قهوة الصقر - 32
طلقتها بسبب (...)
جلس أمامي وعلامات الضيق تنطق بها جوارحه
- السلام عليكم
- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. خير يا أخي لم أراك حزينا
كان يضغط بإبهام يده على إبهام يده الأخرى بشده وهو يقول
- طلقت زوجتي
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. ماذا حدث؟
أحسست بألم يعتصر صدره وهو يتكلم
- بعد كل ما فعلته لها .. بعد كل ما ضحيت به من أجلها .. أحلامي وآمال عمري التي طالما خططت لها وعشت من أجل تحقيقها .. أجلتها وربما تخليت عنها .. من اجل أن ارتبط بها .. تحملت من اجلها هم الدين والعيش في مستوى اقل من من هم حولي .. حرمت نفسي من كل ما يتوق له الشباب في سني .. السفر وامتلاك ما اشتهي ووووو .. صرت اكتفي بالسماع عن هذه الأمور من زملائي وإقربائي دون أن اسمح لنفسي حتى في التفكير في فعلها .. رميت نفسي في حفرة عميقة من اجلها ..
- الرجل يجب أن يضحي من اجل عائلته ومن يحب
- .... ومن يفعل المعروف في غير أهله
قاطعته
- لا تقل هذا .. لا تقل هذا .. أنت أكبر وأرقى من أن تصف من تحب بهذا
نظر إلي بعين حزينة
- يا صقر .. لم اطلب إلا شيء واحد .. حياة هادئة .. يبقى لي فيها احترامي كرجل وكرامتي
- أقدر إحساسك .. فهلا حكيت لي ما حدث
- ما حدث .. ما حدث هو أني أشقى ليل نهار في محاولات متكررة للخروج من المأزق المالي الذي أنا فيه .. فأبحث عن كل وسيلة لتحسين دخلي .. واعمل في عدة اتجاهات أغلبها لا أحبها ولا ارتاح فيها لكني افعلها مرغما .. واشقي نفسي في التفكير الدائم في الحلول والحلول البديلة عندما تفشل الحلول أو يفشلها من أثق بهم...
- لا حول ولا قوة إلا بالله
- كل هذا التعب الجسدي والضغط النفسي .. أليس من حقي أن أعود إلى بيت هادئ .. والى زوجة بشوشة .. تزيل عني الهم .. وتعيد إلي الروح التي أحرقتها الحياة
- هذا حقك
بدأ ينظر إلى زجاج المقهى الخارجي بعينين شاردتين وهو يقول
- عندما عدت لها مرهقا متعبا منهك الروح والجسد .. وجدتها كعادتها جالسه أمام التلفاز وتتابع مسلسلها المفضل .. لم تأبه بدخولي البيت .. ولم يتحرك فيها شيء .. وكأني غير موجود
- ....
- أحسست بضيق .. على الأقل كان بإمكانها التمثيل بفرحتها بوجودي ..
- ....
- وقفت بجانب التلفاز .. فلم تلتفت لي .. عيناها كانتا متسمرتان على الشاشة .. وكأنها تعيش في ذلك العالم الخيالي .. ومع شخصيات مسلسلها وليس في عالمنا الواقعي
- ...
- خاطبتها .. "فلانه .. فلانه .. فلانه" في المرة الثالثة ردت بغضب "نعم!!" .. فقلت لها "أنا جائع .. حظري لي ولك وجبة نأكلها سويا" .. نظرت ألي بطرف عينها وقالت .. "أطلب من المطعم .. أريد أن أتابع المسلسل"
- ....
- أحسست بغضب شديد .. فأطفأت التلفاز وقلت "قومي الآن واتركي عنك مسلسل (....) السخيف" فثارت وبدأت في الصراخ .. وكان آخر كلماتها "(....) أحسن منك ومن اهلك!!"
- لا!! مالها حق أبدا!! .. لا حول ولا قوة الا بالله
- أحسست برجولتي تطعن بشده .. لم أتمالك نفسي .. وصرخت في وجهها .. أنت طالق!!
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. استعجلت هداك الله .. هل هي قريبة لك؟
- نعم .. ولي منها طفله عمرها شهران
- لا حول ولا قوة إلا بالله
- هذا ليس كل شيء .. بعصبيه صارت تجمع ثيابها وتهدد وتتوعد .. ودقائق وكان أحد أخوتها قد جاء ليأخذها .. لتتركتني ارتجف في مكاني من الغضب
- ماذا كنت تتوقع؟!!
- أنا لا أكرهها .. أنا .. أنا أحبها ومتأكد أنها تبادلني الحب .. لم أتوقع أن تتركني بهذا الشكل .. لقد تصرفت مدفوعا بغضبي .. مع هذا لم اصدق أنها تريد أن تتركني .. حتى إني تبعتها إلى باب البيت وأنا لا اصدق أنها ستخرج
- وكذلك هي غضبت فهي بشر مثلك .. وهذا ما يصنعه الغضب والاستعجال..
- وما زاد الطين به .. أن النزاع بدأ يتأجج بين العائلتين فكل طرف يرى أن الحق له وان الطرف الآخر يجب أن يعتذر
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. ما كان من الحكمة أن يكبر الموضوع ويصل إلى مستوى العوائل ليتعقد .. طيب أخي .. هل تسمح لي بالحديث والتعقيب على قضيتك
- لهذا أتيت لك .. انصحني
- حسنا .. في البداية يا أخي الغالي .. زوجتك أنت من اختارها؟
- نعم
- لماذا؟
- لأنها من أقاربي .. لحمي ودمي .. وأهلها أحسن الناس .. أخلاقا ورجولة وصيتاً .. وهي كذلك خلوقه وطيبه وحنونه والكل يشهد لها بذلك
- إذا لم يجبرك احد عليها واخترتها بنفسك وكنت راغبا في الارتباط بها
- نعم
- هل وجدتها زوجة صالحه؟
- الحق يقال .. نعم .. أدب وأخلاق وحنان لا حدود له .. لكن هناك مشاكل بيننا مؤخرا
- بسبب مشاغلك؟
- نعم .. مع الوقت بدأت تحس باني لا أعطيها حقها من الاهتمام بها .. لكن لم افعل هذا عن قصد .. كل وقتي تستهلكه محاولاتي في تعديل وضعي المادي بأي شكل .. ونفسيتي بدأت تتدهور وتتأزم .. ثم كل ما اعمله هو لها ولطفلتي وأولادي في المستقبل إن شاء الله
- بارك الله فيك وأعانك على ما تريد .. طيب أخي .. سأقول لك عدة أمور وأرتبها في نقاط
أولا : زوجتك بنت عائلة طيبه و زوجه صالحه .. وقد يكون عندها بعض العيوب والأخطاء .. ولا يوجد أحد كامل .. وهذا ينطبق عليك أيضا
ثانيا : أنت من أتيت بهذه المسلسلات لها ولم تشغلها بأمور أخرى تعود عليها بالفائدة أو على الأقل لا تضرها .. وهو أمر تساهل فيه الكثيرون ودفعوا ثمن ذلك التساهل .. فقليلو التجربة من المراهقين (وبعض الكبار عمرا) قد يكونوا عرضه للانخداع بالوهم الذي تقدمه .. فيعيشوا في أحلام خياليه ويبدأو في التضايق من واقعهم المختلف .. دون أن يعوا أن واقعهم أفضل بكثير من الواقع الذي يعيشه من مثل هذه المسلسلات الخيالية .. ومن يقرأ أخبار النجوم يرى عجبا من فساد أخلاقي وتفكك اسري ومشاكل وحتى جرائم وانتحار!!..
ثالثا : أقربائك هم عزوتك وجدارك المنيع فلا تجعل الشيطان يدخل بينكم .. فكما تغضب أنت فهم يغضبون .. وكما انك تحس بان رجولتك وكرامتك اعتدي عليها فربما كانوا هم غضبوا لإبنتهم .. فمما ذكرت .. يتضح أن الشيطان قد نصب شباكه وبنا أعشاشه بين عائلتيكم وفرخ!!..
رابعا : أنت رجل .. ظروفك هي مسؤوليتك وحدك .. إن أعانك احد عليها فهذا من كرمه وحبه لك .. وان لم يفعله فهو غير مسئول عنك ولا ملام .. كل الرجال (وليس الذكور) يجب أن يضحوا من اجل عائلاتهم .. لان هذا هو واجبهم .. فلا تجعل هذا سبب لمشاكلك
خامسا : الغضب مهلكه .. أنت غضبت فخسرت وهي غضبت فخسرت .. لن أكون مثاليا في أن اطلب منك فوق طاقتك .. فلن أطالبك بالاعتذار إن كان ثقيل على نفسك وأنت ترى انك لم تخطيء بحقهم .. لكن على الأقل اترك بابا للصلح مفتوح .. وأستجب لأي محاولة للتقارب بينكم .. وتنازل بقدر استطاعتك .. واشتر أقاربك وعزوتك ولو خسرت من أجل ذلك الكثير .. فهم كنزك الحقيقي .. وحصنك المنيع في زمن صعب ومريع .. تتآكل فيه بواطن الرجال من الهم والغم والخوف من المستقبل ببطء مؤلم .. زمن يداس فيه البشر تحت ضغط الحياة.
- .... صدقت
- وعالج أمورك بالحكمة .. فكر قبل أن تفعل .. اعرف أن هذا كلام مثالي .. لكن إن دربت نفسك على هذا .. فتدريجيا ستجد أن النفس تتطبع به ..
- .. صحيح
قطعت حديثنا نغمة جواله معلنة عن وصول رسالة فأخذه وقرأه ثم تمتم
- سبحان الله..
ثم التفت ألي وقال
- إنها رسالة من زوجتي فحواها "يا أبو فلانه .. والله إن النعل التي تلبسها يتشرف بها ألف واحد من (....) .. كانت لحظه غضب .. والله لم اقصدها .. أبيع الدنيا وأشتريك يا عزي وتاج راسي".
ارتسمت على وجهه علامات الفرح فبادرته
- ماذا تنتظر .. اذهب واسترجع عائلته وسعادتك وأصلح ما انكسر .. لكن قبل أن تفعل هذا .. أنصحك بان تزيل كل ما في منزلك من قنوات سيئة .. وكل ما يصنع المشاكل والمصائب وينشر الشر في بيتك.
كتبها
إبراهيم الصقر .. روائي وكاتب اجتماعي .. www.alsager.ws
عند النقل يرجى ذكر المؤلف وموقعه للتوثيق وحفظ الحقوق
والدال على الخير كفاعله
المفضلات