[align=justify]خير الخيرين وشر الشرين ... ؟

من اليسير على العاقل من الناس أن يعرف ويفرق بين الخير والشر ، فإن الفرق بينهما واضح جدا ، وإتباع الخير أيسر وأرغب للنفس السوية من الشر ، ولكن المعضلة في معرفة خير الخيرين وإتباع أعلاهما ، وشر الشرين والاضطرار إلى أدناهما ، فهذا هو دقيق الفهم الذي يحتاجه المسلم ، وخاصة في مثل هذه الأزمان التي كثر بها الدخن ، والاجتهاد من غير أهله ، والمسلم مضطر للعيش في هذه الأجواء التي امتلأت باضطرابات المفاهيم ، وكثر بها الخلط بين الحق والباطل ، وكثر بها الشر مع وجود الخير ، فكيف يكون منسجماً مع نفسه ومع مبادئه التي يحملها ولا يقع في التناقض والحيرة ، ويصبح ممزق الشخصية بين الواقع والمثال .
هنا يظهر مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) فالفقيه دقيق الفهم الذي يجنب نفسه العنت والحرج والالتفاف حول النصوص .
فإن سهولة انتشار كتب العلم في هذا العصر ، جعل بعض الناس يقرأ الكتاب والكتابين ، ثم يظن نفسه حجة الزمان والمجتهد الأريب والمستدرك على من سبقوه من الأولين ،فينبري لاستنباط واستخراج الأحكام ، ويشكك بأخرى من غير أن يكون على دراية تامة ومعرفة بمقاصد الشريعة السمحة وحكمتها في التدرج بالناس دون التعدي على أصل ثابت من أصولها ، ومراعاة المصالح والمفاسد ، ومعرفة أسباب اختلاف العلماء ، ومن غير أن ينظر بعين البصيرة إلى تطور مراحل الدعوة والدولة وكيف كانت تنزل الأحكام وأسباب ذلك ، كالذي يطالب المسلمين تطبيق ما جاء في سورة براءة من قتال المشركين كافة والمسلمون في حالة ضعف ، ولم يلتفت كيف يزيل ضعفهم ، بل بفهمه السقيم يريد ان يزيد الضعف ضعفاً والوهن وهناً ، وهو يظن أنه يريد عزتهم .
ومن أدلة اختلاف بعض الأحكام بين حال القوة والضعف :
ما جاء في قصة صبيغ بن عسل أنه كان يسأل عن تفسير ( والذاريات ذروا ، فالحاملات وقرا ... ) يفتش بذلك عن المعضلات ويتتبع المتشابه ، وسمع به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فدعا الله أن يمكنه منه ، فلما حضر بين يديه وتأكد له أنه يسأل عن هذه الأشياء أمره بوضع عمامته فإذا له وفرة بشعر ، فقال له ( لو رأيتك محلوقاً لضربت عنقك ) لقد خشي عمر أن يكون هذا الرجل من الخوارج الذين وردت الأحاديث بذمهم وأن من علاماتهم التحليق ، وكان عمر سيقتله لو تأكد له أنه من هذه الفئة مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل ذي الخويصرة التميمي عندما انتقد قسمته لغنائم حنين وقال له : ( إنك لم تعدل ) فقال صلى الله عليه وسلم : (ويحك من يعدل إذا أنا لم أعدل ) فيعلم أن العفو عن الخوارج كان في حالة الضعف والأستئلاف ).
والأدلة في هذا كثيرة جدا ، فلا يظن ظان ان اختلاف الأمرين عند اختلاف الحالين هو تغيير لأحكام الله "أو انحراف بها عما وضعت له ، فالأحكام الثابته المفروضه لا تتغير إلى يوم القيامة ، ويبقى هناك أمور يراعى فيها حال المسلمين من ضعف أو قوة ، ولا يعقلها ‘إلا العالمون ...[/align]