الشعراء الصعاليك جوهرة في تاريخ الأدب الفني
وتاريخ العروبة
لقد كان موضوع الشعر اء الصعاليك في تاريخ الأدب العربي موضوعا مهما أكثر من أي موضوع آخر في هذا المجال ... واعتقد شخصيا أن الاضطهاد الذي لحق بتاريخ شعراء الصعاليك لا يوازيه من حيث السوء والتشويه والإهمال و الاضطهاد الذي لحق اجتماعيا بتاريخ القرامطة على ما في التاريخين من اختلاف وما فيهما من تشابه أيضا .
إنني أؤمن بأن الطريقة الأجدى لدراسة الأوضاع الاجتماعية القبلية في الجاهلية وصدر الإسلام هي في ملاحقة الآثار الشعرية الهائلة التي خلفها الصعاليك فهؤلاء كانوا بالفعل يمثلون حركة التمرد الثورية على البناء الطبقي العرقي والاجتماعي للقبيلة ... وبالتالي نحن لا نستطيع أن نأخذ صورة عن الحياة الاجتماعية لعرب يعيشون باطمئنان داخل البناء والجهاز التقليدي للقبيلة ... والذين كانوا يرون فيه نموذجا لا يمسه الباطل ولا النقد .
صحيح أنه كتب الكثير عن الصعاليك ولكن هذه الكتابة كانت شيئا يشبه تاريخ إذاعة بيروت من لبنان لحركة الثورة في الفيتنام الجنوبية أو تأريخ هوليوود لتأريخ الهنود الحمر . فقد انصب التقليديون على تشويه الصعاليك والنيل منهم واعتبارهم مجرد قطاع طرق لا يمثلون على الإطلاق ظاهرة أعمق من ذلك بكثير على صعيد طبقي واجتماعي وقبلي وفي رأيين أن شعراء الصعاليك كانوا صوت الضمير الحي والشجاع للثورة وطلائع حركات تقدمية كان من سوء حظها وطالعها أن تفشل دائما, كانوا يمثلون رفض المضطهدين للاضطهاد وثورة المسحوقين اقتصاديا واجتماعيا وعرقيا على الطبقة الارستقراطية المتحكمة بالرزق والدم وبسطوة التقاليد المتهرئة والتحكم الطبقي , أما على صعيد فني فالمسألة أخطر من ذلك بكثير فلقد تمرد هؤلاء الرجال على البنيان الاقتصادي والطبقي وأحيانا العنصري في القبيلة وبالرغم من ذلك كانت القبيلة هي القانون وهي الحماية الوحيدة للإنسان في الصحراء الوحشية الخالية المخيفة , فانهم لم يختاروا أن يستبدلوا موقفهم العقائدي بالاطمئنان القبلي . وتمردوا على القبيلة وخلعوا منها ومن حمايتها وطردوا من اطارها فانطلقوا الى الصحراء العميقة الموحشة كل منهم بحصان.... وموقف ....... وسيف واحيانا بسيف وموقف فقط ليظلوا قادرين على الالتزام بايمانهم والتعبير عنه بالقوة وبتحطيم هيبة المؤسسة القبلية
ان اسماء مثل تأبط شرا ,,,,, والسليك بن السليكة ........ وعروة بن الورد ....... والشنفرى لهي اسماء شريفة وعملاقة في تاريخ الكبرياء العربي ,أكثر بكثير من زهير بن ابي سلمى وأكثر حتى من عنترة
فوراء هؤلاء كانت توجد قضية : قضية طبقة , أو قضية لون , او قضية رأي وكان التزامهم بهذه الغضية يدفعهم للقتال من أجلها حتى لو أدى ذلك الى تكتيل العالم العالم القبلي برمته ضدهم , الامر الذي كان ينهيهم دائما لموت بطل ومتوحد في صحراء مجدبة لا ترحم .
لقد كانوا أصحاب رأي تقدمي ثوري ومقاتلين من اجله الى حدود الوحدة والموت , وكانوا كذلك رجال حروب العصابات الصحراوية , ولكنهم فوق ذلك كله شعراء من الطراز الاول فيجب ان نبحث في حياتهم بطولة الثوري العتيق بعيدا عن الفهم التقليدي الرومانطيكي لهم ورد الاعتبار للقيم التي مثلوها ببطولة
ان اصغر واحد من هؤلاء الشعراء هو نموذج مكبر للوركا وصوته أكثر شجاعة وجرأة من أصوات الشعراء الثوريين المعاصرين وحياته أكثر زخما من حيوا تهم فمرفوضة النظرة اليهم على أساس أنهم لصوص مخلوعون لا يكترثون بالقبم الاجتماعية المعلنة آنذاك ,فالدعوى وراء الصعلكة موقف تقدمي ثوري ,وهي ملامح ثورة مبكرة ترفض الانسحاق ففي تاريخنا الثوري فئة طليعية رفضنا الاعتراف بثورتها الأصيلة 12 قرنا.
.......................
من اقوال الشهيد الاديب غسان كنفاني
تحية شمرية طائية
القدس
المفضلات