صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 11 إلى 16 من 16

الموضوع: رجال حول الرسول

  1. #11
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    ثابت بن قيس



    خطيب رسول الله



    كان حسّان بن ثابت شاعر رسول الله والاسلام..

    وكان ثابت خطيب رسول الله والاسلام..

    وكانت الكلمات تخرج من فمه قوية, صادعة, جامعة رائعة..

    وفي عام الوفود, وفد على المدينة وفد بني تميم وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

    " جئنا نفاخرك, فأذن لشاعرنا وخطيبنا"..

    فابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهم:

    " قد أذنت لخطيبكم, فليقل"..

    وقام خطيبهم عطارد بن حاجب ووقف يزهو بمفاخر قومه..

    ولما آذن بانتهاء, قال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: قم فأجبه..

    ونهض ثابت فقال:

    " الحمد لله, الذي في السموات والأرض خلقه, قضى فيهنّ أمره, ووسع كرسيّه علمه, ولم يك شيء قط الا من فضله..

    ثم كان من قدرته أن جعلنا أئمة. واصطفى من خير خلقه رسولا.. أكرمهم نسبا. وأصدقهم حديثا. وأفضلهم حسبا, فأنزل عليه كتابه, وائتمنه على خلقه, فكان خيرة الله من العالمين..

    ثم دعا الناس الى الايمان به, فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه.. أكرم الناس أحسابا, وخيرهم فعالا..

    ثم كنا نحن الأنصار أول الخلق اجابة..

    فنحن أنصار الله, ووزراء رسوله"..



    **



    شهد ثابت بن قيس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة أحد, والمشاهد بعدها.

    وكانت فدائيته من طراز عجيب.. جد عجيب..!!

    في حروب الردّة, كان في الطليعة دائما, يحمل راية الأنصار, ويضرب بسيف لا يكبو, ولا ينبو..

    وفي موقعة اليمامة, التي سبق الحديث عنها أكثر من مرة, رأى ثابت وقع الهجوم الخاطف لذي شنّه جيش مسيلمة الكذاب على المسلمين أول المعركة, فصاح بصوته النذير الجهير:

    " والله, ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"..

    ثم ذهب غير بعيد, وعاد وقد تحنّط, ولبس أكفانه, وصاح مرة أخرى:

    " اني أبرأ اليك مما جاء به هؤلاء..

    يعني جيش مسيلمة..

    وأعتذر اليك مما صاع هؤلاء..

    يعني تراخي المسلمين في القتال"..

    وانضم اليه سالم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان يحمل راية المهاجرين..

    وحفر الاثنان لنفسيهما حفرة عميقة ثم نزلا فيها قائمين, وأهالا الرمال عليهما حتى غطت وسط كل منهما..

    وهكذا وقفا..طودين شامخين, نصف كل منهما غائص في الرمال مثبت في أعماق الحفرة.. في حين نصفهما الأعلى, صدرهما وجبهتهما وذراعهما يستقبلان جيوش الوثنية والكذب..

    وراحا يضربان بسيفهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة حتى استشهدا في مكانهما, ومالت شمس كل منهما للغروب..!!

    وكان مشهدهما رضي الله عنهما هذا أعظم صيحة أسهمت في ردّ المسلمين الى مواقعهم, حيث جعلوا من جيش مسيلمة الكذاب ترابا تطؤه الأقدام..!!



    **



    وثابت بن قيس.. هذا الذي تفوّق خطيبا, وتفوّق محاربا كان يحمل نفسا أوابة, وقلبا خاشعا مخبتا, وكان من أكثر المسلمين وجلا من الله, وحياء منه..



    **



    لما نزلت الآية الكريمة:

    ( ان الله لا يحب كل مختال فخور)..

    أغلق ثابت باب داره, وجلس يبكي..وطال مكثه على هذه الحال, حتى نمى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره, فدعاه وسأله.

    فقال ثابت:

    " يا رسول الله, اني أحب الثوب الجميل, والنعل الجميل, وقد خشيت أن أكون بهذا من المختالين"..

    فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك راضيا:

    " انك لست منهم..

    بل تعيش بخير..

    وتموت بخير..

    وتدخل الجنة".

    ولما نزل قول الله تعالى:

    ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي..

    ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض, أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)..

    أغلق ثابت عليه داره, وطفق يبكي..

    وافتقده الرسول فسأل عنه, ثم أرسل من يدعوه...

    وجاء ثابت..

    وسأله الرسول عن سببب غيابه, فأجابه:

    " اني امرؤ جهير الصوت..

    وقد كنت أرفع صوتي فوق صوتك يا رسول الله..

    واذن فقد حبط عملي, وأنا من أهل النار"..!!

    وأجابه الرسول عليه الصلاة والسلام:

    " انك لست منهم..

    بل تعيش حميدا..

    وتقتل شهيدا..

    ويدخلك الله الجنة".



    **



    بقي في قصة ثابت واقعة, قد لا يستريح اليها أولئك الذين حصروا تفكيرهم وشعورهم ورؤاهم داخل عالمهم الماديّ الضيّق الذي يلمسونه, أو يبصرونه, أو يشمّونه..!

    ومع هذا, فالواقعة صحيحة, وتفسيرها مبين وميّسر لكل من يستخدم مع البصر, البصيرة..

    بعد أن استشهد ثابت في المعركة, مرّ به واحد من المسلمين الذين كانوا حديثي عهد بالاسلام ورأى على جثمان ثابت درعه الثمينة, فظن أن من حقه أن يأخذها لنفسه, فأخذها..

    ولندع راوي الواقعة يرويها بنفسه:

    ".. وبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه.

    فقال له: اني أوصيك بوصية, فاياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه.

    اني لما استشهدت بالأمس, مرّ بي رجل من المسلمين.

    فأخذ درعي..

    وان منزله في أقصى الناس, وفرسه يستنّ في طوله, أي في لجامه وشكيمته.

    وقد كفأ على الدرع برمة, وفوق البرمة رحل..

    فأت خالدا, فمره أن يبعث فيأخذها..

    فاذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله أبي بكر, فقل له: ان

    عليّ من الدين كذا كذا..

    فليقم بسداده..

    فلما استيقظ الرجل من نومه, أتى خالد بن الوليد, فقصّ عليه رؤياه..

    فأرسل خالد من يأتي بالدرع, فوجدها كما وصف ثابت تماما..

    ولما رجع المسلمون الى المدينة, قصّ المسلم على الخليفة الرؤيا, فأنجز وصيّة ثابت..

    وليس في الاسلام وصيّة ميّت أنجزت بعد موته على هذا النحو, سوى وصيّة ثابت بن قيس..



    حقا ان الانسان لسرّ كبير..

    ( ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).










  2. #12
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78

    عَمرو بنْ العَاص



    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




    عَمرو بنْ العَاص


    نسبّهُ :
    عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم القرشي السهمي، كنيته أبو عبدالله, كانت أمه سبية تدعى سلمى بنت حرملة من بني عنزة, وتلقب بالنابغة, قد بيعت في سوق عكاظ فاشتراها الفاكه بن المغيرة, ثم اشتراها منه عبد الله بن جدعان ثم صارت إلى العاص بن وائل السهمي فولدت له ابنه عمرو. وتزوجت أمه أزواجا آخرين فكان لعمرو بن العاص أخوة من أمه هم عروة بن أثاثة العدوي, وعقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري.

    قبل إسلامه :

    كان عمـرو بن العاص أحد ثلاثة في قريش أتعبوا الرسـول -صلى الله عليه وسلم- بعنف مقاومتهم وإيذائهم لأصحابه ، وراح الرسول يدعو عليهم ويبتهل لينزل العقاب بهم فنزل الوحي بقوله تعالى : " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شيء أوْ يتوبَ عليهم أو يُعَذِّبهم فإنهم ظالمون " فـَ عرف النبِّي صلى الله عليّه وسلم ان بعضهم سـَ يؤمن , وكـف عن الدعاء عليهم وترك أمرهـم الى الله ، واختار اللـه لعمرو بن العاص طريق التوبة والرحمة ، فأسلم وأصبح مسلم مناضل وقائد فذ .


    إسلامه :

    أسلم عمرو بن العاص -رضي الله عنه- مع ( خالد بن الوليد ) قُبيل فتح مكة بقليل ( شهر صفر سنة ثمان للهجرة ) وبدأ إسلامه على يد النجاشي بالحبشة _ حيثُ كان كثير التردد على الحبشة، وكان صديقًا لملكها النجاشي_ ففي زيارته الأخيرة للحبشة جاء ذكر النبي الجديد ودعوته وما يدعو له من مكارم الأخلاق ، وسأل النجاشي عمرو كيف لم يؤمن به ويتبعه وهو رسول الله حقًا ، فسأل عمرو النجاشي : ( أهو كذلك ؟) , وأجابه النجاشي : ( نعم ، فأطِعْني يا عمرو واتبعه ، فإنه والله لعلى الحق ، ولَيَظْهرنّ على من خالفه ) وركب عمرو من فوره عائدًا لبلاده ومتجها الى المدينة ليسلم لله رب العالمين ، وفي طريق المدينة التقى ( خالد بن الوليد ) الساعي الى الرسول ليعلن إسلامه أيضًا ، وما كاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يراهم حتى تهلل وجهه و قال لأصحابه: ( لقد رَمَتْكم مكة بفَلَذات أكبادها ) , وتقدم خالد فبايع ، وتقدم عمرو فقال : ( إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي ) , فأجابه الرسول الكريم : ( يا عمرو بايع , فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله ) , وبايع عمرو ووضع كل ما يملك في خدمة الدين الجديد .


    ذكاؤه ودهاؤه :

    كان عمـرو بن العاص حاد الذكاء ، قوي البديهة عميق الرؤية ، حتى أن أمير المؤمنين عمـر كان إذا رأى إنسانا عاجز الحيلة ، صـكّ كفيه عَجبًا وقال : ( سبحان الله ! إن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص إله واحد ) , كما كان عمرو بن العاص جريئًا مِقْدامًا ، يمزج ذكائه بدهائه فيُظَنّ أنه جبان ، بيد أنها سعة حيلة يُخرج بها نفسه من المآزق المهلكة ، وكان عمر بن الخطاب يعرف ذلك فيه ، وعندما أرسله الى الشام قيل له : ( إن على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا ) , أي قائدا وأميرا من الشجعان الدُّهاة ، فكان جواب أمير المؤمنين : ( لقد رمينا أرْطَبون الروم بأرْطَبون العرب ، فلننظر عمَّ تنفَرج الأمور ) , ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب وداهيتهم عمرو بن العاص على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر , و ايضًا من الأمثلة على ذكاءهِ انَّ أرطبون الروم وقائدهم دعاه لمحادثته ، وكان قد أعطى أوامره لرجاله بإلقاء صخرة فوق عمرو إثر إنصرافه من الحصن ، ودخل عمرو على القائد لا يريبه منه شيء ، وانفض اللقاء ، وبينما هو في طريق الخروج لمح فوق أسوار الحصن حركة مريبة حركّت فيه الحرص والحذر ، وعلى الفور تصرف بشكل باهر ، لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة ولم يثر شكوكه أمر ، وقال للقائد : ( لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه ، إن معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الإسلام ، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم ، ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده ، وقد رأيت أن آتيك بهم حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت ، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة ) , وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر ، فليوافقه الآن الرأي ، وإذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم ، أجهز عليهم جميعا ، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده ، وألغيت خطة اغتيال عمرو ، وودّع عمرو بحرارة ، وابتسم داهية العرب وهو يغادر الحصن ، وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه الى الحصن ممتطيا صهوة فرسه .


    فتح مصر :
    كانت مصر من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية ، وقد استغل الروم ثرواتها وحرموا منها السكان واستباحوا أهلها حتى أصبح الناس في ضيق لأن الروم فرضوا عليهم مذهبهم الديني قسرا ، فلما بلغ المصريون أنباء الفتوحات الإسلامية وعدالة المسلمين وسماحتهم تطلعت أنظارهم إليهم لتخليصهم مما هم فيه ،واتجه عمرو بن العاص سنة ( 18 هجري ) على رأس جيش من أربعة آلاف مقاتل بِامر الفارق , متجها الى مصر ، وأمام شدة المقاومة طلب عمرو المدد من أمير المؤمنين فأرسل إليه أربعة آلاف جندي وتقدّم المسلمون وحاصروا حصن بابليون لمدة سبعة أشهر وتمكنوا من فتحه , ثم اتجهوا الى الإسكندرية فوجدوا مقاومة من حاميتها فامتد حصارها الى أربعة أشهر وأخيرا فتحت الإسكندرية وعقدت معاهدة الإسكندرية ، ولقد كان -رضي الله عنه- حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة ، ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان ، وتحدث عمرو مع زعماء الأنصار وكبار أساقفتهم فقال : ( إن الله بعث محمدا بالحق وأمره به ، وإنه -عليه الصلاة والسلام- قد أدّى رسالته ، ومضى بعد أن تركنا على الواضِحَة ، وكان مما أمرنا به الإعذار الى الناس ، فنحن ندعوكم الى الإسلام ، فمن أجابنا فهو مِنّا له مالنا وعليه ما علينا ، ومن لم يُجِبنا الى الإسلام عرضنا عليه الجزْية وبذلنا له الحماية والمنعة ، ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا ، وأوصانا بأهلها خيرا فقال ستُفْتَح عليكم بعدي مصر ، فاسْتَوصوا بِقِبْطها خيرا ، فإن لهم ذِمّة ورَحِما ) , فإن أجبتمونا الى ما ندعوكم إليه كانت لكم ذِمّة الى ذِمّة ) , وفرغ عمرو من كلماته فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا : ( إن الرّحِم التي أوصاكم بها نبيكم لهي قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء ) ,
    وأصبح عمرو بن العاص واليًا على مصر بعد فتحها، فأنشأ مدينة الفسطاط، وبنى المسجد الجامع الذي يعرف حتى الآن باسم جامع عمرو، وكان شعب مصر يحبه حبًا شديدًا، وينعم في ظله بالعدل والحرية ورغد العيش، وكان عمرو يحب المصريين ويعرف لهم قدرهم، وظل عمرو بن العاص واليًا على مصر حتى عزله عنها عثمان ابن عفان -رضي الله عنه-، ثم توفي عثمان، وجاءت الفتنة الكبرى بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما-، فوقف عمرو بن العاص بجانب معاوية، حتى صارت الخلافة إليه.
    فعاد عمرو إلى مصر مرة ثانية، وظل أميرًا عليها حتى حضرته الوفاة .


    دورهُ في فتنة علي و معاويّة :
    بعد أن قتل عثمان بن عفان سار عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان وشهد معه معركة صفين ولما اشتدت الحرب على معاوية أشار عليه عمرو بن العاص بما عرف عليه من دهاء بطلب التحكيم ورفعت المصاحف طلبا للهدنة. ولما رضي علي بن أبي طالب بالتحكيم، وُكّل عمرو بن العاص حكما عن معاوية بن أبى سفيان كما ووُكّل أبو موسى الأشعري حكما عن علي بن أبي طالب.اتفق الحكمان على أن يخلعا الحاكمين أولا، إلا أن عمرو خدع أبو موسى الأشعري عندما خلع الأخير علي بن أبي طالب , وكان رد عمرو بن العاص بتثبيت معاوية بن أبي سفيان ؛ وأبوموسى الأشعري على الرغم من فقهه وعلمه فهو يعامل الناس بصدقه ويكره الخداع والمناورة التي لجأ اليها الطرف الآخر ممثلا في عمرو بن العاص , ففي اليوم التالي لاتفاقهم على تنحية علي ومعاوية وجعل الأمر شورى بين المسلمين , دعا أبوموسى عمرو ليتحدث فأبى عمرو قائلا : ( ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا وأقدم هجرة وأكبر سنا ) , وتقدم أبوموسى وقال : ( يا أيها الناس ، انا قد نظرنا فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة ويصلح أمرها ، فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين - علي ومعاوية - وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها ، واني قد خلعت عليا ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم ) , وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية كما تم الاتفاق عليه بالأمس ، فصعد المنبر وقال : ( أيها الناس ، ان أباموسى قد قال ما سمعتم ، وخلع صاحبه ، ألا واني قد خلعت صاحبه كما خلعه ، وأثْبِت صاحبي معاوية ، فانه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه ، وأحق الناس بمقامه !!) , ولم يحتمل أبو موسى المفاجأة ، فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة , فقد أنفذ أبو موسى الإتفاق وقَعَد عمرو عن إنفاذه , وبعد انتهاء التحكيم واستقلال معاوية بن أبي سفيان بالشام ومصر, طلب عمرو بن العاص أن يوليه على مصر ثمنا لذكائه ودهائه في التحكيم مذكرا معاوية بأن علي بن أبي طالب أفضل منه و إنما هي أمور دنيا وحكم, فولاه معاوية على مصر وأعطاه خراجها لمدة ست سنوات.


    حُبّ الإمارة :
    مما امتاز به عمرو بن العاص حُبّه للإمارة ، فشكله الخارجي ومشيته وحديثه كلها تدل على أنه خُلِق للإمارة ، حتى أن في أحد الأيام رآه أمير المؤمنين عمر وهو مقبل فابتسم لِمَشْيَته وقال ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرًا ) , والحق أن عمرو لم يُبْخِس نفسه هذا الحق ، فمع كل الأحداث الخطرة التي اجتاحت المسلمين ، كان عمرو يتعامل معها بأسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء ما يجعله واثقا بنفسه مُعْتَزا بتفوقه ، وقد أولاه عمر بن الخطاب ولاية فلسطين والأردن ، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين ، وعندما علم ابن الخطاب أن عمرًا قد اجتاز حد الرخاء في معيشته أرسل إليه ( محمد بن مَسْلمة ) وأمره أن يقاسم عمرًا جميع أمواله وأشيائه ، فيبقى له نصفها ويحمل معه الى بيت مال المسلمين بالمدينة النصف الآخر ، ولو علم أمير المؤمنين عمر أن حب عمرو للإمارة سيحمله على التفريط في مسئولياته لما أبقاه في الولاية لحظة واحدة .


    وفاته :
    مرضَ مرض الموت فدخل عليه ابنه عبد الله -رضي الله عنه-، فوجده يبكي، فقال له: يا أبتاه! أما بشرك رسول الله ( بكذا؟ أما بشرك رسول الله ( بكذا؟ فأقبل بوجهه فقال: أني كنت على أطباق ثلاث (أحوال ثلاث)، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضًا لرسول الله ( مني، ولا أحب إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار.
    فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي ( فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، فقال: (مالك يا عمرو؟) قال: قلت: أردت أن أشترط: قال: (تشترط بماذا؟) قلت: أن يغفر لي، قال: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟)، وما كان أحد أحب إلى من رسول الله ( ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأنني لم أكن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة.
    ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالي فيها، فإذا أنا مت، فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا على التراب شنًّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور (الوقت الذي تذبح فيه ناقة)، ويقسم لحمها؛ حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي) [مسلم].

    وَ يُقالُ ايضًا بـِ انَّ الوفاة ادركت عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليًّا عليها ، وراح يستعرض في لحظات الرحيل حياته فقال : ( كنت أول أمري كافرا ، وكنت أشد الناس على رسول الله ، فلو مِتّ يومئذ لوجَبَت لي النار ، ثم بايعت رسول الله ، فما كان في الناس أحد أحبّ إلي منه ، ولا أجلّ في عيني منه ، ولو سُئِلْتُ أن أنْعَتَه ما استطعت ، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له ، فلو مِتّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة ، ثم بُليت بعد ذلك بالسلطان ، وبأشياء لا أدري أهي لي أم عليّ ) ثم رفـع بصره الى السماء في ضَراعـة مناجيا ربه الرحيم قائلا : ( اللهم لا بريء فأعْتـذِر ، ولا عزيز فأنْتَصر ، وإلا تُدْركني رحمتك أكن من الهالكين ) , وظل في ضراعاته حتى صعدت الى الله روحه وكانت آخر كلماته : لا إله إلا الله , وتحت ثَرَى مصر ثَوَى رُفاتُه .

    فـَ توفيَّ في السنة الثالثة والأربعين من الهجرة , وقد تجاوز عمره (90) عامًا، وقد روى عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ( (39) حديثًا.


    [/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  3. #13
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    خباب بن الأرت



    أستاذ فنّ الفداء



    خرج نفر من القرشيين, يغذّون الخطى, ميممين شطر دار خبّاب ليتسلموا منه سيوفهم التي تعاقدوا معه على صنعها..

    وقد كان خباب سيّافا, يصنع السيوف ويبيعها لأهل مكة, ويرسل بها الى الأسواق..

    وعلى غير عادة خبّاب الذي لا يكاد يفارق بيته وعمله, لم يجده ذلك النفر من قريش فجلسوا ينتظرونه..

    وبعد حين طويل جاء خباب على وجهه علامة استفهام مضيئة, وفي عينيه دموع مغتبطة.. وحيّا ضيوفه وجلس..

    وسألوه عجلين: هل أتممت صنع السيوف يا خباب؟؟

    وجفت دموع خباب, وحل مكانها في عينيه سرور متألق, وقال وكأنه يناجي نفسه: إن أمره لعجب..

    وعاد القوم يسألونه: أي أمر يا رجل..؟؟ نسألك عن سيوفنا, هل أتممت صنعها..؟؟

    ويستوعبهم خبّاب بنظراته الشاردة الحالمة ويقول:

    هل رأيتموه..؟ هل سمعتم كلامه..؟

    وينظر بعضهم لبعض في دهشة وعجب..

    ويعود أحدهم فيسأله في خبث:

    هل رأيته أنت يا خبّاب..؟؟

    ويسخر خبّاب من مكر صاحبه, فيردّ عليه السؤال قائلا:

    من تعني..؟

    ويجيب الرجل في غيظ: أعني الذي تعنيه..؟

    ويجيب خبّاب بعد اذ أراهم أنه أبعد منالا من أن يستدرج, وأنه اعترف بايمانه الآن أمامهم, فليس لأنهم خدعوه عن نفسه, واستدرجوا لسانه, بل لأنه رأى الحق وعانقه, وقرر أن يصدع به ويجهر..



    يجيبهم قائلا, وهو هائم في نشوته وغبطة روحه:

    أجل... رأيته, وسمعته.. رأيت الحق يتفجر من جوانبه, والنور يتلألأ بين ثناياه..!!

    وبدأ عملاؤه القرشيون يفهمون, فصاح به أحدهم:

    من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أمّ أنمار..؟؟

    وأجاب خبّاب في هدوء القديسين:

    ومن سواه, يا أخا العرب.. من سواه في قومك, من يتفجر من جوانبه الحق, ويخرج النور بين ثناياه..؟!

    وصاح آخر وهبّ مذعورا:

    أراك تعني محمدا..

    وهز خبّاب رأسه المفعم بالغبطة, وقال:

    نعم انه هو رسول الله الينا, ليخرجنا من الظلمات الى االنور..

    ولا يدري خبّاب ماذا قال بعد هذه الكلمات, ولا ماذا قيل له..

    كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة ليرى زوّاره قد انفضوا.. وجسمه وعظامه تعاني رضوضا وآلاما, ودمه النازف يضمّخ ثوبه وجسده..!!



    وحدّقت عيناه الواسعتان فيما حوله.. وكان المكان أضيق من أن يتسع لنظراتهما النافذة, فتحمّل على آلامه, ونهض شطر الفضاء وأمام باب داره وقف متوكئا على جدارها, وانطلقت عيناه الذكيتان في رحلة طويلة تحدّقان في الأفق, وتدوران ذات اليمين وذات الشمال..انهما لا تقفان عند الأبعاد المألوفة للناس.. انهما تبحثان عن البعد المفقود...أجل تبحثان عن البعد المفقود في حياته, وفي حياة الناس الذين معه في مكة, والناس في كل مكان وزمان..

    ترى هل يكون الحديث الذي سمعه من محمد عليه الصلاة والسلام اليوم, هو النور الذي يهدي الى ذلك البعد المفقود في حياة البشر كافة..؟؟

    واستغرق خبّاب في تأمّلات سامية, وتفكير عميق.. ثم عاد الى داخل داره.. عاد يضمّد جراح جسده, ويهيئه لاستقبال تعذيب جديد,

    وآلام جديدة..!!



    ومن ذلك اليوم أخذ خبّاب مكانه العالي بين المعذبين والمضطهدين..

    أخذ مكانه العالي بين الذين وقفوا برغم فقرهم, وضعفهم يواجهون كبرياء قريش وعنفها وجنونها..

    أخذ مكانه العالي بين الذين غرسوا في قلوبهم سارية الراية التي أخذت تخفق في الأفق الرحيب ناعية عصر الوثنية, والقيصرية.. مبشرة بأيام المستضعفين والكادحين, الذين سيقفون تحت ظل هذه الراية سواسية مع أولئك الذين استغلوهم من قبل, وأذاقوهم الحرمان والعذاب..

    وفي استبسال عظيم, حمل خبّاب تبعاته كرائد..

    يقول الشعبي:

    " لقد صبر خبّاب, ولم تلن له أيدي الكفار قناة, فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حتى ذهب لحمه"..!!

    أجل كان حظ خبّاب من العذاب كبيرا, ولكن مقاومته وصبره كانا أكبر من العذاب..

    لقد حوّل كفار قريش جميع الحديد الذي كان بمنزل خبّاب والذي كان يصنع منه السيوف.. حولوه كله الى قيود وسلاسل, كان يحمى عليها في النار حتى تستعر وتتوهج, ثم يطوّق بها جسده ويداه وقدماه..

    ولقد ذهب يوما مع بعض رفاقه المضطهدين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا شاكين من التضحية, بل راجين العافية, فقالوا:" يا رسول الله.. ألا تستنصر لنا..؟؟" أي تسأل الله لنا النصر والعافية...



    ولندع خبّابا يروي لنا النبأ بكلماته:

    " شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرد له في ظل الكعبة, فقلنا: يا رسول الله, ألا تستنصر لنا..؟؟

    فجلس صلى الله عليه وسلم, وقد احمرّ وجهه وقال:

    قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل, فيحفر له في الأرض, ثم يجاء بمنشار, فيجعل فوق رأسه, ما يصرفه ذلك عن دينه..!!

    وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى إلا الله عز وجل, والذئب على غنمه, ولكنكم تعجلون"..!!



    سمع خبّاب ورفاقه هذه الكلمات, فازداد ايمانهم واصرارهم وقرروا أن يري كل منهم ربّه ورسوله ما يحبّان من تصميم وصبر, وتضحية.

    وخاض خبّاب معركة الهول صابرا, صامدا, محتسبا.. واستنجد القرشيون بأم أنمار سيدة خبّاب التي كان عبدا لها قبل أن تعتقه, فأقبلت واشتركت في حملة تعذيبه..

    وكانت تأخذ الحديد المحمى الملتهب, وتضعه فوق رأسه ونافوخه, وخبّاب يتلوى من الألم, لكنه يكظم أنفاسه, حتى لا تخرج منه زفرة ترضي غرور جلاديه..!!



    ومرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما, والحديد المحمّى فوق رأسه يلهبه ويشويه, فطار قلبه حنانا وأسى, ولكن ماذا يملك عليه الصلاة والسلام يومها لخبّاب..؟؟

    لا شيء الا أن يثبته ويدعو له..

    هنالك رفع الرسول صلى الله عليه وسلم كفيه المبسوطتين الى السماء, وقال:

    " اللهم أنصر خبّابا"..

    ويشاء الله ألا تمضي سوى أيام قليلة حتى ينزل بأم أنمار قصاص عاجل, كأنما جعله القدر نذيرا لها ولغبرها من الجلادين, ذلك أنها أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها كما يقول المؤرخون تعوي مثل الكلاب..!!

    وقيل لها يومئذ لا علاج سوى أن يكوى رأسها بالنار..!!

    وهكذا شهد رأسها العنيد سطوة الحديد المحمّى يصبّحه ويمسّيه..!!



    **



    كانت قريش تقاوم الايمان بالعذاب.. وكان المؤمنون يقاومون العذاب بالتضحية.. وكان خبّاب واحدا من أولئك الذين اصطفتهم المقادير لتجعل منهم أساتذة في فن التضحية والفداء..

    ومضى خبّاب ينفق وقته وحياته في خدمة الدين الذي خفقت أعلامه..

    ولم يكتف رضي الله عنه في أيام الدعوة الأولى بالعبادة والصلاة, بل استثمر قدرته على التعليم, فكان يغشى بيوت بعض اخوانه من المؤمنين الذين يكتمون اسلامهم خوفا من بطش قريش, فيقرأ معهم القرآن ويعلمهم اياه..



    ولقد نبغ في دراسة القرآن وهو يتنزل آية آية.. وسورة, سورة حتى ان عبدالله بن مسعود, وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل, فليقرأه بقراءة ابن أم عبد"..

    نقول:

    حتى عبد الله بن مسعود كان يعتبر خبّابا مرجعا فيما يتصل بالقرآن حفظا ودراسة..



    وهو الذي كان يدرّس القرآن لفاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع الاسلام ورسوله, لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة التي كان يعلّم منها خبّاب, حتى صاح صيحته المباركة:

    " دلوني على محمد"...!!

    وسمع خبّاب كلمات عمر هذه, فخرج من مخبئه الذي كان قد توارى فيه وصاح:

    " يا عمر..

    والله اني لأرجوا أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيّه صلى الله عليه وسلم, فاني سمعته بالأمس يقول: اللهم أعز الاسلام بأحبّ الرجلين اليك.. أبي الحكم بن هشام, وعمربن الخطاب"..

    وسأله عمر من فوره: وأين أجد الرسول الآن يا خبّاب:

    " عند الصفا, في دار الأرقم بن أبي الأرقم"..

    ومضى عمر الى حظوظه الوافية, ومصيره العظيم..!!



    **

    شهد خبّاب بن الأرت جميع المشهد والغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم, وعاش عمره كله حفيظا على ايمانه ويقينه....

    وعندما فاض بيت مال المسلمين بالمال أيام عمر وعثمان, رضي الله عنهما, كان خبّاب صاحب راتب كبير بوصفه من المهاجرين السابقين الى الاسلام..

    وقد أتاح هذا الدخل الوفير لخبّاب أن يبتني له دارا بالكوفة, وكان يضع أمواله في مكان ما من الدار يعرفه أصحابه وروّاده.. وكل من وقعت عليه حاجة, يذهب فيأخذ من المال حاجته..

    ومع هذا فقد كان خبّاب لا يرقأ له جفن, ولا تجف له دمعة كلما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الذين بذلوا حياتهم لله, ثم ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على المسلمين, وتكثر في أيديهم الأموال.

    اسمعوه وهو يتحدث االى عوّاده الذين ذهبوا يعودونه وهو رضي الله عنه في مرض موته.

    قالوا له:

    أبشر يا أبا عبدالله, فانك ملاق اخوانك غدا..

    فأجابهم وهو يبكي:

    " أما انه ليس بي جزع .. ولكنكم ذكّرتموني أقواما, واخوانا, مضوا بأجورهم كلها لم ينالوا من الدنيا شيئا..

    وانّا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعا الا التراب"..

    وأشار الى داره المتواضعة التي بناها.

    ثم أشار مرة أخرى الى المكان الذي فيه أمواله وقال:

    " والله ما شددت عليها من خيط, ولا منعتها من سائل"..!

    ثم التفت الى كفنه الذي كان قد أعدّ له, وكان يراه ترفا واسرافا وقال ودموعه تسيل:

    " أنظروا هذا كفني..

    لكنّ حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجد له كفن يوم استشهد الا بردة ملحاء.... اذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه, واذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه"..!!



    **



    ومات خبّاب في السنة السابعة والثلاثين للهجرة..

    مات أستاذ صناعة السيوف في الجاهلية..

    وأستاذ صناعة التضحية والفداء في الاسلام..!!



    مات الرجل الذي كان أحد الجماعة الذين نزل القرآن يدافع عنهم, ويحييهم, عندما طلب بعض السادة من قريش أن يجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما, وللفقراء من أمثال :خبّاب, وصهيب, وبلال يوما آخر.

    فاذا القرآن العظيم يختص رجال الله هؤلاء في تمجيد لهم وتكريم, وتهل آياته قائلة للرسول الكريم:

    ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه, ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا: أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟! أليس الله بأعلم بالشاكرين واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا, فقل سلام عليكم, كتب ربكم على نفسه الرحمة)..





    وهكذا, لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يراهم بعد نزول الآيات حتى يبالغ في اكرامهم فيفرش لهم رداءه, ويربّت على أكتافهم, ويقول لهم:

    " أهلا بمن أوصاني بهم ربي"..

    أجل.. مات واحد من الأبناء البررة لأيام الوحي, وجيل التضحية...



    ولعل خير ما نودّعه به, كلمات الامام علي كرّم الله وجهه حين كان عائدا من معركة صفين, فوقعت عيناه على قبر غضّ رطيب, فسأل: قبر من هذا..؟

    فأجابوه: انه قبر خبّاب..

    فتملاه خاشعا آسيا, وقال:

    رحم الله خبّابا..

    لقد أسلم راغبا.

    وهاجر طائعا..

    وعاش مجاهدا..














  4. #14
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78

    مـصعـب بـن عـمـيــر رضي الله عنهُ



    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-color:black;border:2px double gray;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]






    مـصعـب بـن عـمـيــر


    غرّة فتيان قريش، وأوفاهم جمالا، وشبابا..

    يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون : " كان أعطر أهل مكة"..


    مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف البدري

    ولد في النعمة، وغذيّ بها، وشبّ تحت خمائلها


    ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..

    لقد سمع الفتى ذات يوم، ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم ..

    "محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد

    وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها، ولا حديث يشغلها الا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه، كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث

    ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه ، يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها..

    هناك على الصفا في دار "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد ، ولا التلبث والانتظار ، بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه ...

    ولم يكد مصعب يأخذ مكانه، وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على شفتيه، ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة، حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود ..!

    ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير

    ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج، والفؤاد المتوثب، فكانت السكينة العميقة عمق المحيط

    وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما بفوق ضعف سنّه وعمره، ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!




    وكانت أمه خنّاس بنت مالك تتمتع بقوة فذة في شخصيتها فخشيها مصعب

    وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمرا ، حتى علمت أمه وحبسته وأرادت أن ترده عن دينه

    ولكنها واجهت إصرار أكبر على الإيمان من جانب الابن . فقررت أن تخرجه من بيتها وتحرمه من الأموال .


    وقالت له وهي تخرجه من بيتها اذهب لشأنك, لم أعد لك أمّا.

    قال : يا أمّه أني لك ناصح, وعليك شفوق, فاشهدي بأنه لا اله إلا الله, وأن محمدا عبده ورسوله

    أجابته غاضبة مهتاجة : قسما بالثواقب, لا أدخل في دينك, فيزرى برأيي, ويضعف عقلي .



    وترك مصعب النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة, وأصبح الفتى المتأنق المعطّر, لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب, يأكل يوما, ويجوع أياما.




    سفير الإسلام

    اختاره الرسول أن يكون سفيره إلى المدينة, يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة, ويدخل غيرهم في دين الله

    ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم ..

    وقد أختاره الرسول لرجاحة عقله وكريم خلقه وزهده وبها كان أول سفير للإسلام

    وقد جاءها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما

    وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة, كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم

    وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة ، جاءوا تحت قيادة مصعب ابن عمير.

    وقد أسلم على يديه أسيد بن خضير سيد بني عبد الأشهل بالمدينة

    فجاء شاهرا حربته و يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم

    فلما أقنعه أن يجلس ويستمع فأصغى لـمصعب واقتنع وأسلم

    وجاء سعد بن معاذ فأصغى لـمصعب واقتنع وأسلم

    ثم تلاه سعد بن عبادة ، وأسلم كثيرا من أهل المدينة ، فقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير .




    غزوة أحد

    وبعد هجرة الرسول وصحبه إلى المدينة ، وحدثت غزوة بدر تلتها غزوة أحد الذي أمر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مصعب ليحمل الراية

    وتشب المعركة الرهيبة, ويحتدم القتال, ويخالف الرماة أمر الرسول ، فقد حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد,

    فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قميئة وهو فارس فضربه على يده اليمنى فقطعها و مصعب يقول: [ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل]

    وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها فحنا على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول : [ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ]

    ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء

    يقول خبّاب بن الأرت هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل اله نبتغي وجه الله

    فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا منهم مصعب بن عمير,

    قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة..

    فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه وإذا وضعناها على رجليه برزت رأسه

    فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ اجعلوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر ] وهو نبات معروف طيب الريح



    وفي مصعب بن عمير ومن مات من المسلمين نزل قولـه تـعالـى : [ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ]

    ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي كفن بها وقال لقد رأيتك بمكة وما بها أرق حلة ولا أحسن لمّة منك ثم هاأنت ذا شعث الرأس في بردة .

    ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال :

    [ أيها الناس زوروهم،وأتوهم، وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده، لا يسلم عليهم مسلم الى يوم القيامة، الا ردوا عليه السلام ] ..



    رحم الله مصعب بن عمير ورضي عنه و عـن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم






    [/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  5. #15


    [align=center]جزاء من كتب الموضوع ومن اضاف له عنا كل خير

    فهو بذلك اصبح كالمرجع الذي يستفاد منه

    اللهم اجعلهم نبراس وهدى للمسلمين

    تحياتي للجميع[/align]



    [poem=font=",6,burlywood,bold,italic" bkcolor="transparent" bkimage="" border="groove,4,purple" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
    تدري وش اكبر خطاي الله يسامحني=اقفايتي عنك وانت اللي تمنيته
    [/poem]

  6. #16
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    عمرو بن العاص


    محرّر مصر من الرومان



    كانوا ثلاثة في قريش, اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وايذائهم أصحابه..

    وراح الرسول يدعو عليهم, ويبتهل الى ربه الكريم أن ينزل بهم عقابه..

    واذ هو يدعو ويدعو, تنزل الوحي على قلبه بهذه الآية الكريمة..

    ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم, فانهم ظالمون)..

    وفهم الرسول من الآية أنها أمر له بالكف عن الدعاء عليهم, وترك أمرهم الى الله وحده..

    فامّا أن يظلوا على ظلمهم, فيحلّ بهم عذابه..

    أو يتوب عليهم فيتوبوا, وتدركهم رحمته..

    كان عمرو بن العاص أحد هؤلاء الثلاثة..

    ولقد اختار الله لهم طريق التوبة والرحمة وهداهم الى الاسلام..

    وتحول عمرو بن العاص الى مسلم مناضل. والى قائد من قادة الاسلام البواسل..

    وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو التي لا نستطيع أن نقتنع بوجهة نظره فيها, فان دوره كصحابيّ جليل بذل وأعطى, ونافح وكافح, سيظل يفتح على محيّاه أعيننا وقلوبنا..

    وهنا في مصر بالذات, سيظل الذين يرون الاسلام دينا قيما مجيدا..

    ويرون في رسوله رحمة مهداة, ونعمة موجاة, ورسول صدق عظيم, دعا الى الله على بصيرة, وألهم الحياة كثيرا من رشدها وتقاها..

    سيظل الذين يحملون هذا الايمان مشحوذي الولاء للرجل الذي جعلته الأقدار سببا, وأي سبب, لاهداء الاسلام الى مصر, واهداء مصر الى الاسلام.. فنعمت الهداية ونعم مهديها..

    ذلكم هو: عمرو بن العاص رضي الله عنه..

    ولقد تعوّد المؤرخون أن ينعتوا عمرا بالفاتح مصر..

    بيد أنا نرى في هذا الوصف تجوزا وتجاوزا, ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه بمحرر مصر..

    فالاسلام لم يكن يفتح البلاد بالمفهوم الحديث للفتح, انما كان يحررها من تسلط امبراطوريتين سامتا العباد والبلاد سوء العذاب, تانك هما:

    امبراطورية الفرس. وامبراطورية الروم..

    ومصر بالذات, يوم أهلت عليها طلائع الاسلام كانت نهبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون جدوى..

    ولما دوّت فوق مشارف بلادهم صيحات الكتائب المؤمنة أن:

    " الله أكبر..

    الله أكبر"..

    سارعوا جميعا في زحام مجيد صوب الفجر الوافد وعانقوه, واجدين فيه خلاصهم من قيصر ومن الرومان..

    فعمرو بن العاص ورجاله, لم يفتحوا مصر اذن.. انما فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالحق مصايرها.. وتربط بالعدل مقاديرها.. وتجد نفسها وحقيقتها في ضوء كلمات الله, ومبادئ الاسلام..

    ولقد كان رضي الله عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة, ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان الين يحتلون البلاد ويسرقون أرزاق أهلها..

    من أجل ذلك نجده يتحدث الى زعماء النصارى يومئذ وكبار أساقفتهم, فيقول:

    "... ان الله بعث محمدا بالحق وأمره به..

    وانه عليه الصلاة والسلام, قد أدّى رسالته, ومضى بعد أن تركنا على الواضحة أي الطريق الواضح المستقيم..

    وكان مما أمرنا به الاعذار الى الناس, فنحن ندعوكم الى الاسلام..

    فمن أجابنا, فهو منا, له ما لنا وعليه ما علينا..

    ومن لم يجبنا الى الاسلام, عرضنا عليه الجزية أي الضرائب وبذلنا له الحماية والمنعة..

    ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا, وأوصانا بأهلها خيرا فقال:" ستفتح عليكم بعدي مصر, فاستوصوا بقبطها خيرا, فان لهم ذمّة ورحما"..

    فان أجبتمونا الى ما ندعوكم اليه كانت لكم ذمة الى ذمة"...

    وفرغ عمرو من كلماته, فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا:

    " ان الرحم التي أوصاكم بها نبيّكم, لهي قرابة بعيدة, لا يصل مثلها الا الأنبياء"..!!

    وكانت هذه بداية طيبة للتفاهم المرجو بين عمرو أقباط مصر.. وان يكن قادة الرومان قد حاولوا العمل لاحباطها..



    **



    وعمرو بن العاص لم يكن من السابقين الى الاسلام، فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل..
    ومن عجب أن اسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرا ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي، وفي زيارته الأخيرة لتلك البلاد جاء ذكر الرسول الذي يهتف بالتوحيد وبمكارم الأخلاق في جزيرة العرب..

    وسأل عاهل الحبشة عمرا, كيف لم يؤمن به ويتبعه, وهو رسول من الله حقا..؟؟

    وسأل عمرو النجاشي قائلا:

    " أهو كذلك؟؟"

    وأجابه النجاشي:

    " نعم، فأطعني يا عمرو واتبعه, فانه والله لعلى الحق, وليظهرنّ على من خالفه"..؟!

    وركب عمرو ثبج البحر من فوره, عائدا الى بلاده، وميمّما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين..

    وفي الطريق المفضية الى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا الى الرسول ليبايعه على الاسلام..

    ولم يكد الرسول يراهما قادمين حتى تهلل وجهه وقال لأصحابه:

    " لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها"..

    وتقدم خالد فبايع..

    ثم تقدم عمرو فقال:

    " اني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي"..

    فأجابه الرسول عليه السلام قائلا:

    " يا عمرو..

    بايع، فان الاسلام يجبّ ما كان قبله"..

    وبايع عمرو ووضع دهاءه وشجاعته في خدمة الدين الجديد.

    وعندما انتقل الرسول الى الرفيق الأعلى, كان عمرو واليا على عمان..

    وفي خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود في حروب الشام, ثم في تحرير مصر من حكم الرومان.



    **



    وياليت عمرو بن العاص كان قد قاوم نفسه في حب الامارة..

    اذن لكان قد تفوّق كثيرا على بعض المواقف التي ورّطه فيها الحب.

    على أن حب عمرو الامارة, كان الى حد ما, تعبيرا تلقائيا عن طبيعته الجياشة بالمواهب..

    بل ان شكله الخارجي, وطريقته في المشي وفي الحديث, كانت تومي الى أنه خلق للامارة..!! حتى لقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رآه ذات يوم مقبلا، فابتسم لمشيته وقال:

    " ما ينبغي لأبي عبدالله أن يمشي على الأرض الا أميرا"..!

    والحق أن أبا عبدالله لم يبخس نفسه هذا الحق..

    وحتى حين كانت الأحداث الخطيرة تجتاح المسلمين.. كان عمرو يتعامل مع هذه الأحداث بأسلوب أمير، أمير معه من الذكاء والدهاء، والمقدرة ما يجعله واثقا بنفسه معتزا بتفوقه..!!

    ولكن معه كذلك من الأمانة ما جعل عمر بن الخطاب وهو الصارم في اختيار ولاته، واليا على فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين عمر...

    حين علم أمير المؤمنين عمر أن عمرا قد جاوز في رخاء معيشته الحد الذي كان أمير المؤمنين يطلب من ولاته أن يقفوا عنده، ليظلوا دائما في مستوى، أو على الأقل قريبين من مستوى عامة الناس..

    نقول: لو علم الخليفة عن عمرو كثرة رخائه، لم يعزله، انما أرسل اليه محمد بن مسلمة وأمره أن يقاسم عمرا جميع أمواله وأشيائه، فيبقي له نصفها ويحمل معه الى بيت المال بالمدينة نصفها الآخر.

    ولو قد علم أمير المؤمنين أن حب عمرو للامارة، يحمله على التفريط في مسؤولياته، لما احتمل ضميره الرشيد ابقاءه في الولاية لحظة.



    **



    وكان عمرو رضي الله عنه حادّ الذكاء, قوي البديهة عميق الرؤية..

    حتى لقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، كلما رأى انسانا عاجز الحيلة، صكّ كفيّه عجبا وقال:

    " سبحان الله..!!

    ان خالق هذا، وخالق عمرو بن العاص اله واحد!!

    كما كان بالغ الجرأة مقداما

    ولقد كان يمزج جرأته بدهائه في بعض المواطن, فيظن به الجبن أو الهلع.. بيد أنها سعة الحيلة، كان عمرو يجيد استعمالها في حذق هائل ليخرج نفسه من المآزق المهلكة..!!

    ولقد كان أمير المؤمنين عمر يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها، من أجل ذلك عندما أرسله الى الشام قبل مجيئه الى مصر, قيل لأمير المؤمنين: ان على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة، فكان جواب عمر:

    " لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فلننظر عمّ تنفرج الأمور"..!!

    ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب، وداهيتهم الخطير عمرو ابن العاص، على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر، التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل، ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الاسلام.



    **



    وما أكثر المواقف التي تألق فيها ذكاء عمرو ودهاؤه.

    وان كنا لا نحسب منها بحال موقفه من أبي موسى الأشعري في واقعة التحكيم حين اتفقا على أن يخلع كل منهما عليا ومعاوية, ليرجع الأمر شورى بين المسلمين، فأنفذ أبو موسى الاتفاق، وقعد عن انفاذه عمرو.

    واذا اردنا أن نشهد صورة لدهائه, وحذق بديهته, ففي موقفه من قائد حصن بابليون أثناء حربه مع الرومان في مصر وفي رواية تاريخية أخرى أنها الواقعة التي سنذكرها وقعت في اليرموك مع أرطبون الروم..

    اذ دعاه الأرطبون والقائد ليحادثه، وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بالقاء صخرة فوقه اثر انصرافه من الحصن، وأعدّ كل شيء ليكون قتل عمرو أمرا محتوما..

    ودخل عمرو على القائد، لا يريبه شيء، وانفض لقاؤهما، وبينما هو في الطريق الى خارج الحصن، لمح فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الحذر بشدّة.

    وعلى الفور تصرّف بشكل باهر.

    لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة, كأن لم يفرّعه شيء قط، ولم يثر شكوكه أمر!!

    ودخل على القائد وقال له:

    لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه.. ان معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الاسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الاسلام الا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة..

    وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر..!!

    فليوافقه اذن على رأيه، حتى اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم وقوادهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده..

    وبطريقة غير منظورة أعطى أمره بارجاء الخطة التي كانت معدّة لاغتيال عمرو..

    ودّع عمرو بحفاوة، وصافحه بحرارة،

    وابتسم داهية العرب، وهو يغادر الحصن..



    وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه الى الحصن، ممتطيا صهوة فرسه، التي راحت تقهقه في صهيل شامت وساخر.

    أجل فهي الأخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثير..!!



    **



    وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر، حيث كان واليا عليها..

    وراح يستعرض حياته في لحظات الرحيل فقال:

    ".. كنت أول أمري كافرا.. وكنت أشد الناس على رسول الله, فلو مت يومئذ لوجبت لي النار..

    ثم بايعت رسول الله, فما كان في الناس أحد أحب اليّ منه، ولا أجلّ في عيني منه.. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه اجلالا له.. فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة..

    ثم بليت بعد ذلك بالسلطان, وبأشياء لاأدري أهي لي أم عليّ"..



    **



    ثم رفع بصره الى السماء في ضراعة، مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا:

    " اللهم لا بريء فأعتذر, ولا عزيز فأنتصر،

    والا تدركني رحمتك أكن من الهالكين"!!

    وظل في ضراعاته، وابتهالاته حتى صعدت الى الله روحه. وكانت آخر كلماته لا اله الا الله..



    وتحت ثرى مصر، التي عرّفها عمرو طريق الاسلام، ثوى رفاته..

    وفوق أرضها الصلبة، لا يزال مجلسه حيث كان يعلم، ويقضي ويحكم.. قائما عبر القرون تحت سقف مسجده العتيق جامع عمرو، أول مسجد في مصر يذكر فيه اسم الله الواحد الأحد، وأعلنت بين أرجائه ومن فوق منبره كلمات الله، ومبادئ الاسلام.










صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 17-03-2010, 11:03
  2. آبي رجال
    بواسطة بنت الجبل آخت القصيد في المنتدى الشعر المنقول
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 02-05-2009, 11:24
  3. شمر رجال الضواري
    بواسطة الحاوي في المنتدى مضيف فيض المشاعر
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 29-03-2007, 11:16
  4. أنا بأنشدك عن رجلّـين مع رجال ضد أ رجال
    بواسطة ابو مشاري الشمري في المنتدى مضيف الالغاز
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 26-05-2003, 06:33
  5. ^أبي رجال^
    بواسطة فوفو في المنتدى مضيف ا لشّعر الشعبي"النّبطي"
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 07-11-2001, 18:43

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته