الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين
محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
من منطلق سؤال الأخت ريم شمــر (ام طلال) بالمضيف العام :-
لماذا كل هذا الهجوم على القبيلة والقبلية ؟!!!
في هذا الموضوع سنتكلم عن البيت ؛و؛ الأسرة .. وكيفية تكوّنهما في البداوة ..!؟
إذ هما اساس الفخذ والعشيرة فالقبيلة فالامارة بالنظر للتشكيلات الحاضرة وانها نتيجة الماضي ..!!
ولما كان للتشكيلات الاجتماعية خواص يمتاز بها بعض الأمم عن البعض الآخر وإن اتفق الكل على الاجتماع ..!! وشعر بالضرورة لوجود أو تعيين نهجه ..؟
فللوصول الى هذا الغرض سلكت الأمم والجماعات سبلاً مختلفة ومتباينة أو متفاوتة .!؟
كل جماعة فكرت أنها هي صاحبة الطريقة المثلى، والصالحة المرضية..!!
وبالرغم من اختلاف الأمم والأقوام وتعارض المصالح بين بعضها وبعض نراها متحدة من حيث الغاية والغرض. ولكن البيئة ولدت ما يجب سلوكه..؟
واليوم لما تعرفت بعض الجماعات أو الأقوام ببعضها صارت تسعى الى مراعاة الأوصاف القويمة، والاجتماعيات المقبولة لدى الأخرى لتكون مشتركة بين الكل ومتفقة عليها شأنها في إدارة الحكومة، والحقوق الدولية بين الحكومات، واقتباس خير القوانين، أو الاستقاء من معينها، والاستفادة من تجارب الأمم ومجرياتها.. مع نبذ الأمور البالية والرديئة..!!
ذلك عدا ما يعترض هذه من موانع قومية، وعنعنات، واعتيادات !!؟
فالفكرة سائرة الى اتباع الأحسن وتمثيله، ومراعاته بقدر الحاجة وما تسمح به الظروف المسهلة للأخذ. فلا تخرج الأوضاع الاجتماعية عن هذا النهج وما يتعلق به من صلات أو يرتبط من علائق...؟؟
إن درس أوضاع الأمم هذه وما هي عليه ضروري إلا أن المطلوب هنا تدوين بعض ما اتصفت به الأمة العربية من خصائص واضحة، وأوصاف جلية.. من طريق العشائر والقبائل فإن أكثر ما تظهر هذه الخصائص في العشائر وأساساتها الاجتماعية، والتعرف بأصل بنيتها القومية مما يتعلق بقطرنا خاصة فإنه أقوى في المعرفة وأقرب للتناول في البحث والتنقيب وتدوين ما يظهر...
ومن ثم يتحقق لنا ما يعرض للجماعة من إضافات وزوائد بمقتضى الحاجة المدنية مما دعا الى هذا التحول وإن كان تدريجياً. فالأصل للبحث عن أمة هو درس البداوة العريقة فيها والمتأصلة أكثر فذلك بمنزلة معرفة الماضي... إذ ما نشاهده في العرب من الطبائع والأوصاف إنما هو من بقايا تلك بل من أصولها وأسسها العامة المشتركة الموجودة في باديتهم فلم تنتزع منهم بسهولة، أو تفقد بسرعة فلا تتغير أو تتحول وإنما نالت استقراراً حتى أن الحضارة لم تتمكن من تغييرها أو اجتثاثها فتيسر الجمع بينهما والألفة وبنيت حضارتهم على أسسها والتبديل لا معنى له إذا كان تسيير الجماعة به ممكنا... هذا خصوصاً بعد أن محا الدين الإسلامي المرذول من عوائدهم..
وهذه متلازمة في كافة الحالات الاجتماعية. فإذا عرفنا إن الوضع لا نجد مندوحة من النظر إليه من كل ناحية وشعبة ومن ثم تتيسر المقارنة. فالمهم تثبيت الحالة العشائرية وذلك لأن العربي يؤلف البيت أو الأسرة أو العائلة، ومن هذا يتكوّن الفخذ فالعشيرة، فالقبيلة والإمارة. والكل سائر على نحو متماثل أو متقارب.. وعلى هذا الترتيب كانت طبقات العرب الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن والفخذ...
ويلاحظ هنا ان كل واحد من هذه ينال وضعاً أكبر وتقل العلائق ويقتصر على بعضها وهي الأصول المعوّل عليها.. وتتنازل في التفريغ الى أفخاذ تالية. وحينئذ تكتسب الأسرة الأولى اسماً أعظم بالنظر لعظم الفخذ الأول المتفرع منه فيدعى عشيرة، وهكذا يتقدم في السعة والضخامة كلما زادت النفوس وتكاثر التوالد... حتى ينال اسم قبيلة أو يحصل على لقب الإمارة.. وتقادم العهد كفيل بذلك وضامن له...
وكلما حصلت حالات اجتماعية مثل هذه نرى التبدلات ثابتة قد مشت على وتيرة واحدة ولازمت وضعاً مستقراً. فتكاد تكون السيرة الاجتماعية متطابقة ومتوافقة من كل وجه ثلاث نقاط بل ان السياح الغريب أو المرء الأجنبي إذا شاهد واحدة لا يكاد يفرق بسهولة خصائصها عن رفيقتها فكأنها جرت على نهج تربيوي. أو اتفاق اجتماعي.. والتفاوت في العادات قليل أو لا يعتبر كبيراً إلا من حيث المقدار أو الكثرة والقلة أو التقرب من محيط يستدعي وجود عوائد، وأمحاء أخرى قديمة...
ولما كان البيت اس هذه الجماعات ومبدأ تكوّنها وان التشعبات للأفخاذ والقبائل ناشئة من هذا الأصل الأول اقتضى بسط القول فيه بسعة...
[mark=000000]البيت .؛. الأسرة[/mark]
البيت أصل القبيلة.!! والى الآن يطلق (البيت) في كثير من مواطن العراق على الفخذ ونجد هذا المصطلح في أنحاء العمارة والكوت والمنتفق وغيرها، فيقال بيت جنديل، وبيت عبد العال... الخ. والبيت لغة ما يحتوي على هذه الأسرة ويجمعها ويكون من الشعر أو من غيره من سائر الخيام كالصرايف والأكواخ كما يطلق على البيوت من الآجر وغيرها من مواد البناء ويراد به في الأكثر الغرفة.. وأصله من البيت المعروف في البادية...
ويتألف البيت من ركنين مهمين الزوج والزوجة وما يتولد منهما أو ما يتبعهما بعلاقة الارتباط العائلي للتكاتف على المعيشة وهذا أمر طبيعي. ولا يسع هذا البيت أكثر من هؤلاء فإن تزوج أحد الأولاد كوّن بيتاً جديداً.
وهذا البيت الجديد لا يستقل من كل وجه وإنما يحافظ البيت الأول على سلطته ومعونته لما تولد منه، واحترام الناجم لمن درج منه وعوّل عليه في نموّه واستقلاله.. وهذه وإن كانت تفقد بعض الاستقلال في الانقياد والطاعة والتفادي.. كانت لأمر مهم هو الرغبة في ازدياد هذا الولاء وتقويته والتضامن لحفظ الكيان، ومراعاة الحياة في صيانة بقاء النوع والنفس.
ذلك لأن هذا (البيت الجديد) تهدده الأخطار من كل صوب، وتنتابه الآلام من نواح مختلفة، يريد أن يعيش، ويحس بضرورة إلى التكاتف مع الأصل إذ لا يسعه أن يميل إلى من هو أبعد منه وإنما يعتضد بمن هو أقرب إليه وأحق برعايته وموافقته على السراء والضراء في كافة مطالبه.
ومن ثم حصل التفاني في سبيل المنفعة والتكاتف بين هذين البيتين بحيث صار ما يصيب الواحد يتألم منه الآخر ويتضامنون جميعاً لدفع الغوائل ويتهالكون في النضال..
ولم تقف الأمور عند هذا الحد فكلما زاد أفراد البيت وتكاثروا كوّنوا بيوتاً جديدة منهم على عين الشروط، والبيوت المتفرغة منها ما يحافظ على اسم البيت الأول والباقون يستقلون باسمائهم... إلا أن ما يهم الأول والثاني أعظم مما يهم الثالث والرابع بالتوالي في الاشتقاق والقرب والبعد...
ومن هنا راعوا درجة هذا التكاتف وقوته بالنظر لقوة القرابة ودرجتها وهذا صار أساساً مهماً في الارث الاسلامي. والتضامن في الغالب يكون لحد خمسة. بطون أو أظهر - كما نراه اليوم - فإن تجاوز الخمسة فلا يهم الواحد أمر الآخر وإنما المهم حينئذ ما يخص الكل ويتعلق بالجميع... فيقل التكاتف على الأمور الشخصية، والمالية الفردية. إلا أن يكون هناك خطر عام يهدد كيان الجميع، أو قريباً من ذلك كأن يكون من نوع (من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته)، ومن البيت الأول نشأت الرياسة على عدة بيوت إلى أن شملت الفخذ، أو العشيرة أو القبيلة.. وهكذا الامارة...
وعلى هذا الأساس صاروا يقولون (الحلال بخمسة) و(الدم بخمسة) ويترتب عليها الوسكة (الوسقة) و(الأخذ بالثار) وما ماثل مما سيأتي البحث عنه. فلا يسألون مالياً أو بدنياً أكثر من خامس بطن، أو ظهر لا في المال ولا في الرجال... إلا في الأمور العظمى، والأخطار الكبرى مما يهدد كيان القبيلة في الخارج... ويحرج موقعها، أو يزلزل مكانتها...
وقد يبلغ بهم التضامن في نوائب الدهر لحد أن قال قائلهم: لا يسألون أخاهم أن هؤلاء منتهى ما يتألف من (البيت) وفروعه القربى المسمى أخيراً (بالفخذ)، أو (الفندة)، أو (الفرع)، أو (البديدة)... كما أن الحقوق متكافئة بين هؤلاء ويعدون - وإن تفرقت بيوتهم - أسرة واحدة.
ومن ثم كوّنوا جماعات (أفخاذاً) منها تألفت (العشيرة)..
[mark=000000]كيف تكوّنت الأسرة ..؟[/mark]
يحسب بعض الأجانب ممن لا خبرة له ولا اطلاع أن تكوّن الأسرة العربية كان بصورة همجية ووحشية اقتضاها المحيط فلا تعد من الأسر المنتظمة، ولا الشرعية.. الخ.
وهذا الزعم باطل تكذبه الحالة التي عليها الأسرة العربية مهما بلغت من العراقة في البداوة، فهنا يفرق بين البداوة والوحشة في أن الأولى تابعة لنظام والأخرى لا تعرفه.
إن العائلة كان تكوّنها نتيجة تمثلات وتطورات واتباعاً لشرائع ونظم قويمة سواء كانت مكتوبة في الأصل أو متلقاة من أهل الشرائع أو الحالة اقتضت ذلك.. وهذه الحال لا يدرك أولها لقدمها وهي مألوفة الى أن ظهرت الإسلامية، وان الشريعة الغراء لم تغير فيها تغييراً كبيراً لأن أساسها من مقتضيات البيئة، وإنما أجرت إصلاحاً شذّب فيها وأكمل نقصها ودعا الى ما هي عليه اليوم.. أي أنها لا تفترق في تركيب عائلتها، وتأليفها سواء في اسلاميتها، أو في جاهليتها إلا قليلا... وانكحة العرب(1) التي يذكرها أهل الآداب هي أشكال لا أساس أصلياً، أو كانوا يفعلونها لأحوال خاصة، أو أن المرأة لم تكن مصونة، ولا قاهر عليها تخشى منه...!! واليوم تتمشى على قانون (الدين الاسلامي) ولكن التطبيق فيه متفاوت تفاوتاً ليس بالكبير واصلاحه مهم بالرغم من قلته، أحدث انقلاباً في الاسرة وفي غيرها محكم، قوي وبسيط ناشيء من روح القوم، سهل الاخذ مما لا نراه في شرائع الأمم السابقة بل وشرائع اليوم... وقرر حقوق العائلة وافرد أحكاماً لكل من الزوجين.
واساساً ان صلاح كل من الزوجين مطلوب ومرغوب فيه وأساسه (وعاشروهنّ بالمعروف) و (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) و (فامساك بمعروف او تسريح باحسان)... الخ.
والتاريخ يقص علينا الشيء الكثير من نظام الأسرة ومكانتها عند العرب فلا نجدها تابعة للاهواء، متبدلة كل يوم، فتطبق وفق الرغبات، او الاحوال الآنية... بل ثابتة مستقرة لا تقبل التبديل والتعديل بوجه بخلاف ما نراه اليوم في كثير من الأمم وانظمتها فاننا نجدها تابعة ...
للأهواء، والآراء الآنية، لا تستقر على حالة... فالدولة الاسلامية اصلحت في نظام العائلة وساوت في الحقوق بين الزوج والزوجة ومنعت الظلم عنها وأقرت الزواج المشروع ومنعت ما هو مستكره وهو اتخاذ (الاخدان)، او (البغايا)، ووافقت على العنعنات المرعية الفاضلة والاعتيادات التي لا تؤدي الى الاجحاف، او القسوة... مما لا يخل بالاساس... ومنعت الوأد، والعضل، وقررت نظام الارث... وبهذا صانت حقوق المرأة سواء كانت اماً، او زوجة، او بنتاً، او ما ماثل...
فالبيت يتكون من الركنيين المذكورين. وهذا أس العائلة ودعامتها المكينة ولا يستطيع احد ان يتزوج بدون عقد، أي ان يغشى امرأة دون ان ينال عقوبته، او ان يكون منفوراً... والعقر عند العرب دية التجاوز على عفاف المرأة... فلو كانت غير مرتبطة بعقد لما احتيج الى ذلك، ولا روعيت الولاية عليها... ومما ابقته اللغة والقرآن الكريم لفظ (الخدن) وهو الصاحب بلا زواج ولا عقد فانه مرذول كما هو المنقول، ومنفور منه... وان المرأة التي تسلك هذه الطريق تعد خدناً، او فاحشة، او زانية، او بغياً، وان لم تكن مبتذلة للكل... واذا كان لها اقارب او عشيرة قتلتها وغسلت العار... لحد ان العربي كان يوجس خيفة من لصوق العار فيقتل ابنته حية بطريق (الوأد) قبل ان يأتي أوان زواجها خشية ان ترتكب ما يجلب العار وهذا التوهم وتوقع العار ساقه الى ارتكاب جناية قتلها... قبل ان يقع الذنب. وقد منع الاسلام منه ووقف القوم عند حدود الشرع (واذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت).
وكانوا ولا يزالون يبذلون جهوداً لانتقاء الزوجة واستيلاد من يكونون مثل آبائهم واسرتها وأمثلة هذا جمة سنأتي بالكثير منها في حينها عن كل قبيلة... مما هو محفوظ عنها ومرتكز في نفوس القوم...
والعرب يكرهون بل يمقتون ان ياكلوا فضلات غيرهم او يلغوا في اناء ولغ فيه *** ما... او يشربوا سؤره، والحاصل ان نفوسهم تعاف مأكول الغير، ومشروبه ويمقتون القبيلة التي تبيّت أكلها، فمن الاولى ان لا يتصل بامرأة هي متاع كل واحد او فضالة كل شارب، وهذا عام في كل القبائل...
يأنفون من ذلك كل الأنفة:
اذا وقع الذباب على اناء ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الاسود ورود ماء ... اذا كان الكلاب ولغن فيه
وقد وصف القرآن الكريم هذا النوع من الاتصال باشنع وصف واصدقه
{ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}..
واما الزواج المشروع فقد نوّه بذكره وحبّذه بقوله تعالى :
{ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها وجعل في قلوبكم مودة ورحمة}.. الآية
والغاية في ذاك ارضاء الشهوة وهي معروفة! وليس الغرض اتصال الود والرأفة...
والمهر ايضاً معروف لديهم ومتبع عندهم ويتغالون به ونكاح الشغار مما ابطاله الاسلام بل اوجب فريق من الفقهاء الزام مهر المثل فيه... وكذا هو منفور منهم وقول العوام :
(غصه بغصه ولا كصه بكصه)
المثل العامي مما يؤيد معتادهم. وليس هذا معناه شراء المرأة، او مساواتها بمبلغ معروف معين واستكراه هذه الحالة من بعض المتمدنين، او الذين يحاولون هدم كل قديم... فالامر لا يفهم منه ذلك وإنما هو ضمان للزوجة ان تعيش بضرورة بل لدفع كفافها، وحراسة وضعها لمدة حتى تتبصر من امرها وتعين وجهتها... وحكاية ام شهلبه وبنت الفوري تعين ذلك.؟
وكذا يقال عن المراسيم للأعراس والزفاف ومراعاة الكفاءة والنهوة لمن لم تعرف كفاءته وذلك من أي قريب حفظاً للسمعة والنسب. ولكن الاسلامية تحوطت في هذا الامر وجعلت له سياجاً معقولاً من التصرف. كما ان الغرض مصروف الى الاهتمام والمغالاة لئلا تكون المرأة بضاعة رخيصة او مبتذلة.
ومن ثم نرى العرب قد حافظوا على انسابهم وأعراضهم وصيانة اخلاقهم. وهذا نظام متأصل فيهم من زمن قديم لا يدرك اوله، ومزاعم أهل الطوتمية مردودة، وغير معروفة. ونكتفي بهذا لمناسبة البيت وبيان اركانه...
ولا يسع المرء ان ينكر ما يشاهده في العرب عن خيولهم التي هي وسائل نجاتهم من الاخطار وأنهم قد حفظوا على انسابهم (ارسانها) وبالغوا في ذلك وحكوا الحكايات عن الكراب على الفرس أو حمل الاثقال عليها... مما يدل على ان القوم كما يهتمون بانفسهم يرعون بعين الاهتمام ما هو أعز لديهم من خيول لانها وسائل نجاتهم وكسبهم في حروبهم...
[mark=FFFFFF]المصدر :
عشائر العراق
للعزاوي[/mark]
وضعته بين ايديكم للقراءة .. لعل به فائـدة ،،،
لكم التحية ،،،
والسلااااااام ......
المفضلات