لبـّـاد هو الإسم المستعار الذي استخدمه أحد أهم فرسان الجزية العربية للتخفي
خلف هذا الإسم في أحد قصصه الكثيرة والمثيرة على مستوى طول وعرض جزيرة العرب
قبل ثلاثمائة وخمسون عام من الهجره تقريباً . .
لبـّـاد هو الإسم الذي تقمصه الشيخ الأسطوره/ شايع بن مرداس الشمري والمعروف بشايع الأمسح
الذي عاش في منطقة جبه حوالي 100 كيلو شمال غرب مدينة حائل ..
وهو من أهم رجال جزيرة العرب في زمانه حيث إتصف بالشجاعة والشهامة والكرم ومعرفة الطرق
ومواقع المياه وتضاريس الجزيرة والحدود الإدارية لكل قبيلة حيث كان كثير الغزوات والصولات والجولات
على تلك القبائل مما اكسبه شهرة واسعه بين الناس ..
وفي ذات يوم دبّ بينه وبين زوجته "وهي من أجمل بنات قومها"خلاف حيث هزبها بجمال إحدى
بنات شيوخ القبائل الشهيرة
بقوله ( لو كنتِ بمثل جمال فلانه لكان لكِ كذا وكذا ) فقالت بدورها لو كنت أنت بمقام والدها
الشيخ فلان لكان لك ماطلبت وأصبح بينهم تحدي على أن يثبت كل منهما أنه أجدر
مما هزب به ..
وعزف الشيطان بينهم "سيمفونيته " مما أدى إلى أن أقسم كل منهما أن يثبت للآخر أنه
أكفأ من ماهزب به .
وعلى ضوء ماتقدم نوى الشيخ شايع الأمسح أن يخوض غمار هذا التحدي ويثبت لزوجته
أنه أدهى وأشجع وأكفأ من ذلك الشيخ وفي نفس الوقت أراد لزوجته فرصة رؤية ومقابلة إبنة
ذلك الشيخ ومعرفة مدى التميز بينهما ..
وعلى ضوء ذلك قرر شايع الأمسح أن يجد حيلة تمنحه فرصة الوصول لهدفه دون أن يعرف
بإنه شايع الأمسح فاتفق مع زوجته على أن ينتقلوا من ديارهم إلى مضارب تلك القبيلة
والنزول عند الشيخ المذكور تحديداً فبدى له فكرة أن يسمي نفسه لبّـاد للتمويه والتغطيه
فأخذ من وبر ناقته ووضعه فوق عينه التي قيل عنها إنها مسحى وربطها وأفهم زوجته بإنه
من الآن سوف يكون إسمه لبّـاد وأنه رجل بسيط لكي يتمسكن حتى يتمكن وبناء عليه
نزل شايع الأمسح بهذا الإسم المستعار على الشيخ المذكور فأمر زوجته بإذن تنزل خلف بيت
الشيخ نفسه وعندما حاول الشيخ أن يكون منزلهما بجانب البيوت رفضت بإعاز من لبّـاد لقولها
إن زوجي هذا إبن عم لي مسكين " على قد حاله " وإختار أن ينزل هنا ومن الصعب إقناعه
فدعونا حيث نزلنا في كنفكم بارك الله فيكم .
كعادة العرب عندما ينزل عليهم أحد يقومون بإكرامه وعندما استدعوه للعشاء أتى على استحياء
وجلس في طرف المجلس فطلبو منه أن يتقدم في صدر المجلس فرفض قائلاً أنا دائماً أجلس هنا
فاعتبروه رجلاً مسكين وتركوه في حاله وعندما تم تحضير الطعام طلب منهم أن يتعشى عند
زوجته حيث قال أنا أحب ان آكل عندها دائماً فلبّو له رغبته فذهب إلى بيته ..
فأمر الشيخ إبنته بأن تجلب الطعام لجارتها الجديده وزوجها
وعندما حضرت إبنة الشيخ إلى بيت لبّـاد طلبت منها زوجة لبّـاد بإن ترقص معها ويتسامرن
وأن يكون لبّـاد هو الحكم بينهما .. ففعلتا وعندما غادرت إبنة الشيخ إلى بيت والدها
سألت زوجة لبّـاد زوجها ماذا رأيت ومن هي الأجمل منّا ؟
فكان جوابه إن زوجته قد تميزت فعلاً على تلك الفتاة وقد إنتهى دورها لإثبات ماراهنت عليه
وبقي دور لبّـاد بإن يثبت تميزه على شيخ تلك القبيلة الذي هزب به فطلب من زوجته
أن تمهله حتى يحين موعد أول غزوه لتلك القبيلة لكي يغزو معهم ويثبت لها بإنه الأجدر والأكفا..
وفي ذات يوم نادى شيخ تلك القبيلة بجماعته على مأدبة عشاءوأخبرهم بإنه عقد العزم على
غزو ومهاجمة أحد القبائل البعيده عن مضاربهم طلباً لكسب العرب في ذلك الوقت ..
حيث كانت الدنيا بينهم سلب ونهب .. وكعادة الشيخ عندما يكون عنده مأدبة عشاء يرسل
جزء منه لجاره لبّـاد وزوجته ففعل .. عندها طلب لبّـاد من زوجته أن تذهب إلى الرجال المجتمعين
للتشاور في أمور الغزو وبيدها قطعة لحم وأن تقول لهم " من ياكل هذه اللحمه ويضع زوجي لبّـاد
في وجهه أريده أن يغزو معكم وأخشى من أن يعتدى عليه لو كسب حاجه أو رزقه الله في شي
ويؤخذ منه وفي نفس الوقت لاأريد من أحد أن يساعده على شي أو يعطيه شي بل أريد حمايته
وحماية مايكسب بنفسه " ..
هنا حسّ الرجال بإنها تنخاهم وتهزبهم من الذي يستطيع حماية زوجها المسكين من غيرة
وفضول وطمع أي انسان من ضمن المشاركين بالغزو ..
فتناظرو الرجال في وجيه بعض فقام أحد الرجال المسنودين والمدعوم بحاشية قويه ومهابه
فأخذ اللحمه من يدها وأكلها أمام الجميع وقال لهم أمام شيخهم إننا نحن آل فلان نكفل
ونتعهد بحماية لبّـاد ومايطيح بيده من كسب من أي اعتداء من أفراد هذه الغزوه فله مالنا
وعليه ماعلينا .. فإحترم الجميع هذه الشجاعه وهذا العهد ..
وفي ساعه مبكره من صباح ذلك اليوم مشت الغزيه على بركة الله وبصحبتهم لبّـاد على ذلوله
العوصى المسماة " البويضا " فإتجهوا إلى ديار إحدى القبائل في أطراف جزيرة العرب وفي أثناء
الطريق حصل للقوم تعب ونوع من الإرهاق وندرة الماء ..
وعند ذلك قال لهم لبّـاد أنا أعرف بئر ماء ليس ببعيد منّا وهو مغطّى ويكون ماءه في مثل هذا الوقت
وافراً وبارداً فالتفت الجميع نحوه بين المصدق والمكذب ..
سائلينه عن صحة كلامه فقال " نعم " وقالو هيّا ارنا إياه إن كنت صادقاً
فقال لهم " لابأس لكن لي شرط واحد وهو أن تسقون ذلولي وتروون قربتي أولاً "
فإنزعج الشيخ وجماعته من هذا الشرط الغير منطقي فكيف أن يقدم إنسان عادي على
عقيد القبيله وزعيمها المهاب .. فقال لبّـاد أنا على شرطي وأنتم لكم الخيار إن اردتو الماء
وإن اردتوا الضماء .. فأنا واحد منكم ولن اصبح اهم منكم عند نفسي فلمّا أحسوا بجديته
وإصراره على الشرط المزعج وافقوا عليه خوفاً من الهلاك ..
هنا جاء دور الجماعة الذين كفلوا لبّـاد فقالو " ترونا نضمن للبّـاد شرطه إذا أنتم وافقتم على
أن يدلكم للماء محذرين إياهم من عدم التعرض للبّـاد فوافقوا على ذلك "
هنا لبّـاد أطلق الرسن للبويضا فدرهمت للماء حتى وقفت عليه فأشال غطاء البئر واسقى ذلوله
وملأ قربته وترك الماء لهم .
بعد ذلك واصلوا السير بإتجاه هدفهم وعند اقترابهم لمضارب تلك القبيله طلب الشيخ التوقف
للمبيت وإنتداب اثنان من جماعته للتحري عن إبل تلك القبيلة ومكان مبيتها ..
بعد مدة معينه عاد الأشخاص المنتدبين دون أن يعرفو مكان مبيت إبل تلك القبيلة ..
فبعث شخصين آخرين فبعد غياب الشمس وحلول الظلام عادا الاثنان الآخرين كما ذهبا دون
معرفة مكان مبيتها ايضاً ..
هنا بدى الإحباط والوجل يدبّ على الشيخ وجيشه .. فقام لبّـاد وطلب من الشيخ أن يسمح له
بالذهاب لمعرفة مكان الإبل بعد تردد وتحفظ ومناقشة سمح له بالذهاب بشرط أن لايكون سبب
الإستدلال عليهم فوافق ووعدهم بإن لايفعل ذلك ..
ذهب لبّـاد لأحد البيوت الطارفه من القبيلة المقصوده وتخفى به ولم يكن فيه أحد لحظتها
ملاحظه " إن شايع الأمسح كان محظوظاً وموفقاً جداً " وبعد ان مكث وقت قصير في ذلك البيت
فإذا بإمراة ورجل قادمين إليه من البيت الذي يليه ولدى وصولهما إلى بيتهما الذي كان فيه
شايع الأمسح " لبّـاد " وقفت المرأه وطلبت من زوجها أن يعطيها المحزم والسيف ففعل فقالت
له " انا شايع الأمسح فإخبرني ياهذا اين الإبل الليله وإن لم تصدقني القول فسوف أقتلك بسيفي
هذا " وبما أن زوجها يعرف مكان مبيت الإبل ويعرف أن زوجته تعرف ذلك فقال لها ياشايع إن الإبل
موجوده في المكان الفلاني ولايوجد معها إلا الرعيان فلي طلب واحد أن تترك إبلي التي توجد
في شرقي مجموع الإبل ومعها جمل أوضح وراعيها عليه عباءه حساويه فضحكت الزوجه والزوج
وتمت التمثيليه وخلدا إلى فراشهما "
عندها خرج شايع من البيت وذهب إلى القوم وأخبرهم بإنه وجد الإبل وهي كثيرة جداً وليس
معها إلا الرعيان فإنذهل الجميع بين التصديق والتكذيب والفرح والخوف فقالو هيّا بنا لها فقال بشرط
فقالوا ماهو شرطك يالبّـاد فقال أن يكون لي العزل والعزل هذا هي عشر من خيار الإبل تعطى
عادة لعقيد الغزوه وشرطي الثاني ان أترك ماأردت أن أتركه من الإبل وهي نسبة بسيطه لاتساوي
1% من تعداد الإبل فتشاور الجميع وبعد هرج ومرج وأخذ ورد وافق الجميع على شروط لبّـاد بكفالة
كفلائه المذكورين ..
فذهبوا لمكان الإبل ووجدوها كما ذكرها لهم لبّـاد .. فأقفوا عليها بالليل مواصلين المسرى
تاركين وراءهم إبل المعاريس التي شرط عليهم لبّـاد أن لايؤخذوها حسب طلب المعاريس
في تمثيليتهم المشئومه فرجع صاحب الإبل إلى أهله وفي نفس اليوم الذي أعاد فيه الإبل
المشروطه رجع لبّـاد إلى مضارب القبيلة التي أخذت إبلهم فوجدهم في نزاع
مع أصحاب الإبل التي تركت في مكان مبيت الإبل ولم تؤخذ فحلّ عليهم ضيفاً وقال لهم لقد
قابلت إبلكم المسلوبه وعلمت أن سبب ترك هذا القطيع من الإبل هو مزاح حصل بين صاحب
هذه الإبل وزوجته في ليلة أخذ الإبل وذكر لهم التمثيلية التي دارت بين الزوجين ..
هنا ازاح عن صاحب الإبل تهمة الخيانه وأن الحدث حصل بمحض الصدفه .. على اثر ذلك قام
صاحب الإبل المستثناه من السلب فأهدى عليه الجمل الأوضح وعليه الظلّه ( الهودج)
جزاء له على تبرير ماحصل وتبرئة ساحته من تهمة الخيانه ..
هنا لحق لبّـاد بالقوم ومعه جمل الظلّه فوجدهم سالكين طريق غير طريقهم السابق بقصد التمويه
والتظليل لمن يبحث عنهم وفي منتصف طريق العوده حصل لهم ماحصل لهم في طريق الذهاب
من العطش وقلة الماء وهنا اقترح عليهم لبّـاد لأنه اصبح مرجعيه مهمه عند الصعاب فسألوه
عن ماإذى كان يعرف بئر ماء قريب فقال لاأعرف شي في هذه المنطقه لكن لدي رأي وهو أن
نجمع مامعنى من ماء ونعطيه للشيخ لكي يؤمنه بالذهاب إلى اهلنا ويرسل لنا من هناك
بالمدد فاستحسن الشيخ الفكره وقال لجماعته " امشو على راحتكم بالاتجاه وانا سوف
أحث الخطى والسير إلى اهلنا وسوف اوافيكم بمن يسعفكم إن شاء الله " طالباً منهم الوصايا
فكل منهم أدلى بدلوه سلم لي وسلم لي فلما جاء دور لبّـاد فقال سلم لي على زوجتي الغاليه
وقل لها " إن لبّـاد جالس على جباه ويخض رجله بماه ويويله اللي دهاه مات هو واخوياه "
فضحك الشيخ من هذه الوصيه الغير واضحه إلا أن لبّـاد قال له إن زوجتي تفهم معنى كلامي..
فمضى الشيخ وعندما أصبح بينهما مسافة يوم من الزمن قال لبّـاد للقوم لقد تذكرت أن هناك
بئر ماء في جبل قريب إنه عباره عن نقر في صفاه يكون عادة ملئ بالماء البارد في مثل هذا الوقت
فطلب الجميع من لبّـاد أن يدلهم على الماء فكان له نفس الشرط السابق فقبلوا دون تردد فأسقى
ذلوله وملئ قربته وواصلوا مسيرهم إلى اهلهم .. إلا أن الشيخ قد وصل قبلهم بساعات وكاد أن
يجهز المدد لولا أن زوجة لبّـاد طلبت منه التريث حيث فسرت له كلام زوجها بإنه جالس على
مقربة من الماء حيث قال جالس على جباه "اي على جال الماء" وأخض رجلي بماه " دلالة عن
قرب الماء" وفعلاً في عصر ذلك اليوم ظهرت الإبل كالغيوم فهنا إشرئبت الأنظار نحوها ولدى اقترابها
من القبيلة أوقفوها وعزلوها فكانت إبنة الشيخ تعرض على زوجة لبّـاد قبول الجمل الأوضح الذي
عليه الظلّه حيث كان يتقدم نقوة الإبل "العزل" معتقدة إن هذه حصة والدها عقيد وشيخ القبيلة
فبادرتها زوجة لبّـاد بقولها " وش رايتس إن تقبلينه مني هدية لكي على حسن الضيافة حيث
اعتقد جازمة إن العزل وجمل الهودج هما من نصيب لبّـاد " وفعلاً كان اعتقادها صحيحاً ..
هنا انصدم الشيخ وطلب من لبّـاد الكشف عن شخصيته حيث بدى من تصرفاته ودهاءه وحكمته
وشجاعته ومعرفته للديار إنه ليس بالرجل البسيط والمسكين كما ادعى ..
هنا طلب لبّـاد الأمان واعطاءه ثلاثة أيام للمغادرة تاركاً وراءه كلما كسبه للشيخ لقاء الكشف عن
هويته وسبب تخفيه .. فقبل الشيخ إعطاءه الأمان سواء أن يغادر أو يقيم ..
فأخبره بإنه الشيخ / شايع بن مرداس الشمري .. وهنا حمد الشيخ المذكور ربه على إنه
لم يتغلب عليه إلا داهية العرب شايع الأمسح وشكره واثنى عليه وهنا رجع الشيخ
شايع الأمسح إلى قبيلته كاسباً الرهان وحرمه المصون .. وهنا انتهت القصه
آسفاً على عدم ترتيبها وتنسيقها بالشكل الملائم لإننا نعرفها كقصه من سواليف زمان
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المفضلات