--------------------------------------------------------------------------------

دروس قطرية للحكام العرب
متسلحاً بدهائه وخبثه وعنجهيته، وصل القائم بأعمال رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيرس، إلى إمارة قطر قادماً من بلاد اللبن والعسل، ومعتقداً أنّ الشعب العربي ما زال يعيش في العصر الحجري، ولم يسمع عن الجرائم التي يرتكبها جيش احتلاله في لبنان وفلسطين. ولكن الرجل، الذي يحضر نفسه لخلافة رئيس الدولة المتهم بالاغتصاب، لم يتوقع في أسوأ أحلامه الوردية، أن تتحول زيارته "التاريخية" إلى مسلسل من الاهانات له ولدولته ولحكومته من قبل صناع القرار في الإمارة الصغيرة ومن طلاب الجامعات الذين التقى بهم خلال الزيارة القصيرة.
علينا أن نتذكر في هذه العجالة أنّ قطر تقيم علاقات تجارية محدودة مع إسرائيل ولها ممثلية تجارية في تل أبيب، والقضية غير سرية. بيرس حاول كعادته أن يضفي على الزيارة جواً من السرية التامة، لكي يقوم بعد ذلك بتسريب الأنباء للصحافة العبرية عن المحادثات التي أجراها، وعن النجاحات التي حققها خلال تواجده في العاصمة القطرية. فكما هو معروف في العلاقات الدولية فان الزيارة السرية تتم بالاتفاق بين الطرفين لكي لا تقوم وسائل الإعلام بفضح الطابق وتخريب المسيرة. حكام قطر رفضوا الشرط الإسرائيلي جملة وتفصيلاً وأصدروا بياناً رسمياً يفيد بان السيد بيرس يقوم بزيارة إلى الدوحة. وإذا انتقلنا إلى عالم كرة القدم للحظة واحدة، فبإمكاننا القول الفصل إنّ بيرس سجل هدفاً ذاتياً في الدقيقة الأولى من المباراة. وبما أنّ هذا الثعلب السياسي إنسان متفائل جداً، كما يصرح دائماً، فان الهدف الذاتي لم يردعه، وواصل محاولاته اليائسة والبائسة لإحراز التعادل. ولكن الرياح لا تجري كما يخطط لها القائم بأعمال رئيس الحكومة، وعليه عندما حطت طائرته في مطار الدوحة، تبين له أنّ أحداً من المسؤولين الرسميين لم يكلف نفسه عناء الوصول لاستقباله، فتلقى الصفعة الثانية بمحبة وبمودة، وواصل المشوار وكأن شيئا لم يكن. فالرجل بطل أبطال الخسائر والهزائم السياسية في دولته، أو كما يقول الممثل القدير عادل إمام "متعودة"، ولكنه، على ما يبدو، لم يتوقع أن يقوم العرب بالتصرف على هذا النحو، فهو من اخطر زعماء الصهيونية، لأنه يتعامل مع الأمة العربية بفوقية وتعال، وينظر إليها بازدراء واحتقار، والأنكى من ذلك انه يلبس ثوب الحمل الوديع، ويتناسى عن سبق الإصرار والترصد انه كان شريكاً فعالاً في مجزرتي قانا (1996 و-2006).
باعتقادنا أنّ زيارة السيد بيرس إلى قطر كانت تاريخية، ويمكن قراءة أبعادها وتداعياتها من خلال الاستقبال واللقاءات التي أجراها. حاول الرجل من منطلقاته إقناع حاكم قطر الشيخ حمد بن خليفة، بتطوير ورفع سقف العلاقات بين الدولتين، فجوبه بالرفض التام، وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فان الأمير ردّ على ضيفه بالقول عليكم إجراء المفاوضات مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفي هذا السياق علينا أن نتذكر أنّ الإمارة استقبلت قادة حماس لمدة سنتين، بعد أن قامت المملكة الأردنية الهاشمية، كثّر الله خيرها، بطردهم من أراضيها رضوخاً لاملاءات واشنطن وتل أبيب. علاوة على ذلك، لا يمكننا أن ننسى بأي حال من الأحوال أنّ قطر تحدّت الحصار الجوي الذي فرضته إسرائيل بعد انتهاء عدوانها البربري على لبنان، ووصل نائب وزير خارجيتها إلى بيروت والجنوب على متن طائرة قطرية، وتبرع بالأموال للشعب اللبناني الذي قصفه جيش الاحتلال، حسب الرواية الأمريكية الرسمية، بالقنابل العنقودية المحرمة دولياً.
أما على المستوى الشعبي فقد تربص طلاب الجامعات في قطر للمسؤول الإسرائيلي رفيع المستوى. وبيرس كما بيرس، حاول من خلال الكلام المعسول والفذلكة التي لم تعد تنطلي على احد أن يحول دولته إلى ضحية، ويوجه سهام نقده إلى الفلسطينيين قيادة وشعباً. ولكن طلاب الجامعة أمطروه بوابل من الأسئلة "الصعبة والمحرجة" حول القضية الفلسطينية والمسألة اللبنانية ورفض بلاده التوصل إلى سلام مع سورية، وكان اللقاء متوتراً للغاية. وفي نهايته صرخ احد الطلاب في وجهه: "أنت إرهابي، أنت إرهابي"، ولكنه فضّل عدم الرد. وقال طالب آخر للقائم بأعمال اولمرت إنّ الدولة العبرية مبنية على التمييز والعنصرية، وتساءل عما إذا لم يبق أمام الفلسطينيين سوى التهود، وذلك لكون كل يهودي، حتى من ليس له علاقة بإسرائيل، يستطيع الحصول على كامل الحق في المجيء إلى إسرائيل. وحسب وسائل الإعلام العبرية، فان صورة إسرائيل ما زالت سيئة للغاية في قطر.
نأمل أن يكون السيد بيرس قد ذوتّ ما حصل له في قطر، ولكن ينتابنا شعور بان الرئيس المصري السيد حسني مبارك، سيزعل على أصدقائه الإسرائيليين، لأنهم لم يأمروا جيش احتلالهم باقتحام رام الله خلال زيارة بيرس إلى قطر، كما فعلوا معه عندما قام اولمرت قبل عدة أسابيع بزيارته، بهدف إهانته. الدبابات لا تنفع، والغطرسة لا تجلب المودة لإسرائيل وحكامها، وعلى الزعماء العرب، وتحديداً المعتدلين منهم، حسب التصنيف الإسرا-أمريكي أن يتعلموا قليلاً من قطر قيادة وشعباً.
2007-02- 2
للكاتب:زهير اندراوس