[align=center]صباح مشرق بعد ليلة متعبة .. ليلة صيفية معتدلة الحرارة سادت طقوس الحب و الكراهية في المدينة

النائية و القابعة تحت ظلمة حالكة و كأن بنا يجب علينا أن نعتاد ما يسمى القرون الوسطى يوم كان

الانسان يقضي جل و قته على الفانوس أو بقايا جمرات في موقد للحطب في متسع من البيداء

لا ينير ليلها سوى بدر القمر و نجمات هربت خجلات .

ذاك لم يكن وصفاً لليال في مدن عربيات ،، بل من حكايا الجدات عرفنا أنهم عاشوا على الكانون

و الفرن و الشباك و بالأمسيات صنعن قنديلاً من الزيت ليضيء الفسحة و المكان

و أنهم في ذاك الزمان قد ناهزوا المائة من الأعمار ..

يبلغ متوسط عمر الفرد في العالم اليوم مابين 50-65 سنة فقط أي أن الإنسان لا يعمر و هذا الموات المبكر

أصاب جسد الإنسان بعد أن أصاب الطبيعة و الحياة و الماء و الهواء ..

تشير بعض الدراسات البيئية الناشطة في الحفاظ على البيئة و الإنسان أن معدلات الانتشار الديمغرافي

للبشر يتفاقم باطراد .. و أن سبل العيش تضيق بالإنسان و الحيوان و تعاني الموارد الطبيعية من أزمات

بسبب ارتفاع عدد السكان ، و بسبب هجرة الريف للمدينة .

مما أذى الى نشوء ظاهرة المسبق الصنع أي أن البيت و الحي و النبع و الهواء كلها اضحت مسبقة الصنع

فالموارد لا تكفي أمام أعداد هائلة تغزو المدن الكبيرة و المتوسطة .

تحشرنا الحكومة في بيوت مثل علب الكبريت يخيل لزائرها أنه قد يرى و يُرى من خلال الجدران

فالوصلات غير محكمات و الجدران تباعدت في البناء فأصبحت هناك شقوق و شروخ مابين الدار و الدار

أما الماء فصار يباع بالقارورة بأثمان باهظة غير مدروسة و الكهرباء نكاد ننسى لونها وشكلها و تأثيرها

الهواء ... كيف نتنفس عوادم السيارات و نضعها في الرئات و نقول أننا لن نصاب بالسرطانات

في زيارة الى احدى مشافي المدينة لوحظ ارتفاع نسب الاصابة بالامراض الصدرية عن غيرها من الأمراض

السارية و غير السارية حتى أننا نسينا ما كان يسمى انفلونزا الدجاج ...

مالذي يجب علينا أن نتناوله كوجبات تساعدنا على البقاء .. لا يوجد سوى بعض المعلبات المسبقة الصنع

في تايوان أو الصين أو بلاد المغرب العربي ..

البعض يحاول الهجرة العكسية من المدينة الى الارياف و لكن المشهد لا يختلف بسبب اجتياح الدراجات

و السيارات حتى مناطق الارياف ..

نأتي على الصعيد الشخصي و الذي لم يبق غيره .. في أزمنة موت الياسمين و اندثار الفل و الصفصاف

صنعت لنا مشاعر مسبقة الصنع ..

بحيث نحب ، نكره ، نباعد ، نتقارب حسب الخريطة الديمغرافية ذات الطقس الضبابي الساكن للرؤى

و للطباع التي آلفت كل شيء مسبق الصنع ، فـ حتى المشاعر صارت مسبقة الصنع

لم يبق أي شيء دون تدخل الآلة ويد الإنسان ، التي طالت البحار و الارض و السماءات

شكلت كل شيء حسب الموضة و حسب تقليعات تكنولوجيا آخر الأزمان

مشاعر مسبقة الصنع تبث من على بُعد أميال .. لتصل مهترئة بالية متصدعة هاوية بنا الــى المزيد

من الموات .
[/align]