    تخيل كل هذه الضغوط و موسى يحارب في جبهتين، جبهة مواجهة فرعون، وجبهة إصلاح بني إسرائيل وهو بمفرده مع هارون فحاول أمام كل هذا الظلم أن يعظ وأن يدعوا بني إسرائيل [قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ...] {الأعراف:129} يريد إخبارهم أن حال الدنيا يتغير فيبدوا أن موسى قد علم أن نهاية فرعون قد اقتربت [...قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ] {الأعراف:129} فالعالم سيتغير وستدور الأيام فأروني ماذا ستفعلون إذا زال ملك فرعون، وكأنه يقول لهم بدلاً من قول نحن سنؤذى في كل الأحوال ثقوا في وعد الله وجهزوا أنفسكم حتى إذا جعلكم الله مسئولون عن الأرض كنتم أهلا لهذه المسئولية.



    يا أيها المسلمون إن كنتم في مثل هذا الوضع الذي لا يخفى على أحد فلا داعي للوم القدر والتعجب مما يحدث لنا بل أعدوا أولادكم وأعدوا أنفسكم حتى إذا أذن الله للمسلمين ليكونوا في حال أفضل فتكونَ أنت مماً يقدمون شيئاً كبيراً للإسلام، وإياكم وفعل ما فعله بنو إسرئيل. واسمحوا لي أن أقدم لكم نصحية: عندما تحل بك الشدائد فانظر لنفسك فأنت دائرة صغيرة وسط دائرة الظروف الكبيرة فابدأ بتوسيع دائرتك الصغيرة كي تدفع الدائرة الكبيرة وهذا هو منهج موسى وهو منهج علمي جميل.



    الشبــاب..


    إن الذل أمر صعب جدًا، وإن الظلم يجلب الذل، والذل يسبب الانهيار النفسي فتكون النفوس مشوهة ويصبح العقل معتلا، أتعلمون ماتفعله المخدرات من إعاقة في العقل؟ كذلك الذل فلا يساعد على التفكير أو الإنتاج. لقد بدأ موسى يهتم بدعوة بني إسرائيل فهو لا يتوقف عن الجهد فمن أحب الإسلام ك موسى فسيعمل لأجله ليل نهار؟ على الشباب.. تقول الآية: [فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ...] {يونس:83} وهذا يعني أن كلهم تخلوا عنه إلا شباب صغير تبقوا معه ولكنهم خائفون، وكأن موسى وجد أن الشباب هو الحل، ويبدو أن الشباب هو الحل في كل زمان ومكان، وأن العالم العربي لا ينتبه إلى أن أعظم كنز موجود عندنا هو الشباب، فهم يرون أنهم مستهترون ولديهم أوقات فراغ أما موسى فقد بحث عن الشباب، وكذلك فقد قال محمد _صلى الله عليه وسلم_: (بعثني الله فصدقني الشباب وكذبني الشيوخ)، و إبراهيم عندما كسَّرَ الأصنام كان شاباً [قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ] {الأنبياء:60}، وكذلك يحيى [... وَآَتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيًّا] {مريم:12} شاب صغير، ومريم أيضاً كانت فتاة صغيرة، وكذلك مريم أخت موسى التي أنقذته كانت فتاة صغيرة [إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ...] {طه:40}.



    إن الشباب هو الأمل .. فيا أيها الآباء ويا أيتها الأمهات.. ويا أيها المعلمون.. ويا أيها الرياضيون.. إن الشباب هم الأمل، وياأيها شباب ثقوا بأنفسكم فإن الشباب هم من وقفوا بجوار موسى، وكذلك كان من وقف مع محمد _صلى الله عليه وسلم_ هم الشباب.


    وظل موسى يحاول [وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ] {يونس:84}، فالإيمان ليس كلاماً بل بالتوكل على الله، إن موسى يقول لهم توكلوا على الله لأنه يعلم أن نهاية فرعون قد اقتربت، فسوف تبدأ تسع آيات تحذيرية من الله لفرعون، مع كل ما فعله فرعون فسوف يعطيه الله سبحانه وتعالى هذه الآيات! سبحانه فهو الحليم يمهل عباده فإذا أخذهم لم يفلتهم.



    الفرصة الأخيرة:


    رأينا الجبهة الأولى التي كانت بين موسى وقومه، والآن لننتقل إلى الجبهة الثانية مع فرعون، إن قيمة اليوم تقول: احذر عندما يرسل الله لك إنذاراً فإياك والعناد والمكابرة لأنه بعد الإنذار ربما كان هناك إنذار آخر وتكون بينهما مدة وتعتقد أن الله قد تركك لكن إذا أخذك الله سيكون الانتقام شديداً. إياك أن تظلم أحداً فيرسل لك إنذاراً فيؤلمك فتصر على الظلم والعناد والكبر، إياك أن تظلم زوجتك، إياك أن تصر على ذنب كبير أو على مال حرام.



    سوف نرى اليوم سبعة إنذارات [وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ...] {الإسراء:101} تسعة أم سبعة؟! إنهم سبعة والاثنتين الباقيتين هما اليد والعصا وقد تعرضنا لهما مسبقًا. وبالمناسبة فكثير من الناس يقرأون في القرآن وهم لايستطيعون فهم التسع آيات التي جاءت ل موسى لذا فسنذكرهن اليوم ولكن ليس فقط من أجل المعلومة ولكن من أجل ما هو أكبر من ذلك وهو أنني أطلب منك أن تجلس اليوم مع نفسك وتنظر في حال نفسك وما هو آخر إنذار تحذيري جاءك من الله .. وتقول: هل جاءني إنذار ولم انتبه؟ راجع نفسك وانتبه وانظر للإنذارات التي حدثت لفرعون وانسَ فرعون وانسَ هذه النوعية من الإنذارات وقس واعش مع نفسك.



    إن موسى سوف يتردد على فرعون سبع مرات فمع كل إنذار سيتردد عليه يطلب منه أن يرسل معه بني إسرائيل، فقد رفض فرعون الإيمان وهذا هو المعنى الأول الذي جاءه به موسى إذن فليرسل معه بني إسرائيل فقد كان فرعون يرفض خروجهم من هذا السجن الكبير وتلك هي القصة أنه يرفض خروجهم، ولكن ما السبب؟ هناك ثلاثة أسباب: سبب عسكري، وسبب سياسي، وسبب شخصي.


    · أما السبب العسكري: هو أنه اضطهدهم لسنوات طويلة فهو يخشى أن يخرجوا وهم ستمائة ألف فيكونوا دولة قوية تكون سببًا في المشكلات، أو أن يقوموا بغزوه أو بعمل قلاقل وهذا هو نفس السبب الذي بسببه رفضت قريش أن يخرج النبي _صلى الله عليه وسلم_ من مكة إلى المدينة وهذا سبب بديهي من فرعون.


    · وأما السبب السياسي: أنه لو تركهم يخرجون سوف تسقط هيبة الدولة وهيبة فرعون ويصبح الخروج هو رغبة كل المستضعفين وينفرط العقد، وهذا السبب أيضًا سبب بديهي ومن الممكن أن يكون مبررًا لفرعون. انتبه! فإياك أن تظلم فيضيق الله عليك الدنيا حتى يكون هناك بالفعل أسباب حقيقية تجعلك مضطراً لأن تستمر في الظلم! أتفهمون هذا المعنى؟ تستمر في الظلم حتى تعقد الأمور على نفسك فتأتي كي تحلها فلا تستطيع، وفرعون تنسحب الدنيا من تحت قدميه وهو يشعر بهذا ولكن لا يستطيع أن يرجع عما هو فيه وله مبرراته ولكنه هو الذي ظلم في الأصل فضيق الله عليه. إياك أن تظلم أحداً فيضيق الله عليك إلى أن يكون هلاكك في أنك لا تعرف كيف تحل المشكلة لأنك أنت من فعلها.


    · وأما السبب الشخصي: وهو العناد والكبر فقد رفض خروجهم فكيف يأتي موسى ويخرجهم وهو بمفرده أمام فرعون بكل قوته .


    تلك كانت أسباب فرعون التي كانت تجعله يرفض طلب موسى فبدأت الإنذارات، سبع آيات تحذيرية وهيا بنا لنعيشهم واحدة تلو الأخرى .




    الإنذار الأول: نقص من الثمرات


    حدث جفاف شديد في مصر وهلك الزرع فحدثت مجاعة شديدة عدة أشهر ذكرتهم ب يوسف فهو الذي حل مشكلة المجاعة الأخيرة، وكأن الله يقول لهم هذا حفيد يوسف لو ذهبتم إليه وسمعتم كلامه سوف يحل لكم المشكلة فهو على خطاه وكلاهما من بني إسرائيل .


    إن الله سبحانه وتعالى سيبدأ انتقامه من فرعون عن طريق أزمة اقتصادية شديدة، فلقد بدأ الناس يعانون من المجاعة ، ولكن الغريب أن فرعون عندما أراد أن يبرر ما حدث قال أن موسى هو السبب ولم يقل تعالوا لنراجع أنفسنا! فانتبه فأحياناً وأنت ظالم يرسل لك الله آيات إنذارية وتحذيرية فتظل تبحث عن أي سبب آخر إلا الرجوع إلى الله وهذا من الظلم والكبر، وبالطبع ستكون هناك أسباب دنيوية لما حدث ولكن راجع علاقتك بالله واستغفره، ولو كنت ظالمًا فأوقف هذا الظلم. أريد منكم اليوم أن تنسوا فرعون وأن تنسوا الآيات الإنذارية وليلتفت كلٌ منكم لنفسه، فالقرآن لا يحكي لك قصة تاريخية بل يريدك أن تلتفت لنفسك.



    ذهب موسى إلى فرعون وقال له أن هذه آية من الله فأرسل معي بني إسرائيل، فكان جوابه ومن معه: [وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ] {الأعراف:132}، باتهامه بالسحر فياله من كبر!



    الإنذارالثاني:الطوفان


    ذهب الجفاف وجاء الماء ففرحوا وظنوا أن المشكلة قد انتهت ولكن الماء جاء بطريقة عكسية! فعكس الجفاف الطوفان، ماء لا يُمكِّن الزرع من النمو أبداً بل ويهلك الأرض ويغطيها، فانتقلت مصر من الشيء لنقيضه فمن الجفاف الشديد إلى الطوفان الشديد، ففي كلتا الحالتين لا يستطيعون الزراعة، مجاعة ولكن بشكل عكسي كي يوقنوا من الذي يمسك الماء ومن الذي يدفعه.. إنه الله.. فأفيقوا! وهكذا كلما جاء إنذار ذهب موسى إلى فرعون وطلب منه أن يرسل معه بني إسرائيل ولكن فرعون مصراً على موقفه.




    الإنذارالثالث: الجراد


    توقف الطوفان واستقرت الأرض وأصبحت صالحة للزراعة وبدأ الزرع ينبت وإذا بأسراب من الجراد استوطنت مصر وقضت على المحاصيل، ولاحظوا أن مصر كانت بيئة زراعية وكل الآيات المرسلة تخص الزراعة أي الاقتصاد الذي كانت تقوم عليه في ذلك الوقت، وكأن الله يقول لهم لقد عصيتموني كي تأكلوا وتشربوا والطعام والشراب بيد الله . لقد كان الجفاف والطوفان والجراد هم جنود الله وها هو موسى يتجه للمرة الثالثة إلى فرعون كي يرسل معه بني إسرائيل، وإن موسى لن يأتي ليخبرك بذلك ولكن أنت من ستجلس اليوم مع نفسك وتسأل كم إنذار أرسل إليك.




    الإنذارالرابع: القُمَّل


    القُمل ليس هو القَمل الذي يصيب الرأس بل هو حشرة تصيب المحاصيل الزراعية، وهذه الحشرة تقضي على المحصول قبل أن ينمو. فبعد أن زال الجراد فرحوا واعتقدوا أنهم سينتعشون وتنتهي المجاعة التي ظلت شهورًا، ولكن لا فائدة فبعد أن ذهب الجراد وبدأت المحاصيل في النمو جاء القُمل وقضت على المحاصيل ولم يجدوا إلا بالكاد ما يأكلونه.



    ولكن انتبه فكما أقول لك أنها إنذارات تحذيرية فمن الممكن أن تراها أنت على أنها حِلم الله عز وجل، إنه الحليم الذي يعطي عباده فرصة تتلوها الأخرى، يا من اقترفتم ذنوبًا كبيرة أو أكلتم مالا حراما، يا من تظلم زوجتك، يا من تظلمين أحد يعمل عندك، يا من تظلم شريكك أو تظلم أي أحد انتبه فحلم الله عظيم يجعلك تذوب من الخجل لكن إذا أعطاك فرصًا كثيرة ولم تلتفت سينتقم منك في النهاية.



    الإنذارالخامس: الضفادع


    وإذا بكميات من الضفادع تملأ الحقول والنيل، حتى سرير فرعون، فإذا استقيظ من نومه وجد الضفادع في كل مكان، شيء مفزع فهذا الإنذار ليس اقتصادياً بل نفسياً فالضفادع وأصواتها في كل مكان. أترون كيف هي إنذارات الله .. فأفيقوا.



    يا جماعة إن هذا قرآن يحكي أن هذه الأمور كانت من إنذارات الله فانتبهوا فنحن في حياتنا أمراض جديدة تنتشر وتظهر وهي إنذارات من الله، وكذلك في حياتنا أزمات اقتصادية عالمية، ولكن انتبهوا فأنا لا أقول أنه لا شيء غير ذلك وأن علينا أن نترك العمل والإنتاج والإصلاح، لا بل لابد من أن ننتج ونصلح وهذا ما أمرنا به الله ورسوله (ما جعل الله داء إلا وجعل له دواء)، ولكن هناك جزء لابد أن ترجع فيه لنفسك فلابد أن تتوازان بين العمل والإنتاج والمادية الإصلاحية وبين مالك الملك وتسأله هل أنت غاضب علي، إن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهو عائد من الطائف وبعد أن ضرب بالحجارة وهو النبي دعا إلى الله: (إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي) هل هذا إنذار تحذيري أم أنك راضٍ عني وتختبرني يا رب، عندما تقع بك مشكلة أو مصيبة افعل كما فعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ فاسأل نفسك: أهذا إنذار أم هو ابتلاء لرفع الدرجات فليس كل من أصيب بشيءٍ كان إنذاراً تحذيرياً ولكن كل ما أعنيه هو أن تراجع نفسك فلربما كان رفع للدرجات وكان هذا الابتلاء رحمة من الله عليك ولكي تفرق بين الأمرين راجع نفسك.



    ويذهب موسى إلى فرعون ويطلب منه أن يرسل معه بني إسرائيل، وفرعون مازال مُصرًا على موقفه..! ما كل هذا العناد وهذا الكبر؟ إياك أن تكون ظالمًا لأحدٍ وكلما طلب منك أن ترد له حقه ترفض، وليس لأنك قوي ولأن الأمور بيديك تقولها بكل قوتك،حتى إن دعتك قوتك أن تظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك وتذكر أن الدنيا تدور [... وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ...] {آل عمران:140}.



    الإنذار السادس: الدم


    ذهبت الضفادع فإذا بالإنذار السادس: الدم [فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالجَرَادَ وَالقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ...] {الأعراف:133}، كثير من الناس لا يفهمون ما المقصود بالدم، ألم أقل لكم بأننا سنحيا بالقرآن ونفهم الكثير من آياته من خلال قصة موسى، فما هو الدم الذي أرسله الله على فرعون وعلى نهر النيل في ذلك الوقت؟ لقد تحول النيل للون الدم عدة أيام، فكل ما فات كان يستمر لعدة شهور أما هذا الإنذار فاستمر أيامًا فقط حتى لا يموتوا والله سبحانه وتعالى يعيطهم فرصة فلن يموتوا، تخيل أنهم إذا أخذوا من النيل ماء يخرج لون الدم! ألم يعملوا في التحنيط والمعادلات الكيميائية فهي إذن حرب كيميائية وتغيير كيميائي للماء، فلما وجدوا النيل هكذا ذهبوا للآبار فوجدوا نفس الشيء . ومع ذلك كانوا يطلقون عليه :يا أيها الساحر [وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ...] {الزُّخرف:49}، ومازال فرعون مُصرًا ومستكبرًا.




    الإنذار السابع: الرجز


    كل الإنذارات التي مضت كانت في البيئة المحيطة بهم ولكن هذه المرة ستكون في أجسادهم، وهو الطاعون حيث سينتشر في مصر [وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ] {الأعراف:134}، إنهما المهمتان اللتان جاء من أجلهما موسى، ومن الواضح أن الهدف عند موسى واضح جدًا لدرجة أنهم عرفوا هذا الهدف، فقد شرح موسى رسالته بشكل صحيح تمامًا إلى حد أن فرعون قال له اذهِب عنا المرض وأنا أعطيك ما تريد [لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ]، وبالفعل سوف يدعو لهم موسى، لأنه شديد الإخلاص فكان من الممكن أن ينتهز الفرصة لينتقم منهم، أتذكرون النبي _صلى الله عليه وسلم_ عندما قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وهنا نقطة هامة جدًا.. فالمؤمن الحق لا يحمل حقيبة الذكريات السيئة، فهناك أناس يملؤها الحقد ولا تستطيع النسيان، أناس لديها ذكريات المؤلمة تجعل الثأر يملؤها، وهناك أناس أنفسهم كريمة ترمي حقيبة الذكريات وترمي الشوك وتتعامل مع الناس بنفس حلوة سليمة فأيهما أنت؟ إن النبي _صلى الله عليه وسلم_ بعد عشرين عامًا من الإيذاء ومن قتل أصحابه يقول: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). فالنفوس الصغيرة لا تستطيع النسيان فكيف هي نفسك؟ صغيرة أم كبيرة فصاحب النفس الصغيرة يحمل الغل سنوات طويلة ويذكر ما حدث، أما النفوس الكبيرة مثل يوسف [قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ...] {يوسف:92}، فهذا هو سلوك العظماء الذين تظل ذكراهم خالدة.



    [فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ] {الأعراف:135} فبمجرد أن زال عنهم المرض فإذا بفرعون لا يؤمن به ويقول له أنت ساحر ولن أرسل معك بني إسرائيل، [فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ] {الأعراف:136}، لقد جاءته سبع آيات وهو غير منتبه.




    اللقاء الأخير:


    حان وقت اللقاء الأخير، ف موسى سيذهب لفرعون ويطلب منه أن يرسل معه بني إسرائيل [وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا] {الإسراء:101} فأنت لست ساحر بل أنت مسحور، فيقول له موسى آخر كلمة: [قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا] {الإسراء:102} أي أنك ستهلك! وهي المرة الأولى التي يقولها له ويبدو أن موسى ومع كل ما مر لم يكن يعلم أن فرعون سيهلك وأن الله قد أوحى له بذلك، فقد ظلم وقتل وذبح فلم تعد هناك أي فرص أخرى وقد استنفذ كل الفرص.



    لقد انتهى الاجتماع وقال فرعون آخر ما عنده، وكذلك موسى عليه السلام ، وبدأ كلٌ منهما يعد نفسه بسرعة، ولقد أوحي إلى موسى بأنه سيخرج ليلا هو وبني إسرائيل، وفرعون يجهز ويخطب آخر خطاب له قبل أن يهلك: [وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ] {الزُّخرف:51 إلى53}.



    موسى هو الذي سيبادر ويسبق أولا فقد أخذ القرار بالخروج فورًا وسيقوم بتجهيز بني إسرائيل قبل أن يجهز فرعون جيوشه للقضاء على بني إسرائيل. كلاهما أخذ قرارًا فموسى أخذ القرار بالخروج فوراً وفرعون أخذ قرارًا بقتلهم جميعًا وإبادتهم فهو لم يكن يريد أن يأخذ هذا القرار من البداية ولكنه أخذه في هذا اليوم لأنه شعر أنه خسر كل شيء وفضح أمره حتى زوجته آسيا قتلها، ومستشاره، ومؤمن آل فرعون، وحتى السحرة بالإضافة إلى مشكلة اقتصادية كبيرة وأن موسى قد قهره عقلياً وفكريًا وانتصر عليه بكل المقاييس.




    قيمة اليوم: احذر إنذارات الله:


    بقي شيء واحد وهو أن تحذر إمهال الله، فإذا حدثت لك مشكلة أو مصيبة أو مرض أو نقص في الرزق لا داعي لأن تكتئب، ولكن ما أقصده هو أن تراجع نفسك وتجلس مع نفسك وتنظر أهو رحمة من الله ورفع للدرجات أم هو إنذار، فإذا وجدت نفسك ظالمًا أو أكالا للمال الحرام أو آذيت أو آلمت إنسانًا أو أحزنت إنسانًا، فالإنذارات تأتي على قدر كلٍ منا .. فلا للظلم.. قيمة اليوم: احذر إنذارات الله واستيقظ لها ولا تغفل عنها.. إن ظلمت فستخسر رمضان ولن تكسب شيئًا، وإن تبت اليوم فمن يدري فلعلك تقبل عند الله ويرحمك ويرضى عنك ويغفر لك، توبوا الليلة أيها الناس وأعيدوا الحقوق لأصحابها واستغفروا الله ورضوا من ظلمتم، غفر الله لنا جميعًا.




    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  8. #18
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    (الحلقة الرابعة عشر )
    بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم


    الموضوع الذى نتناوله اليوم من قصة موسى في غاية الأهمية، نرى فيه كيف تتحقق وعود الله لعباده، تستشعر فيه قوة وعظمة الله لك إذا كنت مظلوم، وتستشعر فيه قوة وعظمة الله عليك إذا كنت ظالم. موضوع اليوم هو خروج موسى من مصر وانشقاق البحر له وانتقام الله من فرعون وهامان وإغراقهم في البحر. هذه القصة سمعناها مرارًا ويعرفها الصغير منا والكبير، بل وتعلمها كل ثقافات العالم، ولتكرار سماعنا لهذه القصة، فقدنا إحساسنا بالمعجزة ولم نعد نستشعر قدرة الله، لذا فتخيل أن هذه هى المرة الأولى التي تسمع فيها هذه القصة، واستشعر أن الله قوي عزيز، وعندما تردد في ركوعك " سبحان ربىَّ العظيم" فاملأ قلبك باسمه "العظيم".


    في قصة موسى نجد الخطر محدق به منذ يوم ولادته وحتى اليوم الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن، وكان عمره فيه خمسًا وخمسين عامًا، وهو يوم يشبه يوم بدر. ولنبدأ بعرض سريع مختصرللطريق الذي سلكه موسى وقومه أثناء خروجهم من مصر، خرجوا من العاصمة فى ذلك الوقت برعمسيس ومكانها الآن بالشرقية، واتجهوا للأسفل لعبور البحر الأحمر عند أضيق نقطة فيه وهى التي انشق عندها البحر، ويرجح الكثيرون أنها مكان خليج السويس الحالي، ثم مروا بسيناء واستمروا في الصعود لأعلى لدخول فلسطين فكتب الله سبحانه وتعالى عليهم ألا يدخلوها، وكُتبت لأمة محمد كما سيرد الحديث فيما بعد، وانطلقوا إلى المكان الذي عاش فيه بنو إسرائيل حتى وفاة موسى وأغلبه في دولة الأردن، لذا فهم لم يمكثوا بسيناء إلا فترات قليلة، مجرد عبور يريدون الذهاب للمنطقة التي بالأعلى في فلسطين، وقضوا فترة التيه في الأردن. وستجد أن حياتهم كلها ترحال وانتقال من مكان لآخر في فترة التيه حينما جبنوا ورفضوا دخول الأرض المقدسة، يذكرونني في كثرة التنقل بالإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل، فحياتهما كلها كانت ترحال.


    خروج اضطرار وآخر اختيار:


    لنبدأ القصة: أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى كما يقول في كتابه العزيز " فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ" (الدخان:23) وكلمة أسر إشارة لسرعة التحرك قبل أن يعلم فرعون بخروجهم فيهاجمهم، فتحركوا من بيوتهم ليلًا مع موسى وعندما علم فرعون بخروجهم أخذ في تجميع الجنود، يقول سبحانه وتعالى: " فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ " (الشعراء:53) واستغرق ذلك عدة أيام وهذا من ترتيب الله عز وجل حتى يكون موسى وقومه قد قاربوا وصول البحر، فالله سبحانه وتعالى يريد أن تكون نهاية فرعون في البحر كما ذبح وأغرق الكثيرين من أطفال وأهل هذا البلد، فالجزاء من جنس العمل، أمهله الله كثيرًا، سنوات وسنوات، لكن من عظمة وقدرة الله أن الانتقام سيكون بنفس الطريقة. خرج بنو إسرائيل مع موسى وخرج هارون وخرجت أم موسى وأخته مريم ليلًا من السجن الكبير الذي احتجزهم فيه فرعون، خرج كل بنى إسرائيل حتى غير المؤمنين هربوا هروب المضطر فالعجز والذل اللذان تعودوا عليهما جعلهم يخشون البقاء وحدهم في مصر خوفًا من أن يعذبهم فرعون، فهربوا مع الهاربين المؤمنين. وفارق كبير بين خروج بني إسرائيل وهجرة الصحابة من مكة للمدينة، حقًا خروج بنى إسرائيل كان خروج مؤمنين كالصحابة، لكن بينهم كثيرين خرجوا خروج المضطرين وليس المختارين، بينما الصحابة خرجوا باختيارهم لله ولرسوله من أجل الرسالة والدعوة.


    موقفنا الثابت مع الحق


    وهكذا كان خروج بني إسرائيل من مصر، بعد أن دخلوها مع الهكسوس منذ أربعمائة عام في عهد يوسف وكان عددهم ستين، خرجوا منها ستمائة ألف في عهد الفرعون رمسيس الثاني. وهنا نقطة يجب الإشارة إليها، وهى أن الفارق كبير بين خروج بني اسرائيل عام ثلاثة آلاف قبل الميلاد، وبين ما حدث في القرن العشرين، فقد خرجوا مظلومين، وعادوا ظالمين، خرجوا بالحق، وعادوا بالباطل، خرجوا هروبًا من الاستضعاف، وعادوا ليستضعفوا الناس، خرجوا هروبًا من العنصرية، وعادوا بالعنصرية، فالفارق كبير بين اللقطتين، بين من ظُلم بالأمس، فعاد يظلم اليوم. ونحن موقفنا ثابت، وهو: نحن مع الحق، نحن مع من ظُلم بالأمس، لكننا ضد الظالم اليوم حتى يأخذ المظلوم حقه. ولننظر للأمور بميزان العدل فلاحظوا أن القلة المؤمنة مع موسى هى التي جرت القاطرة كلها بالناس المذلولين الهاربين لعدم وجود حل آخر، فلو لدينا أناس مؤمنين في كل زمان ومكان، وكلهم إيجابية وعقل وحكمة وحب للإيمان، فهؤلاء هم الذين سيجرون قاطرة الخاملين والسلبيين والصامتين، أين هم المؤمنون الذين يشدون القاطرة؟ ف موسى لم يكن باستطاعته إخراج ستمائة ألف عانوا هذا القدر من الذل بدون وجود مؤمنين أقوياء معه.


    مع أي الفريقين كنت ستكون؟


    خرج بنو إسرائيل ليلًا بمنتهى الحذر والهدوء يحملون معهم طعام بالكاد يكفيهم لحين عبورهم البحر ولم يكونوا يعلمون أنهم سيواجهون فرعون لكن كانوا متبعين لأوامر موسى وكان منهم مؤمنون مطيعون، واسأل نفسك لو أنت مكان بني إسرائيل ففي أي الفريقين ستكون؟ أفي الفريق الخارج فقط هربًا من الذل والهوان أم في الفريق المحب للحق الرافض للهوان؟ هل أنت من المؤمنين الرافعين رؤوسهم الأعزاء أم من التابعين لغيرهم أينما ذهب الناس فهو معهم، إن تحركوا تحرك، وإن سكنوا سكن، إن تكلموا تكلم، وإن سكتوا سكت؟ ويبدو أن القلة المؤمنة غالية حقًا عند الله، لأن لأجلهم تحقق نصر الله وأغرق فرعون. ولنتخيل معًا خروج بني إسرائيل هربًا شباب، وشيوخ، ونساء، وأطفال، خارجين في رهبة وقلق وخوف، يتوكل المؤمنون منهم على الله، لم يكونوا يعلمون أن فرعون قد خرج خلفهم، وحده موسى كان يعلم فقد أخبره ربه في قوله "فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ" (الدخان:23) وفرعون يحمس جنوده ضد بني إسرائيل يخبرهم بقلة عدد الهاربين ورغم ذلك يصرح بقلقه منهم في قول الله تعالى: " إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُون (الشعراء، 56:54). وتخيل بكم من الجنود تحرك فرعون بعد أن نادى في البلاد لتجميع الجنود، تخيل الفرسان، تخيل المركبات الهائلة، تخيل فرعون وهو يقود عربته الحربية وتخيل الغل والتحدى، اقترب هؤلاء وهؤلاء من البحر كلٌ في طريقه، والله يرتب ويختار الميعاد. "... وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ... " (الأنفال:42)، هذه الآيات قيلت في غزوة بدر، لكن هذا هو فعل الله تبارك وتعالى في كل زمان ومكان مع المؤمنين وضد الظالمين.


    إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ:


    واقترب الفريقان، تقول الآية: " فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ " (الشعراء:61 ) تراءى الجمعان تعني أنهم لم يسمعوا أصوات بعضهم البعض في البداية أو يستشعروا قرب أحد بل فجأة رأوا بعضهم البعض، تخيل هؤلاء عُزَّل من السلاح، معهم أطفالهم ونسائهم، سيبادون ويقتلون جميعًا، فقال أصحاب موسى "إِنَّا لَمُدْرَكُونَ " فليس أمامهم سوى البحر من جهة وفرعون وجنوده من الجهة الأخرى، فتخيل يأسهم في هذه اللحظة، وتخيل ضعفاء النفوس منهم وهم يلومون موسى وإلى ماذا أوصلهم، فيرد موسى بكلمة كلها استشعار لعظمة وقوة الله سبحانه وتعالى: " قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " (الشعراء:62 ) كلمة وأنت تقرأها تحب جدًا موسى، قوي جدًا، عظيم جدًا، شجاع جدًا، وما هذه الثقة في الله، والتوكل على الله، ومدى شعوره بقوة ربنا، ما فرعون، وما الجنود، وما السيوف، وما الرماح، وما الفرسان، إن معي ربي، يقولها بمنتهى الثقة وهو لا يعلم كيف سينجو، ولا يعلم أن العصى ستشق البحر، فقط عرف أنها تتحول لأفعى بأمر الله، ولم يكن يعلم أنها ستلتقط حبال السحرة إلا عندما أخبره الله، أما ما يراه أمامه في هذه اللحظة فهو الواقع المادي الحقيقي أمام عينيه هو وبنى إسرائيل أن البحر أمامهم، وأن فرعون آخذ في الاقتراب منهم، وهو لا يعلم كيف النجاة، الشيء الوحيد الذي هو متأكد منه هو أن ربنا قوي، " إِنَّ مَعِيَ رَبِّي" أتستطيع أن تقولها بهذا الإحساس؟ أتستطيع أن تحيا بها مهما كانت الدنيا صعبة، وليس فقط مع من ظلمك، ولكن في حياتك كلها تكون مع الله لا تخشى شيئًا، وتحيا بإحساس "ربي لن يضيعني".


    ثقة بقدرة وعظمة الله:


    ويشرح القرآن كيف جاء نصر الله:" فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم"ِ (الشعراء:63 ). تخيل عظمة وقدرة الله في كلمة " فَانفَلَقَ "، والطود تعني الجبل، أى أن البحر انقسم فأصبح كوادي بين جبلين، من منا يتخيل أن يتحول بحر إلى وادي بين جبال في لحظة واحدة. " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون"ُ (يس:82) فأمر الله بين الكاف والنون، والبحر جندي من جنود الله، فلنعدد معًا جنود الله في قصة موسى منذ بدايتها وحتى هذه اللحظة:


    · البحر جندي.


    · النيل الذي حمل صندوق الرضيع موسى فحفظه جندي.


    · المحبة التي قذفها الله في قلوب من يقابل موسى فمن لقيه يحبه جندي، يقول تعالى: " ... وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ... "(طه:39 ).


    · تيار النيل الذي حمل صندوق موسى إلى بيت فرعون جندي.


    · شفاه موسى التي لم تقبل المرضعات جندي.


    · قاع البحر الذي سيسيرون عليه ومشيهم بين الشعب المرجانية.


    كل هذا من جنود الله، فالله سبحانه وتعالى لم يفتح لهم البحر ليعبروا عليه تاركه بحالته المائية وإلا لخافوا العبور بين جنبيه، ولكنه برحمته بهم سبحانه حول البحر من ماء إلى جبل، فمن الملك؟ من العظيم؟ من مالك الملك؟ نحن لدينا فيما يخص ديننا أفكار نظرية، الله سبحانه وتعالى يحولها لنا إلى تطبيقات عملية، من هذه الأفكار النظرية معرفتك بأن الله قوي عزيز عظيم، لكن هذا المشهد العظيم الذي أنقذ الله به موسى يجعلك تردد: يا رب أنت الملك.


    وانظر لتدرج موسى مع الشعور بعظمة الله، أول مرة رمى فيها عصاه جرى من شدة الخوف، وثاني مرة أوجس في نفسه خيفة، وفي ثالث مرة والتي هى أصعب المرات؛ فمن خلفه فرعون وجيشه، لم يخف بالمرة، بل كان كله ثقة بقدرة وعظمة الله " قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" (الشعراء:62 )، فالشعور بعظمة الله لا يأتي دفعة واحدة أو من أول موقف، ولكن تأتي بالحياة مع الله، تأتى بالترقي بالقرآن، والحياة بالقرآن لتفهم ما به من آيات نظرية وتطبيقها العملي، وإلى هذا تهدف حملتنا لنحيا بالقرآن.


    وتخيلوا معي شعور بني إسرائيل لحظة العبور في وسط البحر، وتخيل ماذا كانوا يقولون في هذه اللحظات، أنا أعتقد أنها كلمة واحدة: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، أنا لو مكانهم لكنت رددت هذه الكلمة وحسب، وأبكي وأنا أرى هذه المعجزة، تخيل شق البحر، وتفريق الأسماك على الجانبين وتمهيد قاع البحر ليسيروا عليه، وتخيل فرعون وهو يرى هذا المشهد، كيف لا يؤمن، ألهذا الحد يمكن أن يصل الكبر والعناد؟ وجنوده كيف لم يؤمنوا؟ أيعقل أن تكون قلوبهم قد عميت لهذه الدرجة؟ أيعقل أن هناك أناس لا يشعرون بعظمة الله أبدًا؟ وأنت أيضًا، أيعقل أن قلبك سيظل قاس ٍ بعد سماعك لهذه القصة؟


    غرق فرعون وجنوده:


    أصر فرعون على العبور خلف موسى حينما رأى البحر ينشق، نظر إلى جنده وقال أرأيتم سحر موسى، وكأنه صدق كذبه، فكان كذبه سبب هلاكه، ويموت بنفس الطريقة التي كان يقتل بها الأطفال الرضع ويلقيهم في البحر، ففور عبور موسى وقومه أراد موسى إغلاق البحر خلفه حتى لا يتمكن فرعون من العبور ورائهم، فضرب البحر بعصاه فأوحى الله إليه أن يترك البحر كما هو: "وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُون"َ (الدخان:24 )، ف موسى فكرته أن يغلق البحر بعده حتى لا يعبر فرعون وجنده، بينما الله سبحانه وتعالى يريد أن تكون هذه هى نهاية فرعون وغرقه، أراد فرعون العبور خلف موسى فأغرقه الله، يقول الله تبارك وتعالى: " ... حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " (يونس:90 )، وانظر لشدة الموقف في كلمة" أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ" حتى أنه لم يستطع نطق لا إله إلا الله، بل قال الذي آمنت به بنو إسرائيل. ويرجح العلماء أن فرعون هو رمسيس الثانى الذي وجدوا يده في موميائه مرفوعة لأعلى لا تستقيم بجوار جسده، وتختلف في ذلك عن سائر المومياوات، ويعتقد البعض أن رفعه ليده هذا وكأنه كان يدفع شيئًا عنه أثناء مماته، انظروا رد القرآن عليه: " ...آلآنَ .. " (يونس:91 ) أتريد أن تؤمن الآن؟ ألم تأتك تسع آيات تحذيرية في السابق؟ مات فرعون غرقًا فقد فات الأوان، أدرك نفسك يا من عصيت، يا من ارتشيت، يا من كذبت، يا من أكلت مال حرام، يا من ظلمت، أدرك نفسك فباب التوبة مفتوح حتى لحظة الموت، ففي لحظة الغرغرة يغلق باب التوبة فلا تقبل، فأدرك نفسك الليلة بالتوبة للقوي العزيز، استشعر عظمته، وتخلص من ظلمك للآخرين، أو من مال حرام، أو من معصية كبيرة؛ فغضب الله شديد.


    احذر إعانة الظالم على ظلمه:


    ويطبق البحر على فرعون، لكن ليس وحده، بل بكل جنوده، وقد يتسائل أحد، وما ذنب جنوده؟ نردعليه بأن أعوان الظلمة ظلمة مثلهم. يقول تعالى: " فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" (القصص:40 ) والسؤال: أكلهم ظالمون؟ ليسوا كلهم لكن ينطبق عليهم مايردده البعض دومًا: أنا عبد المأمور، أنا ليس فى يدي شىء، أنا فقط أنفذ ما أؤمر به، فلنتذكر أن أعوان الظلمة ظلمة. وفي هذا الأمر هناك قصة تخص سعيد بن الجبير، وكان من علماء المسلمين، أخذه الحجاج، وكلنا نعرف ظلمه، فسجنه وعذبه، وسجان ابن الجبير كان رجل لديه قليل من الإيمان، ويؤدي الصلوات، ورغم ذلك يعذب ابن الجبير، فسأله يومًا: "يا إمام، هل تراني من أعوان الظلمة؟" فقال له ابن الجبير: "لا، أعوان الظلمة من يغسلون لهم ملابسهم، ويحضرون لهمم طعامهم، وهكذا" ، فسأله السجان: " هؤلاء أعوان الظلمة، فمن أنا" فرد عليه ابن الجبير: " أنت من الظلمة أنفسهم". لذا احذر أن تكون ممن يعين الظالمين دون أن تدري.


    يوم حاسم في قضية الدعوة:


    مات فرعون، لكن هناك آية خطيرة للغاية تقول: " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ "(يونس:92 ) أي أن الله سبحانه وتعالى جعل جثته بعد موته تطفو على البحر ولا تغرق، وذلك حتى لا يعتقد أحد أنه إله كما نسب إلى نفسه أنه كذلك، فقد كان يقول: أنا ربكم الأعلى، فحتى لا يظن أحد من ضعاف الإيمان من بني إسرائيل أو من غيرهم أنه ذهب في موكب إلهي، تطفو جثته، ويراها الجميع جثة بشر، وتؤخذ وتحنط كما كان يفعل المصريون، وتظل في المتاحف ليرى الجميع من تجرأ على القوي العزيز وقال أنا ربكم الأعلى، وينظروا ماذا حدث له. وبهذا تنتهي المرحلة الثالثة في قصة حياة موسى التي هى أربع مراحل، مرحلتان إعداد، ومرحلتان تنفيذ، وعمره هنا حوالي خمس وخمسون عامًا، أي تقريبًا نفس عمر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، واليومان كانوا حاسمين في قضية الدعوة لكل منهما. وبنهاية هذه المرحلة، ترى ما الذي نجح فيه موسى حتى الآن؟ نجح في المهمة الأولى التي كلفه الله بها وهى إنقاذ بني اسرائيل معه وإخراجهم من مصر، كما جاء في القرآن الكريم: "... فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (الأعراف:105) فبعد خمس وخمسين سنة جهاد حقق هدفه، من منا يحقق هدفه لله في هذه الدنيا؟ خرج موسى بقومه وفور عبورهم البحر وجدوا قومًا يعبدون أصنامًا لهم فقال البعض منهم ل موسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، يا لتعبك يا موسى ويا لعنائك مع بني إسرائيل، ما زال الكفاح معهم مستمرًا.


    تبقى في هذه الجزئية نقطتان هامتان:


    · النقطة الأولى: لماذا يصوم المسلمون يوم عاشوراء؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ذلك يوم نجى الله فيه موسى"، وأمرنا أن نصوم هذا اليوم صيام تطوع، كتقدير واستشعار لقوة وعظمة ربنا كل عام، فنتذكر أنه في هذا اليوم أحدث الله هذه المعجزة العظيمة، والسبب الآخر هو انتماء وحب ل موسى، يقول محمد: " نحن أولى بموسى منهم".


    · النقطة الثانية: نريد مقارنة فرعون قبل وبعد، في صور الفراعنة، نجد صورة فرعون في عنفوانه وقوته، صورته في معركة قادش منتهى العزة والقوة، وفي المقابل نجد صورته بعد وفاته صورة ممياء يقول الدكتور موريس بوكاى الذي حلل هذه المومياء، إنها لشخص مات غرقًا وتم انتشاله من الماء فور غرقه، فأخبروه أن هناك آية في القرآن تقول: "... فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً... "(يونس:92 ) فتعجب جدًا واندهش كيف عرف محمد نبي المسلمين هذا رغم حداثة الطريقة المستخدمة لمعرفة سبب وفاة صاحب المومياء ولقد أسلم الدكتور موريس عام 1982.


    فرعون يوم القيامة:


    نختم حديثنا بالآيات التي تتحدث عن فرعون يوم القيامة: "فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ، وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّار، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ، قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ" (غافر50:45) تخيل عندما يعلم فرعون أن قرآنًا ذكر فيه، وأن قصته تعلمها الملايين، وحينما يأتي يوم القيامة يشير الناس إليه، هذا هو فرعون، هذا هو الظالم، فإياك والظلم، إياك والظلم، وتشير الآية بالضعفاء إلى جنود فرعون وكل من يعتذر أنه عبد المأمور، أو من لم يكن بيده شىء، وتتحدث الآيات عن نصر الله ليس لرسله فقط بل لكل المؤمنين، نسمع القرآن فكأنه يتحدث لكل منا، في قوله تعالى: " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ، وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (غافر53:51) وتختتم الآيات بحديث النبى صلى الله عليه وسلم فعلاقة قصة موسى بالنبى قوية جدًا، يقول تعالى: "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار" (غافر:55) يأمرنا الله باستشعار قوته وعظمته، وبالاستغفار من أخطائنا.




    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  9. #19
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    ( الحلقة الخامسة عشر )


    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    مقدمة:


    ها قد وصلنا لنصف رمضان، فقد مرت الأيام سريعًا وصدق الله العظيم إذ يقول ((أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ...)) (البقرة: ١٨٤) وسرعان ما ينتهي الشهر الكريم. تُرى ماذا فعلت فيما مضى من رمضان؟ وماذا سيكتب لك فيما تبقى؟ أما زلت محتفظا بنية كبيرة وتتمنى أن ينتهي رمضان وقد أعتقت رقبتك من النار وغفر لك ما تقدم؟ يا من قصرت في النصف الأول من الشهر مازالت الفرصة كبيرة في النصف الثاني، ويا من بذلت كل جهدك في النصف الأول تيقن أن العبرة بالخواتيم وبنهاية رمضان وبليلة القدر وآخر أيام رمضان. فتح الله علينا ويجعل من رمضان هذا العام نقلة في حياتنا. من يدري؟ فقد يسمعنا الآن شخص بدأ قلبه يتحرك ليأخذ نية ويتوب إلى الله ويفتح صفحة جديدة مع الله قد يغير رمضان مسار حياته إلى رضا ورحمة ومغفرة وجنة وعتق. فابقَ مع الله وابذل جهدك في الأيام الباقية.



    رمضان شهر القرآن:


    النقطة الثانية التي أود أن أتطرق إليها هي القرآن في رمضان. كم ختمة للقرآن انتهيت منها حتى الآن؟ فالنبي يقول: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة) هل تريد أن يشفع لك القرآن يوم القيامة؟ هل تتمنى أن تأتي سورة البقرة وسورة آل عمران يوم القيامة وتظللان عليك في حر يوم القيامة وتدافعان عنك؟ فقد سأل عبد الله بن عمر بن الخطاب النبي صلى الله عليه وسلم: "في كم أختم القرآن؟ فقال له النبي: "اختمه في شهر" فقال: "يا رسول الله إني شاب أطيق أكثر من ذلك" فقال: "اختمه في عشرين" فقال له: "يا رسول الله إني شاب وأطيق أكثر من ذلك" فقال له الرسول: "اختمه في خمسة عشر" قال: "يا رسول الله والله أطيق أكثر من ذلك" قال: "اختمه في عشر" فقال: "يا رسول الله إني شاب ذو طاقة" فقال له النبي: "اختمه في ثلاثة أيام ولا أقل من ذلك". لماذا لا تَغيرون من عبد الله بن عمر؟ هل هناك من ختم أو من شارفعلى الانتهاء من ختم القرآن؟ فالعبادة منازل وجبال من الحسنات وكلُّ حسب اختياره.



    كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقضي يومها كله في قراءة القرآن في رمضان، ثم في التراويح وقيام الليل، فسألوها أليس ذلك بالكثير؟ فقالت: "وهل رمضان إلا للقرآن؟" كان النبي يسميه شهر القرآن. ولذلك قمنا بتنظيم حملة "سنحيا بالقرآن" هدفها الوصول إلى عشرة ملايين ختمة في رمضان هذا العام. لكن ما الهدف من التسجيل ما دمت قد أخذت ثوابها؟ حتى نقوي بعضنا البعض ونفرح ونقول لله سبحانه وتعالى: يا رب قد جئناك هذا العام في رمضان ۲۰۰۹ ومعنا عشرة ملايين ختمة حفظنا فيها وتقربنا بها إليك وأحببنا فيها القرآن ورفعنا فيها شعار سنحيا بالقرآن.



    الشوق إلى الله:


    محور حديثنا اليوم إيماني ورقيق جدَّا وهو الشوق إلى الله. هل تشتاق إلى الله؟ هل تشتاق إلى رضاه؟ هل تحن إلى الليل فتقوم وتصلي بين يديه؟ فتلك منزلة رفيعة. العبادة منازل: فهناك من يتجنب المحرمات وهذه منزلة، وهناك من يتقي الله، وهناك منزلة اسمها الشوق إلى الله. هل مررت بتجربة شوق لأحد ووصلت إلى درجة أنك لا تستطيع أن تتحكم في مشاعرك؟ فقد وصل موسى إلى هذه المنزلة. انظر إلي موسى تجده عظيما في كل شيء: في قيادته لأمته وفي شجاعته أمام فرعون وقيادته لبني إسرائيل، كذلك في عبادته تراه عابدا خاشعًا متوكلا على الله، فهو نبي عظيم وهو من أولي العزم من الرسل وكليم الله وهي منزلة اختص بها الله سبحانه وتعالى موسى، ولم يقترب من هذه المنزلة أو يرتقي إليها إلا الرسول صلى الله عليه وسلم في المعراج.



    اليوم موسى يشتاق إلى الله. أريد أن أسألك هل يأتي عليك لحظات تشتاق فيها لقراءة القرآن ولختمه؟ انظر إلي عبد الله بن حذافة قبل قتله على يد ملك الروم بكى فظن الملك أنه تراجع وخاف فأتى به فقال له عبد الله بن حذافة: " يا ليت عندي بعدد شعر جسدي أنفس تخرج الواحدة تلو الأخرى حبا لله وفي سبيل الله". من الممكن أن يكون هذا الكلام نظريا أو إنشائيا لو أن الذي قاله ليس مشرفًا على الموت، لكن من يقول هذا الكلام في لحظات الموت يكون شاعرًا به ومؤمنًا به. لا أطلب منك أن تكون مثله فهو صحابي لكن أين نحن؟!



    استشهد عبد الله بن حرام في غزوة أحد فبكى ابنه جابر بن عبد الله فقال له النبي: "أتبكي يا جابر؟ يا جابر ما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحًا. فقال له: "يا عبدي تمنى علي" فقال: "يا رب أتمنى أن أعود إلى الدنيا فأقتل مرة أخرى في سبيلك لِما وجدت من حلاوة الشهادة والقرب منك" فقال الله: "إني كتبت عليهم أنهم إليها لا يرجعون فتمنى أمنية أخرى يا عبدي" فقال: "يا رب بلغ عني أهل الأرض ما أنا فيه من السعادة". أرأيت الشوق إلى الله؟ الآن وأنت في نصف رمضان هل أنت مشتاق لله؟ متى آخر مرة بكيت من خشية الله، وحبًا له، وشكرًا على نعمه وليس لأجل مشكلة عندك؟ هل تحن للقرآن أو للعمرة أو للقيام؟ تلك منزلة قلبية عالية فهنيئًا لمن مر بها، ومسكين يا من غرق في المادية الطاغية ولم يتذوقها.



    الميقات:


    وعد الله موسى بالذهاب إلى ميقاته، الميقات أي لقاء الله، ومتى كانت آخر مرة؟ كانت قبل ذلك بخمس عشرة سنة في جبل الطور. اليوم وبعد هذه المدة وبعد غرق فرعون ونصر موسى وتحقق وعد الله لموسى دعاه مرة أخرى للقائه في المكان نفسه، انظر إلى الآية: ((وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً... )) (الأعراف: ١٤۲) فقال الله سبحانه وتعالى لموسى لو صمت لي وعبدتني حق العبادة ثلاثين ليلة سأعطيك مكافأة وقربا، وسأعطيك التوراة، كتابي نورا وهدى وسأقربك مني قربًا شديدًا. فصام موسى الثلاثين ليلة وبعدما أتمها حيث أمره الله أن يتممها بعشر ليزيد قوة وإيمانًا ليستعد للقاء الله.



    وماذا عن بقية بني إسرائيل؟ فلقد استخلف موسى هارون على بني إسرائيل لأنه ذاهب للقاء الله وحده لمدة ثلاثين ليلة وليبقى هو مع بني إسرائيل ولا يتركهم. انظر إلى حظ أمة محمد، فالميقات كان لموسى وحده وحرمت بني إسرائيل منه، فقد منّ الله سبحانه وتعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بشهر رمضان، ثلاثين ليلة عبادةً وصومًا ليهيئكم لتكن لكم منزلة كبيرة (من صام رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه) و(إن الجنة لتتزين من السنة إلى السنة لشهر رمضان) انظر إلى جوائز رمضان وتيقن كيف نحن (غاليين) على الله! يقول لنا النبي: (من أتبع رمضان بست من شوال كمن صام الدهر) و موسى صام ثلاثين ليلة وأتبعهم بعشر. انظر كيف أن أمة محمد هي خير أمة أخرجت للناس!



    يذهب موسى للقاء ربه عند جبل الطور، وكان اللقاء في الليل، لقاء طويل وجميل يسأل فيه موسى الله ويستفيض، والله يجيب ويمن عليه ويعطيه التوراة كما طلب موسى النظر إلى الله.



    كلمة ميقات تعني موعد محدد دقيق يلتقي فيه كليم الله بالله سبحانه وتعالى ويتلقى التوراة. وكلمة توراة جاءت من " الطور" حيث تلقاها فسميت نسبة إلى المكان، فكانت المكافأة والهبة أن زاده الله تشريفًا وتكريمًا فأعطاه الكتاب. فماذا ينال من يصوم الثلاثين يومًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ عاد موسى للمكان نفسه، لجبل الطور الذي كلف فيه بالرسالة منذ خمس عشرة سنة، لماذا؟ حتى نعلم أن وعد الله حق وأن الله لا يخلف الميعاد ألم يقل له: ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) (طه: ۲٤) و ((قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ)) (الشعراء: ١۲) و ((قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)) (طه: ٤٦) وقال ))وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ(() القصص:۳٥( في جبل الطور منذ خمسة عشر عامًا، فكان لابد بعد الانتصار وبعدما عبر البحر وشاهد معجزة الله وكيف نجاه ونصره؟! من الممكن أن يكلفك الله بعمل فتدور الأيام، ويذكرك بوقفته معك في مكان وقف فيه معك قبل ذلك. هذا ما حدث مع موسى، ذهب إلى ميقات ربه كما تذهب أمة محمد إلى ربها كل عام في رمضان لتعبده وتتقرب إليه، وبينما هو ذاهب إلى الميقات يقول له ربه: ((وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طه: ٨۳-٨٤) أي أنه كان متعجلاً من الشوق إلى الله.



    أسئلة سألها موسى لله:


    ولقد سأل موسى الله أسئلة ذكرها النبي وأخرى ذكرها اليهود الذين أسلموا في المدينة مثل عبد الله بن سلام. على الرغم من أنها آثار إلا أني سوف أذكرها لأنها مؤيدة لسيرة النبي وذكرها النبي بأحاديث مماثلة، هيا نعيش مع هذه المعاني الرقيقة: فالحوار مع الله سبحانه وتعالى خاصية أعطاها الله لموسى عليه السلام في الدنيا، وستكون لنا إن شاء الله في الآخرة، في الجنة، حيث نسأل الله كيفما نشاء ونقول له أعطنا كذا ونتمنى كذا.



    قال موسى: "يا رب من أدنى أهل الجنة منزلة؟" فقال: "ذلك آخر رجل يخرج من النار حبوًا يريد أن يدخل الجنة، كلما أراد أن يخرج منها أُعيد فيها حتى يخرج منها ويقول الحمد لله الذي نجاني منكِ" فيقول الله تبارك وتعالى:" اذهب فادخل الجنة"، فيذهب فينظر فيخيل إليه أنها ملأى فيقول: "يارب وجدتها ملأى" فيقول له الله: "أما ترضى أن يكون لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا" فيقول الرجل: "يا رب أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟" فيقول له الله تبارك وتعالى: "لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا ومثله ومثله ومثله ومثله ومثله" فيقول العبد: "رضيت يا رب" فيقول له الله تبارك وتعالى: "لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثاله ولك فيها ما اشتهت نفسك وتمنت عينك وأنت فيها خالد".هذا أدنى شخص منزلة، فقال موسى: "يا رب أذلك أدناه منزلة؟" فقال الله: "نعم يا موسى" قال: "فمن أعلاهم منزلة؟" فقال له الله: "أولئك الذين أردت زرعت كرامتهم بيدي فلا تدري عين ولا تسمع أذن ولا يخطر على قلب بشر ماذا أريد أن أعطيهم" ومعنى كرامتهم أي سعادتهم.



    قال موسى لله: "يا رب كيف لا تأخذك سِنة ولا نوم؟" فقال له الله: "يا موسى ابق الليلة وأنت تمسك بزجاجتين في يدك فبقى موسى وهو ممسك بالزجاجتين فغفل فنام فسقطت منه الزجاجتين فانكسرتا. فأوحى الله إليه: "يا موسى لو تأخذني سِنة أو نوم لسقطت السماء على الأرض". فقال موسى وهو يشعر بالحياء من الله وأن الله عظيم يستحق الشكر على هذه النعمة ألا تنطبق السموات على الأرض: "كيف أشكرك وشكري لك نعمة تستحق الشكر؟"، فهذا من توفيقك لي أنك أعنتني على الشكر، فأوحى الله إليه: "يا موسى إذا عرفت ذلك فقد شكرتني". ما هذا اللقاء والميقات الذي حدثنا عنه الله في القرآن! و الله يا قائمين ويا صائمين لو صمتم بحق ستتذوقون حلاوة القرب من الله مثل موسى. حاول بعد هذه الحلقة أن تدخل إلى غرفتك وتناجي الله.. قل له يا رب ليس لي سواك، قربني منك، سامحني واعف عني، حتى وإن كنت مليئا بالذنوب وهذا.



    قيمة "لا إله إلا الله":


    تطرق موسى لموضوع آخر، فقال له: يا رب دلني على كلمة أو دعاء أو ذكر أذكرك به كثيرًا، فقال له الله: "يا موسى أكثر من قول لا إله إلا الله" ، فقال له موسى: "يا رب كل عبادك يذكرونك بلا إله إلا الله، خصني بذكر أذكرك به لك وحدك"، فقال له الله: "يا موسى لو أن السموات السبع والأراضين السبع وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت كفة لا إله إلا الله".



    من الملاحظ أن كل قصة لها مع رسول الله حديث أو دعاء أو ذكر مماثل؛ فقد روى النبي قصة الرجل الذي جاء يوم القيامة فقال الله للملائكة: "ابسطوا له سيئاته" فبسطت له سيئاته فإذا هي تسعة وتسعون سجلا من السيئات مدها مد البصر، فوضعت في الميزان فرجحت، فظن أنه هالك، فقال له الله: "هل بقي لك شيئا؟" فقال :"لا يا رب" فقال له الله: "أظلمتك الملائكة؟" قال: "لا يا رب" قال الله: "ألك عذر؟" قال: "لا يا رب" قال الله: "بلى يا عبدي بقي لك شيء" قال: "وما هو يا رب" قال الله: "لك عندي بطاقة مكتوب فيها لا إله إلا الله" فقال: "يا رب وماذا تفعل البطاقة؟!" فقال الله: "إني لا يظلم عندي أحد، يا ملائكتي ضعوا البطاقة في كفة الحسنات"، فوضعت في كافة الحسنات فطاشت السجلات فقال النبي: "و لا يثقل مع اسم الله شيء". يجب أن نقول لا إله إلا الله بحق، فلا يجب أن يُعبد مثله ولا أن نخضع لغيره، ولا نذل لأحد إلا الله.



    كرم الله ورحمته:


    من ضمن الأشياء التي سأل عنها موسي قال: "يا رب إن هناك رجلين من بني إسرائيل أحدهما صالح والآخر عاصٍ، وقبل أن آتي إلى الميقات وجدت الاثنين يدعونك قائلين: يا رب، فماذا فعلت بهما يا رب؟" فقال له الله تبارك وتعالى: "قلت للصالح لبيك عبدي، وقلت للعاصي لبيك عبدي.. لبيك عبدي.. لبيك عبدي" فقال موسى: "أتقول للصالح ذلك وتقول للعاصي ذلك؟". فقال له الله: "يا موسى أما الصالح عندما قال يا رب فكان يعتمد على عمله، وأما العاصي حين قال يا رب فكان يعتمد على رحمتي". يا عصاة، يا من ملئتكم الذنوب، لو ذهبتم إلى الله وعرفتم أنه سيرحمكم سيقول لكم لبيك عبدي.. لبيك عبدي.. لبيك عبدي.



    مازلنا مع لقاء موسى مع ربه، ونحن نقتطف من ثمار هذا اللقاء: قال الله : "يا موسى إن من عبادي من أدخلهم جنتي وأخيرهم فيها بين قصورها وثمارها وأنهارها ما شاءوا" فقال له موسى: "من هؤلاء يا رب؟" فقال الله: "من يدخل السرور على المؤمنين وعلى أهل بيت من المسلمين" ما أحلى أن تدور على بيت فقير أو أسرة فقيرة فتقيم لهم مشروعًا تساعدهم به فيعود الأولاد إلى المدارس مرة أخرى! هيا نبدأ بها اليوم.



    الحب في الله:


    وأوحى الله إلى موسى: "هل عملت لي عملا قط؟" فقال موسى: "يا رب صليت لك وذكرتك وقمت بين يديك وصمت لك"، فقال له الله: " يا موسى أما الصلاة فلك نور، وأما الصدقة فلك برهان ولكن هل عملت لي عملا قط؟" فقال موسى: "وما العمل؟" فقال له الله: "هل أحببت فيّ أحدًا قط؟ هل واليت لي وليًّا قط؟" فعلم موسى أن أعلى درجات القرب من الله أن تحب في الله وأن تآخي في الله.



    التذلل إلى الله:


    قال له الله: "يا موسى أتدري لماذا اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي؟" فقال: "لما يا رب؟" فقال الله تبارك وتعالى: "يا موسى إني قلبت قلوب عبادي ظهرًا وبطنًا في زمانك فلم أجد قلبًا أذل لي من قلبك يا موسى، فأردت أن أرفعك على عبادي". كل هذه الآثار تعرض لك أفكارًا للدخول إلى الله، كالأخوة في الله، أو الإكثار من قول لا إله إلا الله، حتى تختار بابًا يكون طريقك إلى الله. أحد هذه الأبواب هو التذلل لله؛ فمن تواضع لله رفعه. كلنا نعبد في رمضان، لكن من يقرب؟ من الذي يتذلل إلى الله ويسجد ويضع رأسه على الأرض ويقول له أنا فقير إليك. أحد العلماء يقول: "طرقت الأبواب إلى الله فوجدتها ملئى، فطرقت باب الذل فوجدته فارغًا وقلت هلموا هذا هو الباب".



    أمنيات موسى:


    تمنى موسى في هذا اللقاء الجميل وبعد هذه الأسئلة، وبعدما أوحى الله إليه ما أوحى أمنيتين: الأولى عندما قال: "يا رب إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن لك أمة من الأمم الحسنة عندهم إذا هموا بها فلم يعملوها كتبت لهم حسنة فإذا عملوها كتبت لهم عشرة فاجعلها أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد" فقال: "يا رب إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن أمة تأتي يوم القيامة يكونون هم الشافعون المشفعون فاجعلهم أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد" فقال: "إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن هناك أمة هي خير أمة أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلها أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد" فقال: "إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن هناك قومًا هم أكثر أهل الجنة فاجعلها أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد". أمة محمد غالية على الله، لماذا رخصنا أنفسنا؟ لماذا عصينا ونسينا وبعدنا؟ تستطيع اليوم أن تصلي ركعتين في لقاء مع الله وتصلي التراويح وتقرأ القرآن وتسمع كلام الله إليك وتذكر الله فيذكرك هذا هو الهدف من هذه الحلقة المليئة بالروحانيات.



    في النهاية طمع موسى في شيء ((...قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ...)) (الأعراف: ١٤۳)انظر لأي درجة ملأ الشوق قلبه. فقال له الله: ((...قالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا...)) (الأعراف: ١٤۳)ولماذا الجبل؟ لأن الجبل قوي وضخم فإذا تجلى الله على الجبل جعله دكا فما بال الإنسان. ثم انظر إلى كلمة " دكا " أي سواه بالأرض ولذلك خر موسى صعقًا على الأرض. تأمل في كلمة تجلى واسم الله الجليل ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) (الرحمن: ۲٧) تستشعر هذا الاسم عندما تقف أمام منظر طبيعي جميل فتعجب به حتى إنك لا تستطيع أن تتركه، أتذكرون أول مرة رأيت فيها الكعبة؟ والهيبة التي شعرت بها؟ هذا في الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة فما بالك في الجنة ورؤية الله؟



    خاتمة:


    لقد أكرمني الله أن دخلت الكعبة من الداخل يوم غسلها فلم أستطع أن أدعو من الهيبة والجلال لبيت الله فما بالك برؤية الله عز وجل. لذلك يعلمنا النبي فيقول: " لا تفضلوني على موسى، فإن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق،فأجد موسى باطِشًا بساقِ العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللـه؟" أي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدري أفاق قبله أم جوزي بثواب صعقة يوم الميقات. ما أعظم عدل الله! وما أجمل تواضع محمد صلى الله عليه وسلم! ((...فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ...)) (الأعراف: ١٤۳).





    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  10. #20
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    ( الحلقة السادسة عشر )


    بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    قيمة قراءة القرآن الحقيقية:


    أحب أن أذكركم بشعارنا هذا العام في رمضان: "سنحيا بالقرآن"؛ فمن المهم أن ندرك جميعًا أننا لا نقرأ القرآن لنتزود إيمانيًا أو لنأخذ حسنات فقط، فإلى جانب ذلك نحن نقرأ القرآن لسبب غاية في الأهمية؛ فالقرآن منظومة قيم لإصلاح أخلاق الإنسان وقيمه ونظرته للحياة، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (الأنفال: 24) يؤكد أن القرآن يحينا لأنه منظومة قيم وأخلاق. فنحن نتعبد بقراءة القرآن – في رمضان وفي غير رمضان-، ولكن يجب ألا تتوقف قراءة القرآن عند التلاوة فقط، ولذلك فقد قررنا في هذا الجزء من قصص القرآن أن نستخلص قيمة من القيم في كل حلقة؛ لأن هذه القيم هي رسالة القرآن في الأصل. إذا نظرنا للقرآن بمعناه الشامل الكامل الحقيقي، فإننا سنستخلص كل قيمة من هذه القيم وندرك أن الله أنزل هذه القصة في سورة طه ليصحح هذه القيمة في كلٍّ منا، وهكذا نستطيع أن نفهم الإسلام بمعناه الصحيح الكامل.



    اسم الله العزيز:


    من أسماء الله الحسنى "العزيز"، فاسم الله "العزيز" وهو ذو علاقة وثيقة بحلقة اليوم، فما معنى اسم الله "العزيز"؟ "العزيز" هو الذي يأبى الذل لعباده، فيأبى أن ينكسر عبده لأي إنسان أو شهوة أو معصية أو مال...إلخ، فهل تعد نفسك عبدًا للعزيز؟ هل أنت مكسور ذليل أمام شهوة أو إنسان أو معصية أو شيطان أو حتى أمام نفسك؟ أم أنك عزيز مرفوع الرأس لأنك عبد لله العزيز؟


    لقد ترك بنو إسرائيل مصر مع موسى عليه السلام، وشهدوا معجزة انشقاق البحر غير أن الذل قد ملأ قلوبهم حيث شوه الذل نفوسهم. إن الذل يقضي على النفوس ويشوهها بعمق ويترك أثرًا أشد وأسوأ من تشويه مادة كاوية لوجه إنسان، فلك أن تتخيل!


    فلو أُسر أسد متقدم في السن ليوضع في حديقة للحيوان سيأبى أن يأكل لأنه حرّ فيفضل الموت على أن يبقى أسيرًا في قفص، فإن أرادوا أن يعتاد الأسد على حياة الأسر، يجب أن يكون شبلا صغيرًا ليعتاد على تلك الحياة؛ لذا فاحذر لأنك من الوارد أن تكون ذليلا لنفسك أو للشيطان، فالشيطان يقول لله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} (الإسراء:62)، فما معنى "أحتنكن"؟ أصل هذه الكلمة يأتي من كلمة "الحنك"، أي الفم، فمعناها نية الشيطان في أن يسوق الإنسان كالبهائم. فقيمة اليوم هي ألا تذل نفسك لأحد أبدًا، فإن أردنا أن "نحيا بالقرآن" وأن نصل إلى العشرة ملايين خاتمة للقرآن، فيجب أن نطبق ما فيه من قيم وهذا هو الهدف من أن "نحيا بالقرآن".



    وصية موسى لأخيه هارون في غيابه:


    ذهب موسى عليه السلام لميقات ربه، ووصى هارون أن يخلفه في قومه، يقول الله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} (الأعراف: 142)، فوصية موسى عليه السلام ل هارون كانت لمعرفة منه أنه لا يستطيع أن يترك قومه بمفردهم، ف موسى عليه السلام يعلم أنه لو تركهم لأنفسهم فسيرجع ليلقى مشكلات وخيمة وكوارث، وقد أمره أن يصلح بينهم كي لا تصل الأمور بينهم لأي خلافات. ورغم علم موسى عليه السلام بوجود مفسدين بين قومه فإنه تاركهم. فسكوت موسى عليه السلام على المفسدين بين قومه كسكوت محمد صلى الله عليه وسلم على وجود المنافقين في المدينة، فإن هذا هو أسلوب القادة العظام للتعامل مع الفتن الداخلية بصبر وحكمة حتى القضاء عليها حتى تموت مع الزمن غير أن هذا ليس في مقدرة جميع الزعماء، فمن الزعماء من يسارع إلى القضاء على المفسدين، وهذا ليس بأسلوب العقلاء الحكماء.


    إذًا فلقد ذهب موسى عليه السلام للقاء ربه ثلاثين يومًا كما قال لقومه، ولكن الله أمره أن يمد فترة الاستعداد للقاء الله عشرة أيام أُخر فغاب أربعين يوما.



    أثر الذل في نفوس بني إسرائيل:


    لم ترسخ فكرة الإيمان في نفوس بني إسرائيل بعد، فلقد شوه الذل كيانهم حيث إن أيّ غياب ل موسى عليه السلام يحدث انهيارًا وسقوطًا لبني إسرائيل، ثمة سؤال يطرح نفسه: هل يُفتن أو ينهار بنو إسرائيل رغم وجود هارون عليه السلام؟ فلا يزال لدى بني إسرائيل مشكلة عظيمة فمن يسيطر عليهم هو موسى عليه السلام؛ فهو من شق البحر بعصاه، وهو الذي واجه فرعون، ولذا يأتي بعده هارون كقائد ثانٍ، فهم لا يقبلون إلا القائد الأول، ورغم حبهم ل هارون لكنهم لا يطيعون إلا موسى، هذا لعدم صلابة إيمانهم وعدم رسوخ فكرة الإيمان في نفوسهم، صحيح أن منهم المؤمنون كما أن منهم أيضًا من لم يرسخ إيمانه بعد. ويبدو أنهم كانوا متأثرين بالمصريين في ذلك الوقت، حيث كانوا يعبدون العجل (أبيس) والذل هو سبب هذا التأثر، فهم يرون أن المصريين وفرعون أفضل منهم، رغم أنهم من المؤمنين الموحدين غير أن الذل قد شوه عقولهم وأنفسهم.



    السامري وموهبته المكبوتة:


    ومع تأخر موسى عليه السلام في العودة انبثقت بين بني إسرائيل فتنة شديدة، وهي فتنة السامري؛ السامري ليس من المصريين ولا من بني إسرائيل إنه من الأقليات التي كانت في مصر وهو من سامراء بالعراق، وكان شابًّا عندما ظهر موسى عليه السلام في ذلك الوقت الذي كان فيه فرعون في كامل جاهه، وهو محارب بارع وموهوب لكنه كان من أحد المستضعفين في عهد فرعون {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:4)، ورغم موهبته وإمكاناته لم تكن أمامه فرصة للتقدم لأنه من طائفة أخرى غير المصريين، لذا فقد كان من المنبوذين المضطهدين، وظلت موهبته مكبوتة وعنده شعور بالإهانة ونما بداخله تشوهات نفسية.


    لدى عالمنا العربي الكثير من الشباب الموهوب ذي الطاقة غير أن المحسوبية تحول بينه وبين أن يعلو شأنه، فتذل نفسه وتتكون عنده طاقة للتدمير، وهذا ليس مقبولا كفعل، لكن المجتمع له يد فيما فعل أيضًا، كثيرون هم من أمثال السامري في العالم العربي! فقصة موسى عليه السلام لا تنطبق لعام ۲۰۰۹ق.م ولكنها تنطبق أيضًا على حاضرنا اليوم في عام ۲۰۰۹ميلادية. عندما وجد السامري موسى عليه السلام وأتباعه انضم إليهم على الفور بغير إيمان منه.



    خطة السامري:


    وبعد انتهاء الثلاثين يوما بدأ بنو إسرائيل في السؤال عن موسى عليه السلام وسبب تأخره، وفي هذه الأثناء بدأ السامري في تكوين فكرة للانتقام بدلا من أن ينتقم من فرعون الذي ظلمه في الأصل، فسينتقم من بني إسرائيل الذين ظلموا كما ظُلِم، وهكذا تكون الطاقة المدمرة عندما تكبت طاقات الموهوبين والمبدعين في بلادنا، فالانتقام يكون من المجتمع ككل الذي قد يكون فيه من المظلومين أيضًا، وهكذا أصر السامري على أن يرى بنو إسرائيل موهبته وأن يثبت لهم عبقريته، وهنا قرر السامري أن يبدأ مع بني إسرائيل بمدخل التدين، لما تبقى في بني إسرائيل من دين ومتدينين، إلى جانب من فيهم ممن لم يرسخ إيمانه بعد، ففي هذا يقول تعالى: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (الأعراف:159).



    حُلي نساء مصر:


    قبل أن يخرج بنو إسرائيل من مصر كان لديهم عيد؛ لذا فقد استعارت نساؤهم حليًّا من نساء المصريين، وعندما جاء الأمر من موسى عليه السلام بالخروج من مصر {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} (الدخان: 23) أخذ النساء الحلي معهم حيث ولم يعيدوا هذا الحلي لذا أقنعهم السامري بأن موسى عليه السلام لن يعود إلا إذا تخلصوا من تلك الحلي بإلقائه في البحر حيث إنه ليس ملكًا لهم ومن ثم يعتبر مالا حراما فرموه، وهكذا دخل إليهم من باب التدين، لما تبقى فيهم من إيمان، لكن ما قيمة التدين في إنسان ذليل؟ {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} (طه: 87).



    السامري ينفذ خطته:


    أخذ السامري هذا الحلي، ليس بغرض السرقة لكن ليصنع منه عجلا من ذهب ليري بنو إسرائيل براعته، فصنع عجلا من الذهب يشبه العجل (أبيس)، العجل الذي عبده المصريون القدماء؛ لأنه يعلم أن بداخلهم فتنة العجل (أبيس). كان تصميم هذا العجل كتصميم العجل (أبيس) الذي يوجد في معابد قدماء المصريين. لذا سيأمرهم موسى عليه السلام بعد ذلك، كما ذكر في سورة البقرة بذبح بقرة صفراء، لتأثرهم بالعجل أبيس، وجعل في فم ومؤخرة التمثال ثقبا ووجهه في اتجاه الريح، ليصدر صوتا عندما تهب الريح.



    بنو إسرائيل يعبدون عجل السامري:


    أخبر السامري بني إسرائيل أن هذا العجل إلههم وإله موسى، وعندما سألوه عن مكان موسى عليه السلام قال لهم إن موسى عليه السلام قد نسي إلهه عندهم وذهب إلى المكان الخطأ، وعندما يجد إلهه عندهم سيرجع إليهم، فعليهم إذًا أن يعبدوا هذا العجل فعبدوه، يقول الله تعالي: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} (طه: 88)، وهل صدق بنو إسرائيل هذا الحديث؟ نعم، صدقوه، وعبد كثير منهم العجل، فقد صدقوا ما قال السامري، لما هم فيه من ذل جعلهم منقادين، فالذل يجعل الإنسان سهل الانقياد إلى أي معصية كانت، وهنا يكمن الفرق بين بني إسرائيل وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والسبب في أنها خير أمة أخرجت للناس {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه...} (آل عمران: 110) فأمة محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا من الأحرار لذا اختار الله الجزيرة العربية لبدء رسالة النبي صلى الله عليه وسلم. لكنْ بنو إسرائيل كانوا أذلاء، تُرى أمة محمد صلى الله عليه وسلم اليوم أقرب إلى من؟ تخيل أن الذل جعل بني إسرائيل يعبدون العجل (أبيس) ويسجدون له حيث شعر السامري بالنصر والسعادة، لأنه جعل بني إسرائيل يسجدون لما صنعته يداه، فهو مريض وما دفعه إلى هذا هو كبت موهبته.



    تعامل هارون مع الفتنة:


    أدرك هارون عليه السلام ما هو فيه من مشكلة، فقد بدأ بنو إسرائيل في عبادة هذا العجل، فنصحهم وحاول أن يمنعهم، يقول تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} (طه:90)، وإذا بردهم في قوله تعالى: {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} (طه: 91)، فهم منقادون إما ل موسى عليه السلام أو للسامري بلا رأي ولا انتماء لأي فكرة، يتبعون من يقودهم، فلم يسمعوا ل هارون عليه السلام، هذه قيمة اليوم وفيها رسالة للآباء، بالله عليكم لا تجعلوا أبناءكم أذلاء لأيٍّ من كان، واحذروا من سيطرة المعصية وارتكابها، ليس فقط لما فيها من (حرمانية) بل أيضًا لما تتركه في النفس من أثر الذل وتشويهه، فابقوا عبادًا لله العزيز سبحانه وتعالى. ظل هارون عليه السلام محاولا هدايتهم مرارًا وتكرارًا، ولكنه وصل إلى مرحلة أنه وجد بوادر صراع، فهناك من بني إسرائيل من اتبع السامري، وهناك من اتبع ما نصحهم به هارون عليه السلام.



    جنوح هارون إلى الانتظار:


    وجد هارون عليه السلام نفسه أمام خيارين، وهنا نرى الأسلوب الصحيح في التعامل مع الفتن والمشاكل الداخلية: هل يدخل في هذا الصراع؟ أم يتركهم إلى حين يرجع موسى عليه السلام؟ فاختار هارون أن ينتظر رجوع موسى، فهو وحده من يستطيع حسم هذا الخلاف بكلمة منه، فهو لبني إسرائيل القائد الأول فقد قارن هارون عليه السلام بين الأمرين. تخيلوا لو أن هارون عليه السلام قد دخل في صراع ونجم عن هذا الصراع حرب في بني إسرائيل! رجع موسى عليه السلام ليجد بني إسرائيل وقد قتلوا في حربٍ بينهم، وهذا ما يسمى بفقه الموازنات، عندما تكون في اختيار بين أمرين: كيف تختار الأقل ضررًا بينهما؟ فقه الموازنات يجهله كثير من المتحمسين.



    عودة موسى عليه السلام:


    عاد موسى عليه السلام من لقاء ربه، بعد أن كلم ربه، فكان لقاءً مليئا بروحانيات وعبادة، وقد تلقى التوراة هدى ونورا ومعه الألواح، وينوي أن يرتقي ببني إسرائيل ليعلمهم وليكون لهم منهج وإذا بالمفاجأة: فقد عبد بعض من بني إسرائيل العجل. تخيل أن موسى عليه السلام في لقاء ربه، وقومه يعبدون العجل! وهنا يتساءل الكثيرون، لماذا ترك الله موسى عليه السلام في هذه المصيبة بعدما كان فيه من روحانيات وعبادة؟ هكذا الحياة، خير وشر، إيمانيات ومواجهات، وغير ذلك فقد تلقى موسى عليه السلام كل هذه الروحانيات ليصلح بني إسرائيل، وليصلح في الأرض، ما حدث ل موسى عليه السلام مثال لما يحدث لنا بعد الصيام والقيام والعبادة في رمضان فتخرج من رمضان لتجد مشكلة كبيرة في العائلة، أو تجد أن أحد أبنائك وقد ارتكب ذبنًا كبيرًا، فهذا لا يعني أن الله لم يتقبل منك عبادتك في رمضان، فما اكتسبته من قوة إيمانية في رمضان هي لمواجهة مشاكل الحياة، بل على العكس، هذا من دلائل قبول الله سبحانه وتعالى لعبادتك، فالله سبحانه وتعالى يبعث رسالة إلى موسى، أنه طالما أنه مع قومه، فهم ملتزمون بما يقول، ولكن إذا تركهم تركوا هم ما آتاهم. فهم ليسوا أصحاب فكرة، إنما هم تابعون لشخص، فإنهم ليسوا ك أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما قال: "من كان يعبد محمدا فإن محمدًا قد مات ومن يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت"، فبنو إسرائيل ليسوا كأمة محمد صلى الله عليه وسلم.



    علم موسى بفتنة قومه:


    ومن رحمة الله ب موسى، أن أنبأه بالخبر قبل أن يصل إلى قومه ليستعد لهم، فيقول تعالى:{وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى* قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} (طه: 83-85)، و"فتنا" هنا معناها اختبرنا، فقد اختبر الله بني إسرائيل إن كانوا سيتبعون موسى، حتى وإن لم يكن معهم، فلم ينجحوا في هذا الاختبار، ولكن عند اختبار قوم محمد يوم وفاته نجحوا في الاختبار وثبتهم أبو بكر الصديق، فشخصية أبو بكر تشبه كثيرًا شخصية هارون في صبره وحلمه وفي ارتباطه بالفكرة وليس فقط بالأشخاص. فهذه القصة تدل على أن بني إسرائيل كانوا مرتبطين بشخص وهو موسى أكثر من الفكرة؛ لذا فهذا ما سيعمل موسى على إصلاحه بسبب هذه الحادثة، فهذه دعوة لقراءة القرآن قراءة صحيحة، فمعاني القرآن أعمق بكثير من مجرد قراءتها، فالقرآن مليء بالقيم.


    وقد أخبر الله موسى بأن السامري هو رأس الفتنة، ليكون مستعدا للموقف. يقول الله تعالى: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا...} (طه: 86)، تخيل المشهد حيث يذهب موسى إلى قومه آتيا من الجبل، وإذا بأغلبهم يعبدون العجل ساجدين له، تخيل كيف سيتعامل موسى مع هذا الموقف؟



    استراتيجية موسى عليه السلام:


    هنا نرى أسلوب تعامل القائد مع فتنة وكارثة داخلية، فأي قرار خاطئ يمكن أن يسبب حربا أهلية أو يجعلهم يصرون على عبادة العجل، غير أن عليه أن يكون حاسمًا مع السامري ومع بني إسرائيل، فهذه ليست المرة الأولى فقد قالوا له من قبل: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (الأعراف: 138) لذا يجب أن يأتيهم موسى بعقوبة حاسمة، فهو لديه الآن ثلاثة أطراف ليتعامل معهم: السامري، وبنو إسرائيل، و هارون، وغير ذلك يجب على موسى عليه السلام مواجهة الأطراف الثلاثة معا لأنه سيقابلهم جميعا عندما يرجع، فلا يستطيع مثلا أن يستمع إلى ما حدث من هارون على انفراد، فل موسى هنا طريقة وخطة استراتيجية؛ فهو ينوي أن يتخذ معهم موقفًا حازمًا فيه شدة تجاه الجميع، ولكن إذا بدأ بالشدة فيمكن أن يخلق صراعا لذا فلسوف يبدأ باللين ثم الرحمة وبعدها الشدة والحزم.


    إذًا بمن سيبدأ؟ هل يبدأ بالسامري؟ لا، فإنه إن بدأ بالسامري وبني إسرائيل فلربما مازالوا متأثرين به، وقد يُحدث هذا فتنة أكبر، وقد يجعل هذا من السامري بطلا. هل يبدأ ب هارون؟ لا، لم يبدأ به، لأنه ليس أصل الفتنة. سيبدأ موسى ببني إسرائيل أنفسهم.



    موقف موسى مع بني إسرائيل:


    بدأ موسى بكلام رقيق ليذكرهم، يقول الله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي} (طه: 86)، وأنا أقول هذه الكلمات اليوم لأي عاصٍ: ألم يعطك الله من الخير الكثير؟ ألا تستطيع أن تصبر؟ لا ترتكب المعصية؟ فردوا عليه بعدما أثر فيهم كلامه: {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ* فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} (طه: 87-88)، عندما وجد موسى أنهم قد تأثروا بالموعظة، وبدأوا التبرأ من السامري تركهم على ذلك.



    موقف موسى مع أخيه هارون:


    وكما بدأ موسى باللين ذهب إلى هارون متخذا معه الشدة، وهو يعرف أن هارون يحتمل هذا، وأنه سوف يتقبل كلامه لأنه أخوه، فعندما يتعامل بالشدة مع هارون سيحذر بنو إسرائيل ويخافون، يقول تعالى: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (طه: 92-93)، وأخذ لحية هارون وشدها، كان المشهد أمام الجميع، فقال له هارون: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} (طه: 94)، ويذكر هارون موسى بما ربتهم عليه أمهم من أخوة، فلن يختلف هارون مع أخيه موسى أبدًا حيث ذكره بما وصاه عليه قبل أن يذهب بألا يجعل فتنة أو صراعًا بين بني إسرائيل لذا فقد انتظر عودته. يقول الله تعالى في سورة أخرى عما قاله هارون ل موسى: {... قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأعراف: 150)، فهدأ موسى، بعدما وضح لبني إسرائيل أنه ينوي معاملتهم بالشدة، فقال: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأعراف: 151).



    موقف موسى مع السامري:


    وجاء دور السامري، فالتفت موسى إليه ليبدأ معه بحزم وشدة ولكن سأله قبلها لما فعل هذا؟ يقول تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} (طه: 95)، ينبغي أن يتعلم الآباء من هذا الموقف كيف يمكنهم معاقبة أبناءهم؟ فقبل التوبيخ والمعاقبة، يجب أن يقولوا لأبنائهم ويشرحوا لهم لماذا يعاتبونهم أو يعاقبونهم؟ وهنا يكمن صبر موسى لذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يتأسى به عندما يغضبه أحد، ويقول: (رحم الله أخي موسى، لقد ابتلي بأكثر من ذلك فصبر)، فكذب السامري لأنه جبان، ولم يخبره عن السبب الحقيقي لما فعل وعن موهبته المكبوتة، فقال: {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } (طه: 96)، وادعى أنه رأى جبريل عليه السلام، يوم أغرق الله فرعون يمر بفرسه في البحر فأخذ من طينة كانت من أثر قدم جبريل، ووضعها في العجل الذي صنعه، ليبقى به جزء من الملائكة ليصبر به بنى إسرائيل حتى يأتي موسى، فلم يناقشه موسى فيما كذب.



    حسم موسى عليه السلام:


    انتقل موسى إلى مرحلة الحسم والعقوبات، ففرض أربع عقوبات: كانت أول عقوبة للسامري بنفيه فأمره أن يذهب، يقول تعالى: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ...} (طه: 97)، أما العقوبة الثانية والثالثة: {... وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} (طه: 97)، فيُنفذ الأمر فورًا ويحرق العجل ويرمى في اليم، ويقال إن السامري قد أصابه مرض جلدي فما عاد أحد يقربه. هذه رسالة لكل المبدعين؛ إياك أن تسلك درب السامري حتى وإن ظُلمت فتدمر المجتمع فيفعل بك الله كما فعل بالسامري. نُفى السامري وتوفي في منفاه وحيدا، وحرق العجل ونسف في اليم ثم يلتفت موسى لعقوبة بني إسرائيل ليكمل موقفه الحاسم مع الأطراف الثلاثة بموقف في منتهى الحكمة والحسم.




    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 2 3 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. جلسه مع شاعر (( الحلقه الرابعه ))
    بواسطة عبدالمجيد الشمري في المنتدى مضيف ا لشّعر الشعبي"النّبطي"
    مشاركات: 43
    آخر مشاركة: 25-08-2009, 19:51
  2. رد: برنامج القوارير ::: الشيخ محمد العريفي (الحلقه الرابعه)
    بواسطة &^^مهــــا^^& في المنتدى المنتدى الاسلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-07-2009, 11:34
  3. رد: برنامج القوارير ::: الشيخ محمد العريفي (الحلقه الرابعه)
    بواسطة &^^مهــــا^^& في المنتدى مضيف آدم وحواء
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-07-2009, 16:22
  4. هيئة الدفاع عن عمرو خالد : ترد على كلام الشيخ محمد حسان الموجه لعمرو خالد
    بواسطة محمد نجاتي في المنتدى مضيف المشاركات المنقولة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-06-2009, 21:11
  5. يوميات الفاضي (((الحلقه الرابعه)))
    بواسطة الفاضي في المنتدى مضيف فلّة الحجاج
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 01-10-2002, 22:31

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته