حسين خليل .. يهزم الإعاقة بالقانون
أول محام كفيف يكشف أسرار التحدي للراية
أنشأت أول موقع لذوي الاحتياجات الخاصة
أحلم بخدمة الوطن وتفعيل قانون حقوق المعاقين
نظام إبصار الالكتروني أفادني كثيراً في التفوق الدراسي
والدي المحرك الأساسي لمستقبلي وعطاؤه بلا حدود
حوار - مجدي صالح
أصحاب الإرادة فقط هم الذين يصنعون بهجة الحياة وزخمها، ويكللون أعمالهم بالكد والجهد والمثابرة حتى يستطيعون إنجاز ما عجز عنه الآخرون. وينسجون لنا بأيديهم خيوط الأمل المجدولة من عرقهم السخي كي نتعلق بها لتستقر بنا علي شاطيء الحياة.
فهناك من ابتلاهم المولي عز وجل بالإعاقة إلا أنهم لم يتوقفوا طويلا أمام هذه الإعاقة واستطاعوا أن يتعايشوا معها ويتغلبوا عليها ليجعلوها دافعا أكبر للنجاح والإنجاز.
أحد هؤلاء الذين تعرضوا لإعاقة فقد البصر حسين خليل نظر حجي الذي أصيب بفقد البصر منذ مولده إلا أنه استطاع بإرادته القوية أن يتخذ من إعاقته دافعا لمزيد من النجاح والنبوغ حتى أصبح الآن واحدا من حملة شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة قطر ويوشك أن يكون واحدا من أصحاب الروب الأسود العاملين في حقل القانون والمحاماة ويرد الجميل الذي يحمله في عنقه لخدمة بلده الغالي قطر الذي أعطاه الكثير خاصة في عهد سمو أمير البلاد المفدى وسمو ولي عهده الأمين وسمو الشيخة موزة حرم سمو الأمير الذين لم يألوا جهدا في تذليل الكثير من العقبات أمام ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير أكبر قدر من الرعاية لهم. حتى استطاعوا إحراز العديد من النجاحات في العديد من المجالات المختلفة كما يقول حسين خليل نظر.
وحسين خليل نظر الذي حصل منذ شهرين فقط علي شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة قطر بدرجة جيد جدا حاصلا علي أعلي المرتبات في المراكز الأولي متفوقا بذلك علي نظرائه وزملائه المبصرين يحكي لنا سطور حياته العلمية التي خاض وقائعها بنجاح وتفوق غير مبال بإعاقته التي لم تزده إلا عزما وتصميما علي مواصلة رحلة تحصيل العلم بنجاح وتفوق.
فيقول: ولدت فاقدا للبصر وتم اكتشاف مرضي مبكرا في لندن بالصدفة وكان عمري في ذلك الوقت لم يتعد الستة أشهر فقط عندما كانت أختي الكبرى تعالج من نفس المرض عند نفس الطبيب الذي اكتشف مرضي وبعد عام ونصف أجريت عدة عمليات في عيني لضبط ضغط العين الذي كان مرتفعا للغاية.. وتم إجراء عمليات أخري أيضا للتخلص من المياه بالعين، إلا أنني لم أتمكن من الإبصار رغم ذلك.
ولم يستسلم أهلي للمرض مثلي ولذلك شجعوني علي تلقي العلم في المدرسة فكنت أذهب لتلقي التعليم في المدرسة الابتدائية كمستمع في البداية في مدرسة المنتزه الابتدائية النموذجية. وكان أخوتي الكبار يراجعون لي ما أخذته في البيت ولما رأوا مني اهتماما شديدا بالعلم والتعلم ازداد اهتمامهم بي ومساعدتي أكثر علي تحصيل العلم فواصلت التعليم في مدرسة المنتزه حتى وصلت إلي الصف الرابع. وبعد ذلك انتقلت إلي مدرسة عثمان بن عفان في الصف الخامس وبالنسبة لمقرر الصف السادس الابتدائي فقد قمت بمذاكرته بعد انتهائي من امتحان الصف الخامس مباشرة أثناء شهور الصيف حيث امتحنت في مقرر الصف السادس مع الطلاب الذين يمتحنون في الدور الثاني وبذلك أكون قد اختصرت عاما من سنوات الدراسة الابتدائية التي تستغرق ست سنوات في دراستها إلا أنني استطعت إنجازها في خلال خمس سنوات ففقط علي غير المعتاد، وحصلت علي النجاح بتفوق بنسبة 87%.
يواصل حسين خليل نظر سرد وقائع مشواره الذاخر بالإنجازات والتفوق قائلا بعد أن اجتزت المرحلة الابتدائية انتقلت للمرحلة الإعدادية فالتحقت بمدرسة الدوحة الإعدادية. وواصلت رحلة النجاح والتفوق فكان ترتيبي من الأوائل المتفوقين أيضا فحصلت علي مجموع بنسبة 92% وكان هذا التفوق دافعا لي لإنجاز المزيد من التفوق والنجاح، فواصلت المسيرة وانتقلت للدراسة بمدرسة أحمد بن حنبل الثانوية واجتزت هذه المرحلة أيضا بمزيد من النجاح والتفوق فحصلت علي شهادة الثانوية العامة بمجموع 88.3% في القسم الأدبي شعبة الرياضيات وحصلت علي المركز الثاني في المدرسة.
وكنت قد بدأت في المرحلة الثانوية بالدراسة علي أشرطة الكاسيت حيث كانت المواد تسجل لي علي أشرطة كاسيت
فأقوم بالاستماع إليها ومن ثم مراجعة المعلومات التي درستها مع أشقائي الأكبر مني خاصة شقيقتي سامية التي أدين لها بالفضل الكبير في ذلك الأمر.
وعن كيفية قيامه بأعباء المرحلة الجامعية والتفوق فيها يشرح حسين نظر ملابسات ذلك قائلا: بدأت في المرحلة الجامعية الاعتماد علي نفسي أكثر ولذلك فإن هذه المرحلة تختلف كثيرا عن المراحل الدراسية السابقة. نظرا لأن الرقعة قد اتسعت وكذلك البيئة التي ادرس فيها فبدأت دراسة القانون في جامعة قطر في سنة 2002 ورغم صعوبة مناهج القانون كما تعرفون إلا أنني لم أكن أجد أي صعوبة في دراستي الجامعية.
وعن نظام الدراسة في كلية القانون يقول حسين خليل: درسنا في العامين الأولين من الكلية القانون المصري مقارنة بالقانون القطري وفي المرحلة الثانية بدأنا دراسة القانون القطري بعد أن كثرت المصادر في ذلك وقد كانت إدارة الجامعة توفر لي كل سبل الراحة في التعلم حيث كان بعض الدكاترة يعتمدون في التدريس علي محاضراتهم فكنت أسجل تلك المحاضرات عن طريق مسجل بإذن خاص من إدارة الكلية ولا يجب أن انسي هنا إدارة جامعة قطر علي قيامها بفتح المجال للدراسة في مجال أنا أميل إليه وعلي رأسهم الدكتورة شيخة المسند رئيس الجامعة والدكتورة شيخة جبر نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية.
ويضيف كما أشكر عميد كلية القانون في قطر د. حسين عبد الرحيم السيد والعميد المساعد دكتور مصلح الطراونة وأساتذتي الذين كان لهم عظيم الفضل في تفوقي وهم الدكاترة علي حسن نجيده وحسن البراوي وصلاح زين الدين وكذلك الدكتورة بتول محيي الدين من كلية التربية التي قدمت لي الكثير من العون والمساعدة. ولا أنسي فضل السيد يوسف أحمد الزمان الذي رعاني وقدم لي الكثير من المساعدة أثناء الدراسة.
ويضيف حسين خليل: في المرحلة الجامعية كنت أقوم بعمل بعض البحوث المطلوبة مني بشكل عادي حيث كنت استخدم نظام إبصار كقاريء لشاشة الكمبيوتر. وكان هذا النظام يفيدني في قراءة المراجع من الانترنت والبحث عنها وإعداد الأبحاث وتنسيقها وكنت أقوم بإلقاء هذه البحوث متي طلب مني ذلك. كما كنت استخدم في ذلك الباور بوينت عن طريق برنامج إبصار . وفي السنتين الأخيرتين بدأت استخدم ال أم.بي.ثري.بلير وأوصلها بالكمبيوتر. وهذا الجهاز كان هدية لي من الجامعة حيث ساعدني كثيرا في تسجيل المحاضرات وتسجيل بعض الملاحظات التي كانت تهمني في دراستي.
وفي نهاية البكالوريوس حصلت علي تقدير عام جيد. وبعد ذلك فكرت في وضع بحوثي التي توافرت عندي مما أنجزته أثناء الدراسة أو خارج الدراسة في موقعي الخاص علي الانترنت حيث وجدت إن موقع جيران يعطي مساحة بجانبه تكفي لوضع مجموعة مقالاتي ومجموعاتي وأنشأت من خلال ذلك موقعي الخاص وأسميته قطريون للأبد وأنا الآن بصدد تنفيذ موقع آخر يخص الشباب وهو موقع شباب قطر .
سألنا حسين خليل عما سوف يقوم به الآن بعد تخرجه من الجامعة وهل يرغب في العمل في مجال القانون أم سوف يبحث عن عمل آخر بعيدا عن القانون فقال: أنني أسعي للاستفادة من دراستي للقانون وأفيد مجتمعي في نفس مجال تخصص في مجال القانون وأتمني أن أجد الموقع الملائم لي كيف أفيد وطني الغالي قطر. وكنت قد اطلعت علي قانون جمعية المحامين في قطر كي أتقدم بعد ذلك بأوراقي للانضمام إليها.. إلا إن العمل في مجال المحاماة يحتاج لخبرة وممارسة. ولن يتسنى لي الحصول علي هذه الخبرة إلا بالعمل أولا في المجال الحكومي كي اكتسب الخبرة اللازمة للعمل في مجال المحاماة أو القضاء. وأنا بشكل عام أريد أن اخدم وطني في أي موقع يختاره لي الوطن في مجال القانون كما أتمني أن تتاح لي الفرصة في تفعيل قانون ذوي الاحتياجات الخاصة نظرا لاهتمامي وخبراتي الحياتية والعملية في هذا الشأن الخاص.
لم يكتف حسين خليل بالحصول علي درجة البكالوريوس في القانون بتفوق وإنما أصر أيضا علي أن يزيد خبراته العلمية والعملية بالحصول علي المزيد من الدورات العلمية في مجالات شتي وعديدة. ففي أثناء مرحلته الجامعية حصل حسين علي عدة دورات وشهادات مختلفة أهمها دورة من معهد النور في الكمبيوتر لقراءة الشاشة بنظام إبصار وحصل علي دورة كمبيوتر أخري من خلال جمعية ذوي الاحتياجات الخاصة. وكانت التقديرات التي حصل عليها من خلال هاتين الدورتين هي امتياز .
كما اجتاز حسين دورة أخري في اللغة الإنجليزية من معهد E.L.S بتقدير جيد جدا كما نال أيضا شهادة حضور لدورة تفسير النص القانوني وصياغة العقود والبحث القانوني التي نظمت في كلية القانون من قبل النادي الطلابي بالكلية.
ويتحدث حسين عن إعاقته في نهاية حديثه معنا قائلا: لو كنت فكرت في إن إعاقتي هذه سوف تعيقني عن استكمال دراستي لما استطعت أن أواصل دراستي ولما استطعت أيضا أن أتخطى هذا الأمر بكل عزيمة وصبر لعلمي إن هذا الأمر إنما هو امتحان من عند الله والصبر عليه إيمان بقضاء الله جازي عليه.
ويضيف حسين: لولا نضج تفكير الوالد ووقوفه بجانبي أنا وأشقائي لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن حيث إن لأبي تسعة من الأبناء حصلوا جميعا علي شهادات عليا منهم واحدة حصلت علي الدكتوراه وهي تعاني من فقد البصر مثلي وكتبت عنها الصحف ومنهم واحدة حصلت علي الماجستير وباقي أخوتي حصلوا جميعا علي شهادات عليا فمنهم الطبيبة ومنهم المدرسات في المجالات المختلفة ومنهم المحاسب. ولذلك فان أبي وأمي يستحقان الكثير من التقدير والثناء علي ما قدموه لنا من رعاية وجهد. ولم يبخلوا علينا بأي غال لمساعدتنا في إنجاز تعليمنا وتفوقنا.
وفي النهاية فان نموذج حسين خليل هو فعلا يقدم لنا المثل الأعلى في الصبر والمثابرة والإصرار علي التفوق والعمل الدؤوب وفينا الهمة والنشاط لمزيد من العطاء والعمل لأن من غيروا وجه الحياة تحلو دائما بهذه الصفات التي بدونها لن تتحقق الآمال الكبار.
وجدير بالمسئولين رعاية هذه النماذج ليس لمكافأتها وحسب وإنما كي نحفزها لإنجاز المزيد من العطاء لبلدهم ومجتمعاتهم التي هي في أشد الحاجة لهذا العطاء......
منقول
المفضلات