تك تاك ، تك تاك ، تك تاك
صوت دقات آلة الزمن الرهيب
نعم
هذا الذي اغتصب مسامعي فأيقظني عنوة
سلبني أحلامي الوردية
و لكن
ما هذا ؟
ماذا حل بجسدي ؟
خدر سيطر على أطرافي
حاولت جاهدا أن أفتح عيني
ضبابية المشهد جعلتني أؤثر العودة إلى ما كنت عليه
ريبة تسللت إلى قلبي ،
على استحياء حاولت فتح عيني
وجدتني ممددا داخل حوض
تغمرني سوائل لزجة
وقفت منزعجا
حاولت استبيان المكان من حولي
أشباح بيضاء اللون تتحرك هنا و هناك
تابعتهم بنظري لأعلى فإذا بالعديد من هذه الأحواض
متراصة فوق بعضها البعض ،
صفوف صفوف
الكثير من الصفوف متجاورة تملأ المكان
أين أنا ؟
ما هذا المكان الغريب ؟
هل هو مشفى ؟ مصنع ؟
هل ؟ هل ؟ هل ؟
أحاول مسح الغشاوة عن عيني سريعا
فركتها طويلا
من هؤلاء ؟
رعب سيطر على كياني
الأشباح كلها ترتدي نفس البياض
نظرت لأعلى مدققا في الوجوه لعلي أجد شخصا أعرفه
أعوذ باللــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـه
ما هذا الوجه الغريب ؟ و كأنه وجه دمية
نعم دمية مثل التي كنا نلعب بها صغارا
اقشعر بدني عندما تذكرت الإحساس الذي كان ينتابني عند لمسها
حولت نظري سريعا إلى شخص آخر
غير معقولا ، نفس الوجه
نفس الملامح ، نفس الدمية
غريبة هي الصدفة
بدا لي للوهلة الأولى أنه توأم
سبحان الله ، كأنهما شخص واحد
درت ببصري أبحث عن شخص يجيبني على تساؤلاتي
غير معقولا، نفس الوجه
و هذا أيضا، يحمل
نفس الوجه
و هذا هناك،
نفس الوجه
درت ببصري سريعا هنا و هناك
ما هذا ؟ نفس الوجوه ؟؟؟؟ غير معقول
أين أنا ؟
إحساس بالتقيؤ اقشعر له بدني
انتفضت
حاولت الانطلاق
أعاقت حركتي أسلاك متعلقة برأسي و جسدي
نزعتها عني
انطلقت مترنحا بجانب إحدى الحوائط الزجاجية المنتشرة هنا و هناك
انحنيت ممسكا برأسي
حاولت انتزاع هذا الإحساس بالتقيؤ من جذوره المتوغلة بأظافر قدمي
أجابتني معدتي الخاوية
أحسست بشخص يتابعني بنظراته من خلف هذا الحائط الزجاجي
كان منحنيا نفس انحناءتي نظرت تجاهه على حذر
نظر إلى نفس النظرة في نفس اللحظة
نفس الوجه
نفس الملابس البيضاء
ارتعدت عندما رأيته يرمقني بنظرته الحادة
انعكس على وجهه شيء من الرعب الذي انتابني
لفت انتباهي هذا الرقم المحفور على جبهته
دارت بي الهواجس أركان المكان
نظرت إليه متعجبا
الرقم المحفور فوق الجبهة مقلوب
حاولت تحسس الحقيقة
مددت يدي المرتجفة نحو الحائط
يد هذا الشخص امتدت مرتجفة في نفس اللحظة
الظنون تحاول منعي من الاستمرار
غير معقول، غير معقول
هذه ليست حوائط زجاجية شفافة
إنها مرايا ، نعم أنها مرايا
أنظر ، أنظر إلى انعكاسات الأشياء من حولك
مرايا ؟؟؟؟
و لكن إذا كانت هذه مرآة فلمن وجه الدمية هذا ؟؟؟
لا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ،
لا لا لا لا لا لا
غير معقول
أهذا الوجه لي ؟؟؟؟؟؟
تحسست وجهي
تحسست الدمية وجهها
رفعت يدي اليمنى لأعلى
رفعت الدمية يدها اليسرى
اتسعت أعيننا دهشة
نظرت حولي
إذن لا مفر
وجه الدمية هذا وجهي أنا ؟
و لكن، أكيد هذا الوجه قناع مؤقت لغرض ما لا أعلمه
ربما نحن في حفل تنكري ؟؟
فلأنزعه بسرعة، فأنا لا أطيقه
حاولت نزعه حاولت و حاولت و لكن
كل محاولاتي باءت بالفشل
إنه وجه ، يا ويلي ، يا ويلي ، ليس قناعا
و لكن كيف تغير وجهي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ و لماذا ؟؟؟؟؟؟؟؟
كيف تحول إلى هذا الوجه السخيف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
حملتني الهواجس على أجنحتها
حلقت بي عاليا
فجأة ، هويت من عل
عندما وجدت شخصا يحمل نفس وجهي السخيف
لكنه يرتدي ملابس حمراء اللون
واقف بمواجهتي يرمقني بنظرات يتطاير منها الشرر
نظرت تجاهه ، لم يتكلم
نعم لم يتفوه بكلمة واحدة
لكن صوته وصل إلي ،
وجدت ما يفكر به يستقر عنوة بعقلي و قلبي
: هيا يا ( 47 . 39 . 15)
كيف يفعل هذا ؟ كيف تصل كلماته إلي دون أن ينطق بكلمة واحدة ؟
من هذا الشخص ؟
مالبثت نظراته أن صارت أكثر حدة
فكرته التالية كانت أسرع
: هيه ، أنت ، ألم تفهم ؟
( أشار إلي بعصا في يده ، انطلق منها تجاهي شعاعا صاعق ، صرخت )
: آآآآآآآآآآآآآآ ه
( هويت على الأرض ، ضحكاته التي احتبسها بصدره وصلت إلى قلبي )
: ها ها ها ها ها
( عندها أتى شخص آخر يحمل نفس الوجه يرتدي نفس الملابس ، أفكارهم المتبادلة ، تسللت إلي )
: ماذا حدث ؟
: هذا الرقم ناديته فلم يستجب
: لابد أنه جديد
( أشار تجاهي بجهاز غريب )
نعم لقد دخل الخدمة منذ 14 دقيقة و 36 ثانية و 45 فمتو
: و لو ، هيا يا ( 47 . 39 . 15)
ماهي إلا لحظات و وجدتني أركض و بعض أقراني داخل دهليز طويل،
رعب توغل مسيطرا على كياني عندما بصرت جدران الدهليز ،
مرايا ، مرا يا ، مرايا
ممتدة بامتداد البصر
انعكاساتنا تبادلنا الركض
تقاذفتني الظنون ،
أين أنا ؟ من أنا ؟؟؟ من أكون ؟؟؟؟
أم أن هذا العقل الذي أفكر به الآن ليس عقلي
من أين أتيت ؟؟؟؟ و أين أذهب ؟؟؟؟
آآآآآآآآآآآآآآه
ما هذا الكابوس المرعب ؟
ليته كابوسا و ينتهي ، ليتني أستيقظ
انعطفنا يمينا فإذا ببهو بوسع الفضاء اللانهائي
الآلاف بل الملايين من تلك الدمى ذات الملابس البيضاء
ما هذا ؟ ماذا تفعل كل هذه الملايين هنا ؟
رعب سيطر على جسدي
نعم نفس الدمى ، نفس الوجوه
اللهم إلا اختلاف الأرقام التي حفرت فوق الجباه
لا لا ، هذا كابوس
لابد أن أستيقظ فورا
صفعت وجهي بشدة ، ارتدت بوجهي أبواب الحقيقة
إنها الحقيقة أيها الأبله، إنها الحقيقة
أية حقيقة ؟؟؟؟ هل هذه هي الحقيقة ؟؟؟؟؟؟؟؟
وجدتني أنفجر غيظا
أصرخ بأعلى صوتي
: وا إنسانيتا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ه
وا آدميتا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ه
( صعقتني أشعتهم الخبيثة ،
هويت على الأرض ، أرفرف كالذبيح ، لا أقو على النهوض
بالكاد ألمح الأقدام المتشابهة
خطوات الرتيبة تتناقل أمام عيني
اغتصبت عقلي نفس خواطر هذا اللعين )
: هيا ، هيا ، لا جدوى لما تفعله ، هيا قم و اذهب و إلا .......... ؟
( عندها آثرت السلامة تحاملت على ذراعي حاولت منع جسدي من هذه الرجفة القوية التي ألمت به ،
و برغم الألم الذي اعتصرني إلا أنني نهضت أسير إلى قدري ، أغوص بين ملايين الدمى
وجدتني جالس إلى ما يشبه الطاولة الزجاجية الممتدة بامتداد البصر
واحد أنا من ملايين الدمى المتراصة على الجانبين
نظرت إلى دمية تجلس في الجهة المقابلة
فجأة نظرت إلي ، وجدت خواطرها تتسرب داخل عقلي
لم تتلفظ بكلمة واحدة من فمها ، لكن أفكارها وصلتني
: افعل مثلي
هيا قبل أن ينالك منهم ما هو أكثر
أمسكت بقبضتها ما يشبه المحقن المتصل ببعض الأسلاك الدقيقة التي تتدلى من أعلى ،
أمسكت مثلها بالمحقن الذي أمامي
قطرت الدمية قطرة من هذا السائل الشفاف داخل أنابيب زجاجية متراصة تمر أمامنا فوق الطاولة
قطرت نفس الأنابيب بنفس القطرة مثلها
وجدتها تكمل حديثها بخواطرها
: جديد ؟
وجدتني أنظر إليها ، أرد عليها بخواطري
: نعم
: و طبعا لديك نفس الأسئلة التي كانت لدينا عندما كنا مثلك ؟
نصيحة ؟
حاول ألا تفهم ، نعم ، محاولة الفهم في هذا المكان غالبا ما تأخذ صاحبها إلى الهاوية
: أين نحن ؟
: ها ها ها ها ها ها هاي ؟ ألم أنصحك يا هذا ؟
: من نحن ؟ و لماذا نحن هنا ؟
ماذا فعلنا ليزجوا بنا في هذا السجن ؟
و في أي زمن نحن ؟ و لماذا نلبس هذه الوجوه ؟
: أنني أشفق عليك أيها الفتي ،
تذكرني بنفس حالتي عندما أحضروني إلى هنا ،
و لذلك سأحاول تبسيط الأمر لك ،
أولا في أي زمن نحن ؟
نحن عام خمسون
: أية خمسون ؟
: ها ها ها ، لا لا ،
هذه التقاويم البدائية التي كانت لابد و أن تنساها
عامة بحساباتكم الجاهلية نكون في عام 2050 ،
أما أين نحن ؟
نحن هنا داخل المختبر و ليس سجنا ‘ فلا تخف ،
و لكن اعلم بأن بقاؤك هنا حتمي حتى نهاية حياتك
: كيف تأكلون هنا ؟ كيف تشربون ؟ كيف تنامون
: مجرد أن تحس بجوع أو عطش ستجد أمامك بعض الكبسولات تتناولها
أما بخصوص النوم فكما رأيت عندما استيقظت لكل منا حوضه
: هل تقصد أننا سنظل على هذه الحالة للأبد ؟
و زوجتي و أولادي ؟ ألن أرهم ثانية ؟
إنني لا أعرف حتى ماذا حل بهم ، لا أدري عنهم شيئا
: ستجدهم ، و لكن ستجدهم بنفس الوجوه
: ماذا تقول ؟ هل تعني أنني سأجد أولادي و زوجتي هنا و بنفس هذه الوجوه السخيفة ؟
: نعم ، فجميعنا هنا بنفس الوجه نفس الجسد ،
هنا لا فرق بين ذكر و أنثى
لا مكان هنا لهذه التفرقة الجاهلية بين جنس و آخر،
هنا المساواة الحقة ،
نحن هنا لا جنس لنا أيها الجاهل ، لا جنس ،
: ماذا تقول ؟ كيف ترضون بهذا ؟
أية حياة هذه أيها التعساء ؟ التناغم هو أساس الحياة ،
تعسا لهذه الحياة بلا اختلاف ،
أي ملل هذا الذي تخدعون أنفسكم به ؟
: أي تناغم هذا الذي تتحدث عنه ؟ ألا ترى وجهك ؟ ألا تحس بجسدك
لقد حصلت على الوجه و الجسد المثاليين للتمتع بأفضل حياة صحية سليمة خالية من الأمراض ،
حصلت على ما لم تكن لتحلم به أنت و لا أجدادك السابقين
عمر مديد بلا ألم بلا أمراض بلا جوع أو فقر أو حروب أو قتل
عمر تعيشه في سلام أيها الجاهل الرجعي المتخلف
الكل هنا سواسية كأسنان المشط ، أنت في المدينة الفاضلة أيها الأبله
العالم الآن يعيش حلم أفلاطون
( لقد أسعدك حظك أن تكون أحد أفراد ( اليوتوبيا ) أيها الرجعي )
: أية حياة هذه أيها المخدوعون ؟
هل يعجبك هذا السجن الذهبي ؟
هذه الكبسولات التي يلقون لكم بها ، تتناولونها كما تتناول البهائم علفها ؟
هل راقت لك هذه السخرة التي خدعوك بها ؟
هل هذا هو السلام الذي ملئوا به رؤوس الدمى هذه التي تحملونها فوق أجسادكم المطاطية ؟
هل هذه هي المدينة الفاضلة التي تحلمون بها ؟
هذا استسلام ، نعم استسلام لهؤلاء
من يعيشون على تسخير العالم أجمع لأهوائهم ومصالحهم فقط ،
و نحن دائما من يدفع الثمن ،
نعم الفقراء المغلوبون على أمرهم هم من يدفعون دائما ثمن رفاهية أغنيائهم
سحقا لهذه الحياة ، نعم
إنها حياة بلا طعم أو شكل أو لون أو رائحة
كيف تعيشون دون اختلاف ؟؟ أي جمال في ذلك أيها المخدوعون ؟
أين الجمال في هذا التماثل اللعين ؟؟
أين السعادة في أن يكون الجميع بنفس اللون ، نفس الوجه،نفس الجسد ؟
أي حياة هذه دون أبيض و أسود ؟ غني و فقير ؟ رجل و امرأة ؟
ذكر أو أنثى ؟
كيف تتناسلون إذن أيها الجاهلون ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
: ها ها ها ي و ماذا نفعل الآن بهذه الأنابيب الزجاجية أيها الأبله ؟
: نفعل ماذا ؟
: هاها ، ماذا تفعل الآن ؟
أدارت عينك الآن ؟ ها ها
نعم هذا هو التناسل ،
لك الفخر ، كل الفخر أنك الآن تشارك في هذا العمل العظيم
: هل تقصد أننا الآن ............. ؟
: نعم أيها الجاهل ، نعم
ألم تسمع عن الاستنساخ ؟؟؟
ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها
ابتسم أنت في عصر الاستنساخ
المفضلات