أمضيت ما أمضيت تحت ظلال عالم الفكر و توابعه و نتائجه و نهجه و مساراته ، ولم اكن لأعرف
المقصود بالشوفينية إلا عندما و طأت ثرى بعض الساحات فاستوقفني العديد من الاتجاهات
و لفت نظري العديد من التيارات و أيقنت أن لمصطلح شوفينية دور هام إذ طالما اعتدنا التصفيق
لأصحاب المفردات ، و لأثبت مقدرتي على ملاغاة الكلام و اقتطاف المفردات القاموسية جنحت
بقلمي تحت عتبة الشوفينية كونها احدى المصطلحات المؤدلجة لتيار ظهر و استقطب أمم
وأفكار و أقلام .
الشوفيني المتبني لهذه النظرية هو من يرى أن أمته أفضل الأمم و تاريخه لا يناطح و حاضره
راية خفاقة في سماء الآنية و المستقبلية .
قد نقبل كلنا بذاك المبدأ لاعتبارات عديدة فجميل أحياناً التعصب لأمتك و لوطنك و لتاريخك
و لتياراتك التي تخدمك ..
ولكن من غير المقبول لا قولاً ولا عملاً هو أن تبرمج الخلايا الدماعية في محور دورانها
على مبدأ الشوفينية الفكرية لأن الفكر أشد مرونة من المسلمات و أكثر انطلاقاً من الأسس .
فالعملية الفكرية عملية خاضعة للتطوير و للتنمية و بالتالي تنميتها في الاتجاه الصحيح و المسار
الواضح لن يكون ذو اهتزاز على عملية الشوفينية المحتضنة لتعصب أممي أو تاريخي .
كثير منا قد ينكر عليك فكرة التطوير المبدأي و الارتقاء بالفكر من حالة الصفر الى حالة اكتمال
معياري فيحاول اخضاعك لشوفينيته الفكرية المنحصرة بين أربعة جدران و ربما هناك عمود ..
و يستخدم معك أسلوب جلد الفكر و اقصاء مرونته و تحجيمه ضمن خلايا معتقلة لكل انبثاق
ضوء أو ولادة شعاع أمل .
حالنا في بعض مجتمعاتنا العربية يشبه الى حد كبير ما أسميته بالشوفينية الفكرية ..
فـ قد تكون ذو بوارد خلاقة و ذو مقدرة على ابتعاث روح جديدة ضمن بوتقة الموات الفكري
ويظهر لك شوفيني فكري فيعمل على تكبيل عقلك و تحطيم ذاتك و يدفعك نحو معتقل الجمود
أو قد يضطرك الى الانحشار و الانحسار المناوئ له فـ تخبو عملية بلورة افكارك و ذاتك ..
يتشابه بالوقت نفسه تلك النوافذ التي من المفترض أنها مفتوحة و مشرعة الستائر ..
فـ ياتيك ذو فكر شوفيني و يحاول بل يعمل على اغلاقها و اسدال الستائر عليها ليمنع شعاع
الشمس .
و قد لا تجد وسيلة لابعاد ذاك الشوفيني عن نافذتك فيقبع فيها كأنه استولى عليها بحكم عرفي
صادر عن دور محاكم ذات قضاة كأنهم جنود في جيش عسكري .
الشوفينية الفكرية كما أردت أن اسميها إحدى الوسائل التي تعمل على تدمير كل ما يحيط بك
و كل ما تتبناه من فكر وقيم و كل محاولة رأب لواقع مشروخ واقع انقسم الى قسمين ..
صراع مابين شوفينية فكرية و مرونة فكرية تتوسد درب الضوء لينبلج فجر آخر دون صدوع ..
المفضلات