خُلقه الأمانة
الدين أمانة والكلمة أمانة, والعلم أمانة , والعمل أمانة, وحفظ الحقوق أمانة, وتولى المناصب امانة والدَين أمانة.
وقد كَثُر في زماننا هذا التهاون بحقوق الناس وأكلها …
فكم من كافل غَرُم…
وكم من دائن حقه هُضم...
تهاون الناس بالحقوق وضيعوا الأمانة… واستمرئوا أكل أموال الناس بالباطل ,,, ووجدوا لأنفسهم أعذارًا واهيه…
ونسوا أنها من صفات المنافقين,,,
ومن عظم أمر الأمانة أن السماوات والأرض أبين حملها وحملها الإنسان لجهله بقدرها وأهميتها وقيمتها…
قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّه ُكَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)
الأمانة إخوتي خلق الأنبياء وصفة المؤمنين حث الله تعالى عباده عليها وأمرهم بها قال تعال: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)
ونهى عن الخيانة قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)
ومن عظم خُلق الأمانة جعلها سبحانه وتعالى صفة ملازمة لأنبيائه ورسله فقال تعالى على لسان كل من أنبيائه نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسىعليهم السلام: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) وقال تعالى على لسان ابنة شعيب في حق موسى عليه السلام: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِاسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)
وقد كَمُلت صفات سيد الخَلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي أدبه ربه حتى صار أكمل من مشى على الأرض خُلقًا, فقد عُرف ووصف بالأمانة قبل بعثته ولقبه سادة قريش بالأمين وعُرِف بين سائر قبائل العرب بصفة الأمانة وبلغ من ثقتهم الكبيرة في أمانته ووفائه ما اعتادوا عليه من حفظ أموالهم ونفائس مدّخراتهم لتكون وديعة عنده، ولم يزل هذا شأنهم حتى بعد معاداتم له هبسبب نبوّته و دعوتهم لهم إلى الإيمان و نبذ عبادة الأوثان، ومع مخالفتهم له لم يخالجهم الشك في أمانته ووفائه!!
لأنه خُلقه الذي تخلّق به فصار ملازمًا له..
وظل أمينًا في نظر ألد أعدائه, ومخالفيه, ولم يشكوا في أمانته ودليل ذلك حين هاجر إلى المدينة ترك علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة بعد هجرته صلى الله عليه وسلم ليرد للناس ودائعهم التي كانت عنده، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتأمل هذا الموقف أخي الكريم أختي الفاضلة عندما صعد صلى الله عليه وسلم إلى أعلى مكان فى مكة إلى الجبل و قال للناس , أيها الناس: يا معشر قريش , أراءيتم إن قلت لكم أنه خلف هذا الجبل خيل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى؟ قالوا نعم , ما جربنا عليك شىء من قبل فأنت الصادق الأمين.
نعم.. الصادق الأمين بلغ الرسالة وأدى الأمانة.
وهذا ما جعل السيدة خديجة تسعى لتوليته أمر تجارتها من فرط أمانته وسمو أخلاقه.
وحينما وفَد وفدُ النبي عليه الصلاة و السلام على النجاشي وطلب منهم أن يحدِّثوه عن هذا الدين الجديد الذي جاء به النبي الكريم ماذا قال جعفر رضي الله عنه؟ !
عن أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، قالت فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: " أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, ونقطع الأرحام, ونسيئ الجوار يأكل القوي منّا الضعيف فكنّا كذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ... وأداء الأمانة ". رواه أحمد
لاحظوا معي إخوتي خلق الجاهلية... نحن اليوم نتخلق بخلق الجاهلية نقطع الأرحام, ونسيئ الجوار يأكل القوي منّا الضعيف....ونخون الأمانة نعم يقترض الرجل من جاره أو أخيه ولا يرد دينه, ويأكل أحدنا مال الآخر بغير وجه حق.... يأكل الولي مال اليتيم, ويعضل الولي المرأة فلا يزوجها طمعًا في مالها...وكَثرت الرشوة واستفحل أمرها... وزد أخي هَضم حق الضعيف باستغلال المناصب لمنفعة أقرباء أو أصدقاء وتجاوز أصحاب الحق... أليست هذه أخلاق الجاهلية!
أنظر أخي إلى كمال خُلق الرسول إلى أمانته إلى عدله وصدقه في جميع شانه ,,,
كملت أمانته وتمت ببعثته ورسالته فنبينا عليه الصلاة والسلام لم يترك خيرا إلا دلنا عليه, ولا شرا إلا حذرنا منه, ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله : " من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها, فقد زعم أن محمدا خان الرسالة, لأن الله يقول : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا.
والأمانةُ ليست فقط التّكاليفُ الشرعيّة، بل هي حقوقُ الله وحقوقُ العباد، فمن أدَّاها فله الثّواب، ومن ضيَّعها فعليه العقاب، روى أحمد والبيهقيّ وابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال: (الصّلاةُ أمانة، والوضوءُ أمَانة، والوَزن أمانةٌ، والكَيل أمانة) وأشياء عدّدها، (وأشدُّ ذلك الودائع)، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (والغسل من الجنابة أمانة).
ومن فقَد صفةَ الأمانة فقد نبَذ الدّينَ، كما روى الطبرانيّ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : (لا إيمانَ لمَن لا أمانةَ له)، وروى الإمام أحمد والبزار والطبرانيّ من حديث أنَس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (لا إيمانَ لمَن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له).
ومن معاني الأمانة أن يوضع كل شئ في مكانه اللائق به والمناسب له، فلا يعطي منصب الا لمن هو أهل له وكفؤ به ، أما من يعجز عن القيام به ويهمله فلا يجوز إسناده إليه ....لا يسند الأمر إلى غير أهله... فعن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني – أي ألا تعطيني ولاية أو إمارة – قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال ) يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه ) ..
وقد إستعمل النبي رجلاً على جمع الصدقة فلما رجع هذا الرجل قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي. فخطب النبي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور ولاني الله، فيأتيأحدكم فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت لي فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظرأيُهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ منه شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء أو بقر له خوار أو شاة تيعر).
عن النبي أن رجلاً سأله عن الساعة فقال: (إذا ضُيعت الأمانة فانتظرالساعة، فقال: وكيف أضاعتها؟ قال: إذا وسِدَ الأمر لغير أهله فانتظر الساعة).
واليوم يسعى الضعيف , الكَلّ العاجز ليتولى منصبًا...نسي أنها خزي وندامة.. أو ربما أراد أن يغطي عجزه وضعفه بمنصب يتولاه, ومكانة ليست له يطلبها.
وتذكر أخي الكريم أختي الفاضلة حين يعم التعامل بالأمانة ويؤدي الذي أؤتمن أمانته، سواء أؤتمن على قنطار أو دينار، لأن الله أمر بأداء الأمانات إلى أهلها، ونهى عن خيانة الله والرسول وخيانة الأمانات، وجعلها من صفات المفلحين قال تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) والإنسان بفطرته يميل إلى الناصح الأمين ، وتثق به نفسه، حتى غير المسلمين يؤثرون الأمين ، فقد ورد في قصة أهل نجران لما وافقوا على دفع الجزية أنهم قالوا : ( إنا نعطيك ما سألتنا ، وابعث معناً رجلاً أمينا ،ولا تبعث معنا إلا أميناً . فقال : لأبعثن معكم رجلاً أمينا ، حق أمين)، وأرسل معهم أبا عبيدة.
هنيئًا لك أبا عبيدة شهد لك الصادق الأمين بالأمانة...هؤلاء أتباع محمد صلى الله عليه وسلم اتخذوه قدوة ومثالاً يحتذى ,,, استحقوا أن يخلد التاريخ ذكرهم العطر.
فالأمانة خلق المؤمن قال صلى الله عليه وسلم (أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة ، وحسن الخلق ، وعفة مطعم).. وقال صلى الله عليه وسلم : (والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم).
الأمانة صفة مميزة لأصحاب الرسالات فقد جاء في حوار أبي سفيان وهرقل، حيث قال هرقل : (سألتك ماذا يأمركم ؟ فزعمت أنه يأمر بالصلاة ، والصدق، والعفاف ،والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ـ قال هرقل : و هذه صفة نبي) وفي موضع آخر فيصحيح البخاري: (.. وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا. وكذلك الرسل لا يغدرون... )
وإذا تمكنت صفة الأمانة من صاحبها تعامل بها مع القريب والبعيد ، المسلم والكافر ، يقول ابن حجر : ( الغدر حرام باتفاق ، سواء كان في حق المسلم أوالذمي ). وكذلك حال المؤمن حتى مع من عُرف بالخيانة ، واشتهر بالغدر كما في الحديث : ( أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)
ومن أخطر الأمانات شأنا حفظ الأسرار ، وستر العورات وكتمان أحاديث المجالس، فقد ورد في الحديث ( المجالس بالأمانة ) وإن لم يوص المتحدث بكتمان حديثه الخاص إليك لم لك يكن أن تشيعه إلاّ بإذنه وعلمه ؛ لقوله صلىالله عليه وسلم : ( إذا حدث رجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة).
ومن صور الأمانة أن تنصح من استشارك وأن تَصدق من وثق برأيك، فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داؤود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المستشار مؤتمن) ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد على خلق الأمانة ويوصي بها أصحابه فقد كان يودع من أراد سفراً من أصحابه ويقول له: ( أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك).
الأمانة صفة نفيسة ، تملي على صاحبها سلوكاً لايتبدل تجاه القريب والبعيد, الصديق والعدو, وكل مايعهد إليه القيام به وكل مايلتزم به ، ويتحمل مسئوليته .
الأمانة خُلق وصفة تلازم صاحبها ملازمة اسمه له.
الأمانة دين.. وديننا الأمانة وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم (لا إيمانَ لمَن لاأمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له).
ولئن كانت هذه صفة رسولنا وإمامنا ومعلمنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم ففقد وجب علينا أن نتخلق بخلقه وأن نتصف بصفته ، وإلا لما استطعنا أن نكون أتباع الهادي البشير وقد قالت العرب الناس على دين ملوكهم ونحن على دين رسولنا نتخلق بخلقه ونسير على هديه.
قال تعالى: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ).
جعلنا وإياكم من خير من أتبعه وسار على هديه ونهجه, وتخلق بخلقه.
المفضلات