.... حسنا وإذا كانت لعبة المزمار في الحجاز تمنح البهجة لممارسيها والواقفين حولها من النظارة ، مثلها مثل الرديح الينبعاوي أو المجرور في الطائف أو العرضة في الجنوب أو العزاوي في جيزان أو السامري في نجد، فالدحة في الشمال تهبك الدفء، وتشعرك بضآلة إنسانيتك حين تتذاءب، وتدخل في مرحلة اقتدار هائلة على استعارة صوت الذئب، كأنما تريد مجابهة ما يهدد وجودك، فتمتلئ ثغرات غامضة في حنجرتك بأصوات تشتبتك مع إيقاع صوت بشري آخر يشكله اصطفاق الكفوف، في مشهدية ماتعة تحيل إلى أحلام الإنسان الأولى حين رفض حدود الغابة الضيقة فاجترح الأفق وفجر ينابيع الحياة، ومن هنا ينبع الدفء الذي يتسرب خفية إلى الروح فيملؤها فرحا لأنه دفء مقاوم لبرد الشمال المستبد، وعليه نستطيع الزعم بأن طقوس الأمكنة لها أثر في تشكيل فنونها ورقصاتها الشعبية، على نحو ما تذهب إليه بعض الدراسات التي ترى رقة وعذوبة في فنون الأمكنة المفتوحة على شرفات البحر، وعكس ذلك تتميز به فنون المناطق الجبلية والصحراوية.
ومن حسن حظنا في السعودية هذا الثراء البهي من التنوع في فنوننا الشعبية المتأتي أصلا من التنوع الجغرافي للأمكنة. ولكن تظل المعرفة بتفاصيل هذه الأمكنة ناقصة. فما زال قطاع عريض من الشعب يجهلون ثراء قاعدة فنونهم الشعبية المتخلقة من التنوع المشار إليه.
سآخذ منطقة ضاربة في التاريخ وموغلة في الشاعرية، لأتساءل عن كم هم الذين يعرفون فنون الشمال أو تابعوا ظهور مواهب فنية من هناك؟!
على حد علمي- القاصر- يكاد يكون صاحب رائعة (يا علي صحت بالصوت الرفيع) (سلامة العبدالله) فنان السامري العظيم, هو الأوحد من فناني الشمال الذين سكنوا ذاكرة الوطن، مبكرا ومنذ وقت كان فيه القمتان طلال مداح ومحمد عبده في أوج منافستهما أو احترابهما (ما تفرق كثير أحيانا).
منطقة كالجوف وهي التي تماست تاريخيا مع حضارات إنسانية مهمة قامت في الشام والتحمت جغرافيا بحضارة تدمر، لا يعقل أن تضن علينا بفنان واحد على الأقل كل هذا الوقت, ربما يمكن سحب هذا الأمر على مدينة تبوك، ولن يخطئ الأمر انطباقه على مدن رفحاء وعرعر (ولست أدري أهي التي كنا نسمعها تسمى (بدنة) في نشرة الطقس حين كنا صغارا!
لست أدرى منكم بفنونكم ولكني اسئل فقط
نويصر
المفضلات