محمد سعيد الريحاني
21 - 1 - 2006
مقدمة:
" أليس الأدب كفاحا، والكفاح أدبا؟" هذه الصيحة أطلقها الكاتب المسرحي والفيلسوف الايرلندي الكبير جورج برنارد شو. وهي تلقي الضوء على خاصية مهمة من خاصيات الأدب خصوصا والكتابة عموما وهي أنه لا يمكن تصور ثقافة مكتوبة إلا متخذة لموقف ما ومدافعة عنه حتى النهاية. بل إنها تلزم الكاتب ذاته بالدفاع عنها في كتاباته وتصريحاته اللاحقة. ومادام الأمر يتعلق بالكفاح عبر الكتابة، فالكتابة تبقى إما كتابة ملهمة أو كتابة تحت الطلب.
- (I الكتابة الملهمة والكتابة تحت الطلب:
الكتابة كشكل من أشكال الجهر بتصور عام للوجود ( إما تكريسا للواقع أو سعيا لتغييره ) هي ثمرة أفكار استثنائية في لحظات خلوة استثنائية نسميها " إلهاما " أو " وحيا " تتسلط على الكاتب وتكتب به ومن خلاله . الحقيقة أن "الإلهام " هو أهم ما في عملية الكتابة والتأليف عموما. بل هو ما يميز الكتابة الحقة عن الكتابة تحت الطلب. ولكن " الإلهام" ليس هبة خارجة عن ذات الكاتب. " الإلهام" طاقة داخلية تتفجر مع اكتمال النضج والتخزين . ولذلك أمكن للكاتب أن يختار "إلهامه" وتوقيت تفجره، إن هو أراد ذلك لأن الأمر يتعلق بإرادة وليس بصدفة : فالإلهام صناعة وليس هبة ممنوحة :
"اختر موضوعا واحدا، إشكالا واحدا ثم اقرأ له في كل الكتب والدوريات، وشاهده في كل الأفلام والعروض المسرحية، وانصت له في كل القصص والنوادر والأخبار والأغاني، وجربه لتختبر بنفسك ما في مخيلتك من معلومات مخزنة ...وحين ينضج الموضوع ويختمر، سينقلب عليك السحر وستصبح وسيلة لا كاتبا. وهذا ما نسميه عادة " الإلهام" أو"الوحي" أو "شيطان الكتابة" أو غير ذلك. ولكنه ليس شيئا آخر غير انفجار الخزان الذي جمعته من مشاهداتك وقراءاتك وتجاربك حول موضوع مركز بالغ التحديد، إنه انفجار نص يريد كتابة ذاته بذاته" .
- (Iالقارئ المفترض:
الحقيقة أن المعني بالكتابة هو حلقات متشابكة تجمع القارئ بالناقد بالناشر بالموزع بالكتبي...فالناشر لا يقبل بما يخالف خطه الإيديولوجي لذلك فالتعامل معه أساسه إما القرابة الإيديولوجية أو الكتابة تحت الطلب ...
أما الموزع فشرطه هو عدم إخلال الكتاب بالأمن العام . وهو الشرط الذي يضيف إليه الكتبي وشرط القابلية للبيع .
أما الناقد فيشترط تواجد الكتاب في السوق مع حداثة الطبعة، فضلا عن بعض الإضاءات المنشورة على صفحات الجرائد: شهادات، مقالات صحفية مع الكاتب ...
أما القارئ الذي يبقى قبلة لكل المجهودات الثقافية، فلا يقبل بغير الكتاب القوي الذي يمنح أحلام القارئ في الحرية وأفكاره المتشظية فرصة للانفجار والتحقق والإفصاح عن ذاتها. إنه يتوقع كتابا يحترمه، لإيمانه بأن الكتابة أداة تواصل راقية تحرر المشاعر الإنسانية النبيلة وتشعر القراء بحريتهم وتستدرجهم للاستمتاع بها .
الكتابة مطلب وجودي يتمظهر في شكل واجب ينتظر من القارئ القيام به من خلال الوعي بحريته واستثمارها . إن لجوء الكاتب إلى القارئ كي يشارك في تحقيق المشروع الإبداعي، هو اعتراف منه بحرية القارئ، بل إن المجهود العظيم الذي يبدله كل كاتب قبل إصدار عمله لأكبر دليل على هذا الاعتراف بحرية المتلقي الذي قد يرمي العمل برمته في وجه كاتبه إن أظهر هذا الأخير نفاقا أو تحايلا على حريته.
حرية القارئ معطى وحرية الكاتب مواز. وكل مشروع يجمعهما هو مشروع يستند على خلفية احترام حرية الآخر واستحضار كرامته. إنه تعاقد بين طرفين متكاملين لاغنى لأحدهما عن الآخر، ولا سلطة لهذا على ذاك. هذا التعاقد بين القارئ الحر والكاتب الحر يمكن فهمه على خلفية التعاقد بين الأحرار في المشروع المجتمعي العام: فالكاتب، وهو صورة الحاكم المفترض، يقترح مشروعا لتجديد المجتمع برؤية ذاتية على القارئ ، وهو صورة للمواطن المفترض الذي قد يصادق وقد يرفض المشروع...ولذلك فالقارئ يطلب من الكاتب المسؤولية العلمية وتمجيد الحرية كقيمة مطلقة، كما يعتز بمشاركة الناقد/القارئ في التقديم للكتاب مما يسمح بالمقارنة بين الرأي والرأي الآخر، بين القراءة والكتابة، وهو ما يكسب الكتاب خاصية متعددة الأبعاد .
لكن، بعد احترام حرية القارئ وفسح المجال لأقلام اخرى للتقديم للكتاب، تبقى أهمية اختيار العنوان والغلاف ليست بالتافهة فهي واجهة الكتاب. مثلها في ذلك مثل السيرة العلمية على ظهر الغلاف.
III -(السيرة العلمية :
أهمية السيرة العلمية على ظهر الغلاف تكمن في كونها تصنع للكتاب سياقا علميا قد يغير من قيمة الكتاب 180 درجة تحت تأثير السيرة العلمية بشواهدها وجوائزها وإصداراتها ومسؤولياتها العلمية والجمعوية...ولعل أفضل طريقة للكاتب الناشئ المتطلع إلى تحرير سيرة علمية متميزة هو تسطير أعماله القادمة تحت عبارة " له قيد الإعداد للنشر " على ظهر الغلاف. وهو ما سيفهمه القارئ برنامجا علميا مسؤولا سيعكف الكاتب على إخراجه للوجود لاحقا. كما أنه سيوفر على القارئ السنين الطوال. فبهذه الطريقة، وعوض انتظار عشر سنوات مثلا لتكوين فكرة عن الكاتب، يمكن تكوينها عنه الآن، ومنذ الإصدار الأول . لذلك كان من الأفضل للكاتب الناشئ أن يتروى في نشر كتابه الأول إلى حين انتهائه من الكتاب الثاني وتحديد برنامج العمل المستقبلي وعناوين الإصدارات القادمة لإدراجها على صفحة الغلاف الخلفية.
-(IV النشر على وسائل الإعلام المكتوبة كسبيل للتعريف بالكتاب :
لأن الوصول الى القارئ هدف لا محيد عنه، فلقد كان من الأهمية بمكان أن يفكر الكاتب جديا قبل كل إصدارفيما سيفعله قبل النشر وبعده لضمان وصول كل كتاب الى قارئه. ولذلك فمن المقترحات المفيدة للكاتب الناشئ قبل إقدامه على نشر كتابه في حلته النهائية أن ينشره على حلقات على منابر إعلامية مقروءة وعلى مواقع الكترونية كثيرة الزوار ومتميزة ثقافيا.
أما بعد النشر فمن المهم أن يعمل الكاتب، إما بالتعاون مع نظرائه من الكتاب الناشئين أو بشكل فردي في حالة الضرورة، على إصدار جريدة خاصة تسبق خروج الكتاب لسوق القراء أو تصاحبه. ومهمة هذه الجريدة التي لا تنشر شيئا آخر غير النسخة الكاملة للكتاب وصورة الغلاف وصورة الكاتب وسيرته الذاتية، هي إيصال الكتاب الى المناطق النائية من البلاد التي قد تصلها الجريدة دون الكتاب، وتمكين ذوي الدخل المحدود من قراءة الكتب التي تتجاوزهم من حيث الثمن.
أن إصدار كتاب مباشرة على صفحات جريدة فصلية تصدر خصيصا للترويج له والتعريف به في خمسة آلاف نسخة أو أكثر وتوزع في كل ربوع البلاد ويقرؤها على الأقل متلق واحد، تضمن بكل تأكيد إشعاعا أكبر. هذا الإشعاع الممكن مضاعفته بخلق تواصل بين الكاتب والقارئ على الصفحة الاولى من الجريدة بسلوك عدة طرق:
1- وضع اعلان حول إمكانية بيع الكتاب عبر البريد التقليدي مع التنصيص على الثمن وطريقة التسديد وعنوان المرسل اليه ...
2- عرض صورة الكاتب وسيرته الذاتية وعناوينه البريدية التقليدية الالكترونية ورقم هاتفه لتقريب الكاتب من القارئ...
بهذه الطريقة، سيدخل الكاتب الناشئ المكتبة بالكتاب وسيلج الكشك على الجهة الأخرى بالكتاب في جريدة، وسيفتح الجسور مع كل القراء بكل الأثمنة (ثمن الكتاب وثمن الجريدة ) وسيؤسس لثقافة جديدة تلتف حولها كل الفئات من القراء.
-(VI توقيع الكتاب: الوظيفة والدلالة
الحرص على توقيع الكتاب هو حرص على كسب مروجين جدد للكتاب. إن التوقيع الجميل للكتاب هو وظيفة فعالة قد تحول الزبون- القارئ إلى مشهر للكتاب، لأنه يؤمن بأن في الكتاب جزء منه باعتراف الكاتب، وبخط يده ،وأكثر من ذلك،على الصفحة الأولى من الكتاب ...
والتوقيع الجميل هو ما أظهر معرفة بشخصية أو اهتمامات الزبون- القارئ الذي يتوقع من الكاتب أحد الأمرين، أو كليهما:
1)- أن يكشف له طاقاته الدفينة ويعترف له باهتماماته: "إلى عاشق القراءة فلان الفلاني"...
2)- أو أن يقربه منه كصديق عزيز، أو غير ذلك:" إلى الصديق العزيز فلان الفلاني"...
وتوقيع الكتاب ليس حكرا على حفلات التوقيع التي قد تقيمها جمعية ثقافية أو دار شباب للكاتب لتقديم كتابه والتعريف به ومناقشة مضامينه .بل التوقيع يكون أكثر فعالية إذا ما وسع دائرة اشتغاله، مثل:
أ ) - توقيع قبلي أو بعدي للكتب المقتناة من عند الموزعين الفرديين للكتاب حسب معرفة الكاتب بالزبناء القراء او نزولا عند رغبة هؤلاء في اقتناء نسخهم من عند الموزعين الفرديين موقعة.
ب)- تعليق إعلان على واجهة مكتبة فاعلة يخبر فيها الكاتب القراء عن مساء محدد لتوقيع كتبه داخل المكتبة المحددة.وفائدة هذه المبادرة مزدوجة: فمن جهة، فهي تحشد الزبناء - القراء وتروج للكتاب وتثير فيهم الفضول وحب الإستطلاع والرغبة في رؤية الكاتب عن قرب. ومن جهة ثانية، فأرباح المكتبة تنتعش إذ لا يمكن أن يدخل عاشق للقراءة مكتبة تحتفل بلقاء كاتب مع القراء بين صفوف الكتب ولا يثير هذا الجو النبيل الرغبة في تصفح كتب جانبية وشراء أخرى معروضة.
-(VII أشكال المتابعة الصحفية للكتاب الحديث الصدور:

الكتاب، مثل النبتة، بحاجة للسقي والرعاية والاهتمام. وكلم صنعت الظروف الملائمة، نما الكتاب وازدهر وانتشر. وكلما ترك الكتاب لوحده مات عطشا وحسرة. فلتوفير شروط انتشار الكتاب, وجب العمل على الواجهتين:
1)- الواجهة الورقية: صحافة مكتوبة, سحب مقالات عن الكتاب من مواقع إلكترونية وتوزيعها على الأصدقاء والمهتمين والزبناء القراء...
2)- الواجهة الإلكترونية: إنشاء موقع على الشبكة الدولية للمعلومات يكون مداوما ثقافيا ينوب عن الكاتب في غيبته ويمد الزوار من المبحرين بالمعلومات المطلوبة. ويعرف بالكاتب لدى مواقع أخرى وبإصدارات ومخطوطاته.
أما عن برنامج المتابعة فهو عبارة عن حلقات متشابكة غير منفصلة:
1)- تغطيات صحفية: تعريف سطحي وبسيط بإصدار على صفحات جريدة او مجلة...
2)- حوارات: فضاء للأخذ والرد بين الكاتب ومحاور يمثل القراء وينوب عنهم في طرح الأسئلة.
3)- شهادات: يكتبها الكاتب عن تجربته في العمل الصادر.
4)- قراءات نقدية: وهي أرقى ما يكتب عن الإصدار الجديد كونه يستفيد من التغطيات الصحفية ومن شهادة الكاتب عن أعماله وأشكال اشتغاله.
أما التغطية الصحفية،فتبدأ بإرسال الكتاب لجريدة أو مجلة أو قناة إذاعية / تلفزية ...وهي دليل القارئ للإصدارات الجديدة . ولتشغيل هذه الوسيلة بانتظام لفائدة حضور الكتاب في الصحف ورواجه في المكتبات، يمكن اللجوء إلى تغطية كل اسبوعين بإهداء نسخة من الكتاب إلى صحيفة من الصحف الواسعة الانتشار. وبذلك تضمن الحضور على الصحف بمدة 6 أشهر متتابعة .
أما الحوار، فهو بالنسبة للقارئ فرصة لإزالة اللبس عن بعض المفاهيم وطرح بعض الإشكالات. لكنه بالنسبة للكاتب فرصة لتقديم العمل وكسب ود القارئ وطرح برنامج العمل للسنوات القادمة ...
أما بالنسبة للشهادات،فهي كتابات حول كواليس الكتابة قبل صدور العمل في طبعته النهائية: فقد تركز على المرجعيات أو الصعوبات أو القدرات الذاتية أو الانجازات والنجاحات المحققة...
أما بالنسبة للقراءة النقدية،فهي كتابة واعية للعمل الصادر ينجزها ناقد متمرس مهمته ليس التعريف بالكتاب لان تلك مهمة الصحفي المكلف بالملاحق الثقافية،وإنما مهمته البحث عن الهدف وراء كتابة العمل ثم مساءلة الادوات التي من خلالها يعبر العمل عن ذاته .
و مجموع هذه المتابعات ينشر على الموقع الإلكتروني ويستنسخ في نسخ كربونية ليوزع على الأكشاك والأصدقاء من لجان التوزيع الذين يضعونه رهن إشارة المهتمين.
-(VIII الإهداءات: الأهداف والفعالية
الإهداء عملية ضرورية تسبق او تواكب التوزيع التقليدي لكل كتاب. إنها تعرف بالكتاب لدى مجتمع النخبة وتخلق العلاقات الإبداعية والعلمية بين النخب وتختصر الوقت في الوصول الفاعلين الحقيقيين الذين يختارهم الكاتب طبقا لمادة كتابه. لذلك فالنخبة المعنية بالإهداء قد تكون:
- باحثين مهتمين بموضوع الكتاب.
- نقاد متمرسين.
- منشطي برامج ثقافية تلفزيونية او إذاعية.
- مخرجين سينيمائيين وكتاب سيناريو ( في حالة ما إذا كان الكتاب عملا سرديا).
- ملحنين موسيقيين( في حالة ما إذا كان الكتاب ديوانا شعريا).
-(IXإعداد وتوزيع خلايا التوزيع:
هناك طريقتان لاقتناء الكتاب :
1)- ذهاب القارئ للكتاب وهو تقليد يميز المجتمعات المتحضرة، حيث تقاليد القراءة متجذرة.
2)- ذهاب الكتاب للقارئ وهو محاولة للرقي بالقراءة في المجتمعات غير الآبهة بالقراءة أو حيث الكاتب ناشئ ولا يزال يعرف بنفسه لقرائه المستقبليين، أو حيث تعاني الشعوب من التضييق على حريات التعبير و القراءة ...
ولأن لكل مجموعة ثقافية شكل مناسب من أشكال التوزيع ، ولكل كاتب طريق خاص للوصول إلى القارئ فإن خير وسيلة لوصول الكتاب الأول إلى القارئ هو ذهابه إليه في عقر داره من خلال موزع صديق عاشق للكتاب والقراءة.وهذا يطرح سؤالا مهما حول أشكال التوزيع ...
فالتوزيع بمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع متكاملة :
1)- توزيع على القراء، توزيع من اليد إلى اليد.
2)- توزيع على الأكشاك والمكتبات .
3)- توزيع على المؤسسات والجمعيات.
النوع الإول هو التوزيع من اليد إلى اليد وهو مهم للغاية لأنه يضع الكتاب في سياقه الطبيعي : صديق يقدم لصديق كتابا يختاره له ويحببه له. والربح الكبير هنا هو في التقليد الحضاري: "تبادل الهدايا بالكتب"، "الحديث عن الكتب"، "ترويج اقتصاد الكتب"...وتنظيم هذا النوع من التوزيع قد يجعله أكثر فاعلية وذلك إما :
1)- بالتوزيع الفردي المباشر :فرد يوزع النسخ على قراء يختارهم .
2)- أو بالتوزيع العنقودي: وهو أكثر اقتصادا للجهد وللوقت بحيث توزع مجموعات من الكتب على مكلفين بالتوزيع في مناطق جغرافية متباعدة. وهؤلاء المكلفين يوزعون حصصهم بالتوازي على مكلفين تحت مراقبتهم. ويستمر التشعب العنقودي إلى أن يصل كل كتاب إلى قارئه .
ويبفى من الضروري أن يلم الموزع بالكتاب بعد جلسة مع الكاتب يحضرها كل الموزعين الرئيسيين. فالقارئ يفضل شراء كتاب من يد موزع صديق للكاتب، مثلما يعشق شراء كتاب موقع بقلم الكاتب. ومن بين الأسئلة التي يجب على الموزع الفردي الإلمام بها:
1)- سيرة الكاتب وخلفيته المعرفية.
2)-مضمون الكتاب وإشكالاته .
3)- الإضافة التي يحملها الكتاب للمكتبة الثقافية.
ومن المهم أن يسبق التوزيع اليدوي التوزيع عن طريق المكتبات كي يساهم في التعريف بالكتاب بطريقة حيوية وسريعة. حتى إذا ما راج الحديث والنقاش حول الكتاب، كبر الطلب على الكتب لتبدأ المرحلة الثانية، مرحلة التوزيع عن طريق المكتبات والأكشاك...
الموقع الجغرافي للكشك أو المكتبة مهم: فالمحطة الطرقية والشارع الرئيسي للمدينة من الأماكن المفضلة لعرض الكتاب الحديث الصدور. فكشك المحطة الطرقية يضمن للكاتب السفر في الاتجاهات الأربع، شمالا وجنوبا شرقا وغربا. كما أن العرض على فيترينات مكتبات الشوارع الرئيسية للمدن أكثر أهمية بالنسبة للكاتب الناشئ الذي لازال يحتاج إلى ترويح اسمه. ذلك أن وقوف ألف قارئ أمام الفترينة لمدة 30 ثانية قبالة غلاف كتابه خير له من قارئ واحد يشتري نسخة واحدة خلال الثواني الأولى لعرضها على الفترينة. فمن ينكر ان أكثر من 80% من معارفنا عن الكتب والكتاب كوناها فقط عن طريق أغلفة الكتب وما قيل ويقال عنها؟!...
ولذلك فالعرض على الفترينات مهم للغاية خصوصا في المواقع الجغرافية التي تعج بالقراء وزبناء الكتب. ومن المفيد إهداء نسخ كربونية مما كتب عن الكتاب من حوارات أو شهادات أو تغطيات أو قراءات نقدية إلى الكتبي. فذلك يخلق في نفس هذا الاخير الحماس لترويح الكتاب وقد ينصح به زبناء هو الأدرى باهتماماتهم .
1)- أما النوع الثالث من التوزيع، فهو التوزيع بالجملة ويخص:
الجمعيات مقابل خصم مشجع )25% أو 30(%يجعلها تلعب دورها الحقيقي: خلق القارئ وزرع بذور القراءة والحرية.
2)- المؤسسات التعليمية مقابل خصم لفائدة التعاونية المدرسية)10% أو 20(%بحيث تصبح المدرسة حلقة وصل حقيقية بين التربية والثقافة.
3)- المجالس البلدية ضمن صفقات المؤلفات المخصصة لفائدة الخزانات العمومية بالمدينة وهدايا تكريم الموظفين المتقاعدين والجوائز المخصصة للمتفوقين من التلاميذ والطلبة في آخر السنة .
4)- وزارة الثقافة في إطار دعم الكتاب عبر اقتناء مجموعة من النسخ لتعميمها على الخزانات العمومية وطنيا.
-(Xالتوزيع عن طريق شركات التوزبع:
بعد التوزيع اليدوي على الافراد والاكشاك والمكتبات على صعيد المدينة أو الإقليم أو الجهة، لمدة تناهز الثلاثة اشهر، يمكن توسيع رقعة التوزيع عن طريق شركات التوزيع على المستوى الوطني لكن الخصم سيرتفع إلى ما بين )40% و 50(% من كلفة الكتاب.كما سيشترط العقد المبرم مع الشركة عدم منافستها في التوزيع. وهذا يتطلب جمع ما تبقى من النسخ المودعة في الأكشاك والمكاتب وإخلاء الساحة للتوزيع المؤسساتي الصرف لمدة ستة اشهر، أو حسب الاتفاق. بعدها تنتهي صلاحية التوزيع عن طريق الشركة ويتسلم الكاتب عائداته ومرجوعاته من الكتاب. لكن تبقى المرحلة الأخيرة من عمر الكتاب، بعد كل جهود التعريف والترويج والتوزيع . إنها "مرحلة الاهداء للعموم " وقوام هذه المرحلة هو " الوصول بأي ثمن الى القارئ ولو بالإهداء المجاني".
تبدأ "مرحلة الإهداء للعموم" بإعلان يوزع على الصحف الواسعة الانتشار ووسائل الإعلام السمعية و البصرية يخبر فيها عموم القراء بأن الكاتب الفلاني يضع رهن إشارة القراء أو المستمعين أو المشاهدين بالمجان كتابه المعنون كذا ، وللحصول على النسخة – الهدية ، يرجى الاتصال بالكاتب على العنوان البريدي التالي مرفوقا بطابع بريدي من فئة كذا درهم وظرف بريدي بمقياس 18x26 سنتمترا أو 16x24 سنتمترا ، حسب حجم الكتاب.
XI)- تركيب:
إذا كان الأدب شكلا من اشكال النضال ضد كل اشكال الظلم والتهميش والإقصاء، فإن الأمر يتطلب تخطيطا وعملا ممنهجا يضع اولى أولوياته الوصول إلى القارئ بأي ثمن ومساعدته على معانقة الحرية والانعتاق.
إن القارئ يتوقع كتابا يحترمه، لإيمانه بأن الكتابة أداة تواصل راقية تحرر المشاعر الإنسانية النبيلة وتشعر القراء بحريتهم وتستدرجهم للاستمتاع بها . أما بعد عملية الكتابة فتبقى عملية التوزيع هي السيف الفاصل بين الفشل والنجاح تحقيق الاهداف النبيلة للكتاب. ولذلك أمكن الكاتب الناشئ التدرج في توزيع كتابه من الدوائر الصغيرة( دوائر الأصدقاء) إلى الدوائر الأكبر (دائرة القراء المحليين في المدينة وأكشاكها) إلى دوائر الأصدقاء خارج المدينة الذين يعرفون بالكتاب في ربوع ارض الوطن(في جامعاتهم ومقرات عملهم ومحطات اسفارهم وحتى في جلساتهم العادية في المقاهي بمجرد وضع الكتاب على المائدة أمام اعين الرواد والمارة)، مرورا بالتعامل مع شركات التوزيع ثم بيع المرجوعات إلى مكتبات "خدمات الكتاب" بخصم قد يصل إلى %70 او إهدائها إلى القراء عبر البريد التقليدي، وهو ما يتطلب عرض إعلانات سابقة على وسائل الإعلام السمعية والمرئية والمكتوبة . آنذاك يكون الكاتب قد أنهى مهمته وبلغ أمانته وطهر ضميره وعانق التاريخ.