الحمد لله رب العالمين...
و الصلاة و السلام على خير المرسلين...
فعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه انّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال:
(من رأى منكم منكرا" فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه و ذلك اضعف الايمان) مسلم
و في رواية( ليس وراء ذلك حبة خردل من ايمان)
فهذه هي وسائل الانكار و هي على التدرج و الترتيب من الاعلى الى الادنى فاليد اعلاها و اشرفها و اللسان يليها في الفضل و الشرف و القلب آخرها و ليس بعد ذلك مثقال ذرة من ايمان..
و هناك ارتباط بينها و بين الصلاة ارتباطا" وثيقا" يوضحه ما يلي:
-قال صلى الله عليه و سلم: (العهد الذي بيننا و بين اهل الكتاب الصلاة فمن تركها فقد كفر)
فجعلها عليه السلام الفيصل بين اهل الكفر و اهل الايمان..
كما جعل صلى الله عليه و سلم مراتب الانكار ثلاثة فمن اخذ بها فهو مؤمن و من تركها فليس وراء ذلك مثقال ذرة من ايمان.
-قال صلى الله عليه و سلم:
(صل قائما" فان لم تستطع فقاعدا" فان لم تستطع فعلى جنب)
فالصلاة لا تسقط عن المكلف بحال من الاحوال فالقادر الصحيح يصلي قائما" و العاجز المريض يصلي قاعدا"او على جنب على قدر عجزه و مرضه و كذلك الآمر الناهي لا تسقط عنه مهمة الامر و النهي في وقت من الاوقات لأنها ضمن تكليف ما يطاق...
و لا بدّ للناكر المنكر و الآمر بالمعروف بان يتحلّى بالعلم و الصبر و الحلم,فوسائل العلم هي اول ما نزلت على محمد صلى الله عليه و سلم و ذلك في قوله تعالى (اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الانسان من علق*اقرأ و ربك الاكرم*الذي علّم بالقلم*علّم الانسان ما لم يعلم*)
فبه (اي بالعلم) تميز بين المنكر و المعروف...
و الصبر نهاية البداية و بداية النهاية و هو ربع المنجيات:
و في ذلك يقول سبحانه و تعالى والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
و هو(اي الصبر) ثاني ما نزل على محمد عليه الصلاة و السلام و ذلك في قوله تعالى: (يايها المدثر*قم فانذر*و ربك فكبر*و ثيابك فطهر* ..........و لربك فاصبر)
و قال ابن تيمية رحمه الله:
(فمن أمر و لم يصبر أو صبر و لم يأمر أو لم يأمر و لم يصبر حصل من هذه الاقسام الثلاثة مفسدة و انما الصلاح في ان يأمر و يصبر) .انتهى
و افضل مراتب الانكار ما جمع بين اليد و اللسان و القلب و يليهما في الفضل اليد ثم اللسان ثم القلب و لا يتصور ان يكون الانكار باليد او اللسان دون القلب فتنبه.
و اليك بعض الامثلة ليتضح لنا المقام و يستقيم لنا المقال:
قال تعالى عن خليله ابراهيم عليه السلام:
(و لقد ءاتينا ابراهيم رشده من قبل و كنا به عالمين*اذ قال لابيه و قومه ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون)
و هذا انكار لسانيّ يتضمنه الحجة و البرهان فتأمل ذلك.
(...........و تالله لأكيدن اصنامكم بعد ان تولوا مدبرين*فجعلهم جذاذا" الا كبيرا" لهم لعلهم اليه يرجعون)
و هنا وقع منه عليه السلام الانكار باليد.
(.........قالوا حرقوه و انصروا ءالهتكم ان كنتم فاعلين)
و هنا أبرز لنا الخليل صفة الناكر الناجح الا و هي صفة الصبر عملا" بقوله تعالى ( و لربك فاصبر) و بعدها تأتي نهاية البداية و بداية النهاية (قلنا يا نار كوني بردا و سلاما على ابراهيم)
و للمتأمل في هذه الايات يجد ان ابراهيم عليه السلام قد اخذ حظا وافرا من انكار المنكر فأنكر بيده
و لسانه و قلبه (ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا" و لم يكن من المشركين...............ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا و ما كان من المشركين)
ايها الاخوة القراء:
كثير منا يفهم الانكار بالقلب فهما" خاطئا" و لخطورة هذا الانكار-و لأنه باب باطنه من جهة اليد و اللسان و القلب فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب-اردت التنبيه على بعض الامور منها:
-انه لا يحصل الانكار القلبيّ الاّ بمرارة يجدها الناهي في قلبه مع تغير يحدث في جوارحه مما يدل على كراهيته لذلك المنكر و لا تحصل الكراهية الا بمغادرة مكان المنكر و ذلك لقوله تعالى: (و قد نزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم ءايات الله يكفر و يستهزئ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا" مثلهم ان الله جامع المنافقين و الكافرين في جهنم جميعا")
-الانكار القلبيّ و هو درجة من درجات الانكار لا عذر لمن تركها و هي اضعف درجات الانكار.
-فعن اوس بن عميرة عن النبي عليه السلام انه قال:
(اذا عملت الخطيئة في الارض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها و من غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) رواه ابو داود و حسنه الالباني-قدس الله روحه-
قال البغوي:
فانه يجب على العبد شيئان:
1_أن يأمر نفسه و ينهاها
2_ و يأمر غيره و ينهاه فاذا أخلّ باحدهما كيف يباح له الاخلال بالاخرى.
قال ابن القيم:
انكار المنكر اربع درجات:
الاولى: أن يزول و يخلفه ضده
الثانية: ان يقل و ان لم يزل بجملته
الثالثة: موضع اجتهاد
الرابعة: ان يخلفه ما هو شر منه
فالدرجتان الاوليان مشروعتان و الثالثة موضع اجتهاد و الرابعة محرّمة.
عبرة للمعتبر:
فهذا هدهد سليمان صاحب التاج المكلل و مع خفّة وزنه و عجمة لسانه و ضعف جارحه
ما برح من مكانه الاّ بانكار المنكر- الذي هو ليس بواجب في حقه - و بافضل وسائله و
على أكمل وجه (اني وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و زين لهم الشيطان
اعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون)
و قوله هذا يتضمن كلا الانكارين: القلبيّ و اللسانيّ
(اذهب بكتابي هذا فالقه اليهم ثم تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون)
و هنا يأتي الانكار اليدويّ...
انظروا الى هذا الهدهد( صغير الجسم,ضعيف البنية, صحيح العقيدة) (الا يسجدوا لله...)
و انظروا الى لذة كلامه و ما يتضمنه من توحيد الخالق توحيدا" كاملا" و بفضل الله
عليه آمنت مملكة سبأ بأسرها فالحمد لله رب العالمين...
فيا اصحاب الامر المعروف و النهي عن المنكر...ما هو عذركم عند الله تعالى يوم
القيامة!!!
كم رأينا من رجال غلّبوا جانب الهوى و عطّلوا الكتاب و السنة...فهل حرّك ذلك
ساكنا" ام هل ترك ذاك الاثر طابعا"...
ايها الاخوة القراء:
و من المؤسف المحزن و المضحك المبكي ان نرى اكثر عقائد الناس دون عقيدة الهدهد و لذا اردت التنبيه الى بعض الامور....
و منها:
ان العقيدة من الامور التي لا تتغير و لا تتبدل على مر العصور وعبر الدهور فمن
آدم عليه السلام الى محمد عليه الصلاة و السلام و الرب واحد و صفاته هي صفاته..
و اختلاف الناس و تشعبهم و تفرقهم ناتج عن العقيدة......
والناظر لجميع فرق و ملل المسلمين يجد انّ سبب فرقتها و شرذمتها يعود الى فهم صاحب الفرقة الفلانيّة للعقيدة و تقعيد قواعده و تأصيل اصوله و و...
و لنضرب على ذلك مثالا":
فمبدأ اهل السنة و الجماعة على فهم الصحابة للمؤمنين و الكافرين هو انّ الله تعالى قد وعد المؤمنين العاملين بجنة عرضها السموات و الارض كما انّه تعالى توعّد الكافرين الجاحدين بنار تلظّى....
و هنا خرجت فرقة من تلك الفرق لتقول بانّ الله تعالى ربما جعل المؤمنين في نار جهنم و كذلك الكافرين في اعلى عليين....
و هذا الفهم المعوج ناتج عن زلة قدم و تفسير في غير محله و تعريف ليس هو المقصود....
قالوا و قلنا انّ الله تعالى لا يظلم احدا" ....
و قالوا في تعريف الظلم هو تصرف في ملك الغير بغير اذنه.
و قلنا في تعريف الظلم هو وضع الشيء في غير مكانه.
و نتج عن قولهم هذا ان المؤمن و الكافر ملك لله تعالى_بلا شك_ و بناء على ذلك لو وضع الله تعالى الكافر في جنّته و المؤمن في نار لكان من تمام عدله...
و نتج عن قولنا ان الكافر مكانه في نار الله بصريح القرآن و وضعه في الجنة وضع في غير محله و المولى منزّه عن هذه الصفات الذميمة الناقصة...
و هذا مثال من امثلة كثيرة....
و لنرجع الى صلب موضوعنا:
فلنكن كهدهد سليمان....
فهذا الهدهد الصغير لم يرض بان تر عيناه كفر بلقيس و قومها فرجع الى سليمان ناصحا" امينا" و عاد الى بلقيس آمرا" ناهيا"....
و اما اذا نظرنا الى حالنا اليوم معشر البشر فاكثرنا لا يقبل النصحية و هذا ان لم يقم بشتم الناصح و طرده بل احدهم اعتبر قولي له ( اتق الله) مسبّة و نصحي له في غير مكانه و زمانه....
و اختلاف الناس و تفرق المسلمين ناتج عن مدى فهمهم للعقيدة...
قال صلى الله عليه و سلم:
(افترقت اليهود الى احدى و سبعين فرقة و افترقت النصارى الى اثنتين و سبعين فرقة و ستفترق امتي الى ثلاث و سبعين فرقة كلها في لنار الا واحدة, قيل من هم يا رسول الله قال : من انا عليه و اصحابه)
و ذلك قوله تعالى (و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الحق و يتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنم و ساءت مصيرا)
فالسنة تفسر القرآن (ما انا عليه و اصحابي) هو نفسه قوله تعالى ( سبيل المؤمنين) و اول من يدخل تحت
هذه الاية و الصفة الايمانية هم اصحاب النبي عليه السلام...
فالذين عاصروا الرسول و عاينوا التنزيل هم من افقه الناس فهما" و علما" بهذه النصوص القرآنية
و الاحاديث النبويّة...
و لذا خاب و خسر من ترك دربهم و اغترف من غير نهرهم...
و القرآن و السنة وحدهما لا يكفيان الاّ بضمّ اتّباع سبيل المؤمنين اليهما و على هذه الضميمة افترقت الامة
الى ثلاث و سبعين فرقة...
فلنكن كهدهد سليمان عليه السلام
و لنكن كنملة سليمان عليه السلام
قالت هذه النملة العاقلة الراشدة البالغة العالمة...
(ادخلوا)
امر ليس كتلكم الاوامر العسكرية القسرية...امر فيه رأفة و رحمة ...و في زماننا تعجرف الآمر في الأمر
الاّ ان كان المأمور به يصبّ في مصالحه الشخصيّة...
(مساكنكم)
نصحت و حددت المكان الآمن...فكم نحن بحاجة ماسّة الى مثل هذه التعابير الصادقة...يا لها من نملة ثقة
لم يخالط بشائش قلبها و لا عقلها الكذب و الخديعة و المكر و الوقيعة...و امّا اصحاب العقول البشريّة و
الحجريّة فالمكان الآمن عندهم هو مكان للغدر و الفتك بشعوبهم الضعيفة...والله المستعان
( لا يحطمنكم)
اعذر من انذر...بينت السبب في زمن دفنّا فيه الشعار القسريّ (نفذّ ثم اعترض) و اصبح شعارنا ( نفذ و لا تعترض)
اختلفت الاصطلاحات و المفاهيم...فامرة هذه النملة تعادل جميع اصحاب هذه العقول التعسّفيّة...
( وهم لا يشعرون)
فاين احسان الظنّ بالآخرين...ضاع منذ سنين و بالامس القريب علمت انه دفن من دون غسل و لا صلاة و لا حول و لا قوة الا بالله...
فاحسان الظن له ضوابط و شروط فلا نحسن الظنّ الاّ باهل الظنون الصحيحة و المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين و مفهوم الاشارة يغني عن صريح العبارة...
فما اسرعنا بالحكم على الآخرين بالكفر و الفسوق و العصيان و بمجرد هفوة و زلّة و هما صفتان متلازمتان لبني آدم ....
رحم الله الامام الفذّ امام اهل السنة و الجماعة على فهم الصحابة الكرام الامام احمد القائل( من قال انّ القرآن مخلوق فهو كافر)
و طارت مقولته شرقا" و غربا" لترجع اليه بانّ القاضي الفلانيّ يقول بخلق القرآن..
و يتصدّى هذا العلم الشامخ امام هذه العاصفة القاسية و السيل الجارف ليسنّ لنا قاعدة (( لعلّ)) و ((لعلّ)) ....
لعلّ فلان جاهل فنعلمه...
لعل فلان لديه شبهة فنناقشه..
لعل فلان...
يتبع ان شاء الله تعالى ..........
المفضلات