( جميل بثينة )
هو جميل بن عبدالله بن معمر (... – 731 م/ 82 هـ ) . عَلِقَ ابنة عمه ((بثينة)) فلقب ((جميل بثينة)) وهام بها هياماً جنونيِّاً . ويروى في مناسبة حبه ، أنه كان يرعى الإبل في مكان يسمى (( وادي بغيض )) ، فأتت بثينةُ فنفّرت إبله ، فما كان من جميل الا ان ثار وشتمها ، فردت له الكيل كيلين ، فاستملحَ سبابها ، واحبّها ، يقول:
وأوَّلَ ما قــاد المودةَ بيننا=بوادي بغيضٍ يا بُثينا سبابُ
وقلنا لها قولاً فجاءت بمثله=لكُلِ كلام يا بثين جــوابُ
خطبها إلى اهلها ، فصدوه لكونه شهرها بشعره ، وزوَّجوها بغيره ، فازداد هيامه بها ، واستمر يقول الشعر فيها ، قشكاهُ اهلها إلى الوالي ، فأهدر دمه فهرب من وجهه ، وراح يضربُ في الامصار حتى وافته المنيَّة.
يقــــــول:
ألا ليت ريعــان الشبـاب جديــدُ=ودهــراً تولى يابثين يعـــــــــودُ
وما أنسَ ما الاشياءِ لا أنسَ قولها=وقد قُرِّبت نِضوِي أمصرَ تريدُ
ولا قولها لولا العيون التى ترى=لزُرتُكَ، فاعذرني فدتك جـــدودُ
إذا قلتُ: ما بِي يا بثينةُ قاتلـــــي=من الحبِّ ، قالت: ثابتٌ ويزيــدُ
وإن قلتُ رُدِّي بعض عقلي أعِش به=تَولَّت وقالت: ذاك منكَ بعيدُ
فلا أنا مردودٌ بما جئتُ طالباً=ولاحُبُّــــها فيــــما يبيــــدُ يبيــــــــدُ
ومن يُعطَ في الدنيا قرينا كمثلِها=فذلك في عيش الحياةِ رشيـــــــدُ
يموت الهوى مني إذا ما لقيتُها=ويحيا إذا ما فارقتُها فيعــــــــــودُ
عَلِقتُ الهوى منها وليداً فلم يزل=إلى اليوم ينمو حُبُّها ويزيـــــــدُ
فما ذُكرَ الخلاَّنُ إلا ذكرتُها=ولا البخلُ إلا قلتُ سوف تجــــــــودُ
إذا فكرت ، قالت: قَدَ ادركتُ ودَّه=وما ضرني بخلي فكيف أجودُ؟
ويقول في ليلة البان
أعوذُ بك اللهمَّ ان تشحط النـوىَ=بِبُثنةَ في ادنى حياتي ولا حشري
وجاور إذا ما متُّ بيني وبينها=فيا حبذا موتي اذا جاورت قبري
هي البدرُ حسناً والنساءُ كواكبٌ=وشتان مابين الكواكبِ والبدرِ
لقد فُضِّلت حُسناً على الناسِ مثلما=على الفِ شهرٍ فضلت ليلة القدرِ
أيبكي حمامُ البين من فقدِ إلفه=وَأصبرُ؟ مالي عن بثينةَ من صبـرِ
يقولون: مسحورٌ يجنُّ بذكرها=وأقسمُ مابي من جنُونٍ ولا سحـرِ
حتى قولــــــــــه
مفلجةٍ الانيابِ لو أن ريقها=يداوى به الموتى لقاموا من القبـرِ
أذا ما نظمتُ الشعرَ في غيرِ ذكرها=أبىَ ، وابيها ان يطاوعني شعري
فلا أُنعمت بعدي ولا عشُ بعدهـــا=ودمت لنا الدنيا الى ملتقى الحشرِ
ومن اروع ما قرأت لهُ قوله وكان السلطان قد اهدر دمهُ قوله:
يقولون ، مهلاً ياجميلُ ، وإنني=لأقسم ما لِي عن بثينة من مهــلِ
أحلماً ؟ فقبل اليوم كانَ أونهُ=أم اخشى؟فقبلَ اليومِ أوعٍدتُ بالقتلِ
إذا ما تراجعنا الذي كان بيننا=جرى الدمعُ من عَينَي بُثينةَ بالكحلِ
ولو تركت عقلي معي ما طلبتهـا=ولكن طِلابيها لما فات من عقلي
أرانيَ لا القى بثينة مرَّةً=من الدَّهرِ الا خائفاً او عَلَى رحلِ
خليليّ، فيما عشتما هل رأيتما=قتيلاً بكى من حبِ قاتِلِه قبلي؟
فَأن وُجدت نعلٌ بأرضٍ مضِلَّةٍ=من الارض ، يوماً فاعلمي انها نعلي
وقال في الودّ القاتل :
خليليَّ إن قالت بثينةُ: ماَ لهُ=أتَانَا بلا وعدٍ؟ فقولا لها : لهــا
أتَى وهو مشغولٌ لِعُظمِ الذي به،=ومن بات طُولَ اللَّيلِ يَرعَى السُّهى سها
بثينةُ تزري بالغزالةِ في الضُّحى=إذا برزت لم تُبقِ يوماً بها بَها
لَهَا مُقلةٌ كحلاءُ ، نجلاءُ خِلقَةً=كأن أَباها الظَّبيُ أو أمَّها مَهَـا
دهتني بوُدٍّ قاتلٍ ، وهو متلفي=وكم قتلت بالودِّ مَن وَدها دَهَـا
وله ايضــــــــــاً
ألا ليت شِعري هل أبيتنَّ لَيلَةً=بوادي القُرى، إنٍّي إذاً لسعيـدُ
وهل ألقَيَن، فرداً ، بثينةَ ،مرَّةً=تجودُ لنا من ودِها ونجـــودُ
علِقتُ الهَوى مِنها وّليداً، فلم يَزَل=إلى اليومِ يَنمى حُبُّها ويزيدُ
وأفنيتُ عُمري بِانتظاريَ وعدها=وأبليتُ فيها الدَّهرَ وهو جديدُ
ومن نفائسهِ الشعرية المعبره
ألا أيُّها الرَّكبُ النيامُ ، ألا هبــــوا=أُسائلكُم: هَل يقتلُ الرجلَ الحبُ
ومن روائعــــــــــــهِ
والحبُّ اول ما يكون لجاجةً=تأتـــــي بهِ وتسوقهُ الاقـــدارُ
جتى إذا اقتحم الفتى لُجَجَ الهوى=جاءَت أمورٌ لا تطاقُ كِبــارُ
وقد قلتُ في حبِّي لكم وصبابَتي=محاسِنَ شِعرٍ ذِكرهنَّ يطــولُ
فما غاب عن عيني خَيالُكِ لَحظـةً=ولا زالَ عنها ، والخيالُ يزولُ
ويشكو إلى الله حُبَّها بأبياتٍ ترقِقُ صلبَ القلوبِ فيقول:
إلى الله اشكو ، لا إلى الناسٍ حُبَّها=ولا بُدَّ مِن شكوى حبيبٍ يُرَوَّعُ
الا تتقين اللهَ فِيمن قَتَلتِـــهِ=فأَمسى إليكُم خاشِعــاً يتضرَّعُ
إذا قلتَ هذا ، حين أَسلو وَأَجتري=عَلى هَجرِها ، ظَّلت لهـا النفسُ تشفعُ
فأصبحتُ ، ممَّا أحدثَ الدَّهرُ، موجعاً=وكنتُ لريبِ الدهرِ لا اتخشعُ
إلى ان يقـــــول :
فَيَا رَبَّ حببني إليهَـا ، وإعطِني=المَودَّةَ مِنها ، أنت تعطي وتمنــعُ
وإلا فصبرني وإن كنتُ كَارِهاً=فإِنَّي بِها ، يا ذا المعارِجِ ، مولـــعُ
وإن رمتُ نفسي كيفَ آتي لصرمِها=وَرُمتُ صدوداً ، ظلَّتِ العينُ تدمعُ
تمتَّعتُ منها يَومَ بَانـــوا بنظرةٍ=وَهل عاشقٌ من نظرَةٍ يتمتــــعُ
ويصفُ داءَ الهَوَى فجاء الوصفُ أرق من قلبِ الوصفِ :
يكادُ فَضِيضُ الماءِ يَخدِش جِلدَها=إذا أغتسلت بالماءِ من رقةِ الجلـدِ
لقد لامني فيها أخٌ ذُو قَرَبَةٍ=حَبيبٌ إليهِ في ملامتِـهِ رُشــــــدِي
وقال: إفق إلى متى أنتَ هائِمٌ=بِبُثنَةَ فِيها قد تُعيدُ وَقَد تُبـــــــدِي؟
فقلتُ له: فيها قضى اللهُ ما تَرَى=عَلَيَّ وَهَل فيما قضى اللهُ من رَدِّ؟
يغورُ إذا غارت فؤادي وإن تَكُن=بِنَجدٍ يَهِم منّي الفؤادُ إلى نجــدِ
أتيتُ بني سَعدٍ صَحِيحاً مُسَلِّماً=وكان سُقَامَ القَلبِ حُبُّ بني سَعدِ
فهل قُدرَ لهما التلاقِ بعد البيـــنِ ؟ أجابَنا جميلٌ بسوأل !
منعَ النومَ شدِّةُ الاشتِياقِ=وَادكارُ الحبيبِ بعد الفراقِ
ليتَ شِعرِي إذا بُثَينَةُ بانت=هل لَنَــا بعـد بَينِها مِن تلاقِ؟
ولقد قُلتُ يَومَ نــادَى المُنــادِي=مُستحِثّاً برحلةٍ وَانطِلاقِ:
حَيثُ ما كُنتُمُ وَكُنتُم فإنّي=غَيـرُ ناسٍ للعهدِ والميثـــــاقِ
يقول لنا استاذي موسى الصَفَدِّي اطال الله في عُمرِه ، عندما كنا في الثانوي ، انَّ جميلاً عندَما أيَّـس منهـــا تجهَّزَ للرحيل من وادي القُرى في المدينةِ المنوَّرةِ قاصداً مِصرَ بعد ان رفض عرضَ أبيه عليه من الزواج بإيِّ فتاةٍ يريدها ، وقد كان موسراً ، وقد شارف جميلُ على الخمسين ولم يتزوُّج ، وبقي في إرض الكنانةٍ زمناً يسراً فأحس بالموت وهو بالفلاةِ فلقيَ إعرابياً ، فقال له : هل لك بهذه البردة والجمل بما حمل فقال له الاعرابيُّ مقابلُ ماذا؟
قال له ان تغسلني وتكفنني وتدفنني وتحملُ هذه الابيات الى بثينةَ في بني سعدٍ وتنشدها على مسامعــــها ! قال نعـــم فوفَّى له الاعرابِّيُ .ولما بلغَ ديارَ بُثِنَةَ وكان بمرمىٍ من خبائها فأنشدَ قول جميلٍ :
صدعَ النعيُّ وما كنا بجميل=وثوى بمصِر ثواءَ غير قفولِ
ولقد أجُرُّ الذيلَ في وادي القُرى=نشوانَ بين مزارعٍ ونخيلِ
قومي بُثينَة وأندبي بعويلِ=وأبكي خليلكِ دون كلِ خليـــــلِ
قال الاعرابيُّ فبرزت جاريةٌ من الخباءِ كالقمرِ تجرُ ردائها خلفهـــا وهي مشدوهةٌ فقالت : ياهذا ، إن كنت صادقاً فقد قتلتني ، وإن كنتَ كاذباً فقد فضحتني ،
قلتُ : ما قلتُ الا صدقاً " و أراها الحلةَ ، فصاحت بأعلى صوتها وصكت وجهها ، فأجتمع نساءُ الحي يبكين معها ثم أُغشيَّ عليها ساعةً ، ثم افاقت وقالت:
وإن سلوي عن جميلٍ لِساعةٍ=من الدهرِ ما حانت ولا حان حينُهــا
سواءٌ علينا يا جميل بن معمرٍ=إذا متَّ بأساء الحياةِ ولينها
أثرَ فيَّ هذا الشاعر من ايام الثانويةِ العامه وحفظتُ له الكثير الا انني لم استطع رُغمَ حبي لشعرهِ أكان عذرياً ام لا ففي شعره تناقضٌ ! فأحياناً اقرأُ ابياتاً تَدلُ على انه استاذ العُذريين في عصرهِ واحياناً ارى عكس ذلك .
لعل القارىء يضيفُ لنا جديداً عن تساؤلي . ارجو ان اكون وفُفقتُ في الاختيار .. ارجو ان اكون أمتعتُ بعدَ ان استمتعتُ .. لكم ودي وتقديري،،،،
المفضلات