رفقا بالقوارير
استضعاف المرأة في الماضي والحاضر
المرأة شقيقة الرجل، وشريكته في الحياة من بدايتها، ولا يستغني عنها ،
كما لا تستغني عنه ، فوجود أحدهما يعتمد على وجود الآخر، لأن التكاثر
واستمرار النسل البشري يحتاج إلى كليهما، وإدارة شؤون الحياة وقضايا
العيش لا تنتظم دون تكاملهما.
لكن حكمة الحياة اقتضت أن تظهر في الرجل حالة القوة والخشونة، وأن
تتجلى في المرأة حالة العطف والحنان، هذا العطف والحنان الذي يحتاج
إليه الرجل حين يكون جنينا في أحشاء المرأة، ورضيعا على صدرها ،
ووليدا في حجرها ، وزوجا تبذل له حبها..
وكان يجب أن يقدر الرجل دائما للمرأة هذا الدور العظيم، لكنه بدلا من ذلك
غالبا ما يستضعفها، ويستغل طبيعتها اللينة الطيبة، ويتعامل معها من موقع
قوة مهيمنة ، حدث ذلك في ماضي الزمان ومازال مستمرا إلى حاضره ،
فقد كانت إنسانية المرأة يوما ما محل نقاش وجدال، بين الفلاسفة الرجال :
هل أنها روح أم لا ؟ - هل روحها انسانية أم لا ؟ - وعلى فرض انسانيتها
هل هي كالرجل ؟ وهل خلقت لذاتها أم لخدمة الرجل وإمتاعه ؟
وكان يتعامل معها في بعض الأزمان الغابرة كرقيق يباع ويشرى، او كسلعة
تقتنى وتمتلك ، وينظر اليها كمصدر للشرور والخطيئات، وفي بعض الأحيان
كان يستكثرعليها الحق في الحياة والوجود، فتوأد وتدفن حية كما ينقل ذلك عن
عرب الجاهلية
مثلا ، وأشار إليه القرآن الكريم بقوله: وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا
وهو كظيم . يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في
التراب ألا ساء ما يحكمون .
ومع أن الاسلام أعاد للمرأة اعتبارها، واقر لها بدورها المميز، وشأنها العظيم ،
وحرم أي تنكر أو تجاهل لحقوقها ومكانتها، وأعلن على لسان النبي صلى الله
عليه وسلم ان الجنة على عظمتها وخطرها هي تحت قدم المرأة الأم، فقد روى
أنس عنه انه قال : "الجنة تحت أقدام الأمهات" .
وعاشت المرأة في ظل الاسلام واقع العزة والكرامة، لكن ذلك لم يدم طويلا ،
حيث عادت رواسب الجاهلية وبقايا آثارها الى الظهور، وصار ينظر الى المرأة
نظرة دونية ، وكأنها انسان من الدرجة الثانية ، وتعرضت حقوقها للامتهان
والانتهاك ، وأسوأ ما في الأمر هو تبرير وتسويغ ذلك الظلم والعدوان من الناحية
الدينية الشرعية ، باختلاق نصوص موضوعة على لسان الشرع تارة ، وبتحريف
مقصد بعض النصوص تارة أخرى .
رغم ان المرأة المعاصرة قد حققت تقدما جيدا في اكتساب بعض حقوقها، في
العديد من المجتمعات، وأصبحت تشارك في ميادين السياسة والاقتصاد والعلم،
الا انها من ناحية اخرى تعيش معاناة الاستغلال لأنوثتها، والتسليع لجمالها،
وعادت في ظل الحضارة المادية فريسة سهلة لشهوات الرجل، وأداة لامتاعه
ولذته، تقام لها اسواق النخاسة تحت عنوان انتخاب ملكات الجمال، وتدفع الى
التعري واستعراض المفاتن باسم التحرر، وتبتذل صورها الفاضحة كأدوات
دعاية واعلان للجذب والاستقطاب، وتدفع هي ثمن كل ذلك باهدار انسانيتها
وكرامتها، ونزعات الامومة العميقة لديها، وتصبح عرضة للاغتصاب والابتزاز والاستغلال.
افادت دراسة اوروبية نشرت في (ستراسبورغ) بمناسبة اليوم العالمي للمرأة
سنة 1999م ان امرأة من كل خمس نساء تقع ضحية اعمال عنف مرتبطة
بجنسها في دول مجلس اوروبا، وحسب الدراسة التي اجراها مجلس اوروبا
فان العنف يطول النساء من كل الاعمار، وكل الطبقات، وكل الثقافات وقالت
(ايفيت رودي) رئيسة اللجنة التابعة للجمعية البرلمانية لدول اوروبا: في وقت
وصلنا فيه الى فجر الالفية الثالثة ترجعنا اعمال العنف هذه الى العصر الحجري.
وفي مؤتمر عقد في مدينة الاسكندرية بمصر بعنوان: واقع المرأة المصرية،
نظمته الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة بالتعاون مع وكالة التنمية الدولية،
وتحدثت فيه الدكتورة عايدة سيف الله عن العنف ضد المرأة، فقالت: إن
الاحصاءات تؤكد ان ثلثي النساء في مصر يتعرضن للضرب من الازواج ...
ولا نخلوا كمجتمع عربي وخليجي على وجه الخصوص من مثل ذلك ،
فكثيرا ماشاهدت بأم عيني ، وسمعت عن نساء دخلن المستشفى اما لمعالجة
طارئة كخلع أسنان أو نزيف من الأذن جراء الضرب المبرح من الزوج ،
أو دخولهن المستشفى لأجراء عملية عاجلة لأيقاف نزيف في البطن ، ولربما
كان هناك كسور .
وكشفت اللجنة العدلية التابعة لمجلس الاتحاد الاوروبي في ستراسبورغ انها
بصدد اعداد مسودة قانون خاص بمكافحة تجارة واسترقاق النساء في بلدان
الاتحاد الاوروبي، حيث يشير تقرير الاتحاد الاوروبي بالارقام الى ان حوالي
نصف مليون امرأة تم استرقاقها واجبارها على اعمال مشينه .
وفي امريكا تشير الاحصاءات الى ان هناك نحو 2.1 مليون امرأة يقعن في
براثن المغتصبين سنويا في الولايات المتحدة، أما عدد وقائع الاغتصاب فترتفع
الى 5.9 مليون محاولة تمر بها النساء الامريكيات خلال العام الواحد، وتؤكد
الارقام الامريكية ايضا ان واحدة من كل ست نساء مررن بتجربة اغتصاب،
كما ان نحو ستة ملايين امرأة امريكية يتعرضن لمحاولة التحرش الجنسي سنويا.
ويترنح وضع المرأة في اغلب مجتمعاتنا الاسلامية بين واقعين سيئين: واقع
الانجراف خلف النموذج الغربي للمرأة في بعده السلبي، حيث الابتذال
والسفور، واستعراض المفاتن، واللهث وراء موضات الإثارة والاستهلاك،
على حساب عفة المرأة وكرامتها، وعلى حساب دورها الإنساني الخطير.
وهناك واقع التخلف والجمود، الذي يشل حركة المرأة، ويحجم دورها،
ويصادر الكثير من حقوقها المشروعة.
وعلى الصعيد العلمي يجري استغلال الكثير من الأحكام الشرعية من قبل
بعض الرجال على حساب كرامة المرأة وحقوقها الانسانية، فبناء على ثبوت
ولاية الأب والجد على الفتاة البكر في مسألة زواجها، واشتراط اذنه وموافقته،
فان بعض الآباء يسيئون استخدام هذا الحق بشكل يؤدي الى عضل زواج البنت،
ومنعها من الخاطب الكفء الذي ترغب فيه، وذلك حرام من الناحية الشرعية،
حيث تسقط ولاية الولي حينما يمارس الإعضال بحقها.
وبعض الأزواج يسيئون التعامل مع زوجاتهم استغلالا لمبدأ قوامة الزوج،
والحال ان قوامة الزوج على زوجته هي في اطار المعروف ( وعاشروهن
بالمعروف ) ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ).
وبعضهم يستغل حق الطلاق والذي جعله الشارع بيده، لاذلال المرأة وابتزازها،
وابقائها معلقة، أو تخضع له، بإعطائه أي مبلغ يريده، مع انه لا ضرر ولا ضرار
في الإسلام، ومع تخويل الاسلام لحاكم الشرع ان يستخدم صلاحيته في رفع
الضرر وتطليق المرأة، ضمن حيثيات نص عليها الفقهاء.
أمام هذين الواقعين، التقيد للنموذج الغربي، وأسر حالة التخلف، تواجه المرأة
امتحانا صعبا لوعيها وارادتها.
ان العودة الى مفاهيم الاسلام الصحيحة، وتشريعاته الهادية ، وتعاليمه القيمة ،
هو سبيل المرأة لتحرير نفسها ، وتحصيل حقوقها الكريمة: (قل إن هدى الله
هو الهدى) .
المفضلات