النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: سالم الاعمى

  1. #1


    موضوع أعجبني واحببت ان انقله للاخوان والاخوات في منتدانا.
    سالم الأعمى
    لم أكن قد تجاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل
    أبنائي، ما زلت أذكر تلك الليلة، كنت سهراناً مع الشّلة في إحدى الشاليهات،
    كانت سهرة حمراء بمعنىالكلمة، أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك
    موهبة عجيبة في التقليد،بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص
    الذي أسخر منه، أجل كنت أسخر من هذا وذاك، لم يسلم أحد منّي أحد حتى شلّتي .. صار
    بعض الرّال يتجنّبني كي يسلم من لساني وتعليقاتي اللاذعة..تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق،
    والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه ليتعثّر. تعثّر وانطلقت ضحكتي التي دوت في السّوق ..
    عدت إلى بيتي متأخراً ،وجدت زوجتي في انتظاري .. كانت في حالة يرثى لها !!
    - أين كنتَ يا راشد؟!
    - في المريخ (أجبتها ساخراً) عند أصحابي بالطبع ..
    كانت في حالة يرثى لها، قالت والعبرة تخنقها:
    - راشد… أنا تعبة جداً… الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكاً…
    سقطت دمعة صامته على جبينها ، أحسست أنّي أهملت زوجتي ، كان المفروض
    أ أهتم بها وأقلّل من سهراتي خاصة أنّها في شهرها التاسع…
    قاست زوجتي الآلام يوم وليلة في المستشفى، حتى رأى
    طفلي النور… لم أكن في المستشفى ساعتها، تركت رقم هاتف المنزل وخرجت، اتصلوا
    بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ..
    حين وصلت المستشفى طُلب منّي أن أراجع الطبيبة… أي طبيبة؟! المهم
    الآن أن أرى ابني سالم… لابد من مراجعة الطبيبة… أجابتني موظّفة
    الاستقبال بحزم !!
    صُدمت حين عرفت أن ابني أعمى!!!! تذكّرت المتسوّل…
    سبحان الله كما تدين تدان!!!
    لم تحزن زوجتي .. كانت مؤمنة بقضاء الله راضية ..
    طالا نصحتني…
    طالما طلبت منّي أن أكف عن تقليد الآخرين… كلاّ هي لا تسميه تقليداً بل غيبة…
    ومعها كل الحق!!
    لم أكن أهتم بسالم كثيراً، اعتبرته غير موجود في المنزل، حين يشتد
    بكاءه أهرب
    إلى الصالة لأنام فيها .. كانت زوجتي تهتم به كثيراً

    ، وتحبّه ..
    لحظة لا تظنوا
    أنّي أكرهه،أنا لا أكرهه لكن لم أستطع أن أحبّه!.
    أقامت زوجتي احتفالاً حين خطا خطواته الأولى، وحين
    أكمل الثّانية
    اكتشفنا أنّه
    أعرج!!!!!!!!.
    كلّما زدت ابتعاداً عنه ازدادت زوجتي حباً واهتماماً بسالم حتى بعد أن أنجبت عر وخالد..
    مرّت السنوات كنت لاهٍ وغافل، غرّتني الدنيا وما فيها، كنت كاللعبة في يد رفقة
    سوء مع أنّي كنت أظن أنّي من يلعب عليهم.. لم تيأس زوجتي من إصلاحي،
    كانت تدعو لي دائماً بالهداية، لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة ، أو إهمالي لسالم واهتمامي
    بباقي إخوته ..
    كبر سالم، ولم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحد المدارس الخاصة بالمعاقين ..
    لم أكن أحس بمرور السنوات .. أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر!!!
    حتّى ذلك اليوم .. كان يوم الجمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً، ما يزال الوقت
    باكراً لك لا يهم، أخذت دشّاً سريعاً، لبست وتعطّرت وهممت بالخروج
    استوقفني منظره، كان يبكي بحرقة! إنّها المرّة الأولى التي أرى فيها سالم يبكي
    منذ كان طفلاً .. أأخرج…؟ لا .. كيف أتركه وهو في هذه الحالة؟! أهو الفضول أم
    الشفقة؟! لا يهم…
    سألته… سالم لماذا تبكي؟!.
    حين سمع صوتي توقّف ، بدأ يتحسّس ما حوله… ما بِه يا ترى؟! واكتشفت أن ابني
    يهرب منّي!!!… الآن أحسست به… أين كنت منذ عشر سنوات؟! تبعته… كان قد دخل
    غرفته… رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه، وتحت إصراري عرفت السبب… تأخّر
    عليه شقيقه عمر الذي عتاد أن يوصله إلى المسجد،اليوم الجمعة خاف ألاّ يجد
    مكاناً في السطر الأوّل، نادى والدته لكن لا مجيب،حينها…
    حينها وضعت يدي على فمه كأنّي أطلب منه أن يكف عن حديثه، وأكملت :
    حينها بكيت يا سالم…
    لا أعلم ما الذي دفعني لأقول له: سالم لا تحزن… هل تعلم من سيرافقك اليوم إلى
    المسجد؟! أجاب: أكيد عمر… ليتني أعلم إلى أين ذهب؟!
    قلت له: لا يا سالم أنا من سيرافقك! استغرب سالم، لم يصدّق، ظنّ أنّي أسخر منه،
    عاد إلى بكائه، مسحت دموعه بيدي، وأمسكت بيده. أردت أن أوصله بالسيّارة رفض
    قائلاً: أبي المسجد قرب، أريد أن أخطو إلى المسجد..
    لا أذكر متى آخر مرّة دخلت فيها المسجد ولا أذكر آخر سجدة سجدتها ..
    هي المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية ..
    مع أن المسجد كان مليئاً بالمصلّين إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل
    .. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصليت بجانبه .. بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم
    مصحفاً... استغربت كيف سيقرأ وهو أعمى؟! هذا ما تردّد في نفسي، ولم أصرّح به
    خوفاً من جرح مشاعره .. طلب منّي أن أفتح له المصحف على سورة الكهف،
    نفّذت ما طلب، وع المصحف أمامه وبدأ في قراءة السورة، ياالله!! إنّه يحفظ سورة الكهف
    كاملة وعن ظهر غيب!!! خجلت من نفسي، أمسكت مصحفاً، أحسست برعشة في
    أوصالي، قرأت وقرأت، قرأت ودعوت الله أن يغفر لي ويهديني .. هذه المرّة أنا من بكى حزناً
    وندماً على ما فرّطت، ولم أشعر إلاّ بيد تمسح عنّي دموعي، لقد كان سالم!.
    عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع
    حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم!!.
    من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد، هجرت رفقاء السوء وأصبحت لي رفقة
    خيّرة عرفتا في المسجد.. ذقت طعم الإيمان معهم، عرفت منهم أشياء
    ألهتني عنها الدنيا.. لم أفوّت حلقة ذكر أو قيام .. ختمت القرآن
    عدّة مرّات في شهر وأنا نفس الشخص الذي هجرته سنوات!!! رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله
    يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس ..
    أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي، اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من
    عيون زوجتي، الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم،
    من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها .. حمدت الله كثيراً وصلّيت له كثيراً على نعمه ..
    ذات يوم قرر أصحابي أن يتوجّهوا إلى أحد المناطق العيدة للدعوة،
    تردّدت في الذهاب، استخرت الله واستشرت زوجتي، توقعت أن ترفض لكن حدث العكس!!
    فرحت كثيراً بل شجّعتني ..
    حين أخبرت سالم عزمي على الذهاب، أحاط جسمي بذراعيه الصغيرين فرحاً،
    ووالله لو كان طويل القامة مثلي لما توانى عن تقبيل رأسي ..
    بعدها توكّلت على الله وقدّمت طلب إجازة مفتوحة بدون راتب من عملي، والحمد لله جاءت
    الموافقة بسرعة، أسرع ممّا تصوّرت .. تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت
    خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي .. اشتقت لهم كثيراً… كم
    اشتقت لالم!! تمنّيت سماع صوته، هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت ..
    إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم .. كلّما أحدّث زوجتي أطلب منها أن تبلغه سلامي
    وتقبّله، كانت تضحك حين تسمعني أقول هذا الكلام إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها .. لم أسمع ضحكتها
    المتوقّعة، تغيّر صوتها… قالت لي: إن شاء الله ..
    أخيراً عدت إلى المنزل، طرقت الباب، تمنّيت أن يفتح سالم لي الباب لكن فوجئت
    بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره.. حملته بين ذراعي وهو يصيح… بابا يا بابا يا…
    انقبض صدري حين دخلت البيت، استعذ بالله من الشيطان الرجيم..
    سعدت زوجتي بقدومي لكن هناك شيء قد تغيّر فيها،
    تأمّلتها جيداً، إنّها نظرات
    الحزن التي ما كانت تفارقها .. سألتها ما بكِ؟! لا شيء.. لا شيء هكذا
    ردّت ..
    فجأة تذكّرت من نسيته للحظات، قلت لها: أين سالم؟!
    خفضت رأسها لم تجب، لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد الذي ما يزال يرن في أذني
    حتى هذه اللحظة…
    بابا ثالم لاح الجنّة عند الله !!
    لم تتمالك زوجتي الموقف أجهشت بالبكاء وخرجت من الغرفة ..
    عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين، أخذته زوجتي إلى
    المستشفى، لازمته يومين وبعد ذلك فارقته الحمى حين فارقت روحه جسده
    .. أحسست أن ما حدث ابتلاء واختبار من الله سبحانه وتعالى… أجل
    إنّه اختبار وأيّ اختبار؟!
    صبرت على مصابي وحمدت الله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه ..
    ما زالت أحس بيده تمسح دموعي، وذراعه تحيطني ..
    كم حزنت على سالم الأعمى الأعرج!!! لم يكن أعمى، أنا من كنت أعمى حين انسقت
    وراء رفقة سوء، ولم يكن أعرج، لأنه استطاع أن يسلك طريق الإيمان رغم كل شيء ..
    سالم الذي امتنعت يوماً عن حبّه!! اكتشفت أنّي أحبّه أكثر من أخوته!!! بكيت
    كثيراً …كثيراً، ومازلت حزيناً…كيف لا أحزن وقد كانت هدايتي على يديه؟!
    متأكّداً لو أنكم عرفتم سالم ستحبّونه أكثر ممّا أحببناه!









    مقاس التوقيع 500 بيكسل عرض وطول200 كحد اقصى وكذلك حجم التوقيع لا يتجاوز50ك ب نرجوا من الجميع التقيد بذلك من اجل تصفح افضل

  2. #2
    مشرف المضايف الإسلامية الصورة الرمزية الشيخ/عبدالله الواكد


    تاريخ التسجيل
    09 2001
    الدولة
    www.alwakid.net
    العمر
    60
    المشاركات
    1,693
    المشاركات
    1,693


    الاخ الفاضل ابوعلي حفظه الله

    تاملت مشاركاتك فاذا بها كلها رائعة وجميلة

    وذات موضوعية وهدف نبيل وفي هذه القصة من العبر والمواعظ

    مالو اوردتها لجاوز القصة طولا فهي قصة واضحة لكن المعاني

    فيها مضغوطه للغاية ثرية بمعنى الكلمة

    جزاك الله الف خير والينا بالمزيد

    وفي الحقيقة بعض الاخوان اذا زار المنتديات الاخرى ووجد فيها

    مادة بهذا الشكل فعندي ينطبق عليه قول الشاعر

    اذا كنت في حاجة مرسلا ** فارسل حكيما ولا توصه


    اخوك عبدالله الواكد

    مشرف المضايف الاسلامية





  3. #3

    رسالة



    فعلا // مشاركه رائعه منك يابوعلي ..وما قاله أبو فهد ناب عمّا شاج بصدري .......وبلاغتي لا تصل لما أتاه الله من علم ومعرفه.

    جزاك الله خير.



    قمّة الألم . . ! ! أن ترتشف الآهات . . وتتجشّأ الصمت
    **
    رحم الله من أهدى لي قبسا يضيء لي عتمة المكان من حولي.

  4. #4


    الاخوان

    الشيخ عبدالله الواكد

    والمشرف الغالي

    اشكر تفاعلكم مع المشاركه اعلاه

    واعتقد انه لزاما علينا جميعا المشاركه الفعاله والطيبه,

    وذلك للاستفاده المرجوة للجميع وكذلك لرفعةاسم منتدانا.



    مقاس التوقيع 500 بيكسل عرض وطول200 كحد اقصى وكذلك حجم التوقيع لا يتجاوز50ك ب نرجوا من الجميع التقيد بذلك من اجل تصفح افضل

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. الاعمى والعيد
    بواسطة احمد سليمان في المنتدى مضيف الأدب العربي الفصيح
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-12-2007, 21:23
  2. سالم اين انت؟
    بواسطة راعيهـــــــا في المنتدى مضيف التّرحيب والتعارف
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 22-07-2004, 22:35
  3. أن جاءه الاعمى
    بواسطة حاتم الشمروخي في المنتدى مضيف ذوي الاحتياجات الخاصة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 24-04-2002, 18:02
  4. سالم
    بواسطة شواح في المنتدى مضيف فيض المشاعر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14-10-2001, 23:40

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته