رزأت أمتنا العربية ( بالشاورما ) تلك الكتلة اللحمية البيضاء المنزوعة العظم ..
كتلة لحمية بيضاء اخترق وسطها سيخ حديدي طويل ، أجبرها ذلك السيخ الحديدي على أن تقف في رشاقةٍ تثير إعجاب الناظر المتأمل ، فوق مسرحٍ أعد خصيصاً لتلقي ما يسقط عنها من أعضائها بفعل تأثير خارجي ( فارس اللحم )
وسجر من ورائها تنور من الجحيم فهو يسومها سوء العذاب حتى تحمر ثم تنضج وتبدأ في التعرق الشديد بفعل الحرارة العالية وقد كلل رأسها ببرتقالةٍ محنطةٍ يابسةٍ لا مكان لها من الإعراب ، تمطر عليها ألوانا من عصيرها الباهت كي يضفي عليها طعماً لا وجود له ..
وفوق هذا كله يقف أمامها بالمرصاد رجل مفتول الشاربين ، مشمرا عن ساعديه وفي يده قطعة حديدة حادة أشبه ما تكون بالسيف المشوه ، غير أنها لا تنتمي إلى جنس الحسام المهند
إنه فارس اللحم ..
وفي يده اليسرى ملعقة أو مغرفة يثبت بها تلك الكتلة البيضاء كي يتمكن من إعمال سيفه فيها تمزيقا
ذلك السيف الذي ينبو عنها حينا
ولكي يعالج هذه المأساة المتكررة فإن يقوم بسنه بسرعةٍ خاطفةٍ بقطعةٍ حديديةٍ ثالثة مشوهةٍ لا يشبهها شيء في الوجود
وعندما ينتهي من سن سكينه أو سيفه يبدأ بجز هذه الكتلة اللحمية البيضاء تمزيقا والعرق ينضح من جبينه وساعديه مدرارا ، وعلى كاهليه علق فوطة مهلهلة قديمة تشبه لفائف بني فرعون التي كانوا يحنطون فيها أسيادهم ..
يتناولها حينا ويمررها على جبينه وينسى ساعديه ، وربما عكس هذه العملية ، ومن شدة السرعة يمن علينا بشيء من عرقه الذي يتطاير مع شدة وعنفوان حركة يديه فيختلط مع اللحم المتساقط من تلك الكتلة فوق مسرح العرض الذي يتلقف ما تاقط منها فوق خشبته
ثم يتلاشى هذا الملح البشري الطبيعي داخل اللحم الأبيض المحمر اللذيذ ، ولا يفكر الجمهور المشاهد لتلك المأساة بذلك العرق الذي اختلط مع اللحم
لأننا لو قلبنا الكاميرا تجاه الجمهور ( الزبائن ) فلن نرى إلا أفواه جائعة وعيون جاحظة وبطون فارغة ، تنتظر تلك الشطيرة بفارغ الصبر ..
يتناول الجلاد ما تساقط من لحم الكتلة بفعل حسامه المشوه ، فيقحمه بمنتهى القسوة داخل رغيف الخبز المغطى بالدهون المهدرجة ، وقطعة أو قطعتين من المخلل الذي يشبه الجثة المتفسخة
وخمس قطع من بطاطس ملية مثنية محدودبة الظهر ، جف جلدها فوق عظمها
لا نظير لتلك البطاطس العجاف في انكماشها سوى عجوز من عجائز نيسابور
ولا ينتهي الكابوس عند هذا الحد .. بل يقدم لك فارسنا المغوار هذه الشطيرة الميلو درامية بعد أن يكفنها بكفنٍ أبيض شفاف ، ويخنقها داخل كيس بلاستيكي ويقول لك مصطنعاً ابتسامةً ماكرةً ( تأبرني عيوني تفضل )
في الحقيقة أنت تسمعها من شدة الجوع هكذا ، بينما هو يقول ( أقبرك عيوني تفضل )
يقف الناس أمامها طوابير طويلة وتسمع الطلبات المتعدده ذات الأمزجة المختلفة
الأول : م دون ما يونيز وشطة
الثاني : كثر الشطة والكاتشب
الثالث : من دون مخلل
الرابع : من دون بطاطا
الخامس يتفلسف : كثر اللحم لو سمحت .... يرمقه فارس اللحم مستنكرا ربما شتمه في سره ( جاي يعلمني شغلي )
جمهور الشاورما ينتظر في أدب ٍ مصطنع وفيه مافيه من أناس اختلفت أمزجتهم ومشاربهم
الأول : يصطنع ابتسامة لزجة عريضة بلهاء
الثاني : يقطب حاجبيه وينظر في ساعته قلقا
الثالث : يعبث في أنفه
الرابع : يفحص هاتفه النقال
الخامس : يتفرج على الكتلة اللحمة بإعجاب
السادس : فارغ فاه من شدة الجوع
أتسائل كثيرا بيني وبين نفسي ما الذي يجعلني أسيراً للمطاعم الخارجية ؟ أهو التجديد في نمط الحياة ؟ أم من باب التغيير وكسر رتابة الحياة ؟
في المقابل أسأل نفسي كم من المرات أتناول عشائي داخل بيتي ؟
ثم أطرح على نفسي هذا السؤال ماذا لو انقطعت هذه العادة عن هذا المجتمع يعني أغلقت المطاعم أبوابها ؟
هل نستطيع الصبر على مصيبة الإغلاق ؟
أرى أننا أصبحنا من مدمني الكماليات التي لا يكاد يسلم منها إلا القلة ، الكماليات التي خالطت حيانا بشكلٍ مرضي خطير للغاية
رضي الله تعالى عن عمر عندما قال ( اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ) .
( وهذا من المنقول !!!! )
المفضلات