هل بالفعل لدينا أزمة غسل وتكفين الأموات
آن الآوان لإيقاف الإرهاب النفسي في المخيمات الصيفية!
سعود بن عبدالرحمن المقحم٭
قرأت ما كتب ويكتب، فكان دافعاً لزيارة أحد الأندية أو المراكز أو الملتقيات أو المخيمات الصيفية، لا يهم المسمى، ولا أين يكون، ولا لمن يتبع، أما الذي يهم فهو أن يكون النقد بناء، ويهدف لتدارك الأخطاء وتصحيح المسار، بما يعود علينا ديناً ودنيا بالخير الوفير.
فأقول مستعيناً بالله، إنني رأيت بأم عيني في نفس المقر المعد للفعاليات وعلى غير العادة، كيف يتم تعليم الأطفال والشباب غسل وتكفين الميت، وكيف يتم وضع الجثة (الدمية) في القبر، وكيف يشير المحاضر لتلك الحفرة بطريقة بعيدة عن الإنسانية والرحمة، مردداً بين الفينة والأخرى، وبصوت مجلجل نشيد (الموت يأتي فجأة والقبر صندوق العمل).
صدقاً من يرى ويسمع ذلك المحاضر يعتقد أن لدينا أزمة غسل وتكفين أموات لم يجدوا من يغسلهم ويكفنهم وإمعاناً بالتأثير على الحضور معه جميع أدوات غسل الميت وتكفينه، ومدوناً كل ما ذكر بشريط كاسيت يوزع مجاناً ولا يباع، حقاً ليس الهدف من إطالة الشرح تعليم الاطفال والنشء الكيفية المثلى لغسل وتكفين الميت.
الحقيقة المؤلمة تشير إلى أن الهدف من الشرح المفصل للتأثير النفسي على الأطفال والشباب واللعب بمشاعرهم البريئة بأكبر قدر ممكن، المؤكد أن الهدف المنشود هو تهيئة الأرضية المناسبة لمشروع إرهابي جديد من أولئك الحضور سواء علم ذلك بعض القائمين على هذا المشروع، أو قام به البعض منهم بحسن نية وطيبة، والحالة كهذه مريبة ومخيفة، متى نتعلم؟!! متى نتعظ؟!!.

اليست البداية ترهيباً بالدرس الأول وهو كيفية غسل الميت وتكفينه،بتخللها عدة دروس، تنتهي ترغيباً بالدرس الأخير وهو الحزام الناسف والحور العين، فأصبحنا مما نخوف منه ونرهب في مرحلة من المراحل نرغب به ظلماً وبهتاناً عند التخرج من هذه الحياة، ثم نتباكى عبر وسائل الإعلام مرددين انه غسيل مخ، وأنهم خوارج، ولكن متى؟!! بعد خراب مالطا!!، ويا قلب لا تحزن.

هل انتم يا أخوتي دعاة حزن وموت وهلاك أم دعاة فرح وحياة وفلاح، أصدقوني القول؟!!.. لماذا إذن تصرون على إرهاب النفس، إذا كنت عكس ذلك؟!!، سيما وحكم غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية إذا قام به بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين، وتتجاهلون تعليم ما فعله فرض عين، ناهيك عن تجاهل تعليم وتدريب الشباب الإسعافات الأولية وغيرها مما يفيدهم في حياتهم الدينية والدنيوية، أم أن الحياة عند البعض خارج نطاق التغطية.

روى لي من أثق به، فأقسم أن احد أطفاله أصبح يستيقظ من النوم فزعاً مردداً، الموت يأتي فجأة، والقبر صندوق العمل، وذلك من جراء ذلك الشرح وذلك التخويف المبالغ فيه، والذي على الأقل كان يفترض فيه مراعاة سن وطفولة المتواجدين.

بالأمس كان الشباب المسجلين فقط هم من يقوم بزيارات لمغاسل الموتى وللقبور، اليوم ونتيجة الصمت المطبق على الخطأ، أصبح بإمكان الجميع مشاهدة برنامج غسل الميت وتكفينه بنفس المقر، فلم يعد هناك داع للذهاب للمغسلة الرسمية، وذلك لكسب أكبر عدد ممكن من الحضور، المؤكد أننا إذا لم نضع حداً لهذا الإرهاب النفسي المدروس بكل عناية، والجالب للمهالك والكوارث، فسيأتي اليوم الذي نرى فيه برامج غسل وتكفين الموتى تقام في مناسبات الأعياد والمهرجانات الوطنية، وأماكن الترفيه والتسلية، وإجازة نهاية الأسبوع، وبمباركة من الكبير والصغير.

أناشد الغيورين على الدين وأهله وعلى هذا الوطن الحبيب ومن سكن به أن يوقفوا مثل هذه الممارسات الخاطئة التي لم يفعلها الرسول عليه الصلاة والسلام ولا صحابته رضوان الله عليهم ولا احد من التابعين، فقد كانوا يزورون القبور امتثالاً لأمر بعد نهي مما يدل على رخصة او استحباب وعليه الجمهور بل ادعى بعضهم الإجماع.

قال معلم البشرية عليه أفضل صلاة وأزكى سلام (قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة). وبالتالي لم يكن رسولنا عليه الصلاة والسلام وصحابته والتابعون رضوان الله عليهم، يبتدعون ويمثلون حين يغسلون ويكفنون كما تفعلون، فترهبون وترعبون عباد الله، سيما والمكان ليس المكان والوقت غيرالوقت، فالمناسبة السعيدة لا تتوافق مع هذا الطرح الحزين البتة، فلكل مقام مقال.

مع العلم أن أياً منا كبيراً كان أو صغيراً إلا وذهب للمقابر على الأقل بالشهرين مرة للمشاركة بدفن قريب أو حبيب، وهذا مدعاة للتساؤل عن الهدف من التوسع والتخصص وقلب الفرح نكداً!!، ألا يكفي هذا؟!! أخوتي انأوا بأنفسكم عن هذا الغلو المنهي عنه حتى لا توصموا من قريب أو بعيد بالانتماء لتنظيم حركي سري أو غيره.

كما أن من المؤسف والمؤلم والمثير للاستغراب عدم الإشارة من قريب أو بعيد للوطن وحب الوطن وحقوق الوطن ووجوب طاعة ولي الأمر، السؤال الموجه لهؤلاء الإخوة أين هذا الوطن الكبير من كل هذه الفعاليات؟!!، ولماذا يكون التركيز على شيء دون آخر، هل ديننا العظيم يختزل بالمواعظ والخطب؟!!.

ومما يزيد من الطين بله، أن هناك من المحاضرين من يجعل من هذا المكان منبراً لبث السموم والفرقة والهمز واللمز، وهناك من يقلل من قيمة المتابعين للفعاليات الرياضية، مردداً بعض الأهازيج الوطنية الكروية بطريقة سمجة، وعلى النقيض من ذلك هناك من كان حقيقة قمة في كل موعظة نطق بها.

أيضا، من الأخطاء الجسيمة إهمال عنصر التنويع والتشويق، السؤال الجدير بالطرح، أين انتم عن مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة ذي الفعاليات المنوعة والشيقة والمسلية والمفيدة، لا لتكونوا صورة طبق الأصل منه، بل لتعلموا أثر التنويع وإشباع الرغبات في مثل هذه الفعاليات، قد يقول قائل أن التنويع والتشويق موجود بدليل أن هناك مسابقات إسلامية وجوائز إسلامية ومحاضرات إسلامية وأناشيد إسلامية وتكفين وتغسيل أموات على الطريقة الإسلامية وغيره.

الجواب على شكل سؤال وهو هل تعتقد حين تقدم لضيفك عشرة أنواع من مشتقات الألبان فقط أنك بذلك تكون قدمت له تشكيلة منوعة تفي لحاجة جسمه وترضي ذوقه، أم أن تلك الأنواع تعود لأصل واحد، فكأنك قدمت له صنفاً واحداً كما يقول ذلك خبراء التغذية، نعم هناك العاب تلعب وإن كانت بسيطة، ولكن ما كنت بصدده وما كنت انقده هو ما كان يخاطب به العقل.

أين انتم يا أخوتي من قول الحق عزوجل (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا) ناهيك عن كوننا نعيش عطلة صيفية تتطلب الترفيه والترويح عن النفس بعد عناء سنة دراسية كاملة، وليس الترويع وتحطيم النفس وإرهابها بهذا الشكل المخيف مستغلين فراغهم وحاجتهم الماسة لارتياد مثل هذا المكان.

هذا حقيقة يدعونا للسؤال عن السبب الذي يجعل فئة معينة فقط تستأثر كلية ببعض الأماكن، أين المعنيون من الوزارات ذات العلاقة عن المشاركة التي هي من صميم عملها، كيف نكون لجنة متعددة المهام للتحقيق في قضية فرديه!! ونهمل شر إهمال ما فيه مستقبل وطن وأمة، وسعادة وصلاح شبابها.

قسماً نحن بأسس الحاجة للنوادي والمراكز والملتقيات والمخيمات الصيفية، ولكن شريطة ألا ترتكب مثل تلك الممارسات النفسية السلبية، والتشددية المرفوضة، وشريطة ألا يهمش هذا الوطن الحبيب في وقت نحن بأمس الحاجة فيه لترسيخ وتجسيد حب هذا الوطن المعطاء والتأكيد على وحدة ترابه، وشريطة أن يتم التركيز على عنصر التنويع والتشويق كما يجب أن تكون معها المناسبة.

مع التأكيد على أنني لا أعمم البتة، فالمكان الذي قصدته في هذا المقال هو من طابق فعله ما كتبته، أو جزءاً منه، مع اعتذاري مقدماً لأصحاب النوايا الحسنة العازمين على تصحيح أخطائهم، أما القائمون بواجبهم على أكمل وجه فلهم كل تقدير واحترام، والهدف كما ذكرت في بداية المقال تدارك وتصحيح الأخطاء امتثالاً لقوله عزوجل (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

إذن الوسطية والاعتدال ووضوح الرؤية والمنهج ونقاء السيرة والسريرة في الداعية وفي طريقة وأسلوب الدعوة، مطلب ملح لمن يرعى تلك المراكز أو النوادي أوالملتقيات أو المخيمات الصيفية، لنكون بعون الله سائرين على طريق الخير والسداد، ونكون بالفعل دعاة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما أمر الله عزوجل