[align=center]الحق دائرة يتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي ، العقل الصريح أداة معرفة الله ، والنقل الصحيح الوحيان ، الكتاب والسنة ، والواقع الموضوعي خلقه ، والفطرة جِبِلَّة أودعت فينا ، إذاً كل هذه البنود من أصل واحد ، إنه الله عز وجل ، والقاعدة أن الأصل إذا اتحد فالفروع متساوية فيما بينها .
فالحق لا بد من أن يتطابق ما في القرآن الكريم ، وهو كلامه مع قوانين خلقه ، مع جبلة الإنسان ، مع الواقع الموضوعي ، هذا المنطلق يبيّن أن العلم كلما تقدم كشف عن جانب في القرآن الكريم .
كان هناك عالم من علماء الفلك في زيارة مركز من مراكز إطلاق المراكب الفضائية في بعض الدول المتقدمة ، وهو في زيارة هذا المركز الذي ظل على اتصال مستمر بمركبة فضائية أُطلقت قبل زيارته ، فإذا برائد الفضاء الذي على المركبة يتصل بمركز انطلاق المركبة ، ويخبرها أنه أصبح لا يرى شيئاً ! لقد أصبحنا عمياً !! لا نرى شيئاً ، والغريب أن المركبة قد انطلقت في وضح النهار ، وبعد وقت قليل تجاوزت هذه المركبة الغلاف الجوي ، ودخلت في منطقة لا هواء فيها ، وأصبح الجو مظلماً ظلاماً كلياً ، فصاح هذا الرائد : لقد أصبحنا عمياً ، لا نرى شيئاً ، ما الذي حصل ؟ مركبة انطلقت في وضح النهار ، وضح النهار في الأرض معروف كل شيء مكشوف ، وواضح بأشعة الشمس ، أو من دون أشعة الشمس ، لكن هناك أصبح الظلام مسيطراً ، ولا يرى هذا الرائد شيئاً ! الذي حصل أن أشعة الشمس إذا وصلت إلى الغلاف الجوي تتناثر ، بمعنى أن كل ذرة في الهواء تعكس على أختها بعض أشعة الشمس ! فانتثار الضوء ظاهرة علمية ، أساسها أن أشعة الشمس تنعكس على ذرات الهواء ، وكل ذرة تعكس على أختها من أشعة الشمس شيئاً ، في الأرض يوجد ظاهرة ، أن هناك منطقة فيها ضياء ، وليس فيها أشعة شمس ، فنقول : فيها الجو نهار ، ونرى كل شيء ، والشمس في بعض الأماكن أشعتها ، بينما في الفضاء الجوي لا هواء ، أي لا انتثار للضوء ، فالجو ظلام تام دامس ، لا يرى في الفضاء الخارجي إلا قرص الشمس فقط ، فحينما نظر هذا الرائد من نافذة المركبة فرأى ظلاماً دامساً مطبقاً فصاح : أصبحنا عمياً ، لا نرى شيئاً ، هذه الحقيقة ، أن الفضاء الخارجي ليس فيه هواء ، وبالتالي ليس فيه انتثار ضوء أي :
أنه لولا الغلاف الجوي لما كان هناك ضياء يقول الله عز وجل :
(ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا : إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون )
(سورة الحجر)
كما نعلم أن الطيران اكتشف أخيراً ، وما من أحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صعد إلى الفضاء ، فهذه الحقيقة لا يمكن أن تُكتشف وقتها ، فجاءت بها آية كريمة ، الآن حينما سافر الإنسان إلى الفضاء ، ورأى كيف أن الفضاء الخارجي فيه ظلام دامس مطبِق ، تطابقت رؤية رائد الفضاء مع الآية الكريمة ، هذا الكلام ليس كلام النبي عليه الصلاة والسلام ، إنما هو كلام الله ، ولعل أقوى دليل على أن القرآن كلام الله إعجازه ، فلذلك يقول الله عز وجل :
( سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )
الشيء الدقيق أيضاً هو أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما لم يشرح هذه الآيات ، وحينما تركت للتطور العلمي إذاً أصبحت آيات القرآن الكريم معجزات مستمرة إلى نهاية الدوران .
كما يقول عز وجل في كتابه العزيز : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) / سورة الواقعة /
تمهيد :
بين الأرض والقمر ثانية ضوئية واحدة ، أي إن الضوء يقطع المسافة بين الأرض والقمر ، والتي تصل إلى ثلاثمئة ألف كيلو متر في ثانية واحدة ، لأن أعلى سرعة في الكون هي سرعة الضوء ثلاثمئة ألف كيلو متر في ثانية واحدة ، فبين الأرض والقمر ثانية ضوئية واحدة ، والإنسان عنده غرور شديد ، فحينما وصل بمركبته للقمر قال : غزونا الفضاء ، بين الأرض والشمس ثماني دقائق ضوئية ، يوجد مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، يقطعها الضوء في ثماني دقائق ، بين الأرض وأقرب نجم ملتهب للأرض أربع سنوات ضوئية !
طبعاً طالب ثانوي بإمكانه أن يحسب المسافة ، لأن الضوء يقطع ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية ، ضرب ستين بالدقيقة ، ضرب ستين بالساعة ، ضرب أربع وعشرين ، باليوم ضرب ثلاثمائة وخمسة وستين بالسنة ضرب أربعة بأربع سنوات ، هذا الرقم كم يقطع الضوء ، وأقرب نجم إلى الأرض .
لو أننا نركب مركبة أرضية بسرعة مئة ، قسمنا هذا الرقم على مئة كم ساعة على أربع وعشرين ، كم يومًا ؟ على ثلاثمئة وخمسة وستين ، كم سنة ؟ يتضح أننا نحتاج لنصل لأقرب نجم ملتهب إلى الأرض إلى خمسين مليون سنة ، لو أردت أن تصل لقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية تحتاج إلى خمسين مليون سنة .
الآن نجم القطب يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ، كم سنة نحتاج ، الأربع سنوات خمسون مليون سنة ! الأربعة آلاف أربعة آلاف مليون سنة ، شيء مخيف ، المرأة المسلسلة هذه المجرة تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ، أحدث مجرة اكتشفت تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية ! أي إن هذه المجرة ، ولو فرضناها كوكباً كان في هذا المكان قبل عشرين مليار سنة ، وأرسل أشعته للأرض ، وبقي ضوء هذا النجم العملاق يمشي عشرين مليار سنة حتى وصل إلى الأرض ، فرأيناه نحن ، لكنه ينطلق بسرعة مذهلة ، سرعة المجرات البعيدة مئتان وأربعون ألف كيلو متر في الثانية ، فإذا كان من عشرين مليار سنة في هذا المكان ، وسرعته مئتان وأربعون ألف كيلو متر في الثانية ، أين هو الآن ؟
ما الكلمة التي تعبر عن هذا المكان ، ليس فيه صاحب المكان ؟ الموقع ، لو أن الله قال مثلاً : فلا أقسم بالمسافات بين النجوم ليس قرآناً ، وليس كلام خالق الكون ، لكن لأنه قال : ( فلا أقسم بمواقع النجوم )
النجم متحرك ، تغير موقعه من موقع إلى آخر ، انتقل لمكان آخر ، أما حينما أطلق أشعته كان في هذا الموقع ، وتركه هذا موقع انطلقت منه الأشعة نحو الأرض ، وهذا ما رأيناه ، من كلمة موقع وحدها يخر عالم الفلك ساجداً لله عز وجل :
( فلا أقسم بمواقع النجوم ، و إنه لقسم لو تعلمون عظيم )
إذا كان خلق الله غير متناهٍ ، فكيف بالذات الإلهية ؟ الكون نظرياً له حدود ، لأنه ما سوى الله ، تعلمون أن الله عز وجل واجب الوجود ، وأن ما سواه محتمل الوجود ، يمكن أن يوجد على ما هو عليه ، أو على غير ما هو عليه ، أو ألاّ يكون موجوداً ، هذا خلق الله يبدو لنا لا نهائياً .
يوجد آية ثانية ، أن الله عز وجل حينما قال : ( و السماء ذات البروج ) / سورة البروج /
هناك بروج في السماء ، برج الجوزة ، برج العقرب ، وفي هذه البروج نجوم كثيرة ، أحد هذه البروج برج العقرب ، وفيه نجم صغير ، اسمه قلب العقرب ، هذا النجم أحمر متألق ، شيء لا يصدق ! بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي إن جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض ! الآن هذا النجم الصغير قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما !!! هذا معنى قوله تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )
لذلك نقول نحن اصطلاحاً : مسافات فلكية ، أرقام فلكية ، إن أردنا أن نبالغ في شيء في الأرض نقول : رقم فلكي ، شيء لا يصدق ، هذا الإله العظيم يعصى ، ولا يخطب وده ، هل يستغنى عن منهجه ، هل يتهم كتابه بالمبالغات ، وأن هذا الحكم لا يتناسب مع هذا العصر ؟ إن علم الله وخبرته لا نهاية لها ، هذا معنى قوله تعالى :
( فلا أقسم بمواقع النجوم ، و إنه لقسم لو تعلمون عظيم )
المصدر - فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي - رئيس قسم الإعجاز العلمي - كلية الشريعة
جامعة دمشق - تم الأعداد بتصرف .
[/align]
المفضلات