السيمانتية الجوهرية للعلمانية تداول السلطة
اسامه الدندشي
ossama-aldandashi@hotmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 1904 - 2007 / 5 / 3


عندما سقطت الدولة العباسية ذات الطابع الأممي بامتياز, بقيت أثارها الثقافية تتدخل وبقوة في كل مناحي الحياة الفكرية والزمنية التي يحتاجها الإنسان العربي والمسلم لحل مشاكله اليومية, وتحديد سبل مسيرته الجبرية في الارتقاء والتطور.
ولعل أهم الملامح لما بعد السقوط , هجرة الثقافة الإسلامية , وإعادة صياغة هذه الثقافة وفق منظور القادة الإسلاميين الجدد ورؤاهم الفلسفية ومدركاتهم الحسية و العقلية, وإعادة تصديرها ثانية إلى الصدر الذي رضعت منه والأرض التي ترعرعت فيها , وعبروا عن إسلامهم الجديد بلغتهم وبقدراتها على التعبير .
إن أحدا لم يدرس التطورات التي طرأت على هذه الثقافة التي أعاد تصديرها إلينا القادة الإسلاميين الجدد, والكشف عن الحمولات النفسية والمعنوية المكتسبة في المتخيل العقلي والثقافي و اللغوي, للمفردات التي تثير اليوم جدلا كبيرا, كالكفر والجهاد والاستشهاد والعقل والحواس والشورى....... الخ. مع ما يميز هذه الفترة من العقم الفكري والجمود الثقافي والانضواء على الذات الحضارية
وفي العصر الحديث لم يربط المؤرخون المستشرقين والعرب, بين حضارة ة الدولة البابلية الأولى 1200قم والذي كان سادس ملوكها حمو رابي المشرع المعروف وبين الإسلام, أو بين حضارات عرب الجنوب والذي كان يؤو ل الملك فيها لأول مولود في عهد الملك , حيث كانت قرارات هذا الملك لا تصبح نافذة المفعول إلا بعد موافقة مجلس يصادق عليها, وبين الإسلام. رغم وحدة الجغرافيا والدم لهذه الحضارات, وبذلك تقطعت الأوصال بين الإسلام وما قبله, كما تقطعت الأوصال بيننا وبين الإسلام في غربته خارج منشئه ولغته,وسدت منافذه عندما أغلق باب .الاجتهاد بعد سقوط الدولة العباسية ,خشية التحريف والتزوير والتضليل, و لم يفتح بعد زوال هذه المخاوف .
إن المفردات اللغوية الو صفية لمدرك ما أو التعبيرية عن تجمع ما, تتطور معانيها ودلالاتها مع تطور الإنسان الفكري والاقتصادي والسياسي, وتأخذ معاني ومواقف جديدة يفرضها الظرف التاريخ لتلك الحقبة, ويلعب المفكر والمؤرخ دورا بارزا في تحديد معان كالعرب والإعراب, والموالي والشعوبية, والكفر والجهاد, والشورى في الخلافة والتوريث في الملك, ........., لأنه يستنبطها من قراءة الماضي وأحداثه, وتحمل خصوصيته, هي تعريفات شخصية بامتياز, ترتبط بثقافة الكاتب والمفكر وانتمائه ومصادره , ومصادفة بعض الحوادث التي يقرأها أو انتقائها بذاته دون غيره , وهذا ما يفسر لنا الاختلاف بين المذاهب الأربعة عند السنة , في تفسير بعض النصوص الدينية وأحكامها, بحكم التأثيرات الثقافية المجاورة من بيزنطية أو فارسية.
ونحن في ثقافتنا لمن ننتمي إلى إسلام دولة الخلافة العربية الإسلامية, آو إلى دولة الخلافة العثمانية المسلمة؟ الواقع هناك قطع تاريخي, وفراغ ثقافي بيننا وبين ثقافة الدولة العربية الإسلامية, بفعل الخلافة العثمانية المسلمة بامتياز, التي لم تكن بطبعها دولة حضارة وتقدم, بل دولة فتوحات ودعوة, ويعتبر اليوم علماء الشريعة أبناءها الشرعيين دينا وثقافة وعقلية,لكنهم يحتكمون إلى السلف الصالح, المنتمي إلى حضارة الخلافة العربية الإسلامية المتفاعلة مع حضارات اليونان والرومان والفرس, يوم لا تعرف فيه الكهرباء والهاتف, ولا الشيوعية والليبرالية , ولا الواقي الذكري, والحبوب المنشطة للجنس, إن القدسية المطلقة للنص السلفي عندهم, سجن الإسلام في قمقم, وسد كل منافذ العقل إلى التجديد والخلق والإبداع, والتفاعل مع العصر, ومات الخلق والإبداع حتى الإنتاج الإنساني أمثال ابن خلدون وابن سينا والخوارزمي.........الخ
حتى الندوات التي تتعلق بالا سلام حكرها الإعلام المرئي والمسموع والمقروء لعلماء ثقافة الخلافة العثمانية الدينين, وحيدوا المفكرين في العلوم الإنسانية والاجتماعية وعلماء الرياضيات والكيمياء, لاغناء الحوار, وكأن إلغاء للأخر نصا مقدسا. .
الإسلام الصالح لكل زمان ومكان, يقف اليوم أمام محكمة العقل, لمساءلة النص الديني,على إشكالية القولبة و التطويع والتطبيع والتطوير, لمواكبة الثورة العلمية المعاصرة,التي طالت كل مناحي الحياة, هذه الإشكالية التي خلقت مواجهة دامية في العالم الإسلامي, بين الالتزام بقدسية المنقول الإسلامي الحرفي أو كما يسمونه "السلفي" , بعيون الخلافة العثمانية , وبين الناتج التكنولوجي والاجتماعي للعصر والحداثة ,,كالديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية المرأة والعلمانية وقبول الأخر والثورة المعلوماتية , والتقدم العلمي الهائل .......... لنعود إلى الزمان و المكان, الذي خرجنا منهما بعد سقوط الخلافة العباسية, ونساهم في حركة التاريخ التي تجري متسارعة ودائما نحو الأفضل.
المطلوب شرحا وافيا لهذه الصلاحية, والإجابة عن قدرة النص الديني الإسلامي" السلفي" على مواكبة التطور الإنساني ومواكبة القوانين التي تكشف أسرار المادة والروح, والتطور الاجتماعي والقوى الفاعلة فيه في عالم متحرك لا يعرف السكون,
المطلوب الإجابة عن قدرة النص الديني على استيعاب الثورة الحضارية الهائلة للعلوم,و الرضوخ لمطالبة العقل بفتح باب الاجتهاد, الذي أغلق بعد سقوط الدولة العباسية ,خوفا من التحريف والتشويه,وإطلاق الفكر الديني من قمقمه, وتطويع النص من قبل أصحاب الاختصاص , واللجوء إلى تأويل النص لشرعنتة عقليا, أو تعليقه حتى يأذن الله فيه.
وفي الاجتهاد........ ديموقراطية اليونان , طورها مفكرو الغرب من ديمقراطية الشعب إلى ديموقراطية البرلمان أو المجلس المنتخب, ومن مجتمع المدينة المحدود إلى مجتمع الدولة الواسع, لماذا لم يتطور مفهوم الخليفة الذي يستمد شرعيته من مبايعة رؤساء القبائل , إلى الرئيس المنتخب الذي يستمد شرعيته من انتخاب مواطني الدولة , أم أن هذا التطور بدا خطواته الأولى بعد الاستقلال من الاستعمار الحديث, عندما انتقلت المبايعة من رؤساء القبائل إلى "قبضايات الحارة" ومن "القبضايات" إلى الأحزاب الوطنية, التي أخذت دور" القبضاي" و الحارة, وبدأت الديموقراطية تأخذ مكانتها السياسية, عندما دخلت الأحزاب ذو النظرية السياسية , كحزب الأخوان المسلمين والشيوعيين والبعث والقومي السوري الاجتماعي الساحة السياسية السورية على سبيل المثال.
لعله من الأخطاء المميتة التي انتهجتها الأحزاب القومية الثورية المنتمية إلى الريف, هو تدمير ودفن المرحلة الوطنية للمدينة بسماتها الديموقراطية والعلمانية , كما يبني اليوم الشعوبيون حلما تاريخيا في بناء امة فوق امة, و كما يهدم الليبراليون الجدد- طمعا في هبة أمريكية- ثقافة وتاريخ هذه الأمة وانتمائها .
الريف من خلال تبنيه الفكر القومي, سيطر على السلطة, واستبعد القوى الوطنية المتمثلة في المدينة بعد الاستقلال, والأحزاب السياسية,وانتهج سياسة الحزب الواحد في عدد من الأقطار العربية, وعمم ثقافته دون أن يعتمد منهجا حضاريا معاصرا وجادا للبناء فوقه,يضفي على النظرية القومية دينامكية الحركة والتطور واستيعاب الأخر الشريك في هذا الوطن للدخول في العصر , فكانت أصواتهم وشعاراتهم صخبا وضجيجا و صدى وقعقعة في وادي .و كان لأفكارهم ردودا رجعية , أسست لعداءات دولية وإقليمية نحن بغنى عنها , وأججت صرا عات محلية بين العروبيين والإسلاميين,عندما أعطوا للقومية بعدا شوفينيا, و كأنها دعوة عنصرية في مواجهة الأعراق والقوميات المكونة لهذه الأمة, أمام مفهوم أممي للإسلام استطاع أن يوحد كافة الأعراق والقوميات في الفكر والعقيدة , وجعل المواطنة في الدين وليس في الأرض.
وبين العلمانيين والدينيين, عندما فهم القوميون الريفيون أن شرط العلمانية هو فصل (الدين) عن الدولة, كما حصل في المجتمعات الغربية عندما كانت تسيطر على الدولة الثيوقراطية طبقة من الاكليروس ,.وربطوا العلمانية بشرطها التاريخي, وجعلوا منها رأس حربة في مواجهة الإسلام, بعدما استأصلوا شرطها العقلي, وعبر المناضلون عن علمانيتهم في عداءهم المطلق للإسلام وتاريخ الإسلام, بالوقت الذي كانوا هم اخطر من الدين على العلمانية والديموقراطية.
والعلمانية في جوهرها هو الفصل بين أية إيديولوجية عن الدولة, تسيطر من خلالها طبقة ما على الدولة,وتنصب نفسها "وصية" على رفاهية وتطور شعبها, محتكمة إلى نصها الإيديولوجي المقدس في تقييم مجتمعاتها وسياساتها الأمنية داخليا, ومكاسبها الشخصية وعمولاتها خارجيا.
عندما شاهد ترو تسكي العمال الزاراعين العائدين من العمل, وهي تتلمس بيديها الطريق نتيجة إصابتها "بالعشي", اعتمد الصراع الطبقي حلا مجتمعيا,وعندما لم ير ماوتسي تونغ هذا المنظر المؤلم دعي إلى تعايش الطبقات, ما لفرق من وجهة نظر نقدية, بين اتهام التروتسكيين بالانحراف عن الماركسية للماويين, وبين تكفير بعض التيارات الإسلامية لتاركين الصلاة .
ما لفرق بين سيطرة طبقة ما بأيديولوجية ما على الدولة ومؤسساتها سواء كانت دينية أو قومية أو ماركسية أو مناطقية أو عشائرية وبين طبقة الاكليروس باديولوجيتها الدينية؟.لا أعتقد أن هناك فرقا بين سيطرة الدين على الدولة, وبين سيطرة الحزب الواحد.
العلمانية في جوهرها السيمانتي هو عدم وجود صكوك ملكية لطبقة أو مذهب أو فئة .... مؤد لجة, تسيطر على الشؤون السياسية و الزمنية , وعلى القرار السياسي والتشريعي والعسكري والاقتصادي سواء كانت دينية أو وضعية, والمدخل الصحيح إلى جوهر العلمانية هو صندوق الانتخاب , هو العملية السياسية المتداولة, والتي يحكم على ناتج برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالتصويت , وعندها يذهب الغث ويبقى السمين.
( و بالضرورة حيث تتألق الديموقراطية يتبدى جوهر العلمانية)




--------------------------------------------------------------------------------
الموقع الفرعي في الحوار المتمدن : اسامه الدندشي
http://www.rezgar.com/m.asp?i=1454