[align=justify]إخوتي ، أخواتي .. السّلام عليكم ..
هذه ساحة جديدة .. نبتدئ فيها جولتنا مع كتاب الله من خلال مسرحيّة تمثيليّة غنائيّة ، كنت قد كتبتها منذ سنوات خلت بعد جولة رائعة أمضيتها في ظلال كتاب الله ( حفظاً وتجويداً ) دامت خمسين يوماً من بينها النّصف الأخير من شهر رمضان ، وقد كانت تلك الأيّام أسعد أيّام حياتي حيث ختمت القرآن الكريم كاملاً بحمد الله ونلت بعدها الإجازة الأولى في القرآن الكريم على يد مقرئة جليلة بإشراف من شيخ قرّاء دمشق برواية حفص عن عاصم عام 1993م . ممّا جعلني أطمح بعد أن تذوّقت حلاوة القرآن وسعادة القرب من أهله إلى مزيد من الفضل فأقبلت على دراسة القراءات العشر والتّدرّب عليها على يد مقرئة جامعة محدّثة كان لها دور معنويّ كبيرفي إتمامي لختمتي الأولى ونيل الإجازة فيها وفي مسيرة حياتي بعد ذلك لسنوات .
وبعد إتمامي للتّدريب قرأت ختمة كاملة غيباً على شيخ قرّاء دمشق ونلت إجازة في القراءات العشر عام 1996م خلال سنتين كنت أحلّ وأرتحل خلالهما بين حنايا السّور وعلى دروب التّرحال والسّفر .ً
ووالله ما كنت أفرح بالإجازتين منّي بفرحي بمجالسة كتاب الله وأهله الّذين أوردوني حياض كتاب الله وسقوني من مَعينه ، لأسقيَ مَن بعدي كما سُقيت، وأرويهم منه كما رويت ، جزاهم الله عنّي كلّ خير وقدّرني على العمل بما أورثوني من العلم ما حييت .
وجاءت مسرحيّتي الّتي أضعها بين أيديكم الآن نتاجاً أدبيّاً متواضعاً أمام جزيل فضل الله عليّ في حفظ كتابه والّذي حفظني أكثر بكثير مما حفظته .
أرجو أن توافونا بآرائكم القيّمة وتجاربكم المفيدة عن جولات لكم في رحاب القرآن علماً وتعليماً وعملاً ، وأتمنّى أن تشاركونا معكم أيضاً بآيات عشتم في ظلالها فأبكتم وخرجتم منها بخاطرة جميلة وكان لها أثر في تغيير مسار حياتكم ، وإن كان لديكم أي استفسارات قرآنيّة فيمكنكم أن تطرحوها في هذه السّاحة وسأحاول إجابتكم على ما أعلم منها بالمعرفة السابقة أو بالبحث في المصادر القرآنيّة الموثّقة إن شاء الله تعالى لنستفيد بذلك جميعاً ، ولنجعل من هذه المسرحيّة منطلقاً لحديث يطول عن القرآن وفي القرآن لتصير ساحتنا هذه واحة لكلّ وارد ظمآن ، يتوق لأن ينهل من معين القرآن ، رزقنا الله الإخلاص وأكرمنا بالقبول ، إنّه خير وليّ وأجود مسؤول .
وإلى لقاء قريب بإذن الله [/align]
وأترككم الآن مع :
مسرحيّة ( البيت المعمور )
تأليف : ميسون محمد قصاص
[align=justify]قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (( إنّ الّذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب )) رواه الترمذي وصدق رسول الله . وهذا الحديث يرشدنا أنّ القلب الّذي وعى القرآن بيت عامر بالإيمان وبأنوار الرّحمن وبأسرار البيان .
( تظهر فتاة وهي تحمل كتاب الله بين يديها وعلامات السّعادة بادية على محيّاها فتنشد قائلة ) :[/align]
صوتي يحلو بي ولسـاني*** حيـن أرتّل في القـــرآنِ
أقرأ أقرأ باطمئنـــــــــــان*** أتلـو فيه عن الـرّحمــــنِ
أحسبُ شيئاً هزّ كياني ***ومضى يعمر لي وجـداني
أهتف يا من أنتَ ترانـــي*** زدني حبّـاً بالقـــــــــــرآنِ
[align=justify]الفتاة 2 ( تظهر وهي أخت الأولى وتبدو على وجهها علامات الكآبة والضّجر فتقول في تذمّر ) : مالي أراك سعيدة ونشيطة منذ الصّباح ، تترنّمين وتنشدين وقد علا منك الصّياح .
الفتاة 1 : ولم لا أسعد يا أختاه ، وأنا أحيا في ظلّ الله ونعيم الله ، كتابِ الله. فتعالي لنعيش سويّاً في كنف الله وحماه .
الفتاة 2 : كفّي عن الكلام .. أريد أن أرتاح ، أريد أن أنام .
الفتاة 1 : آسفة حقّاً يا أختي منك السّماح ، لم أعلم أنّك نائمة فمؤذّننا للظّهر صاح .
الفتاة 2 : يا أختي قلت لك أريد أن أنام .. أريد أن أرتاح .
الفتاة 1 ( بحزن متوجّهة إلى الجمهور وبصوت خفيض ) : الرّاحة يمنحها ربّي من تبع هداه ، ودعائي دوماً يا أختي ( تنظر إلى أختها بإشفاق ) يهديك الله يهديك الله (تغادر وتعود الثّانية إلى النّوم من جديد ) .
الرّاوي : وتنام فتبصر في حلم بيتاً معموراً كالقصر . ( تقوم الفتاة فترى القصر وتقول في دهشة ) : ما هذا البيت المعمور ، في وسط خرابات الدّور، ما أجملَه وحدائقه .. نبتت بين أراض بور .
( صوت من وراء الكواليس يمثّل القصر ) : مهجوراً كنت فآنسني ، وخراباً كنتُ فعمّرني ، ويباباً أرضي قد كانت .. خضراءَ غدت حين سكنني .
الفتاة 2( بدهشة ملتفتة إلى الجمهور ) : بيتٌ يتكلّم واعجبا ، أرهب قلبي والفكر سبا. ( تعود لتخاطب القصر ) : من أنت أجبني الفكر صبا .. لجوابك فأنلني الأربا ؟!
( صوت من وراء الكواليس ) : أنا قلبٌ يشعر يتألّم ، وبنبضي أحيا أتكلّم ، بفؤادي المولع آهاتي ، ولساني الذّاكر دقّّاتي ، وخرابي هجران الذّكرِ ، وعماري ترتيل يسري ، وربيعي قرآن الفجرِ ، يحفظه المؤمن في الصّدرِ .
الفتاة 2 : من صاحبك المحظوظ ترى ، يا قلباً يبدو لي قصرا ، بالذّكر وبالتّّقوى عُمِرا .
(صوت القلب من وراء الكواليس ) : صاحبتي من دفعت ثمني ، شكراً لله على المنن، والصّبر على مرّ الزّمن ، وثباتاً في وقت المحن ، من هدي الله ومن سننِ .
الفتاة 2 : أخبرني من هي أخبرني .
الصّوت : هي أختك من جعلت منّي ، قصراًً معموراً بالأمنِ ، بكتاب وبذكر يغني، أغناها الله فعمرتني .
الفتاة 2 : أختي !!! ) تتوقّف قليلاً مطرِقة ثمّ تقول بأسف ) آهٍ كم كانت تنصحني، وأداء فروضي تسألني ، ولحفظ القرآن دعتني ، بنصائح غرست في أذني ، لا فوز يُنال بلا ثمن ، لكنّ القلب سها منّي ( تبكي ) .
الصّوت : لا بأس عليك ولا لومَا ، من بعد اليوم ولا ندمَا ، إن كنتِ هجرت الشّيطانا ، وقصدتِِ الله الرّحمانا ، وسيغدو قلبك عمرانا ، مثلي إن صحِب القرآنا ، والخُلُق الحسنُ سيجعلكِ ... قرآناً يحمل قرآنا .
الفتاة 2 : قرآن الله أيا نورا ، للقلب وأمناً وحبورا ، آنس لي قلبي المهجورا ، واجعله بهديك معمورا .
القرآن ( مخاطباً الفتاة ) : قد جئت بأمر الرّحمنِ ، لأنير ظلام الأكوان ، ولأحيي قلب الإنسان ، بهداي وسحر التّبيان ، وإليك أتيت بدعواتٍ ... من أختك في جوف السّحَر، هي ذي آياتي في السّطر ، ضمّيها حفظاً في الصّدر، واتليها في وقت الفجر ، صونيها عن فعل نُكرِ ، وأديمي استغفار السّحَرِ ، تُحفظ في القلب وفي الفكرِ ، وقيام اللّيل بآياتي .. شرفٌ وضياء للقبرِ .
الفتاة 2 : ستكون فخاري ومناري ، في اللّيل وأطراف نهاري ، وأنيسي في الوحدة لمّا .. يتركني كلّ السّمّارِ .
القرآن : سأنادي جندي ترعاك ، وترافقك في مسعاك .
الفتاة 2 : أو عندك جند تحرسني ، برعاية ربّي تكلؤني .
القرآن : مادمتِ معي لن ينساكِ ، ربّي والملكُ سيرعاك ، وجنود يمنحهم ربّي... منّي ليبارك مسعاك ، فهلمّوا يا جند الله ، لبّوني وبإذن الله .
(جنود ثلاثة يدخلون قائلين ) : لبّيك يا وحي الإله , لبّيك نوراً من سناه .
القرآن ( يلتفت إلى جنديّ الرّحمة مخاطباً إيّاه قائلاً ) : هيّا يا جنديّ الرّحمة، عرّفها الشّكر على النّعمة ، وارحمها في ضعفٍ واجبر .. خاطرها وامنحها البسمة
الفتاة 2 : يا ربّ اغفر وارحمني ، وارفع فضلاً وزري عنّي ، واجبر كسري واقبل منّي ، من يا رحمن سيرحمني ، إلّاك ومن ذا يقبلني .
جنديّ الرّحمة : من يرحمْ يرحمه الله ، وأرافقْه في مسعاه ، كي يقبس من نور سناه ، ويطيب من الخير جناه ، فالرّحمة صفة لرحيم .. وسبيل لجِنان الله، لكنّ الظّالم لا يُرحم ، وبِنعم المولى لا ينعم ، فمع الظّالم أصبحُ نقمة ، وخساراً يزداد وغمّة .
الفتاة 2 : ومن الظّالم في القرآن .. يا رحمة ربّي الرّحمن ؟
جندي الرّحمة : الظّالم من يدعو ربّاً .. غير الرّحمن ويرجوه ، أو يظلم نفساً بمعاصٍ.. لعذاب جهنّم تدعوه ، أو من لا يرحم إنساناً .. أو أحداً من خلق الله ، فيلاقي خزياً وعذاباً .. في دنياه وفي أخراه ، والظّلم ظلام في القلب.. والرّحمة نور وحياة ، ودعاء المظلوم كسهم .. لا يخطئ أبداً مرماه .
الفتاة 2 : جنّبني يا ربّ الظّلمَا ، كي أحيا أيّامي سلما ، لا أظلم نفسي بذنوب.. أو غيري فأذوق النّقمَا .
القرآن ( يلتفت إلى جنديّّ الهدى مخاطباً إيّاه ) : أنت الهدى سر قبلها ، وعلى الحقيقة دلّها ، والباطلَ اكشفه لها ، كي لا تزلّ بسيرها .
الفتاة 2 : حمداً لربّي قد هدى ، قلبي فصار موحّدا ، لأرى الرّشاد فأتبعه ، والغيَّ أخشى كالرّدى .
جنديّ الهدى : لكن حذار من الهوى ، من يتّبعْه فقد هوى ، وبه أصير ضلالة .. من بعد ما كنت الهدى ، ويظنّ صاحبه بأنّه مهتد .. وتضيع عقباه سدى .
الفتاة 2: أبعد فؤادي يا إلهي عن هوى ، يضلله من بعد الهدى ، وامنحه عزماًً صادقاً.. في توبة طول المدى .
القرآن ( يلتفت إلى جنديّ الشّفاء قائلاً ) : تعال جنديّ الشّفاء ، وداوها من كلّ داء ، وكن طبيب فؤادها .. والجسم من كلّ ابتلاء ، واشرح لها صدراً.. وجنّب قلبها عيش الشّقاء .
الفتاة 2 : الحمد لله الّذي يحييني ، وإذا مرضت فإنّه يشفيني ، لكنّ عافية الفؤاد رجائي ، فهي السّبيل إلى كريم جزاء .
جنديّ الشّفاء : فلتكثري إذاً الدّعاء ، حتّى يتمّ لك الشّفاء ، وخذي النّبيّ وسيلة.. في كشف ضرّك والبلاء ، إذ لا سقام ولا عذاب مع النّبيّ ولا شقاء ، فهو الأمانُ كذا الرّجاء ، وأمانك الثّاني دعاء ، بنيل غفران الإله ، ما خاب يوماً من دعاه، فتوجّهي في كلّ حين ، للخالق المولى المعين ، بحال صدق مع يقين ، فأنا شفاء الصّادقين الموقنين المخلصين .
الفتاة 2 : يا ربّ ألهمني الدّعاء ، واحفظ فؤادي من شقاء ، وامنحه من برد اليقين ، ما يثلج الصّدر الحزين . ( تلتفت إلى جند القرآن قائلة ) : هيّا يا جند القرآن ، معكم أصل لبرّ أمان .
القرآن : أتُراك تصونين الصّحبة ، كي يحيا أملٌ لا خيبة .
الفتاة 2 : طبعاً سأصون الصّحبة ، وأكون عند الرّغبة .
القرآن : فعليكِ بالدّليل ، في دربك الطّويل ، كي يهديَك السّبيل .
الفتاة 2 : أمَعَ الجنود أكون .. في حاجة الدّليل .
القرآن : الملَك وهؤلاء ( مشيراً إلى الجنود ) هم من جند السّماء ، ولو كانوا يغنون .. ما جاء الأنبياء .
الفتاة 2 : عصر النّبوّات انقضى ، فكيف نرجع ما مضى .
القرآن : عليك بالدّعاة .. لله والهداة ، كذلك العلماء ، ورّاث الأنبياء ، هم جند الله في أرضه .. يمددهم جند سماء .
الفتاة 2 : أوَلستَ تمنحني الهدى .. تهدي به فكري الضّليل ؟ أو لست تمنحني الشّفا .. تشفي به قلبي العليل ؟ وبرحمة المولى تزيل الذّنب والوزر الثّقيل ؟ فما دور الدّليل ؟ فما دور الدّليل ؟!
القرآن : من ذا يجنّبك الهوى .. حتّى يُصان لكِ الهدى ، كي لا يصير ضلالة.. وتضيع أعمال سُدى ؟!.
من ذا سيعلّمك الرّحمة إلّا من يدعو لرحيم ، لتنالي الرّحمة لا النّقمة .. وتعيشي في دار نعيم ؟!.
من ذا يعلّمك الدّعاء .. والنّفس يحيي بالرّجاء .. حتّى يلازمك الشّفاء ؟!
فلكي يُصان هداي .. ورحمتي وشفاي ، لا بدّ من محبّة لقدوة وصحبة ، فأنتِ مثل الطّير .. يحتاج لجناحين ، لكنّ الواحد بسماءٍ .. لله ترفعين ، والآخر في أرض الله .. لعباده تضعين ، فوطّني الفؤاد .. دوماً على المحبّة ، واختاري للمسير.. في الله خير صحبة .
( يخرج الجميع ويُسدل السّتار ، ثمّ يفتح لتظهر الفتاة نائمة ، تستيقظ وهي سعيدة تترنّم فرحة ) :
ناداني صوتُ القرآن**** أصغى قلـــبي والآذان
أنساني كلّ الأحزان****أحيا في قلبي الإيمان
قال : اقرأ باسم الرّحمن
( تدخل الفتاة 1 أثناء غناء أختها متعجّبة من السّعادة التي تبدو على أختها وتبدي فرحها بذلك ثمّ تلتفت إلى الجمهور وهي تقول باسمة )
الفتاة 1 : سبحان مغيّر الأحوال ، ما بين طرفة عين وانتباهتها يغيّر الله من حال إلى حال !!
( تنتهي الفتاة 2 من أغنيتها فتقع عيناها على أختها فتخاطبها الأولى مستعيدة بعضاً من عبارات أختها الّتي كانت تخاطبها بها )
الفتاة 1 : ما لي أراك سعيدة ونشيطة هذا النّهار ، تترنّمين وتنشدين .. مثل البلابل والأطيار ؟!
الفتاة 2 ( معيدة عبارة أختها ) : ولم لا أسعد يا أختاه ، وأنا سأحيا في ظلّ الله ونعيم الله ، كتابِ الله .
الفتاة 1 : في ظلّ اللّه ونعيم الله ، كتاب الله ، كم يُفرح هذا يا أختاه ، لكن ما سرّ التّغيير ، وشعورٍ بالفرح كبير .
الفتاة 2 : هو حُلُمٌ لا كالأحلام ، هو نورٌ من بعد ظلام ، تذكرة عبر الأيّام ، أحياني من طول منام ، أنساني كلّ الآلام ، خاطبني فيه القرآن ، زيّن لي درب الإيمان ، كرّه لي سبل العصيان ، لأعيش بسلم وأمان ، في صحبة أهل الإيمان ، وعباد الله الرّحمن ، وأفوز بجنّة رضوان .
الفتاة 1 : أسعدك الله الرّحمن ، أسعدك الله الرّحمن . ولنمض سويّاً يا أختي، ولنحيَ بظلّ القرآن ، في صحبة أهل الإيمان .. ( تمضيان ويسدل السّتار ) .[/align]أغنية من وراء الكواليس :
ما أحلى أن يحيا قلبٌ **** عمراً في ظـلّ الإيمــــانِ
وأناسٍ أنفسَهم نذروا **** يُدعون عبـاد الرّحمــــــــنِ
قرآن الله مصـاحبهـــم **** في إصبـــــــاحٍ والأســحارِ
يعطون النّصح بلا ثمنٍ **** من يرجو التّوبَ من البـاري
فسبيلُ نجاةٍ في حقٍّ **** يُسـقى من كأس الأبرارِ
-----------------------------------------------------------------------
المفضلات