النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس)

  1. #1
    كاتب و قاص تونسي


    تاريخ التسجيل
    02 2008
    المشاركات
    37
    المشاركات
    37

    " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس)



    الغـــروب ..

    أَنا مَن هَدَّه الشوقُ إليَّ ، و أَخَذَه الـهمُّ بعيدًا بعيدًا عَني .. و أَلزَمَني زَمَني ما لا أُطيق ..
    فَلَيْتَ أَنسى .. وكيفَ أنسى وذا فَحيحُ ذِكرى أَطلَقَت سُـمومَها فـي دِمائي فَلا تُـجدي مَعَها الأمصالُ و إِنْ جَرَّبتُها ..و ذا هُم أَحِبَّةٌ صَدَقوا ولَكِن رَحَلوا ، بِالـمَوتِ اعتَذَروا ، و ما تُـجدي ، عِنْدَ الرحيلِ ، الـمعاذيرُ..أُفيقُ و تُفيقُ مَعي الذكرى موجِعَةً كالقَهرِ أَو كَالـمَوتِ نَفسِهِ ، أَحسِرُ عَنـي لِـحافًا بَسيطًا كانَ ليُطرُدَ البردَ و الـخوفَ عنّي .. أسيرُ نَـحوَ الـمِرآةِ فلا أرى إلا وَجهَهُ بِفَيْضِ ابتِسامَتِهِ الغامِرَةِ و الشيبِ الذي جَلَّلَهُ وَقارًا .. كانت الشعراتُ البيضاءُ بَيارِقَ الرحيلِ يَومَ اِلتَمَعَت فـي رأسِهِ تُؤذِنُ بِوَداعٍ مَـحتومٍ .. أجابَنا لا أَدري جادًّا أَمْ عابِثًا يَوْمَ سَأَلْناهُ عَن ذَلِكَ اللونِ الـجديدِ : هِيَ الشمسُ لا تَـمَلُّ شُروقًا و غُروبًا .. كَم أَشرَقَت و كَم غَرُبَت .. أَنْتَزِعُني مِن أَمامِ الـمِرآةِ فَقَد وَمَضَ بَريقٌ فـي عَينيَّ .. أَسيرُ وَجِلا إلـى الـمغسَلِ فأَغسِلُ وَجهي عَجٍلا ، مُتَجَنِّبًا النظَرَ إلى الـمِرآةِ الـمُواجِهَةِ خِشيَةَ أَنْ أَجِدَهُ قبالتي لَكِن يَدي تَـجَمَّدَت على مِقبَضِ الـحَنَفِيَّةِ ، فَقَد كانَت يَدُهُ الـمَعروقَةُ هِيَ التي تُـحكِمُ إِغلاقَ الـمِقبَضَ بِـحِرصِهِ الشديدِ على الـماءِ ، أَقتَلِعُني بِعُنفٍ و أَتَـحَرَّكُ مُتَعَثِّرًا أو مُتَبَعثِرًا.. أُغادِرُ الـمَكانَ و أُسرِعُ إلى غُرفَتـي و لَكن يَبدو أَنَّني قَد تُـهتُ إِذْ وَجدتُني فِي غُرفَتِهِ هُوَ .. كانَت رائِحته الـمُمَيَّزَةُ ما تَزالُ عَطِرَةً في الـمَكانِ .. هذا مَضجَعُهُ و تِلكَ ثِيابُهُ وذاكَ مَكتَبُهُ .. ما زالَ دفتَرُهُ مَفتوحًا على الطاولةِ ،كما تركَهُ في تلك الليلةِ فَقَد كانَ يُسَجِّلُ كل يوم أحداثَ يَومِهِ.. ترددت في مسامعي شَكواه الدَّائمَةَ مِن الزمَنِ .. ما لـي مِنْ عَدُوٍّ غيره .. قالَ هذا لـي يومًا وقد كان يُرَدِّدُهُ دَوْمًا .. أَقرَأُ فـي الصفحةِ الـمفتوحةِ أَمامي :" إِنَّـما تقتُلُنا الـحَسرَةُ .. وما جَدوى أَنْ تُسجِّلَ هزيـمَتَكَ ؟" لا أَجرُؤُ على قولِ أي كلامٍ .. تَـمامًا مِثلَ ذلكَ اليومِ .. إِذَا يَهوي الأحبَّةُ إلى الترابِ فَما كَلامٌ يُسلّيني .. أُحاوِلُ الهربَ مِنَ الـحسرَةِ خِشيَةَ أَنْ يَـمضي الوقتُ ، لا أَبـحَثُ عَن ساعَةٍ و لا أحاولُ البَحثَ عَنها فانأ اعلم أنني لن أجد واحدة .. قَد كانَ يَكرَهُ الساعاتِ بُغضًا ، يَكرَهُ حَرَكَتها لا تَتَوَقَّفُ ولا تستَريحُ و لا تَعودُ مَرَّةً .. يَكرَهُ اِستِنـزافَها الـمريرَ لِلعُمرِ .. تَزيدُ لِيَنقُصَ ، هَكذا تَقولُ الأحجِيَةُ .. هل اِعتَقَدْتَ يَومًا أَنْ تَكونَ حَياتُكَ أُحجِيَةً ساذجَةً يَرويها الصبيانُ بِتَفَاخُرٍ ؟؟؟
    أُحاوِلُ الفكاكَ مِن هذه الـمتاهةِ فَأُغادِرُ الـمكانَ نَـحوَ آخر .. إِذَا كانَ الزمانُ يَأْبـى الثبات فالأماكِنُ تَأبـى الـحَرَكَةَ .. أَسيرُ نَـحوَ غرفةِ نَومي مـرةً أخرى و أَنا أَتَوقَّعُ أَن أَجِدَها فـي مَكانِـها ، لا أَدري كَيفَ وَجدتُ نفسي في غُرفَةِ الـجلوسِ أُجيلُ البَصَرَ في أَشيائِها الـمُبَعثَرَةِ كأَحاسيسي ،الـمُشوَّشَةِ كَأََفكاري .. على صَدرِ الـحائطِ لَوحةٌ كبيرةٌ مَارَسَ الزمنُ نزواتِهِ العجيبةَ على إِطارِها الـمُذَهَّبِ فَأَحالَهُ باهِتًا .. كانتِ اللوحةُ صورةَ الفَقيدِ .. الـجاذبيةُ عنيفةٌ اِقتادَتْنـي إلـى تَأَمُّلِها بِشَغَفٍ كأنـي لا أَعرِفُ صاحبَها ..
    أَقِفُ أمامَ صورَتِهِ و لَكِنّـي أَنظُرُ إليه بِإِشفاقٍ وَ حَسرَةٍ كَأَنـي أَعرِفُهُ .. أَتَأَمَّلُ عَيْنَيْهِ العَميقَتَيْنِ بِتِلكَ النظرَةِ الغائِمَةِ ... أَنظُر في الصورَةِ طَويلا و أَرحَلُ بَعيدًا بَعيدًا عَنّـي، إذ أَنسى العالـمَ مِن حَولـي و أَنسى كثيرًا مـما ظَنَنْتُ أَنـي لا أَنساه ..و لكننـي أعودُ بَغتَةً لأُفيقَ فَإذا بـالصورةِ لَـم تَكُن إلا صورَتـي أَنـا ..




  2. #2
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ...
    لك مني أجمل تحية .



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  3. #3


    عزفت فأبدعتَ ، لما رأيتُ أسمَ فيصل الزوايدي يتلألأ كان كما توقعت ،ابداعُ بنكهةِ تونس الخضراء ، لي ثمةَ ملاحظة هنـــا :

    (أَنْتَزِعُني مِن أَمامِ الـمِرآةِ فَقَد وَمَضَ بَريقٌ فـي عَينيَّ .. أَسيرُ وَجِلا إلـى الـمغسَلِ فأَغسِلُ وَجهي عَجٍلا ، مُتَجَنِّبًا النظَرَ إلى الـمِرآةِ الـمُواجِهَةِ خِشيَةَ أَنْ أَجِدَهُ قبالتي لَكِن يَدي تَـجَمَّدَت على مِقبَضِ الـحَنَفِيَّةِ ، فَقَد كانَت يَدُهُ الـمَعروقَةُ هِيَ التي تُـحكِمُ إِغلاقَ الـمِقبَضَ بِـحِرصِهِ الشديدِ على الـماءِ ، أَقتَلِعُني بِعُنفٍ و أَتَـحَرَّكُ مُتَعَثِّرًا أو مُتَبَعثِرًا )

    هل كان الاولى ان تتجمد يدك ! او تنزلق الم تكن يده المعروقه هي التي احكمت أغلاق المقبض ، لعل لها رمزيةُ لم أتبينُها ، أشكر لك أثرائنا ببوح قلمُك ، لكنه مقلٌ هنا لاتبخل علينا فما عهدُنا بكم الا والجودُ لكم جواد ،،، تقبل فائق الاحترام والتقدير ،،،،،،،



    أنت كما تريـد

  4. #4
    لــــؤلــــؤة الصورة الرمزية لوليتا


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    in heart
    المشاركات
    12,040
    المشاركات
    12,040
    Blog Entries
    17


    [align=right]
    *
    *


    كثيرا ما نناظر انفسنا فى المرآة ونخشى ان نرى عبر الزمن على وجوهنا

    وما اكثرها الصور التى تتناثر فى الذاكرة وتهوى فى النهايى الى حفرة لا تحتمل مع الجسد اكثر ما عمله

    وتبقى الذكريات والوجوه وهو فوق الارض بعيدا الى حين

    منذ البدء الى النهاية ...... مجرد صور على هذه الدنيا


    فيصل

    قصة قصيرة

    بليغة بليغة

    رااائع الصور والمعانى

    لا تطل الغياب ايها الفاضل


    تحيااتى

    *
    *
    [/align]



    لا اله الا الله محمدا رسول الله

  5. #5
    كاتب و قاص تونسي


    تاريخ التسجيل
    02 2008
    المشاركات
    37
    المشاركات
    37


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شام مشاهدة المشاركة
    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ...
    لك مني أجمل تحية .
    اخت شام اسعدني مرورك و تفاعلك فشكرا لك
    دمت في الخير




  6. #6
    كاتب و قاص تونسي


    تاريخ التسجيل
    02 2008
    المشاركات
    37
    المشاركات
    37


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الساطع مشاهدة المشاركة
    عزفت فأبدعتَ ، لما رأيتُ أسمَ فيصل الزوايدي يتلألأ كان كما توقعت ،ابداعُ بنكهةِ تونس الخضراء ، لي ثمةَ ملاحظة هنـــا :

    (أَنْتَزِعُني مِن أَمامِ الـمِرآةِ فَقَد وَمَضَ بَريقٌ فـي عَينيَّ .. أَسيرُ وَجِلا إلـى الـمغسَلِ فأَغسِلُ وَجهي عَجٍلا ، مُتَجَنِّبًا النظَرَ إلى الـمِرآةِ الـمُواجِهَةِ خِشيَةَ أَنْ أَجِدَهُ قبالتي لَكِن يَدي تَـجَمَّدَت على مِقبَضِ الـحَنَفِيَّةِ ، فَقَد كانَت يَدُهُ الـمَعروقَةُ هِيَ التي تُـحكِمُ إِغلاقَ الـمِقبَضَ بِـحِرصِهِ الشديدِ على الـماءِ ، أَقتَلِعُني بِعُنفٍ و أَتَـحَرَّكُ مُتَعَثِّرًا أو مُتَبَعثِرًا )

    هل كان الاولى ان تتجمد يدك ! او تنزلق الم تكن يده المعروقه هي التي احكمت أغلاق المقبض ، لعل لها رمزيةُ لم أتبينُها ، أشكر لك أثرائنا ببوح قلمُك ، لكنه مقلٌ هنا لاتبخل علينا فما عهدُنا بكم الا والجودُ لكم جواد ،،، تقبل فائق الاحترام والتقدير ،،،،،،،
    أخي الساطع اعتز كثيرا برأيك في القصة و في ما اكتب .. اعتز ايضا بتفاعلك الايجابي و بملاحظاتك المنطقية التي احترمها كثيرا .. شكرا للمشاعر الراقية و العفوية و أعدك بالمزيد ان شاء الله
    دمت في الخير
    مع الود




  7. #7
    كاتب و قاص تونسي


    تاريخ التسجيل
    02 2008
    المشاركات
    37
    المشاركات
    37


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة *لوليتا* مشاهدة المشاركة
    [align=right]
    *
    *


    كثيرا ما نناظر انفسنا فى المرآة ونخشى ان نرى عبر الزمن على وجوهنا

    وما اكثرها الصور التى تتناثر فى الذاكرة وتهوى فى النهايى الى حفرة لا تحتمل مع الجسد اكثر ما عمله

    وتبقى الذكريات والوجوه وهو فوق الارض بعيدا الى حين

    منذ البدء الى النهاية ...... مجرد صور على هذه الدنيا


    فيصل

    قصة قصيرة

    بليغة بليغة

    رااائع الصور والمعانى

    لا تطل الغياب ايها الفاضل


    تحيااتى

    *
    *
    [/align]
    اخت لوليتا أعتز كثيرا برأيك في القصة و بتفاعلك معها و انا ممتن لثنائك الباذخ و مشاعرك الراقية .. اعدك بالمزيد ان شاء الله
    دمت في الخير




معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. صورة غلاف " قلعة الأرض " لفيصل الزوايدي
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى مضيف التصاميم
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 31-05-2009, 00:55
  2. " الجدار الاحمر ؟ " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس)
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى مضيف الأدب العربي الفصيح
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 06-03-2009, 14:22
  3. " بعوض في المدينة "قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى مضيف الأدب العربي الفصيح
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-02-2009, 02:38
  4. " بيني و بينـَـك " قصة لفيصل الزوايدي (تونس)
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى مضيف الأدب العربي الفصيح
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 22-06-2008, 17:07
  5. " الرحيل .. " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى مضيف الأدب العربي الفصيح
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 17-06-2008, 00:59

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته