السعودي يمكن أن يبني منزله خلال أسبوع واحد
وبتكاليف أقل بـ %30
المعماري م طارق البكر
الرياض - عبدالكريم الدريبي:
يؤكد معماري متخصص في علوم العمارة واقتصاديات المباني، أن
المسكن الحديث الذي يستغرق بناؤه في المملكة قرابة عام كامل
وأحياناً سنتين او ثلاث، يمكن أن يتم إنهاؤه خلال أسبوع واحد
وبجودة أعلى، إلى جانب متطلبات سلامة أفضل، وباستخدام أقل
من عُشر العمالة المستخدمة في تنفيذ المساكن الحالية، وبتكاليف
مادية أقل بحوالي 30في المائة،.
ويضيف المهندس طارق البكر، أن الدول المتقدمة طورت أنظمة
وأساليب البناء والتشطيب ووصلت إلى نتائج مذهلة للغاية، وبات
المسكن الخرساني ذو الطابقين على مساحة 500متر لا تزيد مدة
تشييده في بلدانهم عن أسبوع مع التأثيث، والإضاءة، والسباكة
والسراميك، والديكور، والدهانات.. الخ… “الرياض” التقت المعماري
طارق بن ناصر البكر ليكشف عن بناء الفيلا في أسبوع.. فماذا قال:
* هل من المعقول بناء فيلا خلال أسبوع.؟
- البعض لن يصدق لأن هناك استخداماً لأحدث ما توصلت إليه
تكنولوجيا صناعة ونقل المباني التي نشأت وترعرعت في الغرب
وأدركت أهمية توفير الوقت والجهود البشرية، وصارعت الزمن لتثبت
تفوقها وجدارتها، وأصبحت الفيلا الفاخرة بمستوى خمسة نجوم يمكن
أن تنفذ في دولة متقدمة مثل كندا أو الصين خلال ثلاثة أيام فقط
فهل يمكن تطبيق ذلك في وطننا الغالي، لاسيما ونحن نمتلك اقتصاداً
متيناً وقادراً على جذب وتوطين أحدث التقنيات.
وأحد رجال الأعمال السعوديين العازمين على نقل هذه التقنية من
كندا إلى المملكة زودني مشكوراً بمعلومات قيمة عن هذه التكنولوجيا
العجيبة وأبدى استعداده لجلب شركة كندية متخصصة لتنفذ بعض
المساكن في المملكة كنماذج واقعية ملموسة يراها ويتجول بداخلها
المواطن السعودي ويتأكد بنفسه من مدى جودتها وفاعليتها
وأحسنت الملحقية الثقافية في السفارة الكندية في الرياض عند استضافة
إحدى الشركات الكندية المتخصصة في بناء هذه المساكن، وتم
إحضار المخترع بنفسه مع المطورين الكنديين وبعض رجال الأعمال
السعوديين، وقدموا عرضاً مرئياً يوضح الفكرة المعمارية والهندسية
المستخدمة في بناء هذه المساكن، وتسنى لي شخصياً مشاهدة الفيلا
التي تم بناؤها داخل إستاد رياضي خلال يوم واحد فقط.!
* كيف ترى صناعة ونقل المباني اليوم.؟
- يشهد عالم صناعة ونقل المباني اليوم ثورة عظيمة وواعدة، نتيجة
التقدم المثير الذي أحرزه أصدقاؤنا الغرب والشرق في علوم وفنون
الهندسة والعمارة وتكنولوجيا البناء، وهذه الثورة في طريقها للوصول
إلى ذروتها وسوف تكون بلا شك منعطفاً حاسماً في مستقبل المساكن
والصروح المعمارية المختلفة، ولا ندري ماذا يخفي لنا المستقبل!!..
ومن يصدق أن إنسان هذا العصر أضحى قادرا على تشييد فيلا فخمة
وضخمة وفرشها وتجهيزها للاستخدام (الآدمي) خلال يوم عمل واحد؟
إنه أمر مخيف يصعب على المرء إدراكه!!..
* ماهي الفكرة المعمارية والمزايا الاقتصادية لهذه المساكن.؟
- لنفترض أننا فسحنا المجال لهذه التقنيات المتقدمة لتدخل سوق البناء
لدينا، ونجحنا في إنشاء مصانع عملاقة لإنتاج الألواح الخرسانية الجاهزة
ولنفترض أن هذه المصانع قائمة في مدينة سدير الصناعية (مثلاً)، مع
المكاتب اللازمة لاستقبال وخدمة الزبائن في المدن الكبيرة الواقعة
ضمن نطاق هذه المصانع، فكيف يمكن لمواطن بسيط يشغل وظيفة
حكومية بسيطة الدخل ويمتلك قطعة أرض 500متر في حي المعذر
أوالسويدي (مثلا) كيف له تعميرها خلال أسبوع بمسكن وظيفي
ومتين وأنيق وتكلفته منخفضة أقل بحوالي 30في المائة؟!
- بكل بساطة عندما ينتهي هذا المواطن من التصميم المعماري لمسكنه
وتجهيز المخططات المعمارية النهائية على برنامج الرسم المعماري الشهير
(الاوتوكاد)، عليه التوجه لأقرب مكتب خدمات عملاء تابع لهذه
المصانع العملاقة آنفة الذكر، وسيكون في استقباله المهندس المختص
ليستلم منه المخططات المعمارية ودفعة معقولة من مبلغ التنفيذ، ويُشعره
بموعد وتاريخ التنفيذ بعد خمسة أو ستة أسابيع “حسب ضغط الطلبات
على المصانع وتوفر الناقلات والرافعات، والعمالة..”، وقبل بدء التنفيذ
يُطلب من المواطن تأمين باقي مبلغ المسكن، بعد ذلك ما عليه سوى
الاهتمام بوظيفته، ورعاية عائلته، والتفرغ لمصالحه إلى أن تتصل الشركة
به أو تشعره برسالة (أس أم أس) عن طريق الجوال بأن المسكن جاهز
للسكن، وتطلب منه الحضور لاستلام المفاتيح وشهادات الضمان
* ولنا أن نتساءل كيف تم بناء هذا المسكن بهذه السرعة والبساطة
وبدون إزعاج الزبون وإقحامه فيما لا يعنيه، وبدون إضاعة وقته
واستنزاف جهده؟!
- بعدما أستلم مهندس الشركة المخططات والمواصفات المعمارية
النهائية من الزبون تم إدخالها على برنامج حاسب آلي متطور جدا
يقوم بتقسيم المبنى إلى عناصر، مثل الحوائط والأسقف والأرضيات
ومركبات مثل المطابخ والحمامات، واختيار الأنظمة الكهربائية
والصحية المناسبة والمتوفرة بالمصانع، ويتم تحديد التشطيبات والألوان
التي يرغبها الزبون، وغير ذلك.. وبعد ذلك تجري مراجعتها وتدقيقها
من قبل المهندسين المختصين، وهذه العملية تستغرق حوالي يومين
ثم ترسل هذه المعلومات إلى المصانع التي تقوم بدورها بإعطاء الأوامر
لخطوط الإنتاج لتصنيع هذا المسكن على شكل وحدات كبيرة متنوعة
وجاهزة بالألوان والتشطيبات المحددة، وهذه الوحدات متينة وتتكون
من الحديد والخرسانة الجاهزة سريعة التصلد، وبداخلها جميع التمديدات
الكهربائية والميكانيكية والصحية والعوازل المائية والحرارية والصوتية
وإطارات النوافذ والأبواب..إلخ.
وفي ليلة التنفيذ يتم تحميل العناصر والمركبات بعناية فائقة على سطح
ناقلات عملاقة (تريلات).. وقبل السحر تتوجه الناقلات إلى الموقع
وبمعيتها رافعة خاصة (كرين)، وتتلوها ناقلة أخرى محملة بالأثاث
والإكسسوارات المعمارية (إذا رغب الزبون ذلك)، وينطلق مع هذه
الناقلات مجموعة من الفنيين الشباب (السعوديين) المسئولين عن تثبيت
الوحدات بالموقع وتسليك التمديدات الكهربائية والميكانيكية
والصحية وغير ذلك..
ومع إشراق شمس اليوم الأول تكون معظم الوحدات المطلوبة موجودة
بالموقع (بحي السويدي)، وبعدد بسيط من العمال والمعدات يتم تركيب
وتلحيم هذه الوحدات، وخلال يومين أو ثلاثة يتم تركيب النوافذ
والأبواب والوصلات ووحدات الإضاءة، وإنهاء جميع التشطيبات
واستدعاء الزبون ليسكن.. وبطبيعة الحال جميع الخطوات المنظمة
السابقة تؤدي إلى تخفيض تكلفة إنشاء المسكن حوالي 30في المائة.
* ما هي أبرز المزايا الاقتصادية لهذه المساكن.؟
- الميزة الاقتصادية الخارقة في هذه المساكن أن هذا المواطن يمتلك
المسكن طوال حياته وبمقدرته أن ينقله معه أنى ومتى شاء تماما مثل
الخيمة في الصحراء يصطحبها البدوي معه أينما ومتى شاء، بمعنى
أن هذا المواطن إذا تغير مكان عمله أو جار عليه جاره وضايقه فقرر
الانتقال إلى الشمال أو الشرق، ما عليه سوى تأمين قطعة أرض قريبة
من مواصفات أرضه التي يقبع عليها مسكنه الحالي، ومن ثم الاتصال
بقسم نقل المساكن التابع للمصنع لتحديد موعد وتكلفة فك ونقل
وتركيب المسكن والأثاث.. ثم يتفضل المواطن وعائلته الكريمة
مشكورين بالتنزه في رحلة برية والسكن في خيام مريحة أو الإقامة في
أحد الفنادق الأنيقة لمدة يومين أو ثلاثة، حتى تنتهي الشركة من نقل
مسكنهم إلى الموقع الجديد شمال الرياض أو جنوبه.. ثم يتم بيع أرض
السويدي (التي ستصبح شاغرة) لمواطن آخر واستثمار ثمنها في مساهمات
أو أسهم أو أنعام أو عقار أو ما شابه ذلك..
يا لها من متعة ورفاهية سيعيشها هذا المواطن البسيط وعائلته الكريمة
لو نجحنا في إنشاء مثل تلك المصانع العملاقة في المدن الصناعية المنتشرة
بأرجاء المملكة، ويا لها من فرص وظيفية مغرية ومتنوعة (فنية، إدارية، تنفيذية..)
ستُفتح أمام أبناء الوطن إذا نجحنا في توطين وتطوير هذه التقنيات المثيرة..
* ما هي السلبيات التي واجهتك خلال تصميمك للفلل السكنية وإشرافك
على تنفيذها؟ وما الفرق بين مساكن الماضي ومساكن المستقبل؟
- استنزفتُ في سبيل ذلك الكثير من وقتي وجهدي وسئمت الفوضى
المتفشية في سوق البناء، وأزعجتني حماقة وعدم أهلية الكثير من المقاولين
وعمالتهم، واكتشفتُ أخيرا بأني طوال مشواري المعماري أرهقتُ شبابي
وعطلتُ مصالحي الهامة، ولم أنتج سوى مباني بسيطة!!.. وكانت مرحلة
التصميم المعماري تستغرق معي من شهرين إلى سنة ونصف وأحياناً
سنتين (حسب حاجة وثقافة الزبون، وجديته، واستيعابي لمتطلباته ورغباته)
أما مرحلة التنفيذ فكانت تستغرق من سنة إلى ثلاث سنوات!!
(حسب القدرة المالية للزبون، وكفاءة المقاول، وجودة العمالة المستخدمة
وغير ذلك).
و(الأستاد) قديما كان هو الذي يخطط المسكن في نفس يوم التنفيذ
وبرجله!!.. ويتم بناؤه خلال يومين أو ثلاثة بمعاونة الأقارب والجيران..
فما الذي دهانا ودهاك يا مساكننا الحديثة؟!.. وما بالنا أضحينا
نستغرق في تنفيذك سنتين وثلاث في الوقت الذي نرى العالم من حولنا
ومن قبلنا يبنون مساكنهم خلال يومين وثلاثة أيام؟!..
وبين الماضي والحاضر خبرات معمارية وهندسية نضجت، ومواد
وتقنيات بناء وصلت إلى ذروة التطور.. فأين نحن من كل هذا؟!..
وكيف سيكون مستقبل مساكننا؟
* ما هي الجهات الحكومية القادرة على نقل هذه التقنيات الحديثة
إلى المملكة وتطبيقها على مساكن المواطنين الخاصة؟
- على حد علمي هناك بعض القطاعات الحكومية بدأت بالفعل
في إدخال هذه التقنيات وتطبيقها على مشروعاتها العملاقة..
وأعتقد أن الهيئة العليا للإسكان هي الجهة الوحيدة القادرة على تبني
وإدخال هذه التقنيات وتطويرها بتعاون القطاع الخاص والمواطنين
أصحاب هذه المساكن
المفضلات