بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا عارف مواضيعي كثرت بس أش أسوي أغليكم والله
خذ وخل...................................................................
في عهد الرسالة المحمدية، على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تسليم، كان الصحابة رضوان الله عليهم شغوفين بقضية الإيمان وحريصين كل الحرص على زيادة إيمانهم وزيادة الورع والتقوى لهذا الإيمان بحيث تتحول الحالة الإيمانية إلى عمل صالح, حتى إنه نقل عنهم في السنة النبوية أنه كان الواحد منهم إذا لقي صاحبه قال له "هلم بنا نؤمن ساعة"، فيجلسان في ذكر وفي صلاة سعياً وراء المزيد من لذة الإيمان والأنس بالله والمعرفة التي تنفع الإنسان وتحقق له السعادة الروحية, كانوا يعلمون أهمية تهذيب السلوك وتطهير النفس من أدران الشر، وهذا ما تفعله الأديان والفلسفات بالبشر، تساعدهم أن يكونوا بشراً أفضل، تدربهم على أن يكون البعد الأخلاقي في نفوسهم أعمق، فالأديان في أصلها وكذا الفلسفات الأخلاقية تعلّم الإنسان الاشتغال بالنفس عن كل شيء آخر ومحاولة الترقي بها ومداواة الانفعالات السلبية بالحكمة. من أجمل ما قرأت في هذا المجال كتاب للفقيه الفيلسوف أبو محمد بن حزم اسمه (مداواة النفوس) يصف فيه كيف يمكن أن يتغلب الإنسان على نفسه ويداويها من الأوصاب وينقيها من العدوانية والشرور والمشاعر السلبية, وما هي المواضع التي يجب أن يتقبل نفسه فيها ويستسلم لها.
هذا هو شعار الناس في الزمن الأول (هلمّ بنا نؤمن ساعة) أما المسلمون اليوم فشعارهم هو (هلم بنا نكفّر ساعة !) هذه ليست مبالغة ولا سخرية بل هي وصف لواقع معاش، إذ تجد الرجل يلقى صاحبه فيكون الحديث في مجمله محكوماً بمسألة الأسماء والأحكام (مسألة التكفير). ثم ينتقل الوضع إلى مرحلة أخطر بحيث ينال الأشخاص والأعيان، وحتى يصل الأمر بأن ينبه الواحد صاحبه على العبارات التي قد تكون كفرية في نفس الحديث الدائر بينهما، أي أن الصديقين المتحاورين قد يكفّر الواحد منهما الآخر, والطرف التي يتداولها الناس حول هذا الموضوع لم تخرج من فراغ وليست مبالغة محضة, وكثير منا يعرف قصة (الأفغان العرب) الأربعة الذين كانوا يعتقدون أنه لا يوجد مؤمن على كوكب الأرض غيرهم الأربعة. أنا لا أبالغ هنا عندما أقول إن نسبة عالية من الإسلاميين - يستثنى أولئك الأتقياء منهم, ممن فضل الاشتغال بنفسه ومشاكلها عن الناس - همّهم الأكبر وهاجسهم الأعلى هو مسألة التكفير، وهذا إذا قارناه بحال أولئك الصحابة الذي وصفته في بداية المقالة هو انتقال خطير من الاشتغال بالإيمان والنفس إلى الاشتغال بالكفر وبالآخر, والاشتغال بمن كفر ومن لم يكفر له أثر تعيس على النفس والسلوك والأخلاق، إذ أول ما يفسد هو قلب التكفيري نفسه, ثم تفسد أخلاقه بعد ذلك، فقلب المؤمن العامر بالمحبة يتحول إلى قلب أسود حقود دموي، وأخلاق المؤمن التي تقوم على الالتزام بالمحامد والفضائل وتسعى إلى الكمال الإنساني, تتحول إلى الدخول في دوامة السوداوية وارتكاب كل موبقة، ابتداء من الكذب والافتراء والقذف والبهتان والغيبة والنميمة وانتهاء بالتلطخ بالدماء والوقوع في براثن الإرهاب والدخول في لعبة العنف والتصفيات الجسدية، كل هذا بحجة حماية مقام التوحيد والذود عن حمى الدين كمسوغ لتلك الإفرازات البشعة وتبرير لكسر كل قانون أخلاقي إسلامي. ترى الرجل عندما يدخل في تلك الدوامة أول ما يتغير فيه ملامح وجهه الذي يبدأ في العبوس شيئاً فشيئاً, بحيث يكشر في وجه كل أحد ولو كانوا أقرب الناس إليه. هذا العبوس سببه تشبع روحه بفكرة قذارة العالم الكافر من حوله، فالناس إما كافر أو ساكت عن كفر، تدفع هذه الفكرة إلى الأمام نرجسية خفية تصور له أنه هو بقية النقاء وخلاصة تبر الأرض المليء بالمعادن الرخيصة. هذه النرجسية يجب ألا تبقى خفية بعد اليوم، يجب على التكفيري أن يراها في كل مرة ينظر فيها إلى المرآة، سيجدها مرسومة على قسمات وجهه تحاول الانزواء والهرب من نظرات عينيه. قد يبدو للوهلة الأولى أن النرجسية صفة ملازمة للملوك الجبابرة أو قادة الجيوش الذين سفكوا الدماء وقطعوا الرؤوس وسبوا النساء واحتلوا الأرض، لكن هذا ليس صحيحاً، فكم من نرجسي جبّار عتيد يعيش في ثياب زاهد.
المفضلات