الشيخ صالح الفوزان يرد على مقالة السالمي
قرأت مقالاً نشرته جريدة الجزيرة في عددها الصادر يوم الثلاثاء 3-8- 1427هـ للكاتب: حماد السالمي بدأه بقوله: قرأت مقالاً مذيلاً بتوقيع الشيخ صالح الفوزان نشرته صحيفة الوطن انتهى.
وأنا أعتبُ على جريدة الجزيرة فقد قالت لي سابقاً إنها لا تنشر إلا الردود الصادرة على مقالات نُشرت فيها.
ولا أدري هل عدلت عن هذا القول أو أن مقال السالمي له خصوصية وأنا لا أعتب على السالمي أسلوبه الذي كتب به مقاله فهو الأسلوب الذي يستطيعه ولن يدحض حقاً ولن ينصر باطلاً مهما تطاول فيه وخرج عن أدب الكاتب ويبقى إثمه عليه فالله تعالى يقول: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }.
لكني أناقشه في تجاوزاته العلمية التي ربما تشوش على بعض القراء وهي كما يلي مع الإجابة عنها:
أولاً: قال: وعلى كثرة ردود الشيخ صالح الفوزان ومداخلاته مع كُتَّاب وقراء الصحف وما يظهر منه في بعض ما يكتب من تعصب شديد لآرائه ومحاولاته التقليل من شأن آراء غيره من كُتَّاب ومفكرين أو علماء، خاصة ما تعلق منها بمسائل فقهية خلافية إلا أن هذا يظل من الأمور التي تخصه وحده فقناعاته وآراؤه لا تلزم أحداً غيره.
لأن بلادنا - بحمد الله - وبلاد العرب والمسلمين كافة مليئة بالأكفاء من المفكرين والعلماء الذين لهم اجتهاداتهم وآراؤهم وهم يَعْرِضون عادة ولا يَفْرِضون مثل غيرهم.
وجوابي عن هذا المقطع:
1 - أقول أنا ولله الحمد لم أنفرد برأي من عندي وأتحدى السالمي وغيره أن يبرزوا رأياً لي انفردت به عن غيري في جميع كتاباتي وردودي.
2 - المسألة ليست مسألة آراء وأفكار وإنما هي أحكام شرعية مأخوذة من أدلة تفصيلية من الكتاب والسنة بطريقة الاجتهاد والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب - وأعني بالمجتهد من تتوفر فيه شروط الاجتهاد التي نص عليها العلماء في كتب الأصول - ولا أعني المتعالمين والمفكرين وأنا أتمشى على أقوال العلماء ولم آتِ بشيء من عندي كما يقوله السالمي:
3 - ليست العبرة بالآراء الفقهية مهما بلغ أصحابها من العلم والفضل وإنما العبرة منها بما قام عليه الدليل من الكتاب والسنة.
4 - أنا أحمد الله وأشكره على وجود العلماء في أقطار العالم الإسلامي ولا أنكر علمهم وفضلهم - لكني أقول: ليس أحد منهم معصوماً من الخطأ - والواجب على الجميع اتباع الدليل: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}.
وكل عالم رأى أني خالفت الدليل أو قلت قولاً لم يقله أحد غيري فليحدده لي مشكوراً لأتراجع عنه إن كان خطأ فأنا لا أزكي نفسي.
ثانياً: قال السالمي: أولاً أنه حمل عنواناً يوحي بنصيحة - بينما قام في جملته على التهديد والتقريع والتسفيه - وهذه بادرة غير حسنة خاصة إذا أتت من إنسان يعد نفسه من العلماء ومحسوب على هيئة كبار العلماء في المملكة.
وجوابي عن ذلك أن أقول:
1 - أنا لم أضع العنوان وإنما وضعته الجريدة أخذاً من أثناء كلامي.
2 - هل مقالي هذا الذي وضعته الجريدة عنواناً وهو قولي: (نصيحتي لبعض الكتاب أن يُسخِّروا أقلام للدفاع عن دينهم ووطنهم) هل هذا الكلام (يحمل تهديداً وتقريعاً وترويعاً وتسفيهاً) كما قال السالمي أو يحمل حقاً ونصيحة فعلاً؟ - لكن أظن أن شدة الغضب جعلته لا يدري ما يقول فأخطأ من شدة الغضب.
3 - أنا لم أعد نفسي من العلماء وما زلت طالب علم مبتدئ وأدعو ربي فأقول: (رب زدني علماً) وفي الأثر أو الحكمة: مَنْ قال أنا عالم فهو جاهل، فأعوذ بالله أن أقول إني عالم.
4 - إذا كنت محسوباً على هيئة كبار العلماء في المملكة كما قال السالمي فعليه أن ينبه ولاة الأمور على أني لا أصلح في هذا الموضع.
فإنه لا يسعه أن يسكت على هذا فإنه غش للمسلمين.
ثالثاً: قال السالمي: والشيخ الفوزان يسمي نقد العلماء والمؤسسات الدينية والمناهج والأحكام القضائية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره مما أورد تطاولاً لأنه يضع كل ما تقدم في مصاف الثوابت الدينية التي لا تُمس وجوابي عن ذلك: أقول يا سالمي الدين كله ثوابت وكله حق، وأقول:
1 - أقول الحمد لله أنك اعترفت بما أنكرته عليَّ وعلى الشيخ سعد البريك من أنكم تنتقدون هذه المؤسسات الدينية: القضاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناهج الدينية اعترفت بذلك بعدما أنكرته وسميته فرية - فأزلت عنا تهمة الفرية عليكم .
2 - المؤسسات الدينية والمناهج أسسها ورعاها ولاة الأمور - حفظهم الله - بإشراف ومشورة العلماء فهم المرجع لإصلاح ما يحصل فيها من خلل لو حصل وليس المرجع هم الصحفيون - ففي انتقاد هذه المؤسسات الدينية الحكومية انتقاد للحكومة نفسها وللعلماء المشرفين عليها - فالأحكام القضائية تُشرف عليها وزارة العدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تُشرف عليهما الرئاسة العامة، والمناهج تُشرف عليها وزارة المعارف والجامعات.
رابعاً: قال السالمي: والشيخ الفوزان يهدد ويتوعد: إن لم تكفوا عن صنيعكم فهناك غير سعد سينبري لكم ليس دفاعاً عن سعد وإنما هو دفاع عن ديننا وحرماته.
وجوابي أقول: نعم ونحن عند ذلك - إن شاء الله - ومعنا غيرنا من كل مسلم ومسلمة. وفوق ذلك معنا الله سبحانه الذي يغار لدينه وحرماته أنْ تُمس: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}.
قال السالمي: والشيخ الفوزان يعرف الغيب وما وراء الحجب عند رب العالمين فهو يُروِّعُ الكُتَّاب المتهمين والمعلمنين والمفكرين مِن قِبل مَنْ يدافع عنه بهذا الحماس أنهم سوف يُحاسَبُون يوم القيامة.
وجوابي: أقول سوف نُحاسَبُ أنا وأنت وجميع الكُتَّاب وجميع الخلق يوم القيامة. ولم أدَّعِ علم الغيب بذلك وما وراء الحجب. وإنما أذكر قوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}وأعيذك بالله أن تكون ممن ينكر ذلك.
خامساً: قال السالمي: لست وحدي مَنْ صُدم بقول الفوزان والذي أود أن أذكره مجدداً أنه ليس وصياً على أحد ولا ينوب عن رب العالمين في الأرض ولا يلزم أحداً بقول أو رأي.
وجوابي عن ذلك أن أقول: إن الله أوصاني وأوصى غيري بقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3)وبقوله تعالى: (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ). وأقول وأنتم لستم أوصياء على رجال الدين والذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وعلى الدعاة والقضاة ولا يسعنا السكوت عن الإنكار والنصيحة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
سادساً: قال السالمي: وما يؤخذ على الشيخ الفوزان أنه كرر أكثر من مرة قوله: (ديننا وبلادنا) أتت في معرض تقريعاته وتهديداته للكُتَّاب. وكأن الدين له وحده والوطن له وحده. ثم قوله: فهناك غير سعد سينبري لكم دفاعاً عن ديننا وحرماته فصوَّر الأمر وكأنه بين فريق من أهل الدين يدافع دونه وفريق كافر يريد الهجوم عليه. وجوابي عن ذلك:
1 - كلمة (ديننا وبلادنا) كلمة تسع الجميع ولا تخص أحداً دون أحد من المسلمين - فأنا لا أقصد قصره عنكم كما تصورت.
2 - الهجوم على الدين والإسلام قد يحصل من بعض المسلمين كالبغاة والصائلين ولا يختص ذلك بالكفار. ولماذا شُرعت الحدود والتعزيرات في حق مَنْ يرتكب الجريمة التي توجب الحد أو التعزير من المسلمين؟. وأما الوطن فيكون للمسلم والكافر المعاهد والمستأمن إذا حافظا على العهد والأمان.
سابعاً: قال السالمي أخيراً فإن الكُتَّاب الذين يراهم الشيخ الفوزان فريق حرب في وجه الدين هم أول مَنْ دافع عن الدين وحرماته.. وقفوا في وجه الإرهاب منذ بداياته.
وجوابي عن ذلك أن أقول: لو أنكم وقفتم عند حرب الإرهاب لشكرنا لكم ذلك لكنكم أفسدتم هذا بمهاجمتكم للعلماء والقائمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنكاركم لعقيدة الولاء والبراء في الإسلام وغير ذلك مما في كتاباتكم فأنتم تبنون من جانب وتهدمون من جانب وربما يكون عملكم هذا أخطر من عمل الإرهابيين؛ وأيضاً لماذا لا تحاربون خصوم الإسلام وأصحاب الأفكار الضالة حتى يكون عملكم متكاملاً في الدفاع عن الدين وحرماته وتحترموا رجال الدين.
ثامناً: قال السالمي: فالدين ليس حكراً عليك يا شيخ صالح ولا على البريك، والوطن لأبنائه كافة دون تفريق أو تصنيف أو تخوين وسوف نظل نطالب صاحب الفرية بالبراهين أو أن يكذب نفسه ويعتذر ونطالبك أنت يا شيخ صالح بالاعتذار عما بدر منك في حقنا جميعاً.
وجوابي عن ذلك:
1 - أنا لم أقلْ إن الدين حكر عليَّ بل الدين عام لكلِّ مَنْ شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ولم يأتِ بما ينقض الشهادتين ونحن حينما نرد عليكم لا نخرجكم من الدين ولم يأتِ هذا على ألسنتنا ولكننا ننصحكم عما بدر منكم (والدين النصيحة) وأنتم أولى بالاعتذار منَّا فنحن لم نخطئ في حقكم بينما أنتم أخطأتم في حق خلق كثير من العلماء.
2 - وأما التفريق والتصنيف فالناس ليسوا على حد سواء، فمنهم المؤمن والكافر والمنافق والفاسق والعاصي وهذا موجود في كتاب الله.
3 - وقولك: سوف نظل نطالب صاحب الفرية بالبراهين، فإننا لم نفترِ عليكم وأنت اعترفت بمهاجمتكم للمؤسسات الدينية والأحكام القضائية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك ونحن سنظل ندافع عن هذه الحرمات - بإذن الله. والموعد الله وعنده تجتمع الخصوم.
د.صالح بن فوزان الفوزان -عضو هيئة كبار العلماء
المفضلات