البيت القديم في حائل (1)
اتمنى ان يجد هذا الموضوع الخاص بالبيت الحائلي القديم ان يجد الاهتمام وان يكون ذا قيمة ..!!
نستطيع القول أن البيت القديم في حائل هو ذلك المسكن الذي يضم أسرة بأكملها. ومشيد من الطين والخشب بتعاضد أبناء الحي بعيدين عن العمالة الوافدة وبأجرة رمزيه تكاد تكون مجرد حصوله على وجبة غداء أو عشاء .
فمنهم المتخصص ببناء الحيطان ومنهم المتخصص في تجريد العسيب للأسقف ومنهم المتخصص في ترميل الأسقف وذلك بربط العسيب بأخشاب الأسقف التي تحضر من خشب شجر الأثل . وقد عايشت تلك الفترة في أواخر الثمانينيات بعد الثلاثمائة وألف للهجرة النبوية ، حيث شاهدتْ كيف يتم بناء الحائط من الطين وتركيب الأبواب والأسقف وتبليط السطوح بالطين وإنشاء الميلة ( وهي أعمدة لتكوين القبب أمام الأحـواش وفي السطوح ) وسنتطرق بالتفصيل ما أمكن عندما نتحدث عن كل جزء من أجزاء ذلك البيت وبأسمائها المتعارف عليها في تلك الأيام ومرجعيتها باللغة العربية .
* الباب الطالعي
وهو أول إطلالة تواجه القادم للبيت القديم بعد أن يدخل الحارة أو الحي . وأشهر تلك الحارات في حائل في ذلك الوقت حارة السويفله ولبده وبرزان وسرحه والعليا والزباره وعفنان ومغيضه .
( والحاره )[1] عبارة عن ممر لايتجاوز عرضه في الغالب أربعة أمتار ويصل طوله إلى مائتين متر ولايأخذ غالباً شكل الإستقامه ويتخلله ممرات صغيره مسدودة وعلى جانب تلك الممرات تقع البيوت القديمة المتراصصة في مبانيها إلى حد أنه ومن شدة التراصص والتداخل بين تلك البيوت تجد أن الغرف السفلية مملوكة لشخص وبعض الغرف العلوية مملوكه لشخص آخر .
ونعود بالحديث عن الباب الطالعي والذي بمثابة المدخل الرئيسي للبيت القديم وقد عرّف الباب في اللغة[2] بأنه المدخل أو الطاق الذي يُدْخل منه وبمعنى مايُغْلق به ذلك المدخل من الخشب وغيره وجمعه أبواب وبيبان كتاج وتيجان ويقال أيضاً أبوبه .
قال الشاعر : -
هتــاك أخبية ولاج أبوبه **** يخلط بالبر منه الجدّ والينـا
وأستعار سو يد بن كراع الأبواب للقوافي فقال :ـ
أتيت بأبواب القوافي كأنمـا أذود بها سرباً من الوحش نزعا
والبواب لازمه وحافظه وهو الحاجب .
وفي لهجتنا العامية الباب الطالعي هو الباب الخارجي للبيت القديم وهو المطل على الممر أو الحي ومكوّن من عدة أجزاء . فهو عبارة عن قطع خشبية تأتي بطول يقارب المترين أو الثلاثة وبعرض مترين أو أقل ومن خشب الأثل أو جذوع النخل كما يسمونها بالعامية (النغف )[3] قطّعت بأشكال مستطيلة ورصت بجانب بعضها ويربطها أربع قطع خشبية من خشب الأثل دائرية الشكل ومنبسطة القاعدة تمسك بواسطة مســامير كبيرة ذات قرص وتســمى ( أبو قرص)[4] ويشتمل الباب على ( الرّكزه ) وهي زيادة في خشبات الباب الأخيرة من أعلى فتدخل بما يسمى (النجاف) وهو الحامل للحائط الطيني من أعلى الباب وهو عبارة عن ثلاث خشبات بجانب بعضها الخشبة الوسطى منها بها فتحة مستديرة تدخل بها الرّكزة العلوية والرّكزة السفلية تكون بداخل خشبه محفورة ومثبتــة في الأرض تســـــمى ( الدواسة ) ومن خلال تلك الركزتين يسهل فتحه وقفله .
ويشمل الباب الطالعي على ( الضبة )[5]وهي بمثابة القفل للباب ومكونة من لسان خشبي ينزلق داخل قطعة خشبية أخرى بها فتحات صغيره تسقط من خلالها على ذلك اللسان (السنون ) وهي قطع خشبية صغيرة مدورة وتدخل في فتحات مقابلة باللسان فتمسك اللسان من الرجوع عند سحبه من قبل أي شخص بحيث لايتمكن من فتح الباب لكون اللسان داخل في فتحة مقابلة له في الحيط . الضبة مفتاح خاص يتناسب مع المسافات بين الفتحات على شكل حرف ( ل ) يدخل من خلال حفرة في مؤخرة اللسان ويرفع بواسطته تلك الخشبات الساقطة الماسكة للسان الضبة وهو مصنوع إماّمن الخشب أو من الحديد .
كما أنه يحتوي ذلك الباب على ( الحلقة )[6] وهي المنبه لأهل البيت عن طارق الباب ومكونه من حديدة مدورة بسمك الإصبع غالباً . ومثبتة بواسطة ماسك حديدي بالباب وعادة ما تكون في النصف العلوي من الباب ويقابلها من أسفل مسمار من نوع ( أبو قرص ) مثبت في الباب فإذا رفعت تلك الحلقة باليد إلى أعلى وتركت نزلت باتجاه الأسفل وأحدثت صوت من جرّا سقوطها على ذلك المسمار المثبت بالباب فينبه أهل البيت ويحضرون للطارق . ويزدان الباب الطالعي بالنقوش وهي عبارة عن دوائر سوداء ومثلثات تكون أسفل وأعلى القطع الخشبية المعترضة التي تمسك خشبات الباب الطولية وعادة ما يستخدم في عمل تلك النقوش البوية أو حرقها من على ذلك الخشب بالنار بواسطة أداة حديدية وحسب الزخرف المطلوب.والإيطار الخارجي للباب الطالعي يزدان عادة (بالجص )[7] المزخرف . وهو عبارة عن مادة طينيه بيضاء يتم استخراجها من الطين بعد إجراء أعمال تكرير وحرق بالنار .
ومن الظريف في تلك الأيام أن الصبيان الصغار في البيت القديم يلجئون دائماً إلى تسلّق الباب الطالعي من أسفل إلى أعلى لغرض اللعب والمرح .
----
[1] الحارة في اللغة كل محلّة تدانت مساكنها أي قربت . المنجد في اللغة والإعلام ص : 164 .
[2] تاج العروس ج1 ص : 153 .
[3] النغف في اللغة هو دود يكون في أنوف الإبل أو الغنم ومفرده نغفه ويعرّف النغف أيضاً بدود أبيض يكون في النوى المنقع . القاموس المحيط ص : 772 .
[4] سميت أبو قرص ، لأن لها رأس مستدير كالقرص . ففي اللغة القرصه جمع قرص وهي قطعة من الخبز مبسوطة مستديرة . وقرص الشمس بمعنى عينها . فيقال غاب قرص الشمس . والقرّص من الحلي وغيرها المستدير كالقرص . المنجد في اللغة والإعلام ص : 620 .
[5] الضبة في اللغة موضع وأنشد ثعلب للحذلي ، مضارب الضبة وذي شجون ... ومعنى ضبته النار والشمس لفحته وغيرته وأحرقته وشوته وأضبى الرجل على ما في يديه : أمسك . وأضبى إذا رفع الشيء قال رؤية :
ترى قناتي كقناة الأضهاب يعلمها الطاهي ويضبيها الضاب . *
*يريد الضابي وهو الرافع . لسان العرب ج8 ص : 20 .
وسميت بالعامية ضبّة قد يكون ذلك من جرّاء رفعها لأنها الوسيلة الوحيدة لدفعها وفتح الباب أو أنها تمسك الشيء كالباب عندما يقفل بها .
[6] الحلقة جمع حلق وحلقات ، وهي كل شيء استدار وحلقة الباب : هي دائرة مفرغة تعلق به ليقرع بها . المنجد في اللغة والإعلام ص : 150 .
[7] الجصّ :ويعرف في اللغة بأنه ما يطبخ فيصير كالحجارة فيبنى به وتسميه العامة الجفصين[ يونانية ] وكذلك هو ما يطلى به البيوت من الكلس والجصّاص صاحب الجصّ وبائعه والجصّاصة معمل الجصّ . المنجد في اللغة والإعلام ص : 92
---
جدار الطين
للجدار تعريف باللغة العربية وهو بمعنى[1] جدر بفتح وسكون وتعني الحائط كالجدار بكسر الجيم . وورد في قول عبد الله بن عمر إذا اشتريت اللحم يضمّك جدر البيت . وقالوا هو في اللغة الجدار وجمعه ( جدر ) بضم الجيم وسكون الرّاء . وجدران جمع الجمع مثل بطن وبطنان وقال سيبوبه وهو ماأستغنوا فيه ببناء أكثر العدد عن بناء أقلّه فقالوا ثلاثة جدر . والجدر (حطيم الكعبة ) لما فيه من أصول حائط البيت وفي الأساس . وللحجر ثلاثة أسماء الحجر والحطيم والجدر وهو أصل ( الجدار ) سمي به لأن جداره مستوطيء وفي الحديث حتى يبلغ الماء جدره أي أصله والجمع ( جدور ) .
وقال اللحياني جدره ( جانبه ) والجمع جدور وأنشد :ـ
تسقى مذانب قد طالت عصيفتها جدورها من أتى الماء مطموم
ومعنى الطين[2] هو خليط من الأرض ويختلف باختلاف طبقاتها وأجوده الحر النقي الخالص بعد رسوب الماء . وأجود ذلك طين مصر وله مزية خصوصية في دفع الطاعون والوباء وفساد المياه إذا ألقي فيها . والمأخوذ من مقياس النيـل مجرب لذلك ، والطين أنواع منه المختوم والدقوقي والطيطلي والشاموسي والأرمني والخرساني . والطينة القطعة منه وأيضاً بمعنى الجبلة أو الخلقة فيقال هو من الطينة الأولى . والطيان هو صانع الطين .
والمعنى العامي لجدار الطين هو الحائط الذي يكون منه البيت القديم وعادة ما يكون إماّ على شكل عروق فوق بعضها بطول الجدار وبسماكة تصل إلى عشرين سنتمتر تقريباً وبعضها يصل سمكها إلى عدّة أمتار خاصة في مباني القصور والقلاع وأسوار المدن القديمة ليصعب هدمها وإقتحامها.
وجدار الطين يكوّن من الطين المستخرج من الأرض ويخلط بالماء ويتعاطوه المنشئين له على شكل ( لباق )[3] وهي كتل من ذلك الطين تؤخذ باليدين وتعمل على شكل قطعة دائرية تعطى للبنّا أو الأستاذ الذي يقوم ببناء الجدار . ويخلط مع الطين تبن ليتماسك ببعض ، وأحيـاناً يحضر لجدار الطين ما يسمى ( اللبن )[4] وهو عبارة عن قطع طينيه مستطيلة بطول أربعين سنتمتر تقريباً وعرض عشرين سنتمتر وسمك عشرة سنتمترات تحضّر مسبقاً بواسطة قوالب خشبية وهي تشبه البلك حالياً في طريقة بنائها وبعد فترة من نشوف الحائط المبني يطْلى بالطين كهيئة التلييص بالإسمنت الحالي لكي يغطي شكل اللبن المتر أصص بجانب بعضه .
وإذا رجعنا لمعنى الطينة آنفة الذكر والتي ذكر من معانيها ( الجبلّه أو الخلقة ) فإننا نسترجع لعاميتنا وندْرك أنها تأخذ في غالبية ألفاضها من اللغة الفصحى كمن يوصف لعدم لباقته بالقول ( هذا الشخص ثقيل طينه ) يعني ثقيل الجبلّة أو الخلقة . ومن أهم ما يشد الانتباه عند النظر إلى جدار الطين في البيت القديم ( الكاتولة )[5] وهي ذلك البروز الذي عادة ما يكون فوق الباب الطالعي وهي من أصل الحائط ترتكز على عارضتين من الخشب وبروزها يقارب ثلاثين سنتمتر من أسفل وبعرض يصل أحياناً إلى سبعين سنتمتر وتلك العارضتين تحتوي على فتحات بحيث يتمكن من هو داخل البيت من مشاهدة القادم إليه والذي يطرق الباب الطالعي وهي كالمنظار الذي يستخدم حالياً في الأبواب الحديثة وعادة ما تقع فوق سقف المدخل من الداخل وهي وسيلة أمنيه يعرف من خلالها طارق الباب عماّ إذا كان عدو أو صديق ولا يقتصر وضع الكاتوله فقط فوق الأبواب الطالعية للمنازل بل نشاهدها على أسوار المدن قديماً وعلى القلاع التي تكون في زوايا القصور القديمة وهي عبارة عن أبراج مراقبه دائرية الشكل أو مربعة ويتم من خلاله معرفة القادم لبوابات الأسوار ..
ولشدة بروز ( الكاتوله ) من فوق الأبواب فهي تضرب كمثل شعبي في تشبيه الشخص ممن له أنف كبير فيقال له (خشمه مثل الكاتوله ) لشدّة بروزه للأمام..
ومن الحكم القديمة وبعد اختلاط بداية عصر التطور أثناء وجود البيوت القديمة كان أحد الشعراء يقول أحد الأبيات محذراً خلط البناء القديم بالبناء الحديث والذي يستخدم به الإسمنت والطوب فيقول :ـ
أكبر غلط بنين على الطين طابوق خطرٍ عليه من المطر لايطيحي
[1] تاج العروس ج3 ص : 89 .
[2] تاج العروس ج9 ص : 270 .
[3] لبّاق : لبّق الشيء بمعنى ليّنه . المنجد في اللغة والإعلام ص : 711 .
وقد تكون لهجتنا العامية قد استوحت هذا الاسم للطين عندما يؤخذ قطع صغيرة بعد خلطه بالماء وسمي لبّاق لكونه ليّن .
[4] اللّبن :في اللغة لبّن بمعنى صنع اللّبن للبناء . ولبّن الشيء ربّعه وجعله كاللبنة ، واللّبن : المضروب من الطين مربعاً للبناء ، واللّبان والملبّن صانع اللّبن ، والملبنْ : قالب اللّبن أي الآجر شبه المحمل ينقل فيه اللّبن . المنجد في اللغة والإعلام ص 712 .
[5] لم أجد في قواميس اللغة المتوفرة لدي مسمى عربي للكاتوله وعلى ما يبدو أنها من لغة بلاد الفرس .
المفضلات