الحسد خلق ذميم.. يتخلق به كل معتد أثيم قال تعالى «أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله».
نعيش زمناً اختلف الناس فيه عمن سبقهم وتبدلت أطباعهم وصفاتهم، فبعد المحبة وحب الخير بعضهم لبعض طل علينا أناس قلوبهم محشوة بالحقد والكراهية ومليئة ببراميل سوداء من الحسد والعياذ بالله لدرجة انهم يتمنون زوال نعم الله عن غيرهم.
ديرتنا الحبيبة لم يتفش بها الحسد في السابق واقصد حتى عهد قريب، اما وقتنا الحالي فالحسد حدث ولا حرج، حيث امتلأت قلوب الكثير من الناس بهذا الداء الخبيث الذي نهانا الله عنه ورسوله، الا ان البعض اصبح يمتهن هذه الصفة البشعة، وينشغل بالناس وما يلبسون ويأكلون ويسكنون ويعملون، حتى أصبح حساد العالم بكفة وحسادنا بكفة أخرى فأضحينا نحسد بعضنا بعضا في كل شيء وعلى أي شيء. ولقد وصل الحسد بنا ان نحسد الفقير على صبره والمريض على إيمانه بقضاء الله وقدرته، والوزير على بشته والنائب على كرسيه، والغني على ماله والتاجر على تجارته والنشيط على نشاطه ولاوطني على وطنيته والمخلص على اخلاصه والفاسد على فساده والسارق على سرقاته والجميل على جماله، وهكذا أصبح الحسد ظاهرة منتشرة في كل مكان.
حساد ديرتنا الحبيبة تجاوزوا الحسد المتعارف عليه وادخلوا له بعض التحسينات ليشمل السياسة والاقتصاد والرعاية السكنية والصحية والخدمات العامة وغيرها من الأمور التي كفلها الدستور للمواطن، فمثلا الحسد السياسي وصل إلى ان يحسد الحزب الفلاني حزبا آخر لنشاطه وتنظيماته وانجازاته فلا يحاول ان يفعل ما يفعله نظيره، بل يتمنى زوال هذه الصفات عنه، فلا الليبرالي راض عن الاسلامي ولا الحكومي راض عن الشعبي وهكذا.
اما الحسد الاقتصادي فبلغ ما بلغه السياسي حتى وصل الحال بأصحاب الملايين ان يحسدوا اخوانهم أصحاب الملاليم ويستكثرون عليهم أي نشاط اقتصادي وتجاري يزاولونه فيعدون لهم ما يعدون من قوانين معقدة تخرجهم من دائرة الاقتصاد والتجارة، بينما يكيل لهم أصحاب الملاليم النفس نفسه فينظرون اليهم بأنهم بلعوا البلد وما فيها من خيرات.
وان ذهبنا للحسد الاسكاني فسنجد ان أصحاب الدخل المحدود يحسدون أصحاب القسائم ذات السرداب والثلاثة أدوار، وسكان المناطق الخارجية يحسدون سكان المناطق الداخلية على ما يتمتعون به من رعاية حكومية وخدماتية، وصاحب المنزل ذي الشارع الواحد لم يعجبه من كان منزله على ثلاثة شوارع وساحة، كما نجد من يملكون القصور والديوانيات الفخمة والمنفصلة يحسدون أصحاب الديوانيات الكيربي التي يقيمونها أمام منازلهم ليوسعوا على انفسهم ضيق المساحة في منازلهم الحكومية وهكذا..
الصحة كانت كسابقاتها فنالها الحسد، حيث يحسد المريض على ايمانه بقضاء الله وقدرته ويحسد الآخر لانه حصل على موافقة الحكومة لابتعاثه للعلاج في الخارج ويحسد ثالث على الرعاية الاستثنائية التي يتلقاها من دون سواه من إدارة المستشفى كونه يملك الواسطة أو المعرفة الشخصية.
فأصبح الحسد في الكويت سمة من سمات المجتمع فالغني يحسد الفقير والفقير يحسد الغني، والنائب يحسد الوزير والوزير يحسد النائب، ومن يسكن المناطق الخارجية يحسد سكان الداخلية والعكس صحيح، والحضري يحسد البدوي والبدوي يحسد الحضري والسني يحسد الشيعي والشيعي يحسد السني والاسلامي يحسد الليبرالي والليبرالي يحسد الاسلامي.
فانتشرت هذه الظاهرة مع شديد الاسف دون ان نعي خطورتها ونتائجها الوخيمة على المجتمع وعلى البلاد بأكملها ونسأل الله ان يحفظ الكويت وشعبها من كل مكروه.
ملاحظة :
هذه المقالة سبق وان نشرت لي في جريدة القبس الكويتية واحببت ان اطلعكم عليها لانني اشعر بان آفة الحسد أصبحت ظاهرة أقليمية ..
أتمنى ان تعجبكم ..
http://www.alqabas.com.kw/Article.as...&date=28112008
المفضلات