العرب والإعراب
لابد هنا من التنويه أن هناك صعوبة بالغة ,في إيجاد معاني أسماء الأماكن والأشخاص والدول , خاصة في تاريخ لم يدونه أصحابه,ولذا يبقى أي تعريف هو اجتهاد من الباحث,ووجهة نظر شخصيه.تنتمي إلى ثقافة واختصاص الدارس, فاللغويون قارنوا بين بحثهم وبين متشابهاته في مفردات اللغات المجاورة,والمؤرخون درسوا تطور المعاني عبر المراحل التاريخية,والفقهاء في الدين من خلال فهمهم العام والشامل للدين, وإذا لم يصل احدهم إلى الحقيقة المطلقة ,فان في تعريفه بعض من هذه الحقيقة.
أما أنا فرأيت أن ابحث عن كلمة"عرب" "إعراب" "بدو" في أقدم أزمانها في لغات الدول المجاورة, والقي الضوء على الحياة الاجتماعية ,لنخلص إلى القول أن هذه الكلمة أطلقت على أناس هكذا مواصفات حياتهم.
رواة العصر العباس قالوا : أهل الوبر ،وأهل الحضر تمييزا بين سكان البادية وسكان المدن3
واتفق الرواة وأهل الأخبار إن القحطانيين ومنازلهم الأولى الحجاز4 ,إنهم عرب منذ أن خلقهم الله وبلسانهم تكلم جدهم اسماعيل5. علما ان لغة القحطانيين هي المسند و هي غير لغة القران وان كانت شقيقتها
واتفق بعض الرواة إن أول من نطق بالعربية الحجازية لغة القرآن اسماعيل6 ونسي لغة أبيه الآرامية ,وهو ابن أربع عشر سنة .
وهذا سجال بين القحطانيين والعدنانيين, ليس له سند تاريخي, بل ينفيه المنهج العلمي.
وأول ا شارة إلى العرب أوالاعرب, وردت في نقش للملك الآشوري شلمناصر, عندما قام بحملة عام 854 ق.م على الملك الآرامي في دمشق, وحلفائه, أخاب ملك إسرائيل, وجندب "شيخ",أو "ملك",على العرب أو الأعراب أو البدو والنص الآشوري هو :" قرقر عاصمته الملكية أنا خربتها أنا دمرتها أنا حرقتها بالنار 12000 مركبة 12000 فارس 20000 جندي لهددعازر صاحب آرام( دمشق) 1000 جمل لجندب العربي أو الإعرابي "7,واهم ما يمز هذه الفترة,ظهور أسماء ملكات عربيات, زبيبه, وشمسي وتلخونو,وأسماء قبائل مسأى وتيما, وسبا, وخيابه,وبطنه.
ويمكن وصف الوضع الاجتماعي,لهذه الفترة من الصور التي وجدت في قصر اشور بنيبال بنينوى,وكانت تمثل خياما تحرق ورجالا تركب الجمال ولحاهم طويلة وشعور رؤوسهم مضفرة على أكتافهم عراة أو ائتزروا إزارا يمتد من البطن إلى الركبتين 8
وعلى كل حال فان الآشوريين كانوا يقصدون بكلمة (عربي) " ARIBI" ....."ARBI" على اختلاف أشكالها بداوة ومشيخة كانت تحكم في أيامهم البادية تمييزا عن قبائل أخرى كانت مستقرة في تخوم البادية7.
ولا اعتقد أن لللاشوريين معرفة بتمدن العرب في الجنوب ولا بالإعراب التي تعيش على تخومهم التمدن, وأغلب الظن أن الاشوريين كانوا على صراع مع البدو الرحل, الذين كانو يضغطون على الحدود الاشورية طلبا للماء والكلأ خاصة ايام الجفاف.
أما البابليين فقد خلت مدوناتهم من ذكر للعرب أو الإعراب, لان العرب كانوا حلفاء البابليين, الذين ورثوا الإمبراطورية الاشوريه, عدوة العرب, لسيادة فترة سلام وهدوء وتحالف ,وكانوا يسمون بلاد العرب," ماتو اربي",وماتو تعني الأرض . حتى عام 555 ق.م- 538 ق.م ولدى البعض(551-552) ق.م قام الملك البابلي نيبونيد بحملة على تيماء في الحجاز, للاستيلاء على الطريق التجاري الواصل بين الشام والعربية الجنوبية وأقام بها عشر سنوات والسبب مجهول,و يرد لأول مرة ا سم يثرب ( (atribu ومدن عدة, فدك, خيبر, و يدبع ....
وطالما إن البابليين عرفوا البادية والمدن وقبائلها فتعني " ماتو اربي" بلاد العرب وليس بلاد الإعراب كما يدعي البعض .
أما اليهود لم يعرفوا من بلاد العرب إلا ما يتاخم فلسطين من جهة الشرق لذا سموهم أهل المشرق 10.فقد ورد في سفر (يوئيل) ,ها أنا أنهضتهم من الموضع الذي بعتموهم إليه ,وارد عملكم على رؤوسكم , وأبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا ليبيعوهم للسبئيين لأمة بعيدة)11
ويتبين من مراجعة الموارد اليونانية التي تعرضت لتأريخ وجغرافية العراق أن اليونان اخذوا يطلقون لفظة(arbioi) .... بمعنى العرب ,علما لقوم وشعب12
وأما الفرس والرومان كان الصراع بينهم للسيطرة على الطرق التجارية البرية والبحرية للجزيرة العربية وكانت تشتهر في غناها وطرقها التجارية العالمية, فعرفوا البداوة والأعراب والعرب , ودولها في الشمال والجنوب, ولم يبقى للفظ العرب من معنى البداوة . وكان السبأيون إذا ذكروا قبائل الحضر قالوا:" القبيلة الفلانية وأعرابها"13 على نحو تسمية أهل المدن لسكان الريف فلاحين
بعد هذا العرض يمكن تعريف:
1_ البدو: هم العرب الموغلين في الصحراء,بعيدا عن مراكز الحضارة ,يعتاشون من أبلهم وغنمهم ,وحيت المرعى في ارض الله الواسعة مقرهم, وهم أقوياء أشداء معاملتهم خشنة,لا يطمأنون للحضر,لهم منطقهم الخاص,إذا حاربوا معك وشعروا بخسارتك ,يسلبوك ويغنموا ما لديك,فهم أولى بهذه الغنائم من العدو وأحق بها, فإذا انتفعوا بها أولى من انتفاع العدو
2_ الأعراب:هم القبائل التي تعيش متاخمة ومجاورة للدول المتحضرة, تتسوق من المدن, ولها مستقراتها الشتوية, ومناجعها الصيفية, تسكن البيوت والخيام ,يتاجرون بين البدو والحضر , ويزرعون الأرض, وهم كالبدو أشداء أقوياء, أكثر وفاء وإخلاصا, فيهم من سمات البدو ومن خصائص المدنية,وهم الذين ينقضون على الدول التي تشيخ وتهرم, ويجددون في الحضارة, كما يرى ابن خلدون.
3_ العرب: هم البدو, والأعراب, والحضر ,وهم قوم لهم ميزات وخصائص ونفسية وعقلية تميزهم عن الروم والفرس وبقية الأقوام.
ومع نشوء المدنيات ,والطرق التجارية التي اخترقت شبه الجزيرة شرقا وغربا, شمالا وجنوبا, ونشاط حركة التجارة,ونشوء محطات ا شبه بالمدن لاستراحة القوافل التجارية, ازداد احتكاك البدو بالحضر,حتى انتهت مرحلة البداوة كليا ,ولذلك لم يأتي ذكرهم في القرآن الكريم.
وعلى العموم كل البحوث التي درست معنى وتطور كلمة العرب والأعراب هو من باب الحدث والتخمين,والاستنتاج, حتى جاء الإسلام فأطلقها للدلالة, على قوم وجنس بخصائص وسمات تربط الحاضر بالماضي,والماضي بالحاضر,,وهو لسان عربي مبين, لسان العرب والأعراب, كل من سكن جزيرة العرب, وكان في علمه أن أصحاب هذا اللسان سيخرجون بدينهم إلى كافة أرجاء المعمورة
16\2\2006 ا سامه الدندشي
2- حوار مع الكاتب
3-ابن خلدون جزء 2\ صفحة16طبعة بولاق
تاج العروس 3\333 طبعة الكويت
4-مروج الذهب 1\162
5-تاج العروس 2\352 طبعة الكويت
6-جندب معناها الجراد, و تظهر كلمة جمل مع ظهور أول كلمة عربي
7جواد علي المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 1\16دار العلم للملايين بيوت
8- نفس المصدر السابق 606
9- نفس المصدر 606
10-جرجي زيدان العرب قبل الإسلام طبعة جديدة دار الهلال ص 44
11-يوئيل الإصحاح 3 الآية 7
المفضلات