--------------------------------------------------------------------------------

العرب وسياسة الفئران

مقال للدكتور
د. نصر محمد عارف

استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- مصر




في كل أزمة تلمّ بأمتنا العربية أو بأحد أقطارها، أجدني مستحضراً تلك الأسطورة التي تعودت سماعها في الصغر من حكماء القرية القابعة في حضن جبل في أواسط صعيد مصر حيث يكمن المخزون القيمي للمجتمع المصري على حد تعبير لويس عوض. فقد اعتاد الكبار تعليمنا ألا ننشغل بالخلافات الداخلية بين أفراد العائلة عما يترصدنا من مخاطر خارجية. فعادة ما يتلهى صغار العقول أو ضعاف النفوس أو قصيري النظر بخلافات داخل الوحدة الاجتماعية التي ينتمون إليها، سواءً أكانت عائلة أم جماعة أم أمة، عن مخاطر جمة قد تؤدى بهم جميعاً، وعادةً ما تكون هذه المخاطر قادمة من خارج حدود كيانهم الاجتماعي الحضاري.



والأسطورة يا سادة يا كرام تقول: إنّ فلاحاً تأذى من الفئران التي اعتادت أن تتلف زراعته وتقضى على محصوله الذي أفنى نصف عام من عمره وعمر أسرته في رعايته والعناية به. لذلك قرر أن يضع لها شراكاً كبيراً يصطادها جميعاً. وحينما تمّ له ذلك وضع جميع الفئران في "جوال" وهو كيس كبير من القماش السميك أو الصوف ثم وضعها على ظهر ****ه وسار بها مطمئناً ليدفنها في الجبل، وفي الطريق قابله شيخ كبير، فبادره الفلاح الشاب بالتحية والسلام وردّ الشيخ تحيته ثم سأله عما يتحرك داخل الجوال المحمول على ظهر ال****، فقصّ عليه قصته فتبسم الشيخ ساخراً من سذاجة ذلك الشاب قليل الخبرة، حسن النية الذي لم تصهره التجربة ولم تعتركه الأيام بعد. ثم قال الشيخ: ألا تعلم يا بني أن الفئران قد تعمد بأسنانها إلى هذا الكيس فتقطعه إرباً ثم تخرج منه وتهرب في الحقول المجاورة للطريق فتؤذي إخوانك الفلاحين وتتلف مزروعاتهم. فردّ الشاب وماذا أفعل لأمنعها من القيام بذلك. فقال الشيخ: طريقة بسيطة يا ولدي: عليك أن تهزّ أحد جانبي الكيس هزة قوية ثم تهز الجانب الآخر بنفس الطريقة، فتعجب الشاب من هذا الفعل العبثي، وبادر متسائلاً: ولماذا أفعل هذا يا عمي؟ فقال الشيخ: لأنك إذا فعلت هذا ارتطمت رؤوس الفئران وأجسادها بعضاً ببعض وظن كل واحد منها أن الفأر الآخر قد ضربه فيمسك بخناقه ويرد له الضربة ضربتين، وبذلك تنشغل الفئران بالعراك فيما بينها وتتلهى عن قرض الكيس والخروج من سجنها الذي سيقودها إلى حتفها ودفنها في رمال الجبل الملتهبة. وفعل الشاب ما نصحه به الشيخ ووصل بالفئران إلى الجبل وهناك قضى عليها مرة واحدة.



هذه القصة الأسطورية تزاحم كل النظريات السياسية التي تعلمتها على مدى ربع قرن عندما أتابع الصراعات العربية-العربية سواءً داخل الدول العربية أو فيما بينها. وأجدني متسائلاً هل نحن أمة من العرب أم أمة من الفئران، وأعتقد أننا للثانية أقرب. فقد صار واحداً من خصائصنا ذلك البعد الفأري الذي صبغ السياسة العربية منذ قيام الدولة العربية الحديثة إلى اليوم.




المقال طويل ورائع وقد اكتفيت بنقل هذا الجزء المهم منه وهو من اهم المقالات التي احببتها اثناء المرحلة الجامعية

تحية شمرية طائية

القدس