د. خالد نايف الهباس
القبلية.. المناطقية.. الوحدة الوطنية
تتعرض القبيلة، كأحد مكونات المجتمع السعودي لهجوم مستمر ومحموم في وسائل الإعلام تسبب فيه إقامة مسابقة مزاين الإبل. حيث نظر البعض إلى ذلك على أنه يغذي التعصب القبلي ويعيد المجتمع إلى الأزمان الغابرة، عندما كان التناحر والاقتتال عنوان المسرح السياسي في الجزيرة العربية.
في البداية، لعلي اسجل تحفظي على مثل هذا الاستنتاج من قبل بعض الكتّاب والإعلاميين لأن فيه الكثير من التهويل، مع تأكيدي على ضرورة نبذ التعصب أياً كان مصدره، قبلياً، دينياً أو فئوياً/ مناطقياً. فهو سلوك بغيض لا يخدم الوحدة الوطنية لأنه يعيق عملية الاندماج أو التكامل الاجتماعي. لكن النظر إلى وحدة المجتمع من خلال وحدة الإبل فيه تجنٍّ على عقلانية وهوية المجتمع السعودي. ورغم عدم أهمية هذه المسابقات إلا أنها لا تعني بالضرورة العودة إلى «النظام القبلي البائد»، كما وصفه البعض، أو أنه رمز «للعنصرية القبلية» وفقاً للبعض الآخر. الأسباب التي تدعوني لتبني فكر مخالف لهؤلاء ليس تأييدي لمثل هذه المسابقات فلست من أهلها، لكنه نابع من اعتقادي الجازم بأن محاربة هذه الظاهرة تجاوز الهدف منه وتعدى الحدود المعقولة، وأصبح بمثابة كلمة حق أريد بها باطل. وأنه يجب علينا احترام مكونات المجتمع أياً كان شكلها وطبيعتها.
القبيلة كمؤسسة اجتماعية لم تذهب حتى تعود مرة أخرى، ما حصل هو أنه تم تهميش دورها نتيجة عملية التطور والتنمية التي شهدها المجتمع، وأصبحت القبيلة مؤسسة تقليدية في البناء السياسي والاجتماعي الوطني، لكنها لا تزال أحد مكوناته. ويجب أن نفرق بين التعصب القبلي -وهو ممارسة وسلوك مرفوضان-، وبين القبلية التي هي انتماء عرقي غير مضر، وحقيقة اجتماعية لا يمكن إنكارها. محاربة القبلية بهذا الشكل البواح يحمل بذور فنائه لأنه تجاوز المنطق والموضوعية، مما جلب مزيدا من الاهتمام إلى موضوع الترابط والانتماء القبلي وأحدث ردة فعل عكسية تزيد من التمسك بالقبلية، وأنها مستهدفة بحد ذاتها بعيداً عن موضوع مزاين الإبل. كما أن وصفها بـ «النظام البائد» له مغزى بغيض، بهدف النيل منها. نحن اعتدنا على سماع مثل هذا النعت الجارح لوصف الأنظمة السياسية عند سقوطها لأن لذلك مدلولاً سياسياً، كما في الحديث من قبل الحكومة العراقية الحالية عن نظام البعث البائد في العراق، لأنهم على خلاف دامٍ مع حزب البعث. إذاً، هناك أهداف ظاهرة وباطنة لهذه الحملة الشعواء لا تخدم تماسك المجتمع.
كما لا يفوتني التنويه إلى أن التكريم وفق أسس عرقية قد يكون مقبولاً إذا كان في سياق معين وتحت ضوابط رسمية مقبولة. ففي الأسبوع المنصرم أقامت المؤسسة الأمريكية- الإيطالية الوطنية حفلة رسمية كرمت من خلالها نانسي بيلوسي، أول رئيسة لمجلس النواب الأمريكي، ورودلف جولياني، عمدة نيويورك السابق والمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية. ونحن نعرف أن كلاً من هاتين الشخصيتين تنحدر من أصول إيطالية، وبالتالي فالتكريم لهما على خدماتهما يحمل اعتبارات أثنية، لكن لم ينظر له على أنه تعصب عرقي. ماذا ستكون ردة الفعل لو أن قبائل المملكة أقامت تكريما لأبنائها المتميزين؟ هل سيتم تشجيع ذلك من قبل وسائل الإعلام؟ وما المانع من إقامة تكريم لجمال الأنعام طالما تم ذلك بموافقة رسمية؟
ان الضرر على الوحدة الوطنية يأتي في المقام الأول من الفئوية أو المناطقية، لأنها أشد ضرراً .
دعم الوحدة الوطنية لا يكون من خلال الهجوم على مكونات المجتمع المختلفة أياً كانت، بل من خلال احترامها ودمجها بشكل فعال في إطار أي مجتمع كان، لأن ذلك هو السبيل لدعم الوحدة الوطنية وتعزيزها
المفضلات