امرأة عمران
في وقفة تأمل لواقع المرأة اليوم سنجد أنها بحاجة الى اعادة هيكلة أو بلورة لشخصيتها فكرياً و روحياً و سلوكياً وفق المنهج الإسلامي الصحيح و المنهج الإلهي القويم حتى تتمكن من أداء دورها في المجتمع و هو دور خطير لأنه يعتمد على بناء جيل محرر من كل ما يعوقه عن الانطلاق نحو تحقيق النصر و لآهمية دورها هذا فلقد عرضه القرآن الكريم في سورة آل عمران .
قصة أم قل نظيرها وهي امرأة عمران عليها السلام لتكون قدوة لغيرها من النساء على مر التاريخ .
قال تعالى:
((.. إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم. فلما وضعتها قالت ربي إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أُعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم . فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً...)).
من هي امرأة عمران :
هي حنة بنت فاقوذ بن قبيل، وقد ذكر ابن كثير والطبري وغيرهما أنها كانت عجوزاً لا تحبل، فبينما هي في ظل شجرة نظرت إلى طائر يطعم فرخاً له، فدعت الله أن يهب لها ولداً، ونذرت لله إن حملت لتجعلنه محرراً أي حبيساً في خدمة بيت المقدس فحملت بمريم، وأثناء حملها توفي زوجها عمران. ولقد ذكر كثير من المفسرين أن أمها حين وضعتها لفتها في خرقها، ثم خرجت بها إلى المسجد، فسلمتها إلى العبّاد الذين هم مقيمون فيه.
من خلال قصتها هذه نستشف أن حنة كانت نموذجاً:
- للمرأة المؤمنة العابدة الشاكرة، ويتجلى ذلك بكثرة مناجاتها لله، وتضرعها إليه كي يرزقها ولداً، وأن يتقبل منها نذرها، وأن يبارك لها في وليدتها، ويعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم.
- نموذجاً للمرأة المجابة الدعاء، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عمقِ إيمانها وإخلاصها لله عزوجل، ويبدو ذلك باستجابة الله لدعائها بأن رزقها ولداً رغم كبر سنها.
- مثالاً للمرأة التي فهمت المعنى الحقيقي للحرية التي لا تكون إلا بالتحرر من عبودية ما سوى الله عز وجل، ويتجلى ذلك من خلال نذرها أن يكون مولودها محرراً، قال مجاهد: (إن المحرر هوالخالص لله عز وجل، لا يشوبه من أمر الدنيا ولا يشغله شاغل عن عبادة الله).
- نموذجاً للمرأة التي تستشعر عظم مسؤولياتها تجاه أولادها، من ناحية تربيتهم التربية الحسنة ليس فقط دنيوياً بل دينياً وأخلاقياًّ، فأول ما فكرت به حنة أََثناء حملها وبعد وضعها أن يكون ولدها عبداً مؤمناً صالحاً، وإعداده ليخدم دين الله عزوجل.
- نموذجاً للمرأة الحريصة على ابنتها كل الحرص، ويظهر ذلك من خلال دعائها لله عز وجل أن يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم.
- نموذجاً للمرأة الطموحة التي تحمل هماً، فامرأة عمران لم تقتصر اهتماماتها في الحياة على إنجاب الأطفال بل كانت تطمح أن يكون وليدها خادماً لبيت المقدِس.
- نموذجاً للمرأة الحكيمة الواعية بعيدة النظر، فحنة لم تمتعض من إنجابها مريم لأنها (أنثى) بل لعلمها أن (التحرير) في شريعتها لم يكن جائزاً إلا بحق الغلمان لما يعتري الفتاة من الأحوال ما يحول بينها وبين البقاء في المسجد كالولادة وغيرها ، ولمعرفتها بطبيعة كل من المرأة والرجل، فالذكر يصلح للخدمة لقوته وشدته بالإضافة إلى ذلك لا يلحقه عيب في الخدمة والاختلاط بالناس عكس المرأة التي "لا ينبغي أن تكون مع الرجال" كما قالت حنة، ولقد ذكر هذه العبارة الطبري في تفسيره.
ومن قصة حنة نستخلص العديد من الفوائد والعبر:
- حسن اختيار أسماء الأولاد- وهذا ما فعلته امرأة عمران التي سمت ابنتها مريم- الذي يعني بلغة قومها (العابدة) أو (خادمة الرب)- لأن هذا من حق الولد على أهله ، من الأفضل أن يكون الاسم إسلامياً عربياً، ولا سيما اليوم بعد أن كثرت الأسماء التي لبست ثوب الغرب، التي تدل على الهزيمة النفسية.
- الدعاء للأولاد كما كانت تفعل حنة، وتجنب الدعاء عليهم.
- الفرح بولادة البنات، وعدم التبرم بقدومهن؛ ففضل تربية البنات لا يخفى كما أكدت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
- تكريم البنات، الذي لا يكون إلا بحسن تربيتهن وفق ما يحبه الله ويرضاه، ومن مظاهر هذا التكريم أن امرأة عمران لم تتراجع عن الوفاء بنذرها رَغم إنجابها فتاة، كما أن العباد تنازعوا فيها أيهم يكفلها.
- تعويد الذكور على حياة الخشونة والجد والاجتهاد وتجنيبهم الكسل والبطالة والراحة والدعة، وما نذر امرأة عمران أن يكون وليدها خادماً لبيت المقدس ليقوم على أموره إلا دليلاً على ذلك.
- التواضع لله عزوجل؛ فرغم المكانة الاجتماعية والدينية التي كانت تنعم بها عائلة عمران (فرب الأسرة –عمران- كان إمام العباد وصاحب صلاتهم، والنبي زكريا عليه السلام كان زوج أخت حنة، أو زوج ابنتها كما ذكرت بعض الروايات) لم تتحرج امرأة عمران عن نذر ولدها ليكون خادماً في بيت المقدس ليقوم على أموره من كناسة وغيرها، فكانت النتيجة أن خلد الله عز وجل اسم هذه العائلة في القرآن الكريم، فمن تواضع لله رفعه.
- المبادرة إلى فعل الخيرات والطاعات، ويلاحظ أن امرأة عمران لم تنتظر من أحد أن يدلها إلى سبل الخير بل سارعت و بادرت من نفسها لتقديم ما تستطيع لخدمة دينها.
- عدم البخل بالمواهب والقدرات والإمكانات -وإن قلت- لخدمة دين الله عز وجل، ولتكن أُسوتنا حنة التي نذرت مولودها ليكون وقف لله تعالى.
و أخيراً :
وعي المرأة المسلمة لدورها الحقيقي في هذه الحياة كونها مربية الأجيال وصانعة الرجال لا يقل أهمية عن الجهاد في سبيل الله فهي بإعدادها للجيل المسلم وتنشئته التنشئة الإسلامية الصحيحة تكون قد رابطت على ثغر من الثغور الحساسة التي اعتاد أعداء الإسلام أنْ يأتوه من قبلها بل أكثر من ذلك تكون قد ساهمت بإعداد القائد الذي سيساهم بتحرير المسجد الأقصى بإذنه تعالى.
منقول للفائدة
المفضلات