رسالـة إلى كل مغتـاب
أيها المغتـاب
= يا من غفل عن خطر اللسان وعظيم جُرمـه
= يا من غفل عن الله سبحانه وهو غيـرُ غافلٍ عنـه
= يا من يذكُر أخاه المسلم بما يكرَه أن يُذّكرَ بـه
فأتق الله سبحانـه وتعالى في أعراض الناس .. وأحذر الغيبـة ظاهرةً كانت أو خفيـة
فإنها آفـةٌ خطيرةٌ من آفات اللسان .. وجريمةٌ عُظمىَ من جرائمـه .. ومرضٌ عُضالٌ من أمراض المجتمع
ومعصيةٌ كبرىَ حرَّمها الإسلام .. ونهىَ عنها القرآن الكريم في غير ما موضع
وحذَّر منها رسول الله صلى الله عليـه وسلم لما فيها من المضار الشخصيـة
ولما يترتبُ عليها من المفاسد الاجتماعية .. سواءً في أمور الدين أو شؤون الدنيا
لذلك كله أحببتُ أن أُسدي لك النـُصح
وأن أوجِّـه إليك الرسالـة التاليـة التي أقول فيها مُستعيناً بالله وحده :
= يا من سلَّط لسانـه على أعراض الآخرين .. أتق الله تعالى .. وأعلم أنـه سبحانـه وتعالى
قد حذَّر من الغيبـة في قوله جل جلالـه :
{ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } ( سورة الحجرات : من الآية 12 )
لأنك متى أغتبت الآخريـن وتحدثت عن عيوبهم ونقائصهم وسلبياتهم .. فقد آذيتهم وكنتَ كمن يأكل لحومهم
فهل هناك أبشع من أكل لحم الميت من البشر ؟!
وتذكّر أن الغيبـة .. كما جاء في الحديث .. تعني أن يُذكُّر الإنسان في غيبتـه بما يكره أن يسمعـه
وإن كان فيـه .. فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنـه أنـه قيل : يا رسول الله ، ما الغيبـةُ ؟
قال : " ذِكرُك أخاك بما يكره " ، قيل : أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول ؟
قال : " إن كان فيـه ما تقولُ فقد أغتبتـه وإن لم يكن فيـه ما تقول فقد بَهَتَّـه "
( رواه أبو داود - الحديث رقم 4874 - ص 730- 731 )
= يا من تعدى حدود الله وأنتهك حرماتـه .. لا تنس أن الغيبـة .. والعياذ بالله
من القبائح الاجتماعيـة التي لا يليق بمن آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليـه وسلم نبياً
ورسولاً أن يتصف بها .. أو أن يُقدِم عليها لأن الله سبحانـه وتعالى حرَّمها وشدّد في النهي عنها لما فيها
من إفسادٍ للمودة .. وقطعٍ لجسور المحبـة .. ولما يترتب عليها من شلٍ لأواصر الأخوة
ولأنها تبذر بذور العداوة بين أفراد المجتمع .. فتنتشر بينهم الأحقاد والضغائن
ومن ثم يقع الخلاف والفرقـة التي لا شك أنها من المصائب العظام
التي تُبتلى بها المجتمعات في كل زمانٍ وأي مكان
= يا من يضحك بملء فيـه وهو لا يدري هل الله راضٍ عنـه أم ساخطٌ عليـه !!
إياك ومجالس الغيبـة ومن فيها من رفاق السوء الذين لا يتوانون عن أكل لحوم الآخرين
والخوض في أعراضهم والاستهزاء بهم في الخَلق .. أو الخُلق .. أو الشكل .. أو النسب
أو القول أو العمل .. لأنك متى جالستهم غَلَبتْ عليك شقوتهم .. فإما أن تشاركهم في الباطل وتخوض
معهم فيـه .. وإما أن تجاملهم ببعض الكلام .. أو الضحك .. أو التبسم .. أو الاستماع
وبذلك تكون موافقاً لهم وشريكاً معهم .. والعياذ بالله
= يا من دفعـه حقده ودعتـه كراهيتـه لاغتياب المسلميـن والنيل منهم
تذكَّر أن من أهم الدوافع للغيبـة الحسد .. فأحذر منـه .. لأنـه داءٌ عظيمٌ .. وخطرٌ جسيمٌ يأكل قلب المغتاب
ويُشغل بالـه .. فيريد أن يحط من قدر أخيـه عند الناس بغيبتـه .. وأنتقاص شخصيتـه .. وتشويـه صورتـه
وتلويث سمعتـه عند الآخريـن كذباً وزوراً وبهتاناً .. نسأل الله السلامـة .
وتذكّر أن أي محاولـةٍ للحط من قدر المسلم أو التقليل من شأنـه تدخل ضمن ما حرَّم الله تعالى
لما صح ّعن أبي هريرة رضي الله عنـه أنـه قال : قال رسول الله صلى الله عليـه وسلم :
" كل المُسلم على المسلم حرامٌ : مالـه وعرضـه ودمـه .. حسب أمرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم "
( رواه أبو داود - الحديث رقم 4882 - ص 732 )
= يا من نسي قولـه تعالى :{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ( سورة قّ : الآية 18)
وتطاول على أعراض الناس ليلاً ونهارا .. سراً وجهارا .. تذكّر أن من هتك حرمـة أخيـه المسلم هتك الله
حرمتـه لما ثبت عن أبي برزة الأسلمي أنـه قال : قال رسول الله صلى الله عليـه وسلم :
" يا معشر من آمن بلسانـه ولم يدخل الإيمانُ قلبـه : لا تغتابوا المسلمين ولا تتَّبعوا عوراتِهم
فإنـه من اتَّبع عوراتهم يتَّبع الله عز وجل عورتَـه .. ومن يتَّبع الله عورتـه يفضحـه في بيتـه "
( رواه أبو داود ، الحديث رقم 4880 ، ص 731 )
وأعلم .. هدانا الله وإياك .. أن الغيبـة سلوكٌ مرفوضٌ .. ورذيلـةٌ محضـةٌ .. تنبئ عن تغلغل الفساد
في نفس صاحبها .. وقلبـه الأسود المليء بالحقد والضغينـة وكراهيـة الآخريـن
= يا من أشتغل بعيوب الناس وغفل عن عيوبـه .. عليك بتفقد أحوالك .. وتهذيب أخلاقك
ومراجعـة نفسك في كل شأن من شئون حياتك صغيراً كان أو كبيراً .. ولا تنشغل بما لا نفع فيـه ولا فائدة
ولاسيما الغيبـة التي قيل في وصفها : " إنها ضيافـة الفُساق ومراتع النساء و إدام كلاب الناس "
وليس هذا فحسب .. بل إنها من صفات الجبناء الذين يغتابون الآخريـن في غيابهم .. فإذا لقوهم هشوا
إليهم وأظهروا لهم ما لا يبطنون من حقدٍ وكراهيـة ، فهم بذلك السلوك الخبيث من ذوي الوجهيـن الذين
هم من شرار الناس عند الله سبحانـه لما صح عن أبي هريرة رضي الله عنـه
أن النبي صلى الله عليـه وسلم قال :
" تجد من شرار الناس يوم القيامـة عند الله .. ذا الوجهيـن الذي يأتي هؤلاء بوجـهٍ وهؤلاء بوجـه "
( رواه البخاري ، الحديث رقم 6058 ، ص 1058 )
= يا من نسيت أن الذنب لا ينسى ، وأن الديَّان عز وجل لا يموت
تذكّر أنك بغيبتك للآخريـن صاحبُ تجارةٍ خاسرةٍ وبضاعـة فاسدة .. لأنك تخسرُ حسناتك وتعطيها رغماً
عنك إلى من أغتبت من عباد الله .. فإن لم تكن لك حسنات أَُخذتَ عنـه سيئاتـه حتى تفيـه حقـه
والعياذ بالله .. كما صحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنـه أن رسول الله صلى الله عليـه وسلم قال :
" من كانت عنده مظلمـةٌ لأخيـه فليتحلَّله منها .. فإنـه ليست ثَمَّ دينارٌ ولا درهمٌ .. من قبلِ
أن يؤخذَ لأخيه من حسناته .. فإن لم يكن لـه حسناتٌ أُخذ من سيئاتِ أخيـه فطُرحت عليـه "
( رواه البخاري ، الحديث رقم 6534 ، ص 1132 )
ويُروي عن إبراهيم بن أدهم قولـه :
" يا مكذب .. بخلت بدنياك على أصدقائك .. وسخوت بآخرتك
على أعدائك .. فلا أنت بما بخلت بـه معذور .. ولا أنت فيما سخوت بـه محمود"
= يا من ينشر الفساد في الأرض ،ويشجع على أرتكاب المعاصي
والمنكرات .. أعلم أنك ممن يُخِلون بأمن المجتمع المسلم ويقوضون أركانـه ..أما كيف يكون ذلك
فى تعاليم الإسلام تقضي بأن يأمن المسلم على عرضـه سواءً أكان ذلك في حضوره أو في غيبتـه
وهذا مالا يتحقق عندما تغتابـه وتذكره بما يكره أن يذكر بـه .. لأنك حينئذ تكون قد استطلت في عرضـه
وآذيته .. والإسلام لا يحب الأذى ولا يرتضيـه أياً كان نوعـه لما ثبت عن سعيد بن زيد
عن النبي صلى الله عليـه وسلم أنـه قال :
" إن من أربى الرِّبا الاستطالـة في عرض المسلم بغيـر حق "
( رواه أبو داود - الحديث رقم 4876 - ص 731 )
وختاماً :
إياك والتمادي في العصيان وبادر بالتوبـة الصادقـة إلى الله تعالى والندم على ما فات
وأحرص على الإقلاع عن هذا الذنب العظيم والسلوك الخاطئ الذي يضُر ولا ينفع
حتى قال بعض أهل العلم في شأنـه :
" إن من لم يتب من الغيبـة كان ظالماً لإخوانـه الذين أغتابهم بالعدوان عليهم وظالماً لنفسه
بتعريضها لعقاب الله سبحانـه " .. فلا تكن من الظالميـن لأنفسهم ولإخوانهم ولمُجتمعهم
وإذا كان لا بد من أشغال لسانك فليكن ذلك في ما أحل الله تعالى من الطاعات والمُباحات
وجنّبـهُ الغيبـة والنميمـة و هتك أعراض المسلمين
وأعلم أن خير ما تُشغل به لسانك ذكر الله سبحانـه لقول مُعلم الناس الخيـر صلى الله عليـه وسلم
لمن طلب منـه أن يدلـه على ما يتشبثُ بـه من شرائع الدين :
" لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله "
( رواه الترمذي - الحديث رقم 3375 - ص 766 )
والله نسأل أن يوفقنا جميعاً لصالح القول وطيب الحديث وجميل اللفظ وأن يُجنَّبنا الخوض في الأعراض
والغيبـة والنميمـة والحسد والبغضاء والسُخريـة
وصلى الله على محمد وعلى آلـه وصحبـه وسلم .
بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربيـة الإسلاميـة بكليـة المعلميـن في أبها
ومدير مركز البحوث التربويـة بالكليـة
منقول
المفضلات