[align=justify][align=justify][mark=#009999]أيها الأحبة في الله : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، عندَ انتهاءِ الأعوامِ ، يختلفُ النَّاسُ في شعورِهِم ، فمنهم من يَفرحُ ، ومنهم من يَحزنُ ، ومنهم من لا إلى هؤلاءِ ولا إلى هؤلاءِ ، فالسجينُ يَفرَحُ بانقِضَاءِ العام ، لِيَخرُجَ من سِجنِهِ ، وآخرُ يفرحُ بانقضاءِ العامِ ، ليَقْبِضَ أُجرةَ مسكَنٍ أجَّرَهُ ، أو لحلولِ دينٍ أجلَّهُ . وآخرُ يفرَحُ بانقضاءِ عامِهِ ، من أجلِ ترقيةٍ في وظيفتِهِ ، أو زواجٍ أو تخَرُجٍ ، ولكن الفرحَ في مثلِ هذه الأمورِ ، مع الغفلةِ عن النفسِ ، وعدمِ الاعتبارِ بمرورِ الأعوامِ ، هو في الحقيقةِ غَبنٌ ظاهرٌ : لقد مضى من عمُرِ الزّمنِ عامٌ ، عامٌ كامِلٌ ، تقلّبتْ فيهِ أحوالٌ، وفنِيتْ فِيهِ أعمارٌ، ونزَلتْ بالأمّةِ فيهِ نَوازِلُ ، نوازلٌ تَقْضُّ مضاجعَ أولي الألبابِ، وتهزُّ أفئدتَهم، وتدمى قلوبَهم ، فكم شَقِيَ فيهِ مِن أُناسٍ ، وكم سَعِدَ فيهِ من آخرينَ ؟ كمْ طفلٍ قد تَيتَّمَ ، وكم امرأةٍ قد تَرَمَّلَتْ ، وكَمْ مِنْ مُتأهلٍ قد تأيَّمَ ، وكم من مريضٍ قد تعافا ، وسليمٍ قد تَوفَّى ، وكم من أهلِ بيتٍ شيعوا ميتَهم ، وآخرونَ زَفُّوا عرَائِسَهُم ، دارٌ تَفرَحُ بمولودٍ ، وأُخْرى تُعزَّى بمفقودٍ . وهذه سُنَّةُ الحياةِ ، أعوامٌ تمضي ، وأزمنةٌ تنقضي ، وفي ذلك آياتٌ لأولي الألبابِ ، وإذا كان ذهابُ الليالي والأيامِ ، ليس لدى الغافلينَ اللاهينَ ، غيرُ مُضِيِّ يومٍ ومجيءِ آخرٍ، فإنّه عندَ أولي الأبصارِ ، باعثٌ حيٌّ من بواعثِ الاعتبارِ، ومصدَرٌ متجدِّدٌ مِن مصادِرِ العِظةِ والإدِّكارِ، ويصوِّرُ ذلك ويبيِّنهُ أبلغَ بيانٍ ، قولُ أبي الدرداءِ رضي اللهُ عنه فيما رواهُ الحسنُ البصريُّ رحمهُ اللهُ عنه أنّهُ قالَ: (يا ابنَ آدمَ، إنما أنتَ أيّامٌ، فإذا ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُكَ) ، ويصوِّرُهُ أيضاً قولُ بعضِ السلفِ: "كيفَ يفرحُ بمرورِ الأعوامِ مَن يومُهُ يهدمُ شهرَهُ، وشهرُهُ يهدمُ سنتَهُ، وسنتُهُ تهدِمُ عُمُرَهُ؟! كيفَ يفرحُ مَن يقودُهُ عُمرُهُ إلى أجلِهِ، وحياتُهُ إلى موتِهِ"، وقولُ بعضِهم: "من كانتِ الليالي مطاياهُ ،! سَارَتْ بهِ وإن لم يَسِرْ"و يقولُ الحسن رحمه الله "يابنَ آدمَ إنّما أنت بين مطيتين يُوضعانك ، يُوضعُك النهارُ إلى الليلِ ،والليلُ إلى النّهارِ ، حتى يسلِّمانِك إلى الآخِرةِ ، فمن أعظمُ منك خطَراً "[/mark][/align][/align]
المفضلات