" والله لو اعطيت الاقاليم السبعة على ان اعصي الله في نملة

اسلبها لب شعيرة ما فعلت"

هذا ما قاله علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه

فكيف يكون الامر عندما يسلب الانسان حقوق اخيه!

اترككم مع مقال نشر اليوم للكاتب الدكتور فارس الوقيان الشمري.

نقدلوجيا

رسالة إلى سمو رئيس مجلس الوزراء
إني أتهم...!


»نستعير هذا العنوان من مقالة للروائي الفرنسي أميل زولا في جريدة لورور قبل مئة عام تقريباً, عن الهستيريا العنصرية التي سادت فرنسا ضد شرائح مجتمعية من ضمنها اليهود أثناء قضية دريفوس, ونحن نجد أن الظروف نفسها والمناخ النفسي والمجتمعي يسود الكويت تجاه »قضية البدون« مع بعض التمايزات في التفاصيل«.
هل تسمح لي ياسمو رئيس الوزراء, انطلاقاً من معرفتي بمدى اطلاعكم على الفكر الإنساني الحر وتعايشكم مع إشراقات العمل العقلاني والحقوقي المستنير أثناء الوظائف والمناصب التي شغلتموها, لا سيما بعد عودتكم المظفرة من جولتكم في بلدان الديمقراطيات التاريخية العريقة ومن بينها فرنسا (بلد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن), ان أعبر لكم كمواطن كويتي, عن هواجس وعميق قلقي على مكانة وسمعة الكويت الاقليمية والدولية في الآونة الأخيرة بسبب ما يجري في بعض مؤسسات الدولة من مماطلة وتسويف وتعسف وتعنت, لا يمت للإنسانية بصلة ضد شريحة البدون, في دولة ديمقراطية مثل الكويت تنص فيها المواد الدستورية على ان الناس سواسية في الكرامة الإنسانية, لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين (مادة 29), والعدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع (مادة 7) ترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه من الاهمال الأدبي والجسماني والروحي (مادة 10)?
هل تسمحون لي انطلاقا من تحملكم مسؤولية رئاسة الوزراء ومن غيرتكم الوطنية على مكانة وسمعة الكويت في عالم يموج بالمتغيرات والتطورات المفاهيمية والمادية, إبلاغكم بأن الكثير من البلدان العربية الشقيقة, ومن بينها بعض بلدان مجلس التعاون الخليجي, قد بادرت منذ سنوات باجراء تحديثات وتعديلات جذرية على قوانين الجنسية لديها تسمح بازدواجية الجنسية, وتمكن ابناء وأزواج المتزوجة من »بدون« وأجانب من مواطناتها الحصول على الجنسية عن طريقها, وان اللوائح التنظيمية للحصول على الجنسية لديها خاضعة لنظام النقاط التي تمنح »البدون« والاجانب الجنسية وفقا لمعايير الشهادات العليا وصلة القرابة والاقامة والخدمات الجليلة, بما ينعكس ايجابيا ويعالج الاختلالات الكبرى فيها مثل (الوضع الشاذ للتركيبة السكانية, ازدياد معدلات الجريمة والانحراف السلوكي والتفكك الأسري, نقص الكوادر الوطنية المؤهلة في التخصصات النادرة, الانتقادات المتكررة لمؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان الدولية).
الكويت ياسمو الرئيس هي الدولة الوحيدة التي يبدو فيها المشهد القانوني والإنساني بخصوص شريحة »البدون« يغرد خارج السرب الاقليمي والدولي, ولاينتمي لعالم التسامح والانفتاح والانسانية الذي يخيم على عالم اليوم, اذ ينشئ المسؤولون اللجان تلو الأخرى وتعقد الاجتماعات المشتركة بين اجهزة الدولة, وتنطلق التصريحات المتكررة بخصوص أزمة »البدون« ليس بهدف حل القضية والدفع بانفراجها, وانما من اجل تضييق الخناق على افرادها والمعنيين بها«.
ومن هم »البدون« يا سمو الرئيس الذين يتفنن البعض في اطلاق التسميات العبثية عليهم »بدون, غير كويتي, مقيم بصفة غير مشروعة« ونمارس عليهم الضغط النفسي والتعسف الاداري في وظائفهم التي توفر قوت أبنائهم باللجوء الى سماسرة وكالات الجنسية التابعة لليبيريا والدومينكان واريتريا وغيرها من بلدان وقارات العالم?
أليسوا هم من فتحت السلطات الرسمية منذ عقود طويلة لهم الأبواب واسعة للاستعانة بدورهم وخبراتهم وتضحياتهم للعمل في قطاعات الدولة التنموية, المدنية منها والعسكرية, ومنهم من استشهد وتيتم أولاده على ثرى الكويت, ومنهم من تعرض للأسر وشارك بالحروب تحت راية علم الكويت ومن ضمنها حرب تحرير الكويت?
أليسوا هم من حصدوا الميداليات الذهبية ومثلوا الكويت في المهرجانات والمناسبات الدولية في الرياضة والأدب والفن, ومارسنا أبشع أنواع النفاق الإنساني بتقديمهم للعالم الخارجي على انهم كويتيون ثم نجردهم من أبسط حقوقهم الإنسانية والآدمية بالداخل, فجوازاتهم تسلم للسلطات الرسمية في المطار لحظة عودتهم المظفرة, كما أنهم محرومون من رخص القيادة وتوثيق عقود الزواج وشهادات الميلاد والبطاقات المدنية والتوظف في القطاع الخاص والعام.
إن مسألة منح الجنسية لأولئك المقيمين على أرض الكويت منذ عقود طويلة, وأولئك الشجعان من المصابين والشهداء دين في أعناق الكويت لا يمكن نسيانه, فليس هناك من مجازفة كبرى بالحياة كمجازفة استشهاد الإنسان من أجل التراب الذي عاش عليه حين دقت ساعة الخطر في حرب ال¯ 67 وال¯ 73 وحرب تحرير بلدنا الغالي, فهم افضل منا جميعاً وليس هناك من يتساوى معهم بالفضل الا الكويتيين الاوائل الذين عانوا من أهوال البحر وقسوة الصحراء الذين ركبوا أعالي المجد للدفاع عن حرية الوطن واستقلاله وبقائه.
هل تسمحون لي يا سمو الرئيس انطلاقاً من عشقي للكويت ولترابها الغالي وحرصي على سمعتها ومكانتها الاقليمية والدولية, والحفاظ على استقرارها المجتمعي وأمنها الوطني, ان اضع النقاط على الحروف متحدثاً بكل صراحة ومباشرة باتهام الكثير من الاطراف في اغراق سمعة الكويت الانسانية في وحل ازمة البدون وتعريضها لاشنع انواع الهجوم الاعلامي والدولي والانساني, والتسبب في تقهقرها في عالم الحداثة والتنمية المستدامة والمواطنة والمجتمع المدني وسيادة القانون الذي يسود النظام الدولي المعاصر.
اني اتهم يا سمو الرئيس ثلاثة اطراف رسمية وشعبية ورطت الكويت في التداعيات السلبية لازمة البدون بالداخل وشوهت سمعة الكويت بالخارج.
1- الحرس القديم في اللجنة المركزية التنفيذية للمقيمين بصورة غير مشروعة الذين كانوا محل تذمر وشكوى وقلق ومصدر ارهاب نفسي واضطهاد اسري لشريحة البدون, ومحل تآمر وتوريط وتحايل وعبث وتلاعب في بيانات ووثائق ومعلومات ملفات افراد البدون بطريقة لا تمت لصورة رجل الامن الامين الصادق الانساني بأي صلة, وهم بذلك اعطوا نموذجاً سلبياً لرجل الامن وهزوا هيبة القانون وصورة الدولة المدنية العادلة مما شجع على تنامي الاحباط والكبت المؤدي لانتشار الجريمة وتفشي الفساد في المجتمع الكويتي.
2- شريحة »الصفوة والنخبة المجتمعية« في الكويت وهي على الرغم من تعليمها العالي واختلاطها بالفكر الديمقراطي الحديث وتردادها لمفاهيم المواطنة والمساواة والعدالة, الا انها تقع في فخ التناقض والازدواجية والنفاق الاجتماعي, بالوقوف ضد سياسة التجنيس ومنح الحقوق المدنية للبدون لخشيتها فقدان امتيازاتها ومصالحها النخبوية التي تميزها عن بقية الشرائح المجتمعية الكويتية الاخرى, وهي تشكل جماعة ضغط قوي على متخذي القرار السياسي وكبار الشيوخ والقيادات العليا من اجل تشويه صورة البدون واتهامهم بالعمالة والخيانة حتى يبقى على »نخبويتها« المجتمعية.
3- مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في الكويت من تكتلات سياسية ورموز برلمانية وجمعيات حقوق انسان ونفع عام واتحادات ونقابات عمالية ومجتمعية ونسوية, التي جعلت جل اهتماماتها اليومية ما هو متعلق بالامتيازات المالية وهياكل ادارية ولوائح تنظيمية مثل كروت وبصمة الدوام وبدلات الطريق والطباعة وغيرها, في حين وضعت مكانة وقيمة البشر الانسانية والحقوقية في آخر اهتماماتهم الفكرية والثقافية.
ومن منطلق اعادة الوجه الحضاري المشرق لدولة الكويت الذي كانت تتمتع به قبل عقود من الزمن واستعادة انجازاتها التاريخية كدولة ديمقراطية دستورية رائدة على جميع الاصعدة فاننا نقترح يا سمو الرئيس الآتي:
1- ان نعيد صياغة فهمنا وادراكنا لقضية »البدون« بتحويلها من قضية امنية صرفة يتحكم بها رجال الامن العسكريون الى قضية وطنية انسانية مرتبطة بمفاهيم التنمية المستدامة وحقوق المواطنة والمجتمع المدني ودولة القانون يتولى امرها حقوقيون ومشرعون ومختصون بحقوق الانسان واكاديميون وناشطون وناشطات في مؤسسات المجتمع المدني, بما يضمن علاجها ووضع آليات حلها في جميع تداعياتها وابعادها الحياتية.
2- ان تبادر الحكومة بناء على مشاركة تلك الفعاليات المدنية المختلفة باعادة الاعتبارات الانسانية لشريحة البدون باعطائهم كامل حقوقهم المدنية الانسانية »شهادات ميلاد, عقود زواج, رخص قيادة, بطاقة مدنية, توظيف, تعليم, طبابة وغيرها« التي ما زالت المؤسسات المعنية تماطل بها, على ان تعتمد آليات التجنيس كحل نهائي للقضية على المحاور التالية:
- تجنيس ابناء الكويتيات المتزوجات ببدون واجانب أسوة بالدول الشقيقة لانقاذ ازواجهن وابنائهن من حالة فقدان المواطنة والحقوق المدنية وعدم الاستقرار النفسي والأسري.
- تجنيس المتعلمين من ذوي الشهادات والتخصصات التي تحتاجها الكويت في عملية التنمية.
- تجنيس من قدموا خدمات جليلة في قطاعات الدولة المختلفة, المدنية فيها والعسكرية وابناء الشهداء والمشاركين في حروب الكويت بالخارج وحرب تحرير الكويت وممن امضوا سنوات طويلة في السلك العسكري والمقيمين في الكويت منذ عقود من الزمن.
- الافراج عن ملفات »البدون« المرشحين والمؤهلين للحصول على الجنسية الكويتية في اللجنة المركزية والامانة العامة لمجلس الوزراء باتخاذ قرارات عاجلة.
الان يا سمو الرئيس حتى لا اطيل عليكم فوقتكم ثمين وانتم تتحملون مسؤولية كبيرة وجسيمة بآن واحد أعانكم الله عليها فما نريده ان تفتح الكويت ابوابها وتشرع نوافذها لقيم الحداثة ومفاهيم الحقوق الانسانية ونحن في مطلع الالفية الثالثة بثقة مفرطة وبصيرة نافذة ورؤية ثاقبة واصالة عميقة حتى نعيد لاولئك البشر كرامتهم, فالاخطاء التي ارتكبت بحقهم من قبل اشخاص يعملون في مؤسسات الدولة وصور التعسف والمماطلة التي عانوا الامرين منها, ليس من عيب فيها ان يقدم المخطئ اعتذاره عنها, وانما العيب كل العيب ان يتمادى المخطئون في الاضرار بنفر من أهلهم, كما انه ليس هناك من وسيلة انسانية راقية لتكريم اولئك الشهداء الطاهرين في قبورهم والمجروحين بكبريائهم افضل من منحهم حقوقهم المدنية وتجنيس اولادهم نظير فدائهم للوطن على مدى تلك السنوات الطوال فهم ابناء الوطن, الكويت منهم وهم منها, فهي في وجدانهم وافئدتهم كما انهم جبلوا منذ نعومة اظافرهم على حب اسرة الصباح الكريمة وتعودوا على التغني وترداد مآثرها وامجادها التاريخية.
في الختام, دمتم يا سمو الرئيس سالمين لما فيه مصلحة للوطن ورفاهية للمواطنين مجنبين سفينة الكويت المخاطر والصعاب تحت راية ربانها وراعي انسانيتها ونهضتها سمو الأمير حفظه الله.