السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
فهذا مقال وددت أن أنقله لكم لما فيه من الفائدة
يظلُّ التواصل الجميل بين الكاتب وقرائه عاملاً من عوامل تجدُّد قلم الكاتب وذهنه، وذهن المتلقي، وسبباً من أسباب تعميم الفائدة ونشرها، ووسيلة من وسائل التقويم والتصويب.
ونحن نشكر جريدتنا العزيزة التي تذيّل مقالاتنا بهذه الأرقام التي تتيح للقراء الكرام أن يتواصلوا معنا يومياً، وأن يشاركوا في إثراء الموقف بالمعلومات المتبادلة والنقد الهادف.
لقد كتبت عدداً من المقالات في هذه المساحة التي تستقبل دفق قلمي لتنقله إلى من يطّلع عليه من القراء عن اللغة العربية ومكانتها، وقيمتها، وأهمية العناية بها، وكان من بين التعليقات التي وصلتني سابقاً تعليق يتحدث فيه صاحبه عن أن القرآن الكريم هو المصدر الوحيد لتقويم اللسان، فلا ينبغي لنا أن نوجّه الناس إلى غيره إذا أرادوا أن يقوّموا ألسنتهم بلغة القرآن، وقد تواصلت مع صاحب ذلك التعليق على رقم الهاتف الذي كتبه في آخر تعليقه وشرحت له الأمر حتى أصبحت الصورة واضحة عنده، وحينما نشرت أخيراً مقالاً في هذه الزاوية بعنوان: (اللغة ومتعة الإتقان) وأشرت فيه إلى أهمية العناية بالنظام اللغوي والنحوي، وأرشدت فيه إلى قراءة يومية في بعض الكتب، وخصصت منها بالذكر (الكامل في اللغة والأدب للمبرد) وأسميتها (القراءة التطبيقية) بصوت مرتفع مع مراعاة الحركات، موضحاً أن ذلك من أفضل أساليب تقويم الألسنة، لفت نظري تعليق لأحد القرّاء وصلني منبهاً فيه إلى أنه كان من الأولى أن أرشد الناس إلى قراءة القرآن لتقويم اللسان وسلامة الأسلوب، وقد ذكّرني بذلك التعليق السابق، وعلمت من خلال مكالمات بعض القراء أن هناك من يرى أن التوجيه إلى قراءة القرآن بالتجويد والحركات هو الأولى، وأنهم لا يحبذون ما صدر مني من توجيه إلى بعض كتب اللغة والأدب، وأنهم يتمنون لو كان توجيهي إلى القرآن الكريم في هذا المقام.
ولا بأس لأوضح الأمر للأخوة والأخوات أن أنقل هنا نص رسالة وصلتني من أحد القراء الكرام حول هذا الموضوع ثم أعلّق على القضية من خلالها.
تقول الرسالة: (ليت قلت له - أي للذي نصحته في مقالي - خُذْ كتاب الله واقرأه واضبط (قرائته) بالحركات، فمن (صحَّ) (قرآتُه) صحّ لسانه وعقيدته). وذكر اسمه الكريم.
ولابد لنا أن نقف عند رسالة قارئنا الكريم التي تدلُّ على علاقته بالقرآن وتلاوته، لنرى أنه قد وقع في أخطاء إملائية ولغوية في الكلمات التي وضعتها بين قوسين، فكتب كلمة (قرائته) بهذه الصورة، والصحيح (قراءَتَه)، وكتب الفعل (صحّ) بدون تاء التأنيث، والصحيح (صحَّتْ) لأنه يقصد القراءة، وكتب (قرآتُه) والصحيح (قراءَتُه).
والسؤال هو: كيف وقع الأخ الكريم في هذه الأخطاء مع كونه ذا علاقة بالقرآن الكريم؟ وأجيب باختصار فأقول:
القرآن الكريم هو مرجعنا في كل شيء، وهو الذي حفظ مقام لغتنا ورفع مكانتها وزادها تألُّقاً وبياناً، ولا شك أن حافظ القرآن الكريم والمداوم على تلاوته وتدبُّره أقرب الناس إلى سلامة اللغة، وصحّة النطق واستقامة اللسان، وإذا كان تدبُّره للقرآن أقوى، كانت لغته أقوى، ولهذا كان حافظ القرآن وتاليه والمعتني به أقدر من غيره على فهم اللغة والتعامل معها بتمكّن وإتقان، ولكنّ تقويم اللسان حتى يصبح منطلقاً بلغةٍ سليمة يحتاج إلى تدريباتٍ أخرى يتعامل فيها الإنسان مع أساليب المتقنين للغة من العلماء والأدباء والبلاغيين. وأنا حينما أوجّه الأخوة والأخوات إلى القراءة التطبيقية في بعض كتب التراث المنوّعة إنما أقصد بذلك التدريب المستمر على لغة بشرية قريبةٍ من لغتنا التي نتعامل بها من حيث الصياغة والتراكيب التي تظلُّ - مهما أُتقنت - دون مستوى بلاغة كتاب الله وبيانه، وبيان رسول الله عليه الصلاة والسلام.
لا تعارض أيها الأحبة بين الأمرين، ويظل صاحب العلاقة بالقرآن أقدر على الإتقان اللغوي وعلى الاستمتاع بجمال اللغة ومواطن الإبداع فيها.
إشارة:
ولم تزل نخلة الإسلام باسقةً
مليئةً بعذوق التمر والرُّطب
منقول اليوم من جريدة الجزيزة
د.حمتو
المفضلات