في وداع ابن عثيمين رحمه الله
في البداية أحب أن أتذكر مشاعر لا تنسى ..
مشاعر مدينة كاملة برجالها ونسائها وأطفالها .. بمختلف الدرجات والطبقات والألوان ..
ولا أريد أن أتحدث عن مشاعر الوطن كاملا والمجتمع المسلم عامة ولكن سأصف ما رأيته فقط ، رغم أنه قليل مقارنة بعالم كبير ..
وهاأنا بدأت ..
تعرفون أن الناس دائما .. يزهدون بما اعتادوا عليه .. وما ألفوه
من أي شي حتى أننا وكمثال : لا نعرف قدر الوالدين حتى نفقدهما
المهم ..
أنني كنت أرى ( بطل ) موضوعي أكثر من مره في اليوم الواحد ..
أراه يمشي على قدميه إلى الجامع وربما كان حافي القدمين أحيانا ..
وإن صادفته سلم علي سواء كنت واقفا عند اشارة المرور أوفي أي فرصة .. فأعتد على ذلك ..
وكان عندما يخرج من الجامع يخرج ومعه أناس كثيرون يتبعونه إلى أن يصل إلى منزله فعندما يصل يدخل فورا ويرجع الطلاب .. فبتصوري أنه بدخوله مباشره .. يبعث برسالة يقول فيها : إن لأهلي ولنفسي علي حق .. كنت دائما أراه والطلاب معه يجلس على كراسي وضعتها البلدية على الأرصفة مضطرا تحت إصرار الطلاب أن يكتب لهم فتوى أو أي شي .. المهم أني أراه يكتب ..
وكثيرة هي أخبار الشيخ ويعرفها المحيطين به وطلابه ومن تشرف بصحبته .. فأنا لست بواحد من هؤلاء إنما أنا إنسان عادي ..
ولأعود إلى مشاعر الحزن التي عمت المدينة ..
كان ذلك عندما بدأ رحلة العلاج .. الناس أصبح ليس لهم حديث إلا الشيخ .. في المجالس وفي المدارس وفي البيوت .. والكل يحاول أن يطمئن على صحته ..
لكن بدأ الحزن يشتد علينا عندما سمعناه يلقي درسا من الحرم ، وقد تغير صوته تماما .. عندها أحسسنا بالخطر .. وخفنا عليه
لم يطل الإنتظار حتى جاء خبر وفاته رحمه الله ..
كانت الصلاة عليه في الحرم الكي الشريف .. عندها تزاحم الناس إلي الطائرات للسفر للصلاة عليه .. وأظن الخطوط السعودية بأمر من الأمير سلطان .. قد أعدت رحلات استثنائية لهذا الغرض ..
في تلك الليلة كانت المدينة ( مدينة الشيخ ) مظلمة جدا وكان الناس يعزي بعضهم بعضا ، وهم بين مصدق ومكذب ، قد ألفوه في قبره بمكة وعادوا .. لم يصدق أحد .. انه لن يرى الشيخ مره أخرى ..
أما أنا فكان مسجده دائما في طريقي وكانت العبرات تتصارع في حلقي تكاد تمزقه من شدة الموقف ..
وكنت أرى طلابه .. يمشون كالأيتام .. كنت أرى منارات المسجد وأرى في خيالي صورته بينهما .. حزن عارم .. عم المدينة ..
كنت أتحسر على فراقه .. وعلى أني لم أسلم عليه وأصافحه إلا مرات معدودة .. خسارة وأي خسارة ..
ثم جاءت أول صلاة للجمعة بعد وفاته ..
فكانت جمعة باكية مبكية مليئة بالدموع .. لا من الإمام ولا من المصلين
الكل يخفي دمعته وبعضهم أخذ يجهش بالبكاء .. لا أنسى ذلك اليوم
الكل يبكي في الشارع وفي البيوت ..
رحمة الله ..
فرغم أني إنسان عادي لست بملتزم .. بل لدي بعض الدقة والانتباه ..
إلا أني أرى أنه وسماحة الشيخ ابن باز وغيرهما .. كانوا في فتاويهم يربطونها بالدليل لتكون الفتوى نقلا مباشرا إما من القران او من السنة .. مع الشرح المفصل والتوضيح للسائل وأخذ الإحترازات لأن لا يفهم السائل غير المقصود .. باختصار .. دقة متناهية في الفتوى ، قل أن تجدها الأن في فتاوى العلماء المعاصرين ..
فالثغرات كثيرة في فتاوى المعاصرين إلا من رحم ربي ..
ولأعود لحديثي ..
وعندما رحل الشيخ .. رأيت أناسا يتحدثون عنه وعن سيرته .. وأنا متأكد أنهم أبعد ما يكون عن الشيخ لإنشغالهم بجمع المال وغيره من متاع الدنيا .. لا أعلم من أين كان لهم الحق في الكلام عن سيرته وهم أبعد ما يكونوا عنه ..
هل هو الصعود على أكتاف العظماء ..حتى لو كانوا أمواتا ..
رغم أن هؤلاء العظماء لا يموتون في تقديري ..
لا أدري من أين لهم كل هذه الجرأة ..
المهم أننا فقدناه وإلى الأبد ..
كان شمعة تلك المدينة ومصدر فخرها ..
أرجوا أن يكون في طلابه الخير والبركة
وهم كذلك أن شاء الله ..
لكن النور قد أفل وما ذهب لا يعود
والله المستعان
أحببت أن أشارككم رغم عدم قدرتي على التعبير الجيد
وترتيب الكلام على ما يرام
لكن نمون عليكم
وسامحونا على القصور
وأتمنى أن تردوا على موضوعي
ومن له ذكريات معه ليطرحها لنتذكر هلا الطيب
أيضا / علقوا على من يرتقون على أكتاف غيرهم
وانتم أحرار في ما تكتبون
وشكرا لكم مقدما
المفضلات