لعلكم تذكرون المقال الممنوع للكاتب المبدع (( جميل فارسي )) بعنوان (( فين الباقي )) عن الميزانية السعودية .. والذي نشرته هنا في الساحات وقرأه عشرات الألآف حينها ، هاهو نفس الكاتب المبدع يكتب بسخرية ناقدة وجريئة موضوع أهم من الأول وأكثر إمتاعاً .. أترككم مع المقال ولا أطيل عليكم :
.............................................................................
الحمد لله مانع الشقاق ومقسم الأرزاق
.............................................................................
جميل محمد فارسي
نظر كاتبنا الكبير عبدالله الفوزان لجانب الإيرادات من الميزانية فثارت لديه الأسئلة، أما أنا فنظرت لجانب المصروفات فثارت لدي الأسئلة فقد تزامنت إجازة الحج مع الميزانية فوجدتها أنسب وقت لتأمل الأرقام خصوصاً أنها أوقات تجل وأيام فاضلة.
فقد تأملت فقط أرقام جدول صغير نشرته صحفنا به ميزانيات المؤسسات العامة لآخر 4 سنوات. فبدأت الأسئلة تتزاحم.
- مثلا المؤسسة العامة للموانئ لا تحقق أي أرباح بل خسائر ارتفعت من 465 مليوناً إلى 683 مليوناً العام الماضي وتقرر لها 2300 مليون لعام 2008. عجباً، فقد أعطي ميناءا جدة والدمام لشركات عائلية خاصة لتشغيلهما لتحقيق الكفاءة وزيادة الدخل إلا أن الجدول يقول إننا ما زلنا ندفع كدولة للموانئ. علماً بأن الرسوم التي تحصلها تلك الشركات هي من أعلى رسوم الموانئ في المنطقة. فما السبب؟ لهم رسوم عالية وعلينا خسائر متوالية؟.
- الخطوط الجوية السعودية خلال أربع سنوات تدعمها الدولة بأكثر من 62 ألف مليون ريال. كيف تخسر كل هذه الخسائر وقد رزقها الله بمواسم الحج والعمرة والاصطياف والإجازات، موسم يتبع موسماً بلا مقعد خال؟ قد يقول قائل إن النقل الداخلي يخسرها. إذاً كيف قامت شركات خاصة للنقل الداخلي وبأسعار أقل؟ لا بد أن هناك سبباً آخر للخسارة، طوال إجازة الحج لم أستطع بتفكيري المتواضع الوصول إليه.
- في النظر في الجدول نجد أن جامعة الملك سعود خصص لها هذا العام 1300 مليون ريال أكثر مما خصص لجامعة الملك عبدالعزيز؟ ما السبب في هذا الفارق الكبير؟ هل يختلف عدد الطلاب؟ بالعكس طلاب جدة أكثر. هل الفوارق في الطلاب؟ لا أعتقد، فمن الناحية الفسيولوجية الطالب في الجامعتين كلتيهما بقدمين ويدين ورأس واحد، أما القدرة الذهنية فلا بد أنها متشابهة! ترى ما السبب في الفارق الكبير؟
- في السنوات الأربع كلفتنا السكة الحديدية 2800 مليون ريال. وحيث لا يوجد إلا سكة الدمام - الرياض. إذاً هذا الخط يحقق الخسائر. وهنا يتبادر السؤال، كلما تساءل الناس عن عدم إنشاء خط بين مكة والمدينة وجدة كانت الإجابة: لا توجد جدوى اقتصادية. فهل بخسائر مليارين ونصف يكون لخط الدمام - الرياض جدوى اقتصادية؟. لا بد أن يوحد المعيار، إما أن يكون معيارنا الجدوى الاقتصادية لجميع الاتجاهات أو المنفعة العامة لجميع الاتجاهات. لا بد أن هناك معلومة لا أعلمها ترى.. ما هي؟
- الهيئة الملكية للجبيل وينبع ستكلفنا هذا العام 5600 مليون ريال. كنت أعتقد أنها مدينتان اقتصاديتان تحققان لنا دخلا خصوصاً أن دولتنا أنفقت عليهما عشرات المليارات لتجهيزهما وقدمتهما على طبق من ذهب للمستثمرين وقدمت لهم كل البنية الأساسية. فإن كانت هناك أعباء اقتصادية فليحملها أصحاب المصانع في تلك المدن، فليس بينهم الأرملة والعاجز والمسكين، فليدفعوا مصاريفهم، لماذا نتحملها نحن نيابة عنهم؟
- المؤسسة العامة للتعليم الفني خلال السنوات الأربع كلفتنا حوالي 14 ألف مليون ريال. فلماذا يشكو أصحاب القطاع الخاص من عدم وجود شباب سعودي مؤهل ويتهافتون على الاستقدام؟ هل أصحاب الأعمال يتهربون أم الطلاب يتسربون؟ هل الخطأ في التجار أم في الخريجين أم في برامج المؤسسة؟
- أقل قليلاً من ثلاثة آلاف مليون صرفنا فقط في السنوات الأربع الماضية على مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. هل تستطيع أن تعدد أربع اختراعات سعودية؟
- الهيئة العليا للسياحة خلال أربع سنوات كلفتنا 911 مليون ريال. فلنحسبها، كم سائحاً قدم لنا ترى كم كلفنا السائح الواحد؟!
الملاحظة الأخيرة أنه بسبب ثورة الاتصالات أصبحنا نشاهد كل الكون، فنرى على التلفاز أن أعنف جلسات البرلمانات في العالم هي جلسة إقرار الميزانية ففيها الصراع الحقيقي على أولويات الإنفاق ويثور النزاع والانشقاقات وأحياناً العنف. فبرلمانات العالم في غاية العصبية والصياح والجدل في جلسة إقرار الميزانية.
أما عندنا فالحمد لله على نعمة الهدوء والطمأنينة والترفق والسكينة، فالأمر يتم بيسر وسهولة وتظهر الميزانية بسلاسة ونوجد لها كل عام وصفاً جديداً يناسب المرحلة وأعضاء الشورى في ثبات ونبات، بدون تنازعات وصياحات.
فالحمد لله مانع الشقاق ومقسم الأرزاق.
...............
ملاحظة : المقال في جريدة الوطن السعودية 15 يناير 2008م
منقول
المفضلات