اليوم الوطني مناسبة نستذكر فيها واجباتنا نحووطننا، ونذكر أبناءنا بأمجاده وواجبهم نحو المحافظة على هذه الوحدة، والبذل والعطاء من أجل استمرار حياة كريمة يفتقدها كثير من المجتمعات. وإذا كان الآباء والأجداد في ظل - قيادتهم - ساندوا هذه المسيرة وبنوا لنا هذه المظلة الوارفة فإن مسؤوليتنا المحافظة عليها وتعزيزها بما يمكنها من الاستمرار في عطائها وتجنيبها كل مايعيق نموها ,,من اضطرابات وقلاقل ونحوه .
حفظ الله بلادنا وأيد قيادتها بنصره، وجنبها كل سوء، لتبقى على" ما نتمنى ".
عبارة تستحضر بيت من الشعر يتغنى به المواطنون في كل مناسبة وطنية: نحمد الله جت على ما نتمنّى، أو: على ما اتمنى.فهذا النوع من الشعر الشعبي،أدب شفهي، ولكن وقع العبارة يلهمنا المعنى الرفيع الذي يستهدفه الشاعر الرائع عبد الرحمن بن سعد الصفيان رحمه الله، فهو ابن العاصمة الأولى للمملكة: "الدرعية" وابن المسيرة الكريمة التي واكبها منذ نشأة أظفاره مجاهداً بالروح والكلمة، فقل أن تقام مناسبة وطنية دون أن تستهل بحمد الله أنها جت على ماتمنى، تلك الأبيات الاستهلالية لعرضة حربية:
نحمد الله جت على ما تمنَّى
من ولي العرش جزل الوهايب
خبّر اللي طامعٍ في وطنا
دونها نثنى إلي جا الطلايب
يا هبيل الراى وين انت وانا
تحسب ان الحرب نهب القرايب
من هو شاعر "نحمد الله جت على ما تَمنّى"
. إنه الشاعر المبدع" عبد الرحمن الصفيان من أبناء الدرعية، ولد عام 1337ه وتوفي عام 1412ه،" شارك في الحملات التأسيسية للمملكة منذ أن كان صبياً، وتابع وطنياته عملياً وشعرياً، وله قصائد كثيرة في شتى فنون الشعر،
كما اشتهر بحسن الخلق والكرم فقد كان رحمه الله رجلاً مضيافاً وكريماً يجود بالمال والجاه في سبيل مساعدة الآخرين. ولقد كان ضمن وفد من أعيان الدرعية برئاسة رئيس اللجنة الأهلية في الدرعية الشيخ عبد الله بن خميس .
صدر كتاب مؤخرا توج بصورة الشاعر عنوانه "ديوان نحمد الله" من إعداد وتقديم " محمد بن عبد الرحمن بن سعد الصفيان" تضمن الكتاب قصائد وأخبار عن الشاعر، وكان عملاً رائعاً من الابن البار بأبيه وبأصدقائه الذين بلا ريب كانوا يتطلعون لجميع قصائد الشاعر ليطلع عليها المهتمون بتأريخ المملكة وجهود أبنائها البررة من أمثال ابن صفيان.
وبمناسبة اليوم الوطني يسرنا ان نلقي نظرة سريعة على ديوان ابن صفيان، "نحمد الله" عبارة اختارها المعد بذكاء لمالها من معاني عميقة وابعاد نبيله
بدأت مسيرة الشعر الوطني عند ابن صفيان بقصيدة ترحيبية بالملك المؤسس رحمه الله منها:
سلام ياحر على العالم ظهر
لي طار تاقع له جميع احرارها
من ماكره حر تنهّض واشتهر
ثم اصطفق في نجد وامّن دارها
عبدالعزيز اللي على العوجا ظهر
بالدين والدنيا وذبح اشرارها
وهي قصيدة جميلة صور فيها الشاعر عزيمة الملك المؤسس، وقوة ارادته وايمانه بالله ونصرة دينه، ونبل مقاصده، وقد تحقق له ما أراد وما كان ينتظره هذا الوطن من مصير آمن حافل بمظاهر الحياة الكريمة ومعانيها:
أطلق هجار السيف لا تدرا الحظر
وبشية المولى تحكم اقطارها
هذا ما توقع الشاعر وهو يخاطب الملك بأن يشهر السيف في وجه الظلم والفساد، لا يخشى في الحق لوم لائم، ولن يثنيه خطر دون أهدافه النبيلة، وستكون مشيئة الله ونصره إلى جانب من كان سعيه في الصلاح وقد تحقق للملك الصالح ذلك فحكم أقطار دولة واسعة كانت تتناهبها الأهواء والأطماع فعادت آمنة مطمئنة يعمها الخير والرخاء.
ويوم أن تحققت الوحدة الوطنية عام 1351ه وكان الشاعر في صباه لم يتردد أن يشارك في أول يوم وطني يحتفل فيه بالوحدة الوطنية كان ذلك يوم الخميس 21جمادى الأولى 1351ه الموافق 22سبتمبر 1932م فألقى قصيدة منها:
يا المملكة فوزي عسى يومك سعيد
الحمد للي زاد نورك ذا بنور
يوم ان ابو تركي طلع شبحه بعيد
تذكر الهدات في هاك العصور
من قام بالتوحيد حناله عضيد
ومن خالف الملة نعشيه الطيور
أبيات رائعة من فتى شاعر لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، ولكنها المناسبة الفريدة والهمة السامية، تشعل في المبدع الملهم مشاعل الإلهام وتعبر بصدق وإيمان عن مشاعر الشاعر الوطني الوفي المخلص وهذه من صفات ابن صفيان.
واستمر الشاعر مواكباً للمناسبات الوطنية مشيداً ومثيراً للهمم طوال حياته، تدوي ساحات العرضات الوطنية بأشعاره وإبداعه، وما أكثر مناسبات الخير في ظل حكومة رشيدة لها في كل يوم مفخرة بإشاعة عمل وطني لرفعة الوطن وخير أبنائه.
وقال الشاعر قصائد في جميع المناسبات الوطنية القى قصائد حربية في" الملك سعود والملك فيصل والملك فهد" .
تلك لمحة عن وطنيات الشاعر بمناسبة اليوم الوطني .
دامت أيام الوطن سعيدة، وحفظ الله قادته ووفقهم لما فيه الخير وسدد خطاهم، وألهمنا جميعاً حب الوطن وحب خدمته، ورحم الله المؤسس ومن خلفه من أبنائه الذين كانوا أبناء بررة بوطنهم، رحماء بأبنائه، وأيد الله بتوفيقه "الملك الأمين عبد الله بن عبد العزيز" الذي تسلم المسيرة وأشقائه ليواصلوا مسيرة التنمية والخير والمجد. ورحم الله الشاعر المبدع عبد الرحمن الصفيان.
جريدة الرياض بتصرف
المفضلات