أيها الأخوة في الله ، ما من نبي أرسله الله إلى أمةٍ من الأمم ، إلاَّ أول ما يقرع به أسماع أمته من كلامه ، تبليغاً عن ربه قوله ( يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ). كما جاء ذلك على لسان نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى وعيسى ومحمد، صلى الله عليهم أجمعين وسلم تسليماً كثيراً. وما من خطيبٍ قام يخطب النّاس ، أو واعظٍ يعظ النّاس إلاّ ويصدر خطبته وموظته ، بقوله يا أيها النّاس اتقوا الله ، فما هي التقوى ؟ الّتي جاء الأمر بها في القرآن وحده ، بأكثر من ثمانين موضعاً ، فضلاً عن المواضع التي جاء فيها بيان فضل التقوى ، والثناء على أهلها ، إنها [ التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بتنزيل ، والقناعة بالقليل والاستعداد اليوم الرحيل ] هكذا عرفها الأمام علي رضي الله عنه وأرضاه ، فالتقوى هي شعار المؤمنين، وحلية المحسنين، وسلاح المجاهدين، وزبده رسالات المرسلين، وسبب لطيب الحياة ، والفوز والفلاح والسعادة ، وعلو الدرجات في الدارين، وهي زينة المؤمن في الدنيا ، وخي زاد في السفر إلى الأخرى ، التقوى هي بختصارٍ شديد أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، بأتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ولعظيم أثر التقوى على المتصف بها ، وجميل عاقبتها عليه في الدنيا والأخرى كانت الوصية من الله تعالى بها للسابقين واللاحقين من المكلفين ، كما قال تعالى: ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) وبشارة الله لعباده الصّالحين ، قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وََانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وأما ثمراتها ، فهيا كما وعد الله المتقين ، بأن يجعل لهم مخرجاً من الشدائد والمحن ، وأن يرزقهم من وجهٍ لا يخطر ببالهم قال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) ووعد سبحانه من يتقيه بأن يسهل عليه أمور الدنيا والآخرة ، قال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) وقال: (يَا أَيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) وقال سبحانه: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ) وضمن سبحانه للمتقين ، النجاة من النار والفوز بالجنة، فحين ذكر سبحانه النار قال: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) ، وقال: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) ، وحين ذكر الجنة أخبر سبحانه أنها ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) وقال: ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً ) فضمن سبحانه لأهل التقوى المخرج من الضيق ، والرزق بأهون سبب ، وتيسير العسير ، وتكفير السيئات ، ومغفرة الزلات ، والأمن من الخوف ، وعدم الحزن على فائت ، وتوالي البشارات بأنواع المسرات ، في الحياة وبعد الممات ، كما شهد لهم بالعصمة من الشيطان ، ووعدهم بالعلم المثمر للإيمان ، والهداية لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، والفوز بالجنة والنجاة من النار. فما أجلّها من عواقب ، وما أطيبها من ثمرات للتقوى، فهنيئاً للمتقين ((اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)).
المفضلات