[align=center]
دوريس لسينغ حلقت حتى وصلت إلى نوبل



يقسم بعض النقاد مراحل التجربة الأدبية للكاتبة البريطانية دوريس ليسينغ التي فازت بجائزة نوبل للأدب هذا العام (2007) الى ثلاث مراحل.

يطلقون على المرحلة الأولى المرحلة الشيوعية التي تتسم بالطابع الاجتماعي للأحداث في رواياتها، ويحددون هذه الفترة بالسنوات الممتدة ما بين عام 1944 وعام 1956، باعتبار ان تلك السنة شهدت انسلاخها عن الحركة الشيوعية بعد اصابتها باحباط من النظام الستاليني. ‏

أما المرحلة الثانية فيصنفها أولئك النقاد بأنها مرحلة الكتابات السيكولوجية، باعتبار أن ليسينج كتبت في هذه المرحلة روايات غارت فيها في أعماق النفس البشرية، وتنتهي هذه المرحلة حسب أولئك النقاد بعام 1969 وهو عام صدور رواية «مدينة بأبواب أربعة».



أما المرحلة الثالثة فيطلقون عليها اسم «المرحلة الصوفية»، والتي عادت بعدها الى كتابة روايات تجمع بين سمات المراحل الثلاثة . ‏

أما ليسينغ فترى في الكتابة وسيلة لاضافة أبعاد وفضاءات الى عالم محدود، وقد بدأت ممارستها لهذه الفلسفة في مراحل مبكرة حين كانت حدود عالمها الفيزيائية محدودة، تزيدها التربية القاسية التي أخضعت لها ومعاناتها كطفلة وشابة ضيقا . ‏

ومن أهم مؤلفات دوريس ليسينغ ‏

العشب يغني ‏

الكراسة الذهبية ‏

مذكرات الذي نجا ‏

الحب مرة أخرى ‏

سلسلة «أطفال العنف» ‏

ولقد كانت الكتابة بالنسبة لليسينج وسيلة للهرب بشخصياتها المتفردة الى مجاهل العام واللامحدود لتمارس صراعاتها وتحولاتها. ‏

سيرة ذاتية واسقاطات ‏

منذ روايتها الأولى «العشب يغني» الصادرة عام 1949 انتهجت ليسينج الكتابة القائمة على السيرة الذاتية، ولكن ليس بالمعنى الحرفي التبسيطي للكلمة، ففي الأدب لا يمكن بسهولة تعريف الحد الفاصل بين الحقيقي والخيالي في الأحداث والتداعيات الروائية. ‏



في عام 1956 أصبح وجود ليسينغ غير مرغوب فيه في جنوب افريقيا بسبب توجهات كتاباتها وموقفها المعلن من العنصرية. ‏



كانت شخصيات ليسينغ الأنثوية محط انتقادات ذوي التفكير النمطي ونشيطات الحركة النسوية «feminists» على حد سواء. ‏

لاحظت ليسينغ أن الزواج والولادة كان يعني نهاية لحياة المرأة من حيث هي شخصية مغامرة متفردة ومتفاعلة مع عالمها، لتصبح شخصية محددة المعالم تمارس دوراً اجتماعيا محدودا رسم لها بعناية. ‏

لهذا أخذت ليسينغ بأيدي شخصياتها النسائية وأطلقتها في عوالم غير محدودة، وجعلتها تتفاعل في حرية أثيرية خلقت منها انسانا ثريا بالنجاحات حينا وبالاحباطات في احيان كثيرة. ‏

المرأة في روايات ليسينغ قد تكون معاكسة للصورة النمطية للأنوثة، وهذا ما أخذه عليها منتقدوها من ذوي الفكر التقليدي، ولكنها امرأة لا تتجنب المواجهة ولا تحتمي بجناحي الرجل بل تستخدم أجنحتها الغضة للتحليق فوق الهاوية في أحيان كثيرة، ولا بأس ان خانتها تلك الأجنحة أحيانا وسقطت في الهاوية. ‏

ولماذا لم يعجب موقفها هذا «نساء الرفض» في الحركات النسوية لأن ليسينغ في كتاباتها لم تر العلاقة بين الرجل والمرأة صراعا جنسيا على الامتياز، ولم تكن المرأة عندها ضحية للرجل بل رفيقة له في مواجهة ما يواجهه كلاهما من غبن المجتمع بقوانينه، وتسلط ضمير المجموع لينفي ضمير الفرد. ‏

ليسينغ تعتقد ان أخذ المرأة موقفا عدائيا من الرجل وتوجيه أصابع الاتهام كلها له هو شكل معاكس للنمطية التي تحاصر بها وتشكو منها المرأة نفسها. ‏

كل هذا نجده واضحا في رائعتها «المذكرات الذهبية» التي نشرت عام 1962، ‏

في كل «مراحلها» التي يصر بعض النقاد على وسم مسيرتها الابداعية بها كانت ليسينج ذات رؤية متفردة وفي غاية العمق للظواهر والقضايا التي عالجتها، وحتى في مواقفها السياسية، ولكن رؤيتها العامة وموقفها بخطوطه العريضة لم يتغير على مدى السنين السبع والخمسين من مسيرتها الكتابية الطويلة. ‏

ليسينج تناصب العداء كل أشكال التعسف ، حتى حسن النية منها، ولذلك نجدها شخصية مثيرة للجدل حتى في أوساط من يظن المرء للوهلة الأولى انهم رفاقها. ‏

كان انخراطها في الحركة الشيوعية بسبب موقفها من الظلم الاجتماعي والاقتصادي والعنصري وانحيازها للمعدمين والمسحوقين، وكان تركها لتلك الحركة في مرحلة مبكرة لأنها اكتشفت الثغرة بين المبادئ الصارخة والمسلك المراوغ والانتهازي. ‏

كان انحيازها لقضايا المرأة قائما على المبدأ نفسه، وكذلك كانت قطيعتها مع تلك الحركات: هي أذكى وأعمق من أن تتصور الرجل عدوا للمرأة وسببا لبؤسها، بل نفذت ببصيرتها الخارقة الى لب الوضع، ووجهت أصابع الاتهام الى المؤسسة دون الفرد. ‏

حتى في ما يسمى بـ«المرحلة الصوفية» كانت رؤيتها قائمة على القناعة بأن «تحرر الفرد رهن بفهمة للعلاقة بين مصيره الفردي ومصير المجتمع ككل»، ونستطيع أن نقول: إن هذه الرؤية ميزت كتاباتها منذ البداية الى النهاية. ‏

[/align]