--------------------------------------------------------------------------------
حدثت هزة أرضية في حلب عام 1822 ويرجح بعض الباحثون أن سقوط نيزك كان السبب فيها، مكان سقوط النيزك هو منطقة الأرتاب، ويعتقد بعض العلماء الفلك أنه آخر أكبر النيازك التي، سقطت على الكرة الأرضية.
ولقد أشار الأستاذ عبد الله حجار في مقالته عن هزة أرضية في حلب عاصمة سورية؛ تقرير في 23 آب 1822 ، إلى محاضرة الدكتور جلال خانجي في جمعية العاديات التي أثار فيها هذا الاحتمال
لم يؤكد الدكتور خانجي في محاضرته تلك تأكيدا جازما فرضية النيزك بل قدم بعض القرائن والشهادات وتمنى على المختصين من العلماء الجيولوجيا في بلادنا أن يسبروا منطقة الأرتاب حتى يقطعوا الشك باليقين.
وإذا بقينا في مجال استقراء الشهادات ممن حضر تلك الليلة المهولة, نذكر أن الشيخ كامل الغزي قد نقل شهادة المعمر (محمد آغا مكانسي) وهو معمر حلبي يصفه الغزي بأنه كان دقيق الفكر لايشذ عن ذهنه كلي أو جزئي من الحوادث التي مرت عليه، ونوردها كما جاءت في نهر الذهب لمقارنتها بما جاء في شهادة المواطن الفرنسي التي ترجمها الأستاذ حجار في مقالته:
[ "بينما كنت جالسا في مصيف داري القديمة في ذلك الوقت أسمر مع جماعة من خلاني وألتذ بمنادمتهم وحسن حديثهم والنسيم العليل يحيينا بأنفاسه وينعشنا بلطيف هبوبه إذا انقطع عنا بغتة واشتد الحر حتى شعرنا بضنك في صدورنا وضيق بأنفاسنا وما مر علينا سوى نحو عشرين دقيقة في هذه الحالة المضنكة إلا وسطع في جو الفضاء ضوء أشرقت به الدنيا إشراقها بالشمس تتجلى في ذروة الفلك الأعلى فرفعنا أبصارنا إلى العلاء فرأينا هذا النور الساطع صادراً من كوة مفتوحة في كبد السماء كأنها نافذة من نوافذ جهنم وما كدنا نرجع أبصارنا إلى الحضيض حتى أوقر أسماعنا دوي كهزيم الرعد وإذا بالأرض قد مادت بنا يمنة ويسرى والنجوم أخذت تتناثر وتتطاير في أفق السماء كشرر يتطاير من أتون ثم انتفضت الأرض أربع مرات متوالية أزاحتنا عن مقاعدنا فنهضنا على أقدامنا وما منا أحد إلا وقد أحس بدنو أجله كأن السماء وقعت عليه أو الأرض كادت تنخسف تحت قدميه فصرنا نكرر الشهادتين ونضرع إلى الله بقولنا يالطيف يالطيف والجدران تتداعى وتخر السقوف وتتدهده الحجارة على الأرض فيسمع لها جلبة ودوي تقشعر منهما النفوس كل هذا جرى في برهة من الزمن لا تزيد على نصف دقيقة وقد اشتد غواش الناس ضجيجهم يستغيثون بالله وعلا صراخ النساء وععويلهن وطفقت الخلائق تركض إلى الصحراء وهم يتدافعون ويتزاحمون في الشوارع والأزقة هائمين على وجوههم لا يلوي والد على ولد كل يهرع مهرولا إلى ساحل السلامة يطلب النجاة لنفسه حتى كأن القيامة قد قامت وآذن حبل الحياة بالانصرام وكان القتام شديدا حلك منه الظلام وحجب النجوم عن العيون".
ويتابع: "اما الجماعة الذين كانوا يسمرون عندي فقد أسرعوا الكرة إلى منازلهم ليتفقدوا أهلهم وأما أنا فقد كان أهلي حين وقوع هذا القضاء جالسين في صحن الدار وكانت الدار فسيحة وجدرانها قصيرة لم يؤثر بها الزلزال ولا انهدم منها شيء فجمعتهم في وسط الصحن وبتنا ليلتنا في قلق زائد لأن الأرض كانت في كل برهة ترتجف وتختلج ونحن نستغيث بالله ونتعوذ به من سخطه فلما طلع الفجر أحضرنا جماعة من العتالين فحملناهم من البيت مايقوم بسد حاجاتنا من الفرش والمؤنة وخرجنا بالأهل والعيال إلى أحد بساتين الفستق التي في جوار محلتنا وكان الناس قد خرجو إليها في الليل وبات أكثرهم على الأرض بلا غطاء ولا وطاء أما بقية جهات البلدة فمن ناسها من خرج إلى البرية في جوار محلته ومنهم من قصد الكروم والبساتين ثم تداركوا الخيم وبيوت الشعر والأغنياء منهم عملوا بيوتاً من الدف ومنهم الفقراء اللذين ظلوا تحت السماء بلا كن ولا ملجأ واستمر الزلزال يتردد نحواً من أربعين يوماً تارة خفيفاً وأخرى شديداً وحين حدوث الزلزلة الأولى كان أكثر الناس على أسطحة منازلهم وفي فسحات دورهم جرياً لعادتهم في موسم الصيف فسلم بهذه الواسطة العدد الكبير من عطب الزلزلة ولولا ذلك لكان السالم منهم قليلاً ومع هذا فقد مات تحت الردم في حلب زهاء خمسة عشر ألف نسمة وكان معظم تأثير الزلزلة في محلة اليهود والعقبة وسوق العطارين وأبراج القلعة وما اشتملت عليه من البيوت والمنازل وما جاور القلعة من المباني التي كانت قائمة في ذلك الفضاء المعروف باسم (تحت القلعة).
قال "ومما يدل على شدة نبضات الزلزلة في أول مرة أن هلال مئذنة جامع العثمانية اندفع من محله وسقط على قبة القبلية فخرقها ووقع على أرض القبلية فحفرها".
"كان الناس يتكبدون مشقة رائدة وهم في الصحراء والبساتبن بالحصول على الأقوات التي لم يبق الباعة لها سعراً محدوداً فإن كل واحد من باعة الخبز واللحم وغيرهما يبيع بضاعته بالثمن الذي تسنح له به الفرصة وكان الدعار والمتشردون يقصدون الدور والمنارل وينهبون ما فيها من الأثاث والمؤونات فاضطر أهل كل محلة إلى أن يتعاونوا على إقامة حراس يحرسون أموالهم وكانت جماعة الحكومة كالوالي والقاضي قد تركو منازلهم وأقاموا في البرية تحت الخيام وبيوت الخشب وشغلهم الخوف والفزع عن قيام مباشرة وظائفهم فاختل نظام الحكومة وكثرت حوادث النهب والسلب أما جثث القتلى التي كانت تحت الردم فكان أهلها المتولون أخرجوهم على الفور ودفنوهم بثيابهم وقد استخرج البعض منهم وفيهم رمق من الحياة فعاشوا ومنهم من مات بعد ساعات واستخرج بعض من خرت عليهم السقوف أحياء لم يصابوا بشيء من الضرر لأن بعض السقوف انهدم جدارها الواحد فقط فبقيت رؤوس الأخشاب الأخرى معلقة بالجدار الباقي فتكون منها وقاء لمن كان مقيماً تحتها أما الفقراء الذين لامال عندهم فقد بقيت قتلاهم مدفونة تحت الردم في الخرابت الكبيرة فكانت هناك قبورهم إلى الأبد،كانت الأرض في هذه المدة وهي أربعون يوماً لا تنقطع حركتها غير قليل فكان الناس يحسون من وقت لآخر برجفات تحت أقدامهم وقد شاعَ أن قطعةً كبيرة من الأرض في ناحية الأرتاب قد خُسفت ولهذا كان كثير من الناس لاينفك عنهم الفزع و القلق لأنهم قد تسلط على واهمتهم بأن الأرض ربما خسفت بهم وإن كانوا آمنين من سقوط الجدران عليهم لإقامتهم في بيوت خشبية". ]
ويلاحظ في هذه الشهادة أن المكانسي يصف ماحدث قبل وأثناء الهزة وبعدها، في حين أن شاهد العيان الفرنسي يبدأ شهادته بعد استيقاظه إثر الهزة, وتقدم شهادة المكانسي تفصيلات ترجع احتمال سقوط نيزك بالقرب من حلب وتعطيها درجة عالية من المصداقية، وهو يذكر الظواهر المتعددة التي حدثت قبل الهزة وبعدها بالترتيب التالي:
1. توقف النسيم واشتداد الحر فجأة إلى درجة ضيق الأنفاس لمدة عشرين دقيقة.
2. سطوع ضوء يماثل الشمس قوة وكأنه كوة مفتوحة في كبد السماء.
3. دوي كهزيم العد.
4. اهتزاز الأرض.
5. تناثر نجوم في السماء كشرر يتطاير من أتون.
6. ثم انتفاض الأرض أربع مرات.
7. قتام شديد حالك.
إن الظواهر (1,2,3) هي اشتداد الحر فجأة وسطوع الضوء ثم الدوي الهائل السابق للهزة. قد حدثت بينما كان الفرنسي يغط في النوم لذلك لم يأت عليها في شهادته, وهي ظواهر لاتسبق الزلازل عادة بل تصف سقوط نيزك على الأرجح, حيث يظهر النيزك متوهجاً لاحتكاكه بالهواء نتيجة سرعته الهائلة, وبالطبع فإن رؤيته تسبق سماع صوت اصطدامه بالأرض لأن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت بكثير. كما أن تناثر النجوم كشرر يتطاير من أتون وصف مكتمل لشظايا النيزك المتطايرة بعد سقوطه ويترجح احتمال أن يكون سبب الهزة سقوط نيزك في الأتارب هو أن تلك الناحية قد خسفت كما ورد في رواية المكانسي.
أما ظاهرة انتفاض الأرض أربع مرات فهي تتفق مع نفس الاحتمال لأنها رد فعل معاكس لصدمة رأسية يمكن تشبيهها بما يحدث إذا ضربنا بقبضتنا سطح طاولة حيث تقفز الأشياء الخفيفة الموجودة عليها.
ويورد الشيخ محمد راغب الطباخ في (أعلام النبلاء) عدة شهادات, منها قصيدة مخمسة لمحمد تقي الدين المطلبي تذكر ماحل من دمار في ولاية حلب وماجاورها بشكل دقيق ومفصل وتقع في خمس وخمسين مقطعاً.
تصف القصيدة ماحدث في الأتارب فتقول:
أرض الأتارب غارت ثم أبين
ورام حمدان ليس الأمر بالهين
وإدلب هدمت وبلاد سرمين
وبنش بعدها ومعار مصرين
وبلاد دركوش قد غارت بمن فيها
كما تذكر تفصيلات عما حدث في حلب نفسها وكلز واعزاز وأريحا وسرمدا وبلاد الحلقة وأنطاكية ومرعش وسواها كثير.
وبلاد دركوش نتيجة الهزة انفصلت كتلة من سفح الجبل الشمالي المطل على دركوش وسقطت على البلدة وكانت قلعة دركوش مبنية على تلك الكتلة فذهبت القلعة ومعظم البلدة معاً .ويذكر المطلبي ذلك بقوله: لم يبق بها داراً ولارجال ولاأنثى ولاجار وكلهم في بطون الأرض قد صاروا جبالهم فوقهم من هزة ماروا تبكي الوحوش عليها ثم عاصيها.
أما الشهادة الأخرى فهي للشيخ محمد ترمانيني ولاتخرج عن شهادة المكانسي وتشترك معها في ذكر الدوي الذي سبقها والشهب التي نزلت من السماء.
لكنها تضيف تفصيلة هامة تتفق مع ظاهرة انتفاض الأرض التي وردت في شهادة المكانسي ويرويها الترمانيني في مقامةٍ لها طابع أدبي فيه شئ من المبالغة فيكتب: "ونفضتنا الأرض عن ظهرها حتى قربنا من السماء, وكدنا نغترف بأكفنا من السحاب الماء, ثم هبطنا للحضيض الأسفل, وعدنا لما وصلنا إليه أولو نحو خمس مرات متواليات".
ويؤكد شاهد العيان الفرنسي ظاهرة النيران البركانية التي تلت سقوط النيزك المحتمل, والنص المترجم يذكرها معطوفة على ماجرى في حلب, ومن المستبعد أن يكون الشاهد قد عممها كظاهرة جرت في قبرص وأضنة ودمشق حيث وصلت الهزة, إذ لم يكن هناك حينها. ولايفوت قارئ الشهادات الواردة في نهر الذهب وإعلام النبلاء وشهادة المواطن الفرنسي على السواء, أن يلاحظ ميل البشر على اختلاف دياناتهم إلى العودة إلى الله وطلب رحمته عند الشدائد, مما يظهر أن الفطرة البشرية واحدة وإن تعددت المشارب والأهواء.
مرة أخرى أشكر الأستاذ عبد الله حجار على إثارته هذا الموضوع لعل ذلك ينبهنا إلى أن حلب تقع على خط زلزالي خطير يوجب علينا أن نقوي أبنيتنا ونرفع استعدادنا للطوارئ, وهي مناسبة كي نضم صوتنا إلى صوت الدكتور خانجي في مطالبة المختصين من علماء الجيولوجيا بأن يتحروا منطقة الأتارب, فإذا ما ثبت أن الأتارب كانت المكان الذي سقط فيه على الكرة الأرضية اَخر أكبر النيازك في التاريخ فإنها ستضاف إلى المواقع التي يقصدها السياح والمهتمون بالبحث العلمي للدراسة والاعتبار معاً.
المصادر والمراجع:
1-كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب – كامل الغزي – دار القلم العربي بحلب – 1993 – 3/256-25.
2-كتاب إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء- محمد راغب الطباخ – دار القلم العربي بحلب 1988-3/322
المفضلات